الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب:70-71، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
فضل الحياء
أيها الإخوة المسلمون: لقد جاء شرع الله فيه تبيان لكل شيء، عام لجميع البشر، صالح لجميع الأزمنة والأمكنة، ليس فيه تفريط في شيء من الأشياء، ما ترك مجالاً من مجالات حياة البشر إلا وبين فيه الدواء الشافي، والبلسم الكافي لعلاج جميع الأدواء والأمراض.
وسنتكلم -أيها الإخوة- في هذه الخطبة إن شاء الله تعالى عن قضية كادت أن تضمحل من نفوس الناس في هذا اليوم، وبالذات في نفوس نسائنا، هذه المسألة هي زوال الحياء من قلوب النساء، وهي مشكلة كبيرة في حد ذاتها سببت كثيراً من الإفساد في عالم المسلمين، وما كان من سبب لهذا الفساد، وذهاب هذا الحياء إلا تنحية الشريعة، والابتعاد عن منهج الله جل وعلا، وتقليد الأمم الكافرة، وانطبقت فينا علامة من أمارات الساعة التي أخبر رسول الله ﷺ أنها ستقع، وهو اتباع سنن الكافرين حذو القذة بالقذة.
الحياء لا يأتي إلا بخير[رواه البخاري (6117)]، كما أخبر رسول الله ﷺ، وما كان الحياء في شيء إلا زانه[رواه الترمذي (1974)].
والحياء -أيها الإخوة- أحد شعب الإيمان، وهو من أعمال القلب، وإذا نُزع هذا العمل القلبي من قلب فقد تودع من صاحبه، والسلام عليه.
تمشي على استحياء
وقد أشار القرآن الكريم إلى قصة من قصص من مضى من الأنبياء من قبلنا، قصة موسى في أهل مدين، تعرضت الآيات لذكر الحياء في قلب امرأة من أهل الإيمان تربت في بيت من بيوت الطاعة والإسلام، فأخرج ذلك البيت نموذجاً رفيعاً من نماذج النساء التي لا تكاد توجد في هذه الأيام إلا من رحم الله جل وعلا، قال الله جل وعلا في محكم تنزيله في جزء من قصة موسى : وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌسورة القصص:23، خرج موسى نبي الله متعباً مهاجراً من ديار الكفر ناجياً بنفسه لعل الله يجعل له فرجاً ومخرجاً، فوصل هذه الأرض أرض مدين، وجد بئراً، والرعاة يسقون أغنامهم منه، وامرأتين على الجانب تذودان غنمهما حتى لا يختلط بالأغنام الأخرى وتبعدانه عن سطوة الرعاء الأشرار الذين لا يعرفون احترام المرأة وحقوقها، فما أفسحوا لهما الطريق للسقيا، فقال موسى لهاتين المرأتين العفيفتين المحجبتين قال لهما: مَا خَطْبُكُمَا؟ ما هو الأمر؟ لماذا تقفان هكذا؟ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء، لا نستطيع سقيا الأغنام حتى يبتعد هؤلاء الرعاء الذين لا يتيحون لنا المجال لسقيا الغنم.
وانظر -رحمك الله تعالى- إلى هذه الإجابة عن الشبهة التي قد ترد في نفس موسى، فقد يكون قد ورد في نفس موسى: لماذا تخرج النساء من البيت لسقيا الأغنام؟ أليس هناك رجل يعمل هذا العمل بدلاً منهما، وبدلاً من تعريضهما لما قد يحدث من السوء لا سمح الله؟ فجاء الجواب في طيات كلام تيك المرأتين: وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌسورة القصص:23، ليس هناك أحد في البيت يستطيع أن يقوم بهذه المهمة، فنحن مضطرون للخروج، ولسقيا الغنم، ليس هناك أولاد كبار، أبونا عجوز اضطر للقعود في البيت، نحن لم نبتغ الخروج من البيت، والعمل خارج البيت؛ لأننا نعرف أن مكان المرأة في البيت عفيفة تصان عن جميع أنواع السوء، ما خرجنا إلا اضطراراً، ويعلم الله ذلك من قلوبنا، ما خرجنا إلا لكسب العيش الذي يفيدنا، هذا هو المفهوم الصحيح لعمل المرأة، جاء الله به على لسان هاتين المرأتين.
قام موسى مندفعاً بدافع المروءة في الدين، ومساعدة عباد الله العاجزين، قام متحملاً النصب والتعب -وهو لم يكد يسترح بعد من عناء السفر- فسقا لهما -وكان رجلاً أعطاه الله قوة في الجسم، وقوة في العلم- فسقا لهما، ثم تولى إلى الظل، فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌسورة القصص:24.
أيها الإخوة: يدعو موسى نبي الله ربه: إني فقير للخير يا رب، إني محتاج، إني طريد ليس لي مأوى، وليس عندي ما يطعمني ويسقين.
يقول الله بعد هذا مباشرة بعدما قال: فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَاسورة القصص:24-25، الله يستجيب الدعاء في الحال -أيها الإخوة- إذا دعا المضطر ربه لا تكاد الحروف تنقطع من جوفه إلا ويكون المدد والإجابة من الله نازلة، هذا واضح في الفاء التي تفيد مباشرة التعقيب، جاء التعقيب مباشرة: إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء، وجاء معها فرج الله لموسى، الشاهد في موضوعنا -أيها الإخوة- قول الله عز وعلا: تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء، لم تكن متكسرة في مشيتها، ولا متعطفة، ولا خليعة تتمايل وتتراقص، ولا تمشي مشية الإغواء والفتنة، وإنما تمشي عفيفة متعففة، تمشي على استحياء، الحياء في قلب المرأة هو الذي يفعل الأفاعيل في تصرفاتها ومشيتها وكلامها، تمشي على استحياء: قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَاسورة القصص:25، لم تقل له: أنا أدعوك، قالت: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ، أنا ليس لي علاقة بالرجال، أنا لا أوجه لهم الدعوة مباشرة، ولو كنت أستطيع أن لا آتي بنفسي لإخبارك الدعوة لما آتيت، ولكن ليس هناك أحد يخبرك بهذا، فاضطررت للمجيء لأبلغك دعوة أبيك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، وضحت الغرض من الدعوة، حتى يزول الاشتباه، وتكون القضية واضحة، هذه ليست خدعة حتى أنفرد بك في الطريق، إنما هو يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، ويثيبك على فعل المعروف، فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة القصص:25.
ثم يقول الله جل وعلا: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ سورة القصص:26، همست في أذن والدها في طرف من الأطراف في البيت: استأجره يا أبت إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، هذه الدعوة لأبيها -أيها الإخوة- تنطوي على معانٍ جليلة ينبغي أن تكون في نفس كل امرأة: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ، لماذا قالت له: استأجره؟ تريد أن تتخلص من العمل خارج البيت؛ لأنها تعلم أن مكان المرأة في البيت، تحث أباها على استئجاره؛ ليعمل هو في رعي الغنم بدلاً منهما حتى لا تضطرا للخروج خارج البيت، اسْتَأْجِرْهُ، ثم تحببه وترغبه في استئجاره: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّالذي يستطيع أن يقوم بالعمل على أتم وجه، الصفة الثانية: الْأَمِينُ، عندما كان يمشي معي في الطريق لم يكن يلتفت وينظر إلي، ويبحلق بعينين ملهوفتين بالشهوات، وإنما كان يغض طرفه في الطريق، إنه أمين جمعت هاتين الصفتين جميع صفات التاجر المسلم، وكل من يقوم بعمل، ثم توالت الآيات بعد ذلك، وجرت مقادير الله كما كتب في اللوح المحفوظ.
المرأة صمام أمان المجتمع
أيها الإخوة: لما علم أعداؤنا بمكانة المرأة في البيت، وأنها تربي النشء، وتمسك بزمام البيت، وتقفله أمام ما يتسرب إليه من دعوات الفجور والخنا، ومن الفساد علموا أن مكمن الضعف في هذه المرأة، وأنهم إذا أفسدوها فقد أفسدوا الأسرة المسلمة، ثم أفسدوا المجتمع المسلم، فاتجهت نياتهم وجهودهم بإفساد هذه المرأة في قعر بيتها، كيف يفسدونها، لا بد من إخراجها.
لقد لعبت الجواري -أيها الإخوة- في قديم الزمن دوراً مهماً في تخريب مجتمعات المسلمين، وكان لهن دور في الإفساد داخل قصور المترفين، ما جعل به بعض دول الإسلام في السابق تتهافت وتتهاوى تحت قرع أقدام الغزاة، ومن هذه القصص التي تروى في ذلك أن المعز الفاطمي -أحد غزاة الباطنية الأشرار، الذين تربصوا بدول التوحيد وأهل التوحيد كل تربص حتى استطاعوا أن يحتلوا ما يلي إفريقية من البحر المحيط-، أخذ هذا الرجل الشرير، يرنو إلى غزو مصر راجماً متهيباً يخاف إن غزاها أن يُهزم، ظل هكذا متردداً حتى جاءه خبر جعله يقدم ولا يبالي، ما هو هذا الخبر؟ جاءته الأنباء المتواترة عن استهتار نساء الإخشيد والدولة الإخشيدية -هي التي كانت تحكم مصر في ذلك الوقت- جاءه خبر أن النساء الإخشيد قد استهترن بالدين، وتكشفن وخرجن، وأصبحن يمارسن ألوان الفساد، فعلم أن مجتمعاً هذا حال نسائه هو مجتمع خرب لن يصمد أمام غزوه، فأوكل إلى قائده الباطني عليه من الله ما يستحق، المسمى بجوهر الصقلي -الذي ترك في عقول كثير من المسلمين أنه من الفاتحين المسلمين، بينما هو على العكس من ذلك-، فقال المعز الفاطمي قبل أن تفتح مصر: اليوم فتحت مصر، الآن لا يصدنا عنها شيء، فكان الأمر كما قال.
عاقبة انتشار الفواحش
إن انتشار الخنا والفجور، والزنا والفساد في المجتمعات يحيلها ركاماً متناثراً لا تصمد أمام عدو ولا غازٍ، ولا ترد كيد طامع، ولذا -أيها الإخوة- فالله أذن بدمار القرى التي انتشر فيها الزنا والربا، وما فشا الزنا والربا في قرية إلا استحقت عذاب الله، وما فشت الفاحشة في قوم إلا ذلوا، ضربت عليهم الذلة بما كسبت أيدهم.
هناك قرية -أيها الإخوة- في إيطاليا تسمى قرية بومبي -بلدة على هضبة صغيرة بقرب بركان شيزوف المشهور، بلغ سكانها في عصر من عصور الرومان في القديم مائة ألف نسمة- كان أغنياء الرومان يذهبون إليها، ويقضون أوقاتهم في الاستمتاع بشهواتهم ومغريات الحياة، أذن الله بهلاكها، فثار عليها البركان، وغمرتها الحمم المفاجأة، فطمستها خلال دقائق معدودة، ولما شاء الله بإظهار هذه القرية عثر عليها في عام ألف وسبعمائة وثمانية وأربعين تقريباً على يد أحد الفلاحين الذي كان يحفر الأرض فاكتشف آثارها، فبدأت الحفريات حتى أمكن إظهارها، فإذا هنالك عجب، شعب بكامله استحال إلى محنطات لم يبل منها شيء ولم يتغير حتى لوح الخباز ترى في يديه لوحاً مستخرجاً به الخبز، وحتى السكارى ليمسكون بكؤوس الخمر على شفاههم، وحتى وحتى، وحتى الفاسقون في أشنع حالات الفحشاء غمرتهم هذه الحمم البركانية فحفظوا هكذا ليكونوا آية لمن خلفهم، فهل يتعظ الواعظون؟ وهل يرعوي المفسدون؟ وهل يعلمون ويوقنون بأن عذاب الله واقع ما له من دافع؟.
فلنتق الله أيها الإخوة، ولنحرص على طاعة ربنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي والصالحين المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله القويم.
تركيز الأعداء على المرأة
ولما علم الغرب -أيها الإخوة- بخطر المرأة، وما ينتج عن إفاسدها فتحوا علينا نيران الإفساد من جميع الجوانب، وغزونا في عقر ديارنا بشتى أنواع الفساد والإفساد حتى استحالت ديار المسلمين ركاماً لا تعرف فيها للإسلام رسماً، ولا القرآن لا يعرف فيه إلا اسمه، ولا يعرف من المصحف إلا رسمه.
هكذا -أيها الإخوة- يقول أحد أعداء المسلمين من مفكريهم -والغرب يسر بنجاحهم في فساد أخلاقنا أعظم بكثير من سروره باستنزاف أموالنا في منتجاته الصناعية الكمالية- يقول أحد مفكريهم: ويلوح لي أن هوليود –هذه المدينة مدينة الشر التي تخرج منها جميع الطامات وموضات النساء، والأفلام الخليعة إلى العالم أجمع- يقول: ويلوح لي أن هوليود قد أثرت في الجيل الحاضر من المسلمين أكثر من تأثير المدارس الدينية فيهم، هذا حق وواقع أيها الإخوة.
يقول أحدهم أيضاً: كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات. ولذا كان من خطط اليهود كما قالوا في قوانينهم التي أصدروها: يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان، فتسهل سيطرتنا عما أخذ منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، بخروج المرأة من بيتها، ورفع الحجاب.
يقول أحدهم أيضاً: كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوها في حب المادة والشهوات. ولذا كان من خطط اليهود كما قالوا في قوانينهم التي أصدروها: يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان، فتسهل سيطرتنا عما أخذ منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، بخروج المرأة من بيتها، ورفع الحجاب.
صوروا لها أنها بهذا المشهد -بخروجها من البيت- أن هذه حرية، وأن فيها رفعة لها، وتكريماً لها، حاشى وكلاً: أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُسورة البقرة:140، الله أعلم، هو الذي أنزل الحجاب، وهو الذي قال:وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىسورة الأحزاب:33، قالت المرأة الحاضرة: تشعر أنها قد انطلقت إلى الأعلى، وتحررت من أسر الدين والأخلاق، إنها تشعر أنها في الأعلى.
ضرب أحدهم مثلاً جميلاً، فقال: إنها قد طارت الآن كالكرة الطائرة، إنها في الأعلى، ولكن تتقاذفها أيدي اللاعبين، فتتهاوى في كل اتجاه، ولعلها مع ذلك لو نطقت لتفاخرت بأنها ترفع على أكف المعجبين إلى أعلى عليين.
استطاعوا في فترة قليلة -أيها الإخوة- إيصال النساء العفيفات المسلمات من حالة الحشمة والقرار في البيوت إلى حالة التبرج والعري على شواطئ البحار والسواحل، هذه هي حال النساء، عندما خرجت أول امرأة مسلمة متبرجة في العالم الإسلامي ماذا حدث؟ لما ثارت عليها الأصوات من كل جانب قال بعضهم: دعوها، ماذا يضيرنا لو خرجت امرأة واحدة؟ هل يفسد المجتمع بخروج امرأة واحدة؟ فتركوها، وتتابع النساء المتكشفات المتبرجات على إثرها، قال الناس لما خرج النساء من البيوت، قالوا: دعوهن يخرجن، ويشمن هذا الهواء، ويشعرن بالحرية، لما قصرت أول امرأة ثوبها شبراً واحداً فقط، قالوا: ما المانع من تقصير ثوبها هذا إذا كانت ستلبس تحته جوراً يستر ما انكشف من قصر الثوب، وبعض ذلك جاء تقصير الأكمام، فقصرت الأكمام قليلاً قليلاً، ماذا قالوا؟ قالوا: هل تخرب الدنيا لو أن المرأة قصرت من أكمامها هذا الشيء اليسير!
أيها المتزمتون: تنكرون عليها تقصيرها هذا الشيء القليل! هل سيفسد المجتمع بكشف هذا الشيء القليل؟ أيها المتزمتون، تفتاؤون تذكرون الأخلاق، وتنادون بالويل والثبور محذرين من هذا! ماذا سيحدث لو كشفت المرأة جزءاً من جسمها؟! هل ستفسد الأمة؟ إن العقيدة والأخلاق، إن القيم محلها القلب، وما دامت المرأة القيم في قلبها فماذا يضرها؟ إنها لن تفسد حتى لو خرجت متعرية كلها!
هذه كانت أقوالهم -أيها الإخوة- التي استطاعوا بها أن يشيعوا المنكر، ويشيعوا الفاحشة في الذين آمنوا، ما أنكر عليهم الإنكار الواجب، وإلا لو أنكر من بداية الانحراف لما اتسعت زاوية الانحراف، ولكنهم تركوا بسبب تفريط المسلمين.
العفاف بشائر وصعوبات
هناك -والحمد لله- في وجه هذا التيار الفاسد توجد صحوة إسلامية اليوم بين نساء المسلمين، كما هو موجود بين شباب المسلمين، رجعن إلى الحجاب والحمد لله، وأصبحن يجلسن في بيوتهن، ولا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى.
ولكن أيها الإخوة لا تزال هناك صعوبات، ولا تزال هناك عقبات أمام المرأة المسلمة الضعيفة، ولقد حدثني بعض الإخوة عن مآسي أليمة تقع في داخل البيوت: أب فاجر يرغم بنته الشابة على الخروج متبرجة لتقدم الفاكهة للضيوف، يخرجها مما جعلها الله فيه من الستر والصيانة، يشجعها على المنكرات، يذهب بها إلى الخارج إلى مكان الإفساد، يضربها ويرغمها إرغاماً على التبرج، وعلى الخروج، ماذا يكون حال هذه المسكينة؟ لو قلنا: شاب رجل لهان الخطب، ولكن بعض الفتيات في البيوت لم يستطعن حتى المحافظة على الحجاب، أُكرهن عليه، نسأل الله أن يسامحهن، وأن يغفر لهن، فإنه كما قال الشاعر:
ومن يأت الأمور على اضطرار | فليس كمثل آتيها اختياراً |
ولكن -أيها الإخوة- ألا يرعوي هؤلاء الرجال عن كف أيديهم وأذاهم عن بناتهم، وإذا كانوا لا يريدون الالتزام بشرع الله في أنفسهم أفلا يتركون حرية الالتزام بشرع الله لبناتهم، يجب على كل مسلم عاقل أن ينصح مثل هؤلاء الناس بتقوى الله في أهل بيوتهم: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته[رواه البخاري (893)]، من علم أن له أخاً، أو عماً، أو خالاً يرغم بناته على الخروج والسفور، وعلى الجلوس مع الرجال الأجانب أن ينصحه ويذكره بتقوى الله، وإذا استطاع أن يخرج هذه المرأة من بيتها لتعيش في بيته إذا كان محرماً لها في مكان أمين، فيجب عليه أن يفعل ذلك، ولا يترك هذه المسكينة بين براثن وحوش الشر من البشر.
ونسأل الله الصبر والتثبيت لأخواتنا من النساء الذين يعانين مثل هذه المعاناة، اللهم ثبتهن على الدين والإسلام، وعلى العفاف والطهر والحجاب، اللهم لا تزغ قلوبهن وقلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
وصلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ذات بيننا، وأصلح لنا شأننا كله، اللهم واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً عامراً، وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.