الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 هـ :: 22 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الصاحب ساحب


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الوصية بصحبة الأخيار
فوائد مصاحبة الأخيار
مظان وجود الصالحين
الخطبة الثانية
الحذر من أهل السوء

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد:

الوصية بصحبة الأخيار

00:01:14

فإن الله أوصانا بوصايا، وكذلك نبيه ﷺ حثنا على أمور، ولا يأمر الرب بشيء ولا نبيه ﷺ بأمر إلا وفيه مصلحة لنا عظيمة، وهذا الفرق بين أوامر الرب ورسوله وبين أوامر البشر، ومن أوامر الرب وأوامر رسوله الأمر بصحبة الأخيار، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا سورة الكهف28، فأمر بصحبة الأخيار وملازمتهم، ونهى عن صحبة الأشرار، وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا، وهذه مسألة عظيمة من مسائل هذه الحياة، فإن الإنسان لا بد له من صديق وصاحب ولا بد له من قوم يأوي إليهم، ويكون معهم، ولعل هذا الوقت في بداية العام الدراسي، بل وعودة كثير من العمال والموظفين إلى أعمالهم يكون وقتاً مناسباً للتذكير بهذا الموضوع أيها الإخوة، إنشاء العلاقات الجديدة، وتنقية العلاقات القديمة وتمحيصها، قال الله تعالى: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَسورة الزخرف67، وقال النبيﷺ: لا تصحب إلا مؤمناً[رواه أحمد10944]، وقال: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل[رواه الترمذي2378]، وقال ﷺ: المرء مع من أحب[رواه البخاري6168]، قال بعض السلف: لقد عظمت منزلة الصديق عند أهل النار، قال الله تعالى: فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ۝ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍسورة الشعراء101، وقال بعضهم في قوله ﷺ: المرء على دين خليله[رواه أحمد7968]، انظروا إلى فرعون مع هامان أضل هذا بهذا وأخذ هذا من عزة هذا، وأعان بعضهم بعضاً على الكفر واستعباد البشر، وجليس الخير مفيد دائماً وأبداً، مثلما قال النبي ﷺ: مثل الجليس الصالح كمثل العطار إن لا يحذيك يعبق بك من ريحه[رواه أحمد19163]، إن لم يعطك من عطره مباشرة أصابك من ريحه، وهذا الفرق بينه وبين كير الحداد الذي يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً سيئة.

جليسك الصالح يأمرك بالخير وينهاك عن الشر، ويسمعك العلم النافع، والقول الصادق، والحكمة البليغة، ويبصر آلاء الله، ويعرفك عيوب نفسك، ويشغلك عما لا يعنيك، وإن كان قادراً سد خلتك، وقضى حاجتك، ثم لا تحتاج بعد الله إلى سواه، إن ذكرته بالله طمع في ثوابه، وإن خوفته من عذاب الله ترك الإساءة، يجهد نفسه في تعليمك وإصلاحك إذا غفلت عن ذكر الله، وإذا أهملت بشرك وأنذرك، يعتني بك حاضراً وغائباً، وإن كان مثلك أو دونك، فهو يسد خلتك، ويغفر زلتك ويقيل عثرتك، ويستر عورتك، وإذا اتجهت إلى الخير حثك عليه، وكان لك عوناً عليه، وإذا عملت سوءاً أو توجهت إلى سوء حال بينك وبين ما تريد، وقال: أعرض عن هذا واستغفر لذنبك إن كنت من الخاطئين، وصالح إخوانك لا يمل قربك، ولا ينساك على البعد، تسر بحديثه إذا حضر، إنه يشهد بك مجالس العلم، وحلق الذكر، وبيوت العبادة، ويزين لك الطاعة، ويقبح لك المعصية، ولا يزال ينفعك حتى يكون كبائع المسك وأنت المشتري، ولصلاحه لا يبيع عليك إلا طيباً، ولا يغشك ولا يعطيك إلا جيداً، وإن أبيت الشراء، فلا تمر بشارع إلا وجدت منه ريح الطيب الذي يملأ المعاطس والأنف، أولئك القوم لا يشقى بهم جليسهم، تنزل عليهم الرحمة، فيشاركهم فيها، ويهم بالسوء فلا يقوله ولا يستطيع فعله، إذا لم يكن مخافة من الله فحياء من عباد الله الصالحين.

أوصى بعض الصالحين ولده لما حضرته الوفاة، فقال: يا بني إذا أردت صحبة إنسان فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، واصحب من إذا مددت يدك للخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سدها.

وقال بعض السلف: عليكم بإخوان الصدق، فإنهم زينة في الرخاء، وعصمة في البلاء، فالأخيار الأبرار الأتقياء إذا وجدوا في مجتمع جذبوا أشباههم أو انجذبوا إليهم وسرى تيار المحبة بينهم، والصاحب ساحب، لو أن مؤمناً دخل إلى مجلس فيه مائة منافق ومؤمناً واحداً لجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقاً دخل إلى مجلساً فيه مائة مؤمن ومنافقاً واحداً لجاء حتى يجلس إليه، وإن أجناس الناس كأجناس الطير، ولا يتفق نوعان في الطيران إلا وبينهما مناسبة.

أيها الإخوة: ينبغي على الواحد منا أن يفتش نفسه، انظر يا عبد الله يا أيها الأخ المسلم، إذا نفر قلبك من أهل الدين فأنت مريض فداوي نفسك حتى تجدها تميل إلى أهل الخير، وإذا رأيت نفسك تميل إلى أهل الشر والفجور فاتهم نفسك واستدرك عمرك قبل الفوت، وإذا رأيت نفسك تميل إلى الأخيار وتحب مجالستهم مع علمك بسوء سيرتك واعوجاج طريقتك وقبح ما تخفي وأنت بينهم فاعلم أن فيك بقية خير فاجتهد في اقتلاع الشر من نفسك لتكون مثلهم، وإذا رأيت نفسك تحب الذهاب مع المجرمين، وأنت من أهل الخير ففيك شعبة من النفاق.

إن الإخوان الصالحين نعمة عظيمة من الله، وقد روي عن أبي الدرداء أنه قال: لولا ثلاث ما أحببت البقاء ساعة: ظمأ الهواجر - الصيام في النهار الحار- والسجود في الليل، ومجالسة أقوام ينتقون جيد الكلام، كما ينتقى أطايب الثمر.

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: لولا القيام بالأسحار وصحبة الأخيار ما اخترت البقاء في هذه الدار.

وكانوا إذا فقدوا أخاً عزيزاً عرف ذلك فيهم، قال أيوب السختياني رحمه الله: إذا بلغني موت أخٍ لي فكأنما سقط عضو مني.

أخاك أخاك إن من لا أخاً له كساعي إلى الهيجاء بغير سلاح

ولذلك كان التفريط في الصالحين وتضييع الأخ الصالح من أعظم البأس، بؤس، من أعظم البؤس وأشد البأس على النفس، أعجز الناس من فرط في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم، فربما يلقاهم ثم يضيعهم فهذا أعجز من الذي فرط في ملاقاتهم والتعرف عليهم أصلاً؛ لأنه عرف النعمة ثم كفرها، يعرفون نعمة الله ثم يجحدونها ويتخلون عنها، والرجل بلا إخوان كاليمين بلا شمال والشمال بلا يمين.

وقال الأصمعي رحمه الله:

إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده فانظر إلى حنينه إلى إخوانه، وتشوقه إليهم.

فوائد مصاحبة الأخيار

00:12:08

أيها الإخوة: إن مصاحبة الصالحين فيها فوائد كثيرة، أولها: النجاة يوم القيامة، كما قال النبي ﷺ: المرء مع من أحب[رواه البخاري6168]، وكذلك النجاة من فزع ذلك اليوم، الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ۝ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَسورة الزخرف67-68، فإذا كان معهم في الدنيا نجا من الفزع ولعن بعض الناس بعضاً يوم القيامة، ثم الانتفاع بدعائهم بظهر الغيب، ثم الانتفاع بمحبة الله لمحبتهم؛ لأن الله قال: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ[رواه أحمد21525]كما جاء في الحديث الصحيح القدسي.

ثم بركة المجالس والخير الذي يعم، قالوا: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم [رواه البخاري6408 ومسلم2689]، لا يحرم من الفضل وإن جاء لحاجة، ما دام جلس مع الأخيار، فلا بد أن يناله نصيب، قوم يذكرون الله يناديهم المنادي من السماء: قوموا مغفوراً لكم، فما أعظم النعمة بالجلوس معهم، إذا كانوا سيقومون وقد غفر لهم، وجلساء الخير يعرفونك على إخوان الخير فتزداد المعرفة، فصاحب الخير يدلك على صاحب الخير، وهكذا تزيد الاستفادة، وكذلك فإن التشبه بهم ثمرة من ثمار مصاحبتهم، وإذا كانوا على خير صرت على خير، وكذلك فهم يحفظون الوقت والعمر من الإهدار.

ثم من فوائد مصاحبة الصالحين ذكر الله تعالى، قال ﷺ: أولياء الله تعالى الذين إذا رؤوا ذكر الله [رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق217].

وكان القعنبي رحمه الله- وكان من أهل الحديث- إذا خرج عليهم قال الناس الذين يرونه من صلاحه: لا إله إلا الله.

وهم الزينة في الرخاء والعدة في البلاء، هذه العدة التي يحتاجها الإنسان، عدة في البلاء وخير معين على تخفيف الهموم والغموم، وكم في حياتنا هذه من غموم وهموم، وكم فيها من شدائد يحتاج الواحد إلى شخص يسمعه، ربما يبحث عن شخص يستمع إلى شكواه فلا يجد، ولو كان لا يريد منه شيئاً إلا مجرد السماع؛ لأن في بث الشكوى راحة، فبعض الناس من النعم التي حرموها أنهم لا يجدون أحداً يسمع شكواهم لفقد صديق الخير، صاحب الخير لو ما سمع إلا الشكوى لكان في ذلك تنفيساً وراحة، فكيف إذا كان سيعين ويساعد بعقله ومشورته، أو بماله وجاهه، ومساعدته.

خرج ابن مسعود مرة على أصحابه فقال: أنتم جلاء أحزاني، أنتم يا إخواني جلاء أحزاني. وهكذا فعلاً يكون الإخوان تسلية وتسرية، يكون لقاء الأحبة مصفياً ومنقياً، يكون طارداً للهم والغم، وكذلك فإن من أعظم النعم بمصاحبة الصالحين إن أحسن الاختيار تعلم العلم الشرعي، والإقبال على الدين، تكميل الشخصية، العون على العبادة، الحماس للطاعة، النصرة في الحق، الإعانة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، السمو فوق عالم المادة، النجاة من اليأس، والرأي السديد، والتخلص من العادات السيئة، والبركة كما قال النبي ﷺ: البركة في ثلاث: الجماعة، والثريد، والسحور[رواه أبو طاهر في مشيخته62].

مظان وجود الصالحين

00:17:16

فإن قال قائل: أين أجدهم؟

فنقول: من مظان وجود الصالحين أعظم المظان على الإطلاق بيوت الله تعالى، المنطلق من المسجد، هكذا يعرف الإنسان الإخوان وينتقيهم، ثم إذا قال: إنني وجدت منهم عدداً فأيهم الذي أصاحب؟ والجواب: نرجع إلى ما قاله السلف، فإنهم كانوا يفاضلون بين الأشخاص بأي شيء؟ بالعلم، والسنة، والعبادة، وخدمة الدين، والخلق، ولذلك فإن الإنسان لا يعدم من الموازنة التي تقوده إلى صاحبه الذي يخالطه ويتابعه ويعاشره ويأوي إليه، فانظر فيهم من أزكى علماً وأشد اتباعاً للسنة، وأحسن خلقاً، وأكثر حرصاً على خدمة الدين والدعوة إلى الله، فعند ذلك تعرف من تخالط، ولذلك قال ابن الجوزي رحمه الله: فالعجب ممن يترخص في المخالطة وهو يعلم أن الطبع يسرق، وإنما ينبغي أن تقع المخالطة للأرفع والأعلى في العلم والعمل ليستفاد منه، فأما مخالطة الدون، فإنها تؤذي إلا إذا كانت للتذكير والتأديب. كلمة عظيمة، وإنما ينبغي أن تقع المخالطة للأرفع والأعلى في العلم والعمل ليستفاد منه، فأما مخالطة الدون فإنها تؤذي إلا إذا كانت للتذكير والتأديب. أنت الذي تدعوه وهو دونك فنعم، وتعلمه وهو دونك فنعم، وإلا فإن الإنسان يحرص دائماً على صحبة الأرفع والأعلى والأكثر فائدة.

وتأمل في علاقة الإمام أحمد رحمه الله بمحمد بن نوح كيف كانت متبادلة من الأعلى إلى الأدنى، ومن الأدنى إلى الأعلى، قال الإمام أحمد رحمه الله عن محمد بن نوح الشاب: ما رأيت أحداً على حداثة سنه وقدر علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير؛ ولذلك لأنه لما أخذا معاً إلى المأمون في فتنة خلق القرآن مقيدين مات محمد بن نوح في الطريق، فغسله الإمام أحمد رحمه الله وكفنه وصلى عليه، وقال هذا الكلام في شأنه، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير، قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله الله الله إنك لست مثلي أنت رجل يقتدى بك، قد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك فاتق الله واثبت لأمر الله، قال: فمات وفك قيده وصليت عليه ودفنته يرحمه الله.

اللهم ارحم موتانا، اللهم إنا نسألك صحبة الأخيار، وعيشة السعداء، وميتة الشهداء، وحياة الأتقياء، ومرافقة الأنبياء، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:21:42

الحمد لله وسبحان الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

الحذر من أهل السوء

00:22:13

إن الله تعالى حذرنا من أهل السوء، قال : وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة الأنعام68، يا من تعاشر صاحب سوء وأهل السوء لا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين، لا تقعد بعد الذكرى مع أهل السوء، فإن الله نهاك عن ذلك، فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، هؤلاء الذين يتبرأ بعضهم من بعضهم ويقول الواحد منهم يوم القيامة: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًاسورة الفرقان28؛ ولذلك كان ﷺ يستعيذ في دعائه من صاحب السوء كما قال: اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ومن ليلة السوء، ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة [ رواه الطبراني في الدعاء1338]؛ لأنه ملازم، فإذا كان صاحب سوء فكيف يسلم من شره، أعوذ بالله من صاحب السوء قرين السوء الذي لا يمكن أن تأمنه على شيء، لا على عرض، ولا على مال، ولا على سر، لا يعينك على خير، ويزين المعصية، ويحث على الخبث، لا خير في صحبة من إذا حدثك كذبك، وإذا ائتمنته خانك، وإذا ائتمنك اتهمك، وإذا أنعمت عليك كفرك، وإذا أنعم عليك منَّ عليك.

ينبغي أن يختبر الناس قبل مؤاخاتهم، عند الهوى إذا هوى، وعند الغضب إذا غضب، وعند الطمع إذا طمع لينظر ما حاله في هذه المواقف الثلاثة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، ولا تقل إنه لا يضرني فالصاحب ساحب، والتشبه حاصل، وكل قرين بالمقارن يقتدي. من الذي علم أصحاب المخدرات المخدرات، ومن الذي جر الفحش إلى كثير من أهل الفحش، ومن الذي أعطى القصص الخالعة وروايات السوء إلى من تأثر بها، من الذي جلب إليهم الأفلام، من الذي سافر معهم إلى بلدان الشر والفساد، من الذي ضيعهم عن أهليهم، من الذي جعلهم يضيعون أماناتهم وزوجاتهم، وأولادهم؟ إنهم قرناء السوء، أثرهم واضح في الواقع، يضيعون العمر، إنهم مرض وهم، إنهم غم وعجز.

أيها المسلم، يا عبد الله: قد تكون أنت من أهل الخير ولكن في نفسك شيء من الهوى إلى الجلوس إلى بعض أهل السوء فإياك إياك، وإذا أخذك إلى مكان يأخذك إلى أي مكان؟ صاحب الخير يأخذك إلى مسجد إلى حلقة علم، إلى زيارة نافعة، إلى عبادة وطاعة، إلى قربة، يصحبك في حج أو عمرة، فهذا يأخذك إلى أي مكان؟ دمر حياة كثير من الناس صحبة الأشرار، فهل من توبة، وهل من عودة، وأقل ما في صحبتهم ضياع الأوقات.

حدثني واحد قال: ذهبنا ووقفنا على أرجلنا إلى الساعة الواحدة ليلاً ننتظر عملية القمار والميسر ماذا ستكون نتيجتها؟ ومن الذي يفوز بالسحب؟، ضاع الوقت وضاع العمر، ومشاهدة المعصية، وهكذا الفكر الخالي، العقل الخالي، القلب الخالي يسهل جر صاحبه، والناس إذا كانوا أصحاب تفاهات لو قيل لهم: إن في فت البعر سراً لأقبلوا على فته؛ لأن كثيراً منهم ليسوا بأصحاب عقول راجحة فيسهل الضحك عليهم، الضحك عليهم سهل، خداعهم سهل، وهذا حال كثير من الناس، فإذا لم يوفق الإنسان بصاحب عقل راجح فكيف يكون العيش، وإذا كان الإنسان في مكان لم يجد فيه قريناً صالحاً قد يعيش في مجمع سكني أو مكانٍ ناءٍ لا يجد فيه صحبة صالحة، يبتلى العامل بعمال حوله من النصارى والهندوس، أو غير ذلك ممن يكونون معه فربما لا يجد أحداً من أهل الخير، فماذا يفعل عند ذلك؟ قال العلماء: فالأولى للرجل في هذه الحالة أن لا يزور إلا المقابر ولا يفاوض إلا الكتب، وليستعن بالله على التوفيق، يصاحب الكتاب ويزور المقبرة، ويجعل خلوته أنساً بالله تعالى، إذا لم تجد أصحاباً فخالط كتب العلماء، وإذا لم تجد صالحاً تزوره فزر القبور.

أيها الإخوة: كثير من الناس لا يغيرون العلاقات السيئة لقدم العهد وجريان العادة، فهو لما تعود على هذه الشلة لا يريد أن يفارقهم، إن هناك جاذبية، إن سريان الوقت قد جعله متعلقاً بهم، فانتشال النفس من بينهم يحتاج إلى دين ومجاهدة وإرادة قوية لا يرزقها إلا من أخلص النية لله من أجل الخلاص.

يا أيها الأب: ساهم في توجيه ولدك إلى أهل الخير في الوقت المبكر، فإن الولد إذا كبر فبنا علاقاته بنفسه فإنه يصعب عليك جداً أن تغيرها أنت، اختر له قبل أن يختار هو، فإذا رأيته مال إلى أهل الخير فشجعه وأيده وانصره، وافقه على ما مال؛ لأنه فيه صلاح دينه ودنياه، وبعضهم يقول للأخيار: أدفع لكم نقوداً وخذوا ابني، وبعضهم اعتبر بضياع الولد الأول فلا يريد أن يضيع الثاني، والذي رأى تجارب غيره لا يحتاج أن يجربه، وهذه من مسؤوليات الآباء في اختيار الأولاد الصالحين لمرافقة أبنائهم منذ السن المبكرة، وأن يتعاون الجميع على أن يوجدوا بيئات صالحة، إيجاد البيئات الصالحة مسؤولية عظيمة وصدقة جارية والله، الذي يوجد مجموعة صالحة يعيش فيها ولده وولد غيره وولد جاره صدقة جارية تكون له في كل علم اكتسبوه، وخلق انتفعوا به.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الذين ينشغلون بذكرك، أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا ممن يصاحب الأخيار يا رب العالمين، اللهم لا تجعلنا من النادمين، لا تجعلنا من النادمين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين، اللهم انصرنا على أعداء الدين، اللهم عجل فرج المسلمين، اللهم إنا نسألك أن تهلك الكفرة الذين يعادون رسلك ويكذبون وحيك يا رب العالمين، أنزل بهم بأسك وعذابك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، ونجنا برحمتك يا رب أرحم الراحمين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه أحمد10944
2 - رواه الترمذي2378
3 - رواه البخاري6168
4 - رواه أحمد7968
5 - رواه أحمد19163
6 - رواه البخاري6168
7 - رواه أحمد21525
8 - رواه البخاري6408 ومسلم2689
9 - رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق217
10 - رواه أبو طاهر في مشيخته62
11 - رواه الطبراني في الدعاء1338