الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

استقبال رمضان فرحاً وفقهاً


عناصر المادة
الخطبة الأولى
فضائل الصيام
حقيقة الصيام
شرح آيات الصيام
الخطبة الثانية
بعض أحكام الصيام
عبادة الدعاء

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

فضائل الصيام

00:00:27

الحمد لله الذي شرع الصيام واختصه لنفسه من بين العبادات، وضاعف أجره لصاحبه بلا حساب، والصوم لا عدل له، ودعوة الصائم لا ترد، وله فرحتان في الدنيا وفي الآخرة، والصيام يشفع للعبد يوم القيامة، وخلوف فم الصائم الذي يكرهه الناس أطيب عند الله من ريح المسك، والصوم جنة، وحصن حصين من النار، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة، ورمضان ركن من أركان الإسلام، جعل الله له باباً لمن أكثر من نوافله يقال له الريان، وهذا الشهر العظيم قد أظلنا يدخل بغروب شمس هذا اليوم، ومن أراد عمرة في رمضان فأنشأها بعد المغرب فقد وقعت في رمضان، وليلة اليوم تكون قبله، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه[رواه البخاري38 ومسلم760]إيماناً بفرضيته، واحتساباً للأجر.

في هذه الليلة يا عباد الله! تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتسلسل الشياطين ومردة الجان، فلا يخلصون إليه مثل ما يخلصون في سائر العام من إضلال العباد، فالحمد لله الذي أعاننا على فريضته بتقييد الشياطين.

وقال لنا في كتابه منادياً مستثيراً العزائم: يا أهل الإيمان بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُسورة البقرة183وفرض، والمسلم يطيع الله، فإذا أخبره بأنني فرضت عليك فإنه يستسلم لذلك، ويحبه، وينقاد إليه، فنحن لا نصوم مكرهين، ولكن نصوم محبين، نحن لا نصوم مجبورين مغصوبين، وإنما نصوم راغبين.

الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْسورة البقرة183فالصوم ليس جديداً على هذه البشرية يا أيها الأمة، وإنما كان على الأمم من قبلكم، لكن هذا لا يلزم منه أن تكون الكيفية كالكيفية، وإنما تشبيه الفرضية بالفرضية، كما كتبته على من كان قبلكم، فنحن وإياهم نحن وأهل الإيمان ممن قبلنا رفقاء درب في الصيام، صاموا وصمنا لأي شيء؟لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَلكن بعضهم حرفوا وبدلوا، فقيل: إن النصارى لما شق عليهم الصوم في الصيف نقلوه إلى الربيع، وزادوا فيه عشرة أيام، ثم فعلوا وفعلوا، ونحن لا نغير ولا نبدل، ويأتينا رمضان في الربيع والخريف والصيف والشتاء طال النهار أم قصر نصوم، وفي بعض البلدان ربما صاموا ثمانية عشر ساعة، وأحياناً ست ساعات؛ ولذلك فالمسلم يستسلم أينما جاء رمضان يصوم كما أمر الله ، هذا صيام للتقوى يورثها.. يكسر الشهوة.. يقمع الهوى.. يردع الفواحش.. يكسر شهوة البطن والفرج، هذا يمنع من الحرام.. يربي على مراقبة الله.. يقوي الإرادة.. يوحد المسلمين، هذا الصيام زاد من التقوى.

صيام رمضان صيام يورث التقوى يكسر الشهوة.. يقمع الهوى.. يردع الفواحش.. يكسر شهوة البطن والفرج، هذا يمنع من الحرام.. يربي على مراقبة الله.. يقوي الإرادة.. يوحد المسلمين

وتزودوا نعم لكن ما هو خير الزاد؟ التقوى، فليت المسلمين إذا اتجهوا إلى مراكز التسويق لتخزين الأطعمة وشرائها أن يتذكروا هذه الآية: وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِسورة البقرة197يصفي النفس من الخطرات الرديئة والوساوس.. يفرغ الهم لطاعة الله، ولو نقصت ساعات العمل ونقصت الإنتاجية فليست بخسارة؛ لأنك يا عبد الله تأخذ بدلاً من ذلك حظك من الآخرة، لكن العطال البطال الذي لا دنيا ولا آخرة.

حقيقة الصيام

00:05:36

الصائم حقيقة من صام قلبه ولسانه وجوارحه، فيصوم بطنه عن الطعام والشراب نعم، ولكن يصوم أيضاً عن أكل الحرام، وتصوم عيناه عن النظر إلى الحرام، وأذناه عن سماع الحرام، وكذلك لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة، وتصوم اليد عن البطش الباطل واللمس المحرم، وتصوم الرجلان عن المشي إلى الحرام.. وهكذا كما قال جابر : "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء".

ولذلك حديث: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه[رواه البخاري1903]، معناه كما قال العلماء: أن من فعل هذه المنكرات لا يثاب على صيامه، نعم من جهة الفرضية أسقط الفرضية عن نفسه لكن الأجر أين الأجر؟ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه معناه: سقوط الأجر.

ولذلك قال: فإذا كان يوم صوم أحدكم هذا اختبار للقدرات، وهذا الصيف لم ينته والحر موجود، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم[رواه البخاري1904]إذن يذكر نفسه ويذكر غيره.

شاهدتم وشاهدنا لوحات القنوات في الشوارع والاستعدادات، فماذا أعددت يا عبد الله؟ لا ينساق المسلم للمؤامرات على رمضان، ولا ينصرف عن عبادة الرحمن بما أعد من أمور ليست من الإيمان، من أنواع اللهو والمنكرات، وتحريف التاريخ الإسلامي، وتشويه الشخصيات الإسلامية.. ونحو ذلك من أنواع المخاطر، فبئس القوم إذن الذين يعينون أولئك على تفريغ رمضان من الإيمان، اتق المحارم تكن أعبد الناس.

إذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما فإن قلت إني صمت يومي فما صمت

ولذلك إشغال النفس بالطاعات: أقارب.. صلة رحم.. جلسات عائلية طيبة.. تواصل مع الإخوان في الله، هنالك طاعات بالليل وبالنهار.

يا عباد الله: ألم ترو شهرنا هذا فيه صيام، وصلاة، وقيام، وصدقة، واعتكاف، وعمرة، ودعاء، وتوبة، وتفطير، وإطعام طعام، وهكذا.

يحلو السجود إذا البشائر هللت وتضمخت بنسائم الإيمان
ما أحسن الإنسان حين تقوده نحو الحياة مبادئ القرآن

يمكن أن تمتثل ما فعله الصديق، فأنت صائم تتبع جنازة، وتعود مريضاً، وتطعم مسكيناً، ما اجتمعن في رجل في يوم واحد إلا دخل الجنة[رواه مسلم1028].

عباد الله: يذكرنا ربنا بالصيام بنعمه، فإن النعم ربما يتبلد الإحساس من الشعور بأهميتها، فيأتي الجوع في الصيام ليذكره بالنعم، والتغلب على الشهوة؛ لأن النفس إذا شبعت طمعت، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى، ويزهدك في الدنيا، ويوجب العطف على المساكين إذا ذقت ألم جوعهم، وتقهر الشيطان، وتضعف الوسوسة، وتستكثر من الطاعات، وتعتاد النظام، ودقة المواعيد، وتعالج الفوضى، ويكون هناك إحساس بوحدة الأمة أنها تقوم بعبادة واحدة.

شرح آيات الصيام

00:09:45

قال الله: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍليست أشهراً ولا سنوات، يعني: سرعان ما تنقضي.

فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًايشق عليه الصيام، أو يتأخر شفاؤه، أو يفوت علاجه، أو يزيد مرضه، أو يحدث المرض بالصوم كما في بعض الأمراض، أو يلحق بالمريض كالحامل والمرضع، أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَيفطر ويقضي، وليس إلا ذلك، وهذا من تيسير الله.

كان الأمر في وقت من الأوقات في عهد الصحابة أن الذين يستطيعون الصيام لهم أن يفطروا ويخرجوا فدية، قال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُويقدرون عليه، فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍإذا أفطر، فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًاوزاد في الفدية على المقدار الواجب، أو صام وأخرج فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَسورة البقرة184هذا كان في وقت من الأوقات، وهذا من أسرار التدرج الإلهي في التشريع، هذه أمة ما كانت متعودة على الصيام ففرض عليهم بالتدريج، فصار هنالك تخيير كما قال سلمة بن الأكوع: "كان في أول الأمر ثم صار منسوخاً "، وهكذا إذن قال الله شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُسورة البقرة185هذا الناسخ، فلزم الجميع الصيام.

من شهد ورأى، أو علمه من رؤية غيره، من شهد وكان حاضراً في البلد غير مسافر مقيماً صحيحاً ليس به مانع ولا عذر فَلْيَصُمْهُ فصار إلزامياً للجميع.

وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَلا يريد التشديد علينا، بل والله يريد مصلحتنا، والذي لا إله إلا هو إنه تشريع من أجلنا.

وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَفيكتمل الأجر، وتكتمل الفوائد الصحية وغيرها، وليست الفوائد الصحية هي أول الأمر، فلا يقال للناس: الصلاة رياضة، والفجر أوزون، والصيام حمية، فهذا تبع، ولكن الأصل ما هو؟ التقوى، هذه الفوائد الجانبية تبع، والشرع كامل فيه دنيا وفيه آخرة.

وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَسورة البقرة185هذه المقاصد الأساسية من الصيام.

فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَإذن لا بد من رؤية الهلال شاهد؛ ولذلك القضية قضية رؤية، وليست قضية حسابات، وكم اختلف الحسابون فقال بعضهم: يمكن رؤيته، وقال بعضهم: لا يمكن رؤيته..، فتأتي الشريعة بالقواطع الصالحة لكل زمان ومكان، مثقف غير مثقف.. متعلم غير متعلم.. كبير صغير.. قروي حضري، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته[رواه البخاري1909]

ثم قال الله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِسورة البقرة186تخللت آيات الصيام آية الدعاء لماذا؟ وما مدلول ذلك؟ أهمية الدعاء في الصيام، والإكثار منه.. والحرص عليه.. وسؤال الله بأسمائه الحسنى بعد حمده، وكذلك الصلاة على النبي ﷺ.

فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِيوليستسلموا لأوامري وينقادوا لشرعي، لا يعترضوا عليه ولا يأتوا بهذه الترّهات كما يفعل بعضهم في المقالات في الطعن في الشريعة، والطعن في الرؤية الشرعية، والقضاء، والحسبة، ونحو ذلك، فإن المسلم يستجيب وينقاد لا يعترض، ولا يتلقى شبهات بل يرد كل ذلك وينافح عن دينه.

لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَويهتدون، فالدعاء سبب قوي لحصول المطلوب فألحوا يا عباد الله واستكثروا منه.

وكان الصائمون في أول الإسلام يحل لأحدهم إذا أفطر الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء فإذا نام لم يحل له شيء من ذلك ولو استيقظ قبل الفجر، فأنزل الله تخفيفاً: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْسورة البقرة187إذن كان ممنوعاً بهذا الوصف كما سبق، وصارت أيضاً من الله رخصة وتخفيفاً، فمن استيقظ قبل الفجر فله أن يأتي امرأته، وأن يأكل ويشرب.

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّسورة البقرة187شبه المرأة باللباس الذي يستر البدن فهي ستر للرجل وسكن للرجل، فيا عبد الله! لا تكشف أسرارك العائلية وخلافاتك للناس، ولا تصعد القضايا البيتية حتى تخرج إلى العلن؛ لأن الله قال: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْستر لكم، وَأَنتُمْأيضاً لِبَاسٌ لَّهُنَّوستر لهن، فماذا يفعل اللباس بالبدن؟ يستره.. يحافظ عليه من الحر والبرد؛ ولذلك أنت لباسها الذي يسترها فلا تفضح الأمور، وأنت لباسها الذي يحافظ عليها فلا تؤذها، وهي أيضاً لباسك تسترك وتحافظ عليك، فما أجمل التعبير وما أعظم المدلول، فهل من متعظ يفقه ما وصف ربه؟ كي تبقى الأسرة في وئام وسعادة، والشيء إذا انتشر يصعب لمه مرة أخرى، فإذا بقي سراً سهل العلاج.

عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْفيقع من يقع في المحظور، فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّالأمر للإباحة،وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْأي: ابتغوا الولد بالجماع بالمباشرة، باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم، فإذا قال: أنا حديث عهد بزواج تنصح بالإنجاب السريع أم نؤخر سنتين.. ثلاث.. أربع نستمتع، فأذكرك بقوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْابتغِ الولد لعظم فائدته ومنفعته، والتبكير به يساعد على تقوية الارتباط، ويعين على تربيته، فإذا كبر وأنت تكبر معه فأنت تطيق تربيته وتربية من بعده بخلاف ما لو جاءك على كبر، ليست القضية في النكاح مجرد قضاء شهوة، فهناك منافع كبيرة، منها الولد الصالح؛ ولذلك قال:فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّوَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ

وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِإذن الإمساكية عشر دقائق قبل الفجر مخالفة للآية؛ لأنه قال: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّىهذه للغاية، يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِفإذا طلع الفجر حصل الامتناع عن الأكل، والشرب، والجماع.

ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِوأكملوه، وهكذا لزم من طلع عليه الفجر وهو يأكل، ويشرب، ويجامع أن ينزع ويتوقف.

وذكرنا بأن هنالك أيضاً أعمالاً صالحة تبتغى، وليس فقط الشهوة بعبادة الاعتكاف: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ؛ لأن مباشرة المرأة يبطل الاعتكاف.

تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَإذن اعتكاف هو: قطع العلائق عن الخلائق للتفرغ لعبادة الخالق، فهذه عبادة أخرى عظيمة تضاف إلى العبادات، فمن لم يتيسر له أن يعتكف في العشر الأواخر، فليعتكف في الأواسط، وليعتكف في الأوائل، وقد يتيسر لرجل يعيش في مثل هذا البلد أن يعتكف  يوماً في المسجد الحرام، واعتكاف أربعة وعشرين ساعة يوم وليلة عبادة عظيمة، وله أجر عليها عظيم.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، والفقه في الدين، واتباع سنة سيد المرسلين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:19:25

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسبحان الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن محمداً رسول الله عبده وصفيه ومصطفاه أمينه على وحيه ومختاره من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين وأزواجه وخلفائه الميامين، اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد حبيبنا وقائدنا، اللهم اجعله لنا شفيعاً يوم الدين، اللهم أوردنا حوضه، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم.

بعض أحكام الصيام

00:20:28

عباد الله: هذا شهركم شهر عظيم كان نبيكم ﷺ يبشر به أصحابه فيقول: أتاكم رمضان[رواه النسائي2106]، ونحن نبشر ونستبشر بقدومه في ليلتنا هذه، إن له منزلة عظيمة، ولا يجوز الفطر فيه بلا عذر، قال الذهبي رحمه الله: "عند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان من غير عذر أنه شر من الزاني، ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال"

فيجب الصيام على كل مسلم، بالغ، عاقل، مقيم، قادر، سالم من الموانع، ويؤمر الصبي به إذا أطاقه، ومن سقط تمييزه وبلغ حد الخرف يسقط عنه الصيام لسقوط التكليف، ويلزم تبييت النية، ما هي النية؟ إرادة فعل الشيء فإذا عقدت قلبك على الصيام في أي وقت من الليل قبل الفجر صح صومك، وإذا غاب جميع قرص الشمس أفطر الصائم، ولا عبرة بالحمرة الباقية في الأفق.

يفطر على رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء، فإن لم يجد شيئاً يفطر عليه كمن كان في السيارة، وأذن المؤذن للمغرب نوى الفطر بقلبه، والمؤذنون في الفجر يؤذنون اليوم على التقويم فمرجعهم هذا التقويم وهو عندك، فلا تقل: تقدموا وتأخروا، فإنما مرجعهم إلى هذا التقويم، وهو عن دراسة وظن غالب؛ ولذلك فأمسك إذا أذن المؤذن، وينتبه المسلم في رمضان من قضية الإذاعات والقنوات؛ لأنها تبث أذاناً على أوقات وبلدان مختلفة، وربما قال: سمعت أذان مكة فأفطرت وأنا من أهل جدة وسمعت كذا؛ ولذلك لا بد من التروي في قضية الفطر عند المغرب لا تفطر إلا وأنت متأكد، وكذلك الفجر تمسك حتى تتأكد من طلوع الفجر.

ويجوز الفطر للمسافر باتفاق العلماء سواء كان السفر مريحاً أم شاقاً؛ لأن الله ذكر ذلك في كتابه، ولا يمكن لأحد أن يمنعه من هذه الرخصة.

ومن ابتدأ الصيام وهو مقيم، ثم سافر أثناء النهار جاز له الفطر، وإذا كان المطار في البلد لا يفطر حتى تبتعد الطائرة عن البلد، وتقطع المسامة خط المسامة العمودي الذي تنتهي به البلد، وينتهي بنيان البلد، فإذا خرج عن بنيانه جاز له الإفطار.

والمريض قد يكون بعض المرضى عنده زكام، وصداع يسير، ووجع ضرس، فهذا لا يفطر، لكن إذا كان يشق الصيام عليه أو يضره فإنه يكره له الصوم أو يحرم؛ لأن الشريعة لا ترضى بالضرر، ومن كان مرضه مزمناً فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، سواء كل يوم أخرج هذه الفدية، أو جمعها في آخر الشهر ولا حرج، وأما إذا كان يرجى شفاؤه في تقدير الأطباء، والقضية كلها في اجتهاد الأطباء، وعلى الأطباء مسئولية في الإخبار إخبار الناس، فعند ذلك ينتظر الشفاء، وليس عليه فدية، وليس عليه إلا القضاء، وكذلك الكبير، والعاجز، والهرم، والشيخ الفاني الذين لا يستطيعون الصيام لا يلزمهم فيخرجون الفدية.

ويحرم الصيام على الحائض، والنفساء، أما دم الاستحاضة فلا يمنع الصيام، والنفساء إذا طهرت قبل الأربعين اغتسلت وصامت وكذلك فإنها تصلي، وإذا طهرت قبل الفجر نوت الصيام أما إذا لم تطهر إلا بعد الفجر أو نزل عليها دم الحيض قبل المغرب فإنها تفطر، وتؤجر على الامتثال، ويلزمها أن تقضي يوماً بدلاً منه، والحامل والمرضع مثل المريض.

كثير من الشباب الذين يسألون عن أمور أفسدت صومهم من عادات سيئة إنما كان السبب مثيرات الشهوات في القنوات.. في المواقع.. في الجوالات؛ ولذلك احفظ صومك يا عبد الله، احفظ عينك.. احفظ سمعك

ولا بد من الابتعاد عن مثيرات الشهوات، وكثير من الشباب الذين يسألون عن أمور أفسدت صومهم من عادات سيئة إنما كان السبب مثيرات الشهوات في القنوات.. في المواقع.. في الجوالات؛ ولذلك احفظ صومك يا عبد الله، احفظ عينك.. احفظ سمعك حتى يسلم لك صومك، وكذلك من علم أنه لا يضبط نفسه ابتعد عن مباشرة الزوجة في نهار رمضان، وأما إذا نام فاحتلم فلا شيء عليه.

وأسوأ المفطرات الجماع فإنه يلزم منه الكفارة المغلظة بالإضافة إلى قضاء اليوم، وكذلك فإن من استمنى في نهار رمضان أثم، وعليه التوبة، وإكمال اليوم والقضاء، والأكل والشرب يكون له صور متعددة فمن تعاطاه أفطر، ولكن المعذور لا يأثم ويقضي، وغير المعذور يأثم ويقضي ويتوب.

فحقن الدم يفطر؛ لأنه مغذي، وكذلك الإبر المغذية، وغسيل الكلى على ما ذكره أهل الفتوى المعاصرين بعد الرجوع إلى الأطباء، هذه إذا احتاج إليها فعلها ولكن ليس عليه إلا القضاء.

والحقنة الشرجية، ودواء البنسلين والأنسلين، وإبر تنشيط الجسم وإبر التطعيم وإبر البنج، وبخاخ الربو، كل ذلك لا يفطر، وكذلك الرعاف والجرح والتقيؤ بلا عمد، وتذوق الطعام للحاجة ثم يلفظه، والسواك في جميع أجزاء النهار السواك المجرد بغير طعوم صناعية مضافة، وما لا يمكن التحرز منه كابتلاع الريق، وغبار الطريق، وغربلة الدقيق، فكل ذلك لا يفطر؛ لأنه لم يكن بالأكل والشرب والجماع ولا في معناه.

عبادة الدعاء

00:27:01

عباد الله: الدعاء عبادة عظيمة في هذا الشهر الكريم، وأدعية الأنبياء قدوة لنا: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَسورة إبراهيم35 مع أنه إبراهيم خليل الله أبو الأنبياء، ومع ذلك يخشى على نفسه الشرك ويقول: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ، اجعلني مقيم الصلاة، ومن ذريتي، ولم ينسهم من خير الدنيا وخير الآخرة فقال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَسورة إبراهيم37 هذا خير الدنيا، ومع ذلك قال: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَسورة إبراهيم35 رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْسورة البقرة129هذا خير الآخرة، فلا تنس ذريتك من الدعاء من خير الدنيا والآخرة.

وكذلك زكريا لما قال: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّيسورة مريم4 وإذا وهن العظم وهن البدن؛ لأن العظام هي عماد البدن، وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًاسورة مريم4 هذا معناه: أنه بلغ من الكبر عتياً والعود إذا يبس يقال عتا يبس، وهكذا من تقدمت به السن تصبح فيه يبوسة، وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًاسورة مريم5وشكا إلى الله، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِيسورة مريم5ويريد ولياً يقوم بدينه ودعوته فأجاب الله دعاءه، مع أن السن لا يؤهل والمرأة عاقر، فرزقه الله يحيى لم يسم به أحد في العالم من قبل، بشره الله بذكر يحمل رسالة أبيه.

يونس: لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَسورة الأنبياء87، وأيوب: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَسورة الأنبياء83، وموسى: إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌسورة القصص24.

ما الذي يجمعها شكوى الحال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّإِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌفشكوى الحال لله حتى بدون سؤال يكفي في الدعاء، الله يحب أن العبد يشكو إليه حاله ويظهر فقره وذله ومسكنته.

اللهم تقبل صومنا وصلاتنا وقيامنا وتب علينا، اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، انشر رحمتك علينا يا رب العالمين، آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اقض ديوننا واستر عيوبنا واشف مرضانا وارحم موتانا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، يا أرحم الراحمين اجعلنا سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك، ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقرب إليك يا أرحم الراحمين، لا تفرق جمعنا هذا في جمعتنا إلا بذنب مغفور وعمل مبرور، ارزقنا بلوغ رمضان وأتم علينا النعمة بإتمامه، اللهم اجعله لنا مغفرة ورحمة وعتقاً من النار.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري38 ومسلم760
2 - رواه البخاري1903
3 - رواه البخاري1904
4 - رواه مسلم1028
5 - رواه البخاري1909
6 - رواه النسائي2106
  • أبو نايف

    كيف أحمل هذه المادة؟