الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 هـ :: 22 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

تزودوا في عشركم وحجكم


عناصر المادة
الخطبة الأولى
السعيد من اغتنم مواسم الأيام بصالح الأعمال
السلف واغتنام الأعمار في الطاعات
فضيلة العشر من ذي الحجة ووظائفها
الأضحية مشروعيتها وأحكام تتعلق بها
الخطبة الثانية
تجليات التوحيد في أعمال الحج
خطر الباطنية على أهل الإسلام

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد.

السعيد من اغتنم مواسم الأيام بصالح الأعمال

00:00:30

عباد الله: ربنا تعالى خلق الزمان يشرع فيه ما يشاء، ويفضل بعضه على بعض كما يشاء، وقد فضل عشرنا هذه على سائر أيام العام، فهذه أفضلها بلا ريب، أفضل حتى من أيام رمضان، ولكن الليالي العشر الأخيرة من رمضان أفضل ليالي العام، ومن قدر حق هذه الأيام وأعطاها قدرها اجتهد فيها بالطاعات؛ لأنه يعلم بأن ربه لا يحب الأعمال الصالحة مثلما يحبها في هذه العشرة وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَآل عمران:133سارعوا بالأعمال الصالحة، سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِالحديد: من الآية21 امتدح الله المؤمنين؛ لأنهم يسارعون في الخيرات، وهم لها سابقون. يسارعون في الطاعات، يعرفون قيمة الأوقات، ولذلك فهم لا يضيعونها فيما لا يفيدهم، وإنما يحرصون على مرضاة ربهم في كل وقت وحين؛ لأن المضيع سيندم، ويقول المضيعون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَافاطر:37 (يعني من جهنم) نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُفاطر:37هذه الأيام خزائن، فالسعيد من استودع فيها طاعة الله والأعمال الصالحة، جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراًالفرقان:62، لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار وتقريب الآجال.

وما هذه الأيام إلا مراحل يحث بها داعٍ إلى الموت قاصدُ
وأعجب شيء لو تأملت أنها مراحل تطوى والمسافر قاعدُ

يغار المسلم على أوقاته، وهذه العشر نعمل فيها ما نستطيع من الطاعات، بالإضافة إلى الفرائض، وإتيان المساجد، والتبكير إليها، والخشوع في الصلوات، والحرص على الأذكار، وتلاوة كتاب الله، والسنن الرواتب، وقيام الليل، وسائر النوافل من صلاة الضحى، وركعتي الوضوء، وتحية المسجد، وصلاة بين كل أذانين، وغيرها من أنواع الصلوات.

وأيضاً الصيام، فمن صام التسع كلها فهو على خير وبر وأجر، ومن صام بعضها كذلك، ويوم عرفة يكفر سنتين يصومه غير الحاج، وكذا المسارعة في الخيرات من أنواع الصدقات والبر والإحسان، فيطعم الطعام، ويفشي السلام، وكذلك كان بعض السلف لا يصنعون طعاماً نفيساً إلا لضيف أو مسكين، وأمر بعضهم أهله أن يصنعوا له حلاوة يوماً، ولم يكن يأمرهم بصنع شيء أصلاً، ففرحوا، فصنعوا، فقال: اذهبوا بها إلى فلان المسكين. قالوا: أتعبتنا ولم تأكل!، قال: إذا أكلته ذهب في الحش، وإذا أكله ذاك فهو عند الله.

وهكذا ينبغي أن نكون في العشر في استغفار وتسبيح وتحميد وتكبير وتهليل كما أوصانا ﷺ، فالعشر فيها التكبير المطلق في الطرقات، في المكاتب، في المعاهد، في البيوت، في المساجد، في سائر الأماكن.

أن ندخل "مول" من المولات فترى العمال يحملون ويرفعون، ويعرضون، وتشرح المواصفات، ويقبل الزبائن، ويستعرض من يستعرض، ودفع وقبض وتفتيش وأخذ ولا يوجد فيهم من يكبر الله تكبيرة.

السلف واغتنام الأعمار في الطاعات

00:04:58

عباد الله: عبادات في القلب: إخبات، خضوع، انكسار، ذل بين يدي الله، صدق معه، وحياء منه.

وعبادات باللسان: أوصانا ﷺ في هذه العشر بالتحميدِ والتكبيرِ والتهليلِ والتسبيحِ، والتكبيرُ على رأسها.

والسعيد من بورك له في وقته، وأعانه ربه على ذكره وشكره وحسن عبادته.

أفضل العبادات في كل وقت ما فرضه الشرع فيه، فإذا جاء وقت السحر فالاستغفار، وقبله قيام الليل، وعند الفرض الصلاة، وفي وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل الإقبال على تعليمه، وإذا جاء الضيف إكرامه، وإذا احتبس المطر الاستسقاء، وإذا حصل خلافٌ فالإصلاح بين الناس، وهكذا تستثمر الأعمار في سبيل الله، فلقد كان بعض السلف لو قيل له أن يزيد على عمله شيئاً ما قدر؛ لأن وقته مستثمرٌ كله في عمل الخير، وإذا كان نبينا ﷺ سأل أصحابه يوماً دون استعداد منهم للجواب، من أصبح اليوم منكم صائماً؟قال أبو بكر: أنا. من تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا. من عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، قال ﷺ: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة [رواه مسلم برقم (1707)]. فجرب يا عبد الله، أن تجمعها في يوم واحد؛ لتعلم كيف كان يعيش الصديق.

وكان عمر يقول: "إن نمت الليل ضيعت نفسي، وإن نمت النهار ضيعت رعيتي" [1]، فكان قليل النوم، حريصاً على طاعة ربه ومصلحة رعيته.

قال حماد: "ما جئنا إلى سليمان التيمي في ساعة يطاع الله فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً، وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئاً، أو عائداً مريضاً، أو مشيعاً جنازة، أو قاعداً في مسجد، فكنا نرى أنه لا يُحسن أن يعصي الله، فلو قيل له أن يعصيه ما عرف كيف يعصيه". وهكذا كانت تستثمر الأوقات في طاعة رب البريات. وليس مثلما يحدث معنا اليوم، كانت تضيع الأوقات في أشياء من الخفق والذهاب والعودة والسيارات والشوارع..، فجاءت القنوات فضاعت الأوقات في الأزرار على القنوات والشاشات والأفلام والمسلسلات، فجاءت شبكة الإنترنت، فضاعت الأوقات في مواقع الدردشة والمنتديات والفيسبوك والتويتر واليوتيوب، ومن مقطع إلى مقطع، ولا تدري هل في ذلك مصلحة شرعية؟، هل هم يقصدون وجه الله من وراء هذا؟ هل في هذا منفعة؟، أو شيء في الدنيا مصلحة أو في الآخرة؟ أو أنه تسجية أوقات، وهل رخصت الأوقات علينا حتى صارت تضيع بمثل هذه السهولة؟.

فضيلة العشر من ذي الحجة ووظائفها

00:08:16

هذه العشر الله أقسم بها وَالْفَجْرِ ۝ وَلَيَالٍ عَشْرٍ الفجر:1-2 والراجح أنها عشر ذي الحجة، هذه العشر قال الله: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِالحـج:27، فينبغي أن نذكر الله فيها، كما كان السلف، قال مجاهد : أدركتهم وإن الرجل يكبر في المسجد فيرتج بها أهل المسجد، ثم يخرج الصوت إلى أهل الوادي حتى يبلغ الأبطح، فيرتج بها أهل الأبطح، وإنما أصلها من رجل واحد كبر فذكرهم، فصار يكبر هذا من هنا وهذا من هنا، فارتفع التكبير [2].

عباد الله: هناك بذل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإماطة الأذى، وهنالك زيارة الإخوان في الله، وهنالك بر الوالدين، وصلة الرحم، وإعانة الضعيف، وتشميت العاطس، وإخراج الأذى من المسجد، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وتقديم المساعدات للناس والكلمة الطيبة وإنظار المعسر، يا صاحب العمارة جاءك هذا غير متلاعب ولا مماطل، مسكين، يقول: أجِّلني، إنظار المعسر الآن من أعظم العبادات، وإفشاء السلام، والدعاء لأخيك المسلم بظهر الغيب، والإحسان إلى الجيران.

عباد الله: إن هذه الأنواع من الطاعات هي التي تفعل في هذه العشر، وينبغي أن نكون حريصين عليها أشد الحرص.

دع التشاغل بالغزلان والغزل يكفيك ما ضاع من أيامك الأولِ
ضيعت عمرك لا دنيا ظفرت بها وكنت عن صالح الأعمال في شغلِ
هلا تشبهت بالأكياس إذ فطنوا فقدموا خير ما يرجى من العملِ
فرطت يا صاح فاستدرك على عجل إن المنية لا تأتي على مهلِ
دع البطالة والتفريط وابكِ على شرخ الشباب الذي ولَّى ولم يطلِ
وقف على بابه المفتوح منكسرا تجزم بتسكين ما في النفس من عللِ
ولازم الباب واصبر لا تكن عجلاً واخضع له وتذلل وادعُ وابتهلِ
ونادِ: يا مالكي قد جئتُ معتذراً عساك بالعفو والغفران تسمح لي

الأضحية مشروعيتها وأحكام تتعلق بها

00:10:31

عباد الله: من العبادات العظيمة التي تكون في هذه العشر -ولا شك- ذبح الأضاحي، ذبح الضحايا لأهل البلدان، وذبح الهدايا للحجاج.

الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضحى؛ تقرباً إلى الله لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْالحج: من الآية37وذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها ولو كان أضعافها.

وهي سنة مؤكدة عند جمهور أهل العلم، وقال بعضهم بوجوبها على القادر، مشروعة للذكر والأنثى، وأهل البوادي والحاضرة، والمقيم والمسافر، ومن ملك ثمنها فاضلاً عن نفقته ونفقة أهله يتأكد عليه، والميت تضحي له في أضحيتك، فإذا قلت: عني وعن آل بيتي شملت الأموات، وإذا أفردته بأضحية إذا كان عندك سعة فهذا طيب، وهذه صدقة تصل إليه، وإذا كان ترك مالاً وأوصى فلا بد من تنفيذ الوصية فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُالبقرة:181. يضحى بالذكر والأنثى من بهيمة الأنعام، فقط الإبل والبقر والغنم شاة واحدة تكفي عن أهل البيت جميعاً، الناس الذين نفقتهم واحدة، وحلالهم واحد، ومالهم واحد، تكفيهم أضحية واحدة. واليوم مع ارتفاع أسعار الأضاحي، فماذا نفعل؟.

لو أجلت الشراء إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر من ذي الحجة؛ لأن ذبح الأضاحي ينتهي بغروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ لعلها ترخص. فإن لم تجد فربما يوجد في الخارج أضاحي مقدور عليها، ويمكن فعل إجراء آخر وهو الاشتراك، ليس في الشاة، فالشاة لا يمكن الاشتراك فيها فإنما هي عن واحد، لكن البقرة، فمن لا يملك قيمة شاة، يشترك مع ستة آخرين فربما وجدت بقرة بسعر مناسب، ولا يشترط أن يكون المشتركون فيها أقارب أو يعرف بعضهم بعضاً.

عباد الله: كلما كانت أسمن وأكثر لحماً وأكمل خلقة وأحسن منظراً فهي أطيب، والله طيب ، ويشترط في الأضحية أن تبلغ السن المعتبرة شرعاً وهو ما تم له سنة من الماعز، والضأن ستة أشهر فما فوق، والبقر سنتين فما فوق، والإبل خمس فما فوق، ولا ذبح قبل صلاة العيد، ويجوز الذبح ليلاً أو نهاراً.

ولا بد أن تكون سليمة من العيوب، وويل للغشاشين في سوق الغنم.

ومن العيوب المانعة من الإجزاء: العمى، والمرض البيِّن، والعرج البين، والمخ الهزيل، وتكره التضحية بمقطوعة الأذن، أو مشقوقة الأذن، أو البتراء، وإذا عيَّنها لا ينقل ملكها لا ببيع ولا بهبة إلا بأن يأتي بأحسن منها، ويجوز له أن يستعين بغيره، وأن يوكل، والنبي ﷺ أعطى المضحي شرفاً، وذلك لما كان المضحون يشاركون الحجاج في شيء من النسك وهو ذبح الضحايا، كما يذبح الحجاج الهدايا أعطتهم الشريعة شيئاً من الأحكام في النسك، وهو الإمساك عن الشعر والأظفار والبشرة للمضحي فقط، يريد أن يغتسل، أو يتطيب، أو يأتي أهله، أو يلبس المخيط كل ذلك جائز له، لكن المحظور عليه فقط الشعر والأظافر والبشرة حتى تذبح الأضحية وهذا خاص بالمضحي، أما أهل البيت فلا وجوب عليهم في ذلك، ولو ضحت المرأة من مالها أمسكت، وبقية العائلة لا تمسك.

ويسوقها إلى محل الذبح سوقاً رفيقاً، يحد السكين، بعيدا عنها وعن الأخرى، وتستقبل القبلة، وبسم الله والله أكبر، ولا يعطي الجزار منها شيئاً أجرة، لكن بعد إعطاء الأجرة يجوز الصدقة عليه منها، ويأكل ويُطعم فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَالحج: من الآية28أو يأكل ويُطعم ويهدي فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ الحج: من الآية36التنصيف أو التثليث فكلاهما صحيح.

اللهم تقبل منا، وتب علينا، وبارك فيما آتيتنا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، يا سميع الدعاء.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:15:43

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أشهد أن لا إله إلا الله حقاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى طريقه ومنهجه وصراطه المستقيم صدقاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته الطيبين الطاهرين وزوجاته وخلفائه الميامين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

تجليات التوحيد في أعمال الحج

00:16:20

عباد الله: من أجلِّ ما يفعل في هذه العشر الحج هذه العبادة العظيمة الحج؛ لأجل التوحيد وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِالحج: من الآية26، عرَّفناه، وعيَّناه عليه، ودللناه عليه، وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاًالحج:26 لا تشرك. هذا التوحيد من أجله بني البيت، وشرع الحج، وحج الأنبياء، والنبي ﷺ رأى موسى -والله على كل شيء قدير يُري نبيه ما يشاء- رأى موسى يلبي، ورأى يونس على ناقة حمراء وهو يلبي، كذلك حج الأنبياء بعد الخليل الذي ساعده ولده، وكان الكبش هبة من الله، وجزاء معجلاً للاستسلام؛ لأنك تضحي يا مسلم؛ امتثالاً للأمر، واقتداء بالنبي ﷺ، وشكراً لله على نعمة الحياة؛ لأنه أحياك إلى هذه السنة فتضحي، وتنهر الدم على اسم الله توحيداً له وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِالحج: من الآية: 28، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْالكوثر:2وانحر لربك، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِيالأنعام: من الآية: 162 النسك: الذبيحة لله، لا يذكر معه غيره عند الذبح، وهكذا تضحي لتُطعم، وتضحي لتهدي، وتضحي لتأكل وتوسع على أهلك.

ولأجل التوحيد الحج، لأجل التوحيد بناء البيت، التوحيد الذي هو حق الله على العباد، وهذا الحج التمتع والقران والإفراد، فيه ذبح واجب في التمتع والقران، ومستحب في الإفراد، ولا يحرم الإنسان نفسه من التمتع لأجل الدم؛ لأن هناك حلاً ومخرجاً شرعياً وهو صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع.

التوحيد يا عباد الله، شعار واضح جداً في الحج لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، وكذلك ما يقام من الذكر عند الحجر الأسود، وحين تصعد فوق الصفا تهلل توحيداً لله ، وعند رمي الجمار تكبر توحيداً لله ، وفي عرفة أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له[رواه الترمذي برقم (3509)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (2598)] توحيداً لله -، وعند المشعر الحرام اذكروا الله توحيدا لله ، به قامت الأرض والسماوات، وخلقت لأجله جميع المخلوقات، وبه أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه، ولأجله نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبه انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار، الأبرار والفجار، ولأجله جردت السيوف للجهاد، وهو حق الله على جميع العباد، وهو كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام. ولذلك النبي ﷺ وصل به الأمر إلى أن قاتل من أجل التوحيد، وأريقت الدماء من أجل التوحيد، وخرجت جيوش الصحابة من أجل التوحيد، وفتحت البلاد في الشام والعراق ومصر من أجل التوحيد، ولنشر التوحيد، وهكذا وقعت المعارك بين أهل الإسلام والكفر، ولما وجدت في المسلمين بدع وانحرافات وفرق خرجت عن التوحيد، جرد لأهلها المسلمون ما جردوا، ووقعت بين السلاجقة المسلمين بقيادة ألب أرسلان والبيزنطيين المعركةُ التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً عظيماً، وكانت نقطة فاصلة، وقبل المعركة جاء الإمام أبو نصر محمد بن عبد الملك، وقال لألب أرسلان: إنك تقاتل عن دين وعد الله عباده بنصره، وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقَهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين، فلما كانت تلك الساعة صلى بهم، وبكى السلطان، وبكى الناس، ودعا، فأمنوا. فقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف، فليس هاهنا سلطان يأمر ولا ينهى -تبرأ من حوله وقوته-، وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف، ولبس البياض، وتحنط. وقال: إن قتلتُ فهذا كفني، فحمل، وحمل معه المسلمون، فاستجاب الله دعاء المخلصين، وكان الفتح العظيم في معركة "ملاذكرد".

خطر الباطنية على أهل الإسلام

00:20:42

لما قام أهل الباطل الباطنية المنحرفون القرامطة الذين أغاروا على مكة، ونزعوا الحجر الأسود، وقتلوا الحُجاج حول الكعبة، وكان الحُجاج يتوسلون ويمسكون بستار الكعبة ولا ينفعهم ذلك، وهذا الزنديق يأمر عساكره بقتلهم ويقول:

أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا

وبكل وقاحة وبجاحة، وكان هؤلاء الباطنية من أعظم الأسباب في استيلاء النصارى على بيت المقدس، حتى استنقذه المسلمون منهم، ولذلك بدأ صلاح الدين بإسقاط دولة الباطنية المسماة زوراً "الفاطمية" قبل أن يقاتل الصليبيين؛ لأنه لا يمكن قتال هؤلاء الخارجيين قبل هؤلاء الداخليين، فهم العدو العظيم، واستمرت خيانة الباطنية للمسلمين الموحدين كما حصل من الوزير ابن العلقمي مع التتر، وكيف أدخلهم بغداد، وقتل ما يقارب مليوني مسلم، وظهرت أحقادهم عبر التاريخ في الدولة الحمدانية والبويهية والفاطمية والصفوية، وهكذا لا تزال خياناتهم تظهر واحدة تلو الأخرى، هؤلاء الباطنية أهل الشرك، هؤلاء الذين يريدون إسقاط التوحيد.

عباد الله: ونحن مع قرب موسم الحج قلوبنا على هذا الموسم، ونرى تهديد هؤلاء الباطنية لأمن الحج، وكذلك نرى ما يحصل منهم من التآمر على حدودنا الجنوبية، وما يحصل من هجماتهم على الناس في قراهم، حتى المساجد يدنسون المصحف؛ لأنه رسم عثماني، ويكرهون عثمان ، ولا يعترفون بالمصحف سبحان الله! وماذا يوجد في الأرض من المصاحف غير المصحف العثماني؛ فعثمان هو الذي جمعه، وأنتم تكرهون عثمان، تدنسون المصحف، هذا شأن الباطنية، هذا شأنهم وهذا ديدنهم.

وندعو الله تعالى بالأمن للحجاج، وأن يحفظ الله الأمن في بلدنا هذا.

اللهم إنا نسألك أن تعمم الأمن والإيمان على بلدنا يا رب العالمين، واجعل حجاجك في أمن وسلامة وخير يا أرحم الراحمين، ومن أراد أن يمد يد غدر أو إثم إلى حجاج بيتك أو يعكر أمنهم وصفو حجهم فاقطع دابره، ورد كيده في نحره، ومن أراد بلدنا بسوء، ومن أراد أهل هذه البلد بسوء فامكر به يا رب العالمين، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا أرحم الرحمين. اللهم احفظ بلدك هذا وبلاد المسلمين يا أرحم الراحمين.

عباد الله: في هذه العشر العبادة العظيمة التوبة إلى الله ، والانخلاع من الذنب، والعزم الأكيد، وليس التوبة المؤقتة، وليس التوبة فقط للعشر وقدسية الأيام هذه، موسم الحج فقط، لا، بل هي توبة دائمة مستمرة.

يا نفس توبي فإن الموت قد حانَ واعصِ الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا لقطا وتُلحق أخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشيعه نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأموال أجمعها خلفي وأخرج من دنياي عريانا
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
أين الملوك وأبناء الملوك ومن كانت تخر له الأذقان إذعانا
خلوا مدائن كان العز مفرشها واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً ورافلاً في ثياب الغي نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب يكفيك ما قد مضى قد كان ما كان

اللهم تب علينا واغفر ذنوبنا، اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واقض ديننا، واشف مرضانا، وارحم موتانا. وثبت أمننا، أسبغ علينا الإيمان، ووفقنا للإحسان، واجعلنا من أهل دار الرضوان، يا رحيم يا رحمن، أدخلنا الجنة بغير حساب ولا عذاب، وعافنا من النار، ومن دار البوار، اللهم إنا نسألك عيشاً رغيداً، وصحة وعافية، عيش السعداء، وموت الشهداء، أصلح نياتنا وذرياتنا، وآمنَّا في الأوطان والدور، وأصلح الأمة وولاة الأمور، وتب علينا يا عزيز يا غفور.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.


[1]- إحياء علوم الدين: (1/350) طبعة دار المعرفة بيروت.

[2]- مصنف ابن أبي شيبة: (3/250) باب في التكبير أيام التشريق: برقم: (13920).

1 - رواه مسلم برقم (1707)
2 - رواه الترمذي برقم (3509)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (2598)