الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
من معالم التربية في الحج
فقد انقضى موسم حج هذا العام، وشهد المسلمون فيه المنافع العظيمة، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْالحج:27-28، انقضت الأيام المعلومات، والأيام المعدودات، أيام العشر وأيام التشريق، انقضى ذلك المؤتمر العظيم الذي فيه تعليم التوحيد، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُالأنعام:162-163، هذه الحياة التي تقوم على منهج لا إله إلا الله، وهذه العبادات العظيمة التي تربي المسلمين، فالصلاة تربينا، والزكاة تربينا، والصيام يربينا، والحج يربينا، هذا يعلمنا صحة العقيدة والتوحيد، ومنذ أن حدد مكان البيت العتيق وعُين مكان الكعبة كان لأجل التوحيد، وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِالحج:26، لماذا؟ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًاالحج:26، وفي عصور مختلفة، وأزمنة مختلفة، وأمكنة مختلفة، تتعدد الآلهة، وتكثر المعبودات عند البشر ما بين أموات، وأحياء، وجمادات، يبقى المسلم وفياً لربه، مقيماً على توحيده، منذ أن يعلن الإحرام بهذه التلبية، وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، في طوافه، وسعيه، ووقوفه بعرفة، ورميه الجمرات، والحلق، والتقصير، والذبح، وهكذا إنه يعملها لله وحده، وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًاالجن:18.
أنف الشريك عن الإله فليس لي | رب سوى المتفرد التواب |
لا قُبة تُرجى ولا وثن ولا قبر | له سبب من الأسباب |
أيضاً ولست معلقاً لتميمة | أو حلقة أو ودعة أو ناب |
لرجاء نفع أو لدفع مضرة | الله ينفعني ويدفع ما بي |
هذا التوحيد في العبادات هو الذي يستحضره المسلم في عمله، وهو يمتنع عن أي شرك، وإن رأى الكثيرين يفعلون، لما رأى عمر شيئاً من الاجتماع عند الشجرة التي صارت تحتها بيعة الرضوان في الحديبية أمر بقطعها، فعن نافع: أن الناس كانوا يأتون الشجرة فقطعها عمر، خاف عليهم الفتنة. قال ابن حجر رحمه الله: وبيان الحكمة في ذلك هو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، -يعني: في العصر النبوي من المبايعة على الموت في سبيل الله-، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها، أي: للشجرة، قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهداً فيما هو دونها. [فتح الباري].
التربية في هذا الحج على مخالفة المشركين، وعدم التشبه بهم، فقد كانوا على سبيل المثال يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، تناقض عجيب وشرك صارخ، ونحن نقول: لبيك لا شريك لك لبيك، كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج، وعندنا عمرة في أشهر الحج، وتمتع بها إلى الحج، كانوا يقولون عن أنفسهم الحُمس، ولا يجاوزون مزدلفة مع بقية الحجاج إلى عرفة، فجاء النبي ﷺ مزدلفة ثم جاوزها إلى عرفة، كانوا يأتون المشعر الجبل يقولون: أشرق ثبير، فجاء عنده النبي ﷺ، ودعا الله، وذكره، ووحده، ولبى، وكانت عادته -كما قال ابن القيم رحمه الله- صلوات الله وسلامه عليه أن يقيم شعار التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك، ويظهر شعائر الإسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر، وقال: الشريعة قد استقرت، ولاسيما في المناسك على قصد مخالفة المشركين، وهكذا ينفي المسلم عن نفسه ألوان البدع، ولا يمكن أن ينحرف مع المبتدعين، فترى بعضهم مثلاً يتمسح بمقام إبراهيم، وبجدران الحرم، وبالأعمدة، والبلاط، والأدراج، والحِلق المعدنية في الأبواب، ولا يكادون يوفرون شيئاً في التمسح إلا مسحوا به، وبعضهم يأتي بثياب المرضى معه، ويمسح بها على جدران الكعبة، وكذلك على أطفالهم يلتمسون بركة، لكن من أي شيء؟ وبعضهم يتمسح بأئمة الحرم، وبعضهن من الحاجات تتمسح حتى بالمشرفات، ويختطفن ممسحة مكنسة للتنظيف فيقتتلن على نتفها، فوا عجباً من الجهل، والبدعة المتفشية في هذه الأمة.
البركة من الله يضعها حيث شاء، فلما قال لنا نبيه ﷺ: ماء زمزم لما شُرب له[رواه ابن ماجه3062 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير5502 ]، وأن فيه بركة، نلتمس البركة بشربه، فهو ماء مبارك، وهذا ثابت، وعندما نمسح الحجر ليس لأن مسح الحجر يشفي من المرض، ولا أن مسح الحجر يزيد في المال، ولا أن مسح الحجر يجلب الحظ، ولا أن مسح الحجر يفك عقدة خسارة التجارة، أو تأخر الزواج، كلا والله، بل إن عمر هو الذي قال عندما جاء إلى الحجر الأسود: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك"[رواه البخاري1597]، هذا تسليم للشرع في أمور الدين، هذا هو حسن الاتباع مع صحة الاعتقاد، فبعض الناس قد يتابع في الصورة الظاهرة، لكن العقيدة في القلب غير، فهو يمسح على الحجر، والمسح مشروع على الحجر الأسود والركن اليماني، لكن العقيدة مختلفة، ولذلك عمر لما مسح بين العقيدة قال: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك"، فهو يتبع السنة بالتقبيل والاستلام، ولكن العقيدة سليمة، حجر لا يضر ولا ينفع، وهكذا يكون الاتباع مع صحة الاعتقاد، وأما هذا الجهل المطبق الموجود عند بعضهم في التمسح بأي شيء، وليس عندنا ما يُستلم إلا ركنين، ولا أي بناء في العالم يجوز الطواف به تعبداً إلا الكعبة، وأما بين الصفا والمروة فإنه يسعى بينهما، أما الدوران حول شيء تعبداً فلا يوجد إلا في الكعبة، فالقضية قضية تسليم.
الرد على من قال لماذا نطوف بالبيت وهو حجارة
فلو قال قائل: لماذا نطوف بالكعبة وهي حجارة مبنية؟ لماذا نرمي الجمرات؟ وماذا يوجد في الحوض حتى يرمى؟ الجواب: إنما هو مجرد الاتباع، والتسليم، وإقامة ذكر الله ، التسليم لله والاتباع لنبيه ﷺ هذا أساس الإسلام، هذا لا إله إلا الله، وهذا شهادة أن محمداً رسول الله، هذا هو المقتضى.
أمثلة للصحابة في التسليم لله ولرسوله
أيها المسلمون أيها الأحبة: لقد ضرب الصحابة المُثل العُليا في التسليم، والإجلال لنصوص الشريعة، لما رأوا النبي ﷺ خلع نعليه في الصلاة خلعوا، ولما قال ﷺ لواحد من الصحابة يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يديه، خلعه الصحابي ورماه مباشرة، ما كان يدري عن حكم خاتم الذهب للرجال، ولما نزل قول الله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّالنور:31، شقق نساء الأنصار مروطهن فاختمرن بها، مباشرة أتين بالحجاب، ولما كان الصحابة يقفون في مسجد قباء متجهين إلى الشام كما هي القبلة الأولى، فأتى رسول رسول الله ﷺ ليخبرهم أن القبلة تغيرت إلى الكعبة، استداروا في أماكنهم.
عباد الله: لا نعارض النصوص بالعقول أبداً، وكثير من حِكم الشريعة لا يدركها العقل، لماذا صلاة المغرب ثلاثاً؟ لماذا الفجر اثنتين؟ لماذا الظهر أربعاً؟ لماذا هذه الأعداد؟
تابع من معالم التربية في الحج
أيها المسلمون: الحج يعلمنا الوسطية، التي ضل في فهمها كثير من الناس، فبعض الناس يظنون أن الوسطية هي إقرار الباطل، ومهادنة الباطل، والرضا بالباطل، والتأقلم مع الباطل، وهنالك مثال صحيح عن الوسطية في الحج، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ غداة العقبة وهو على ناقته: القط لي حصاً، فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف، هذا الذي يُرمى به بين الأصبعين، فجعل ينفضهن في كفه ويقول: بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين،[رواه النسائي3057 حديث صحيح]، بهذا المقدار بين الحمصة والبندقة، فإياكم والغلو، فتأتي بحجر كبير، ومنهم من يرمي بالحجارة الصغار، والكبار، والأحذية، والمظلة، وقارورة الماء، والمنشفة فلا يترك شيء إلا يرمي به، هذا غلو.
الحج يعلمنا الاخشوشان قال ﷺ: إن الله يباهي بأهل عرفات فيقول لهم: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبرا[رواه أحمد7049 وصححه الألباني في صحيح الجامع 1868] شعثاً: أي الشعر غير ممشط، غبرا: التراب أثره ظاهر على الشعر.
الحج يعلمنا التقلل من الدنيا، عن أنس قال: "حج النبي ﷺ على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم"،[ رواه ابن ماجه2890، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب1122]، والرحل ما يوضع على ظهر الدابة للركوب، والقطيفة كساء غليظ، والرفاهية الزائدة هذه تنسف كل ما تريد الشريعة تعويد الحجاج عليه في قضية هجر المألوفات، وترك التنعم، فالإحرام فيه الامتناع عن قص الشعر، والأظفار، وعدم وضع الطيب، "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم"، والآن حملات بغرف نوم متنوعة، وشاشات انترنت، وخدمات جاكوزي، ما هذا؟ ما هذا؟
عباد الله: إن الفخر والخيلاء من طبيعة الناس، لكن الحج يكسر القلب، ويجعله متواضعاً لله ، ولذلك حج بعض المسلمين مشاة ما ملك راحلة، لكن قال الله: يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍالحج:27، رجالاً يعني مشاة، وحج هارون الرشيد الخليفة ماشياً.
حاج من قرغستان عمره تسعون عاماً، يقول: ظللت أجمع المال طيلة أكثر من سبعين عاماً منذ إن بدأت عملي كعامل في اسطبل للخيول، فلما أردنا الحج لم يكن لنا إلا أن نمشي، وعبرنا إلى تركمانستان، ولما أغلق الطريق في وجوهنا قطعنا نحواً من ألفي كيلو متر عبر الأراضي الأوزبكية، فلما سد الطريق اضطررنا للتوجه عبر سيبيريا، وتوفي أحدنا، ومرض آخرون، ودرجة الحرارة تحت خمسين تحت الصفر، وتابعنا إلى أذربيجان، وإيران، وتركيا، وسوريا، والأردن حتى وصلنا في النهاية، كيف يكون شعور هؤلاء؟ ألم يكن بعض حجاج أندنوسيا الذين يأتون عبر البحر يلتقون مع حجاج السنة الماضية في البحر، هذا الطريق الذي يحتاج إلى أشهر عبر البحر، فكان الناس يأتون على رمضان ويمكثون إلى الحج وينصرفون بعد الحج، فيلتقي حجاج السنة الماضية بحجاج السنة القادمة في البحر، ونحن اليوم نذهب بساعة، أفلا ينبغي أن نحمد الله على هذه النعمة.
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا عيش السعداء، وموت الشهداء، وحياة الأتقياء، ومرافقة الأنبياء يا سميع الدعاء.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمامنا وحبيبنا وسيدنا وقدوتنا صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وذريته الطيبين، وآل بيته الطاهرين، وزوجاته، وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: هذا الحج الذي يُعلم كيف يعمل الإنسان لتغفر ذنوبه، هذا الحج الذي يصلك بماضيك، وتتذكر أسلافك من الموحدين، إبراهيم الذي بنى البيت، وإسماعيل الذي أعانه، وهاجر التي كانت تطوف بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء من أجل طفلها الرضيع، فأنقذها الله ووليدها بهذا الماء
هذا الحج الذي يُعلم كيف يعمل الإنسان لتغفر ذنوبه، هذا الحج الذي يصلك بماضيك، وتتذكر أسلافك من الموحدين، إبراهيم الذي بنى البيت، وإسماعيل الذي أعانه، وهاجر التي كانت تطوف بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء من أجل طفلها الرضيع، فأنقذها الله ووليدها بهذا الماء
الذي يجري إلى قيام الساعة، ماء مبارك، وكذلك تستمر الطاعات، ويتابعون بين الحج والعمرة لنفي الفقر والذنوب، وأيضاً فإن هذا الحج من علامات عزة الأمة، وسيظل هذا الحج معلماً عظيماً من معالم قوتها، قال أحد الغربيين: "سيظل الإسلام صخرة عاتية تتحطم عليها كل محاولات التبشير ما دام للمسلمين هذه الدعائم، ومنها مؤتمر الحج السنوي العام.
وإذا نظرت إلى الحجاج الجدد، والذين أسلموا حديثاً ماذا يقولون؟ يقول أحدهم: لا أستطيع أن أصف مشاعري وأنا أرى الكعبة، فعندما رأيتها بكيت وبكيت كثيراً، ودعوت لمن كان سبباً في وجودي في الحج، بل وبعد الحج ينطلق كثيرون ممن أسلم حديثاً دعاة إلى الله، وجاء من جنوب تشاد قسيس أسلم لأداء فريضة الحج، وبعد أن رجع أسلمت على يديه إحدى عشرة قرية من قرى تشاد، وفي كينيا قبائل الماساي وثنية أسلم أحدهم وجاء إلى الحج، وعاد إلى بلده فكان شغله الشاغل الدعوة إلى الله فأسلم على يديه العديد من الناس، ودخلت قرى في دين الله ، وكان كبير للمشعوذين في جنوب دولة بينين حاقداً على الإسلام وأهله يستخدم السحر لصد المسلمين عن دينهم، فكتب الله له الإسلام، وحسن إسلامه، وجاء على نفقة بعض أهل الخير للحج، وبعد أن رجع دخل مئات من الناس على يديه في الإسلام، وأسلمت قرى كثيرة في بينين نتيجة لجهوده، فهذه المدرسة، مدرسة الحج تخرج دعاة، وإذا أحسن أهل الحرم القيام بواجبهم سيكون هنالك نتائج عظيمة، ومبشرة، أعظم وأعظم، بإذن الله تعالى، وقد روت كتب التاريخ أن أهل مكة كانوا عند قدوم الحجاج يعلمونهم المناسك، ويدلونهم على المسالك، فهذه وظيفة أهل مكة وما حولها؟ وجدة ميناء مكة البحري والجوي الآن، فيدلونهم على المسالك، ويعلمونهم المناسك، الله أكبر عندما يقوم المسلمون بوظيفتهم كيف ينتشر الخير، يعلمونهم المناسك، ويدلونهم على المسالك، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِالأحزاب:23، وهذا الانصراف من الحج، وفيه خشوع النفس لله.
إليك إلهي قد أتيت ملبياً | فبارك إلهي حجتي ودعائي |
قصدتك مضطراً وجئتك باكياً | وحاشاك ربي أن ترد بكائي |
أتيت بلا زاد وجودك مطمعي | وما خاب من يهفو لجودك ساعياً |
إلهي إليك قد حضرت مؤملاً | خلاص فؤادي من ذنوبي ملبياً |
يخرجون يقصدون بيت الله الحرام، ثم يعودون، فماذا يحصل لهم في خروجهم وبعد عودتهم؟ يقول ﷺ: أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطأها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو بها عنك سيئة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً غبرا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني فكيف لو رأوني، فلو كان عليك مثل رمل عالج ، صحراء قريبة من مكة، أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مذخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك[رواه الطبراني في الكبير13566 وحسنه الألباني في صحيح الجامع1360] ودع الحجاج بيت الله، في طواف الوداع الذي هو نظام عظيم للمسلمين، كانوا في الأول ينصرفون من كل وجه، واحد يخرج من منى، وواحد من مزدلفة، وواحد من طريق عرفة، وواحد عن طريق الطائف، وواحد عن طريق جدة، فجاءهم الأمر النبوي: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت[رواه مسلم 1327] كلهم لا بد أن يعودوا إلى البيت الذي بدءوا منه، ويودعونه قبل أن ينصرفوا، وهكذا.
تفيض للبيت العتيق حشودهم | ختماً بما بدأت به في حجها |
ويغادر الوفد العظيم مودعاً | تلك الرحاب وقلبه كلف بها |
قال أعرابي في ختام حجه: اللهم إن لك عليّ حقوقاً فتصدق بها عليّ، وللناس عليّ تبعات فتحملها عني، وقد أوجبت لكل ضيف إكراماً وأنا ضيفك فاجعل إكرامي الليلة الجنة، ودع الحجاج البيت وفي النفوس ما فيها، والله جعل البيت مثابة للناس، ما يذهبون عنه إلا ويشتاقون للعودة إليه، فأي مكان في العالم إذا خرج الإنسان عنه يشتاق للعودة إليه ولا يمل منه أبداً إلى أن ينقضي العمُر، هذه البنية التي جعلها الله للناس.
بعض الأعمال في أيام التشريق
عباد الله: ضحى أهل البلدان تقبل منهم، وذكروا الله في هذه الأيام العظيمة أيام التشريق، والذي يريد أن يصوم أيام البيض لا يصوم الثالث عشر، ويصوم الرابع عشر والخامس عشر، وإن شاء أضاف إليه السادس عشر، أو غيره، لتتم له ثلاثة أيام من كل شهر، وينبغي أن نكون نحن في صلة للرحم، وإحسان للجيران، وحسن المعاملة مع الناس، ورأس صلة الرحم بر الوالدين، عندما يأتي سؤال من امرأة، من أم، قبل أيام، يأتي السؤال يقول: ابني مدمن وعاق، وتشاجرت معه كثيراً، وفي آخر مرة دعوت الله عليه أن يموت، ونذرت أنه إذا مات لأصومن صيام داود ، تقول: ثم حدثت له حادثة ومات، فماذا يجب عليَّ؟! بغض النظر عما يجب عليها، من الذي يا ترى دفع هذه الأم الرؤوم، الرؤوف، الرحومة بولدها في الأصل إلى أن تدعو بهذا الدعاء وتنذر هذا النذر، معنى ذلك: أنه أراها ويلات عظيمة، وقد كثرت حوادث قتل الأبوين، يقول أحدهم بالتتبع ما يمر شهر إلا وتحدث جريمة قتل لأحد الأبوين، أين نعيش؟ في غابة؟! في جاهلية؟! ألم يأتي الإسلام بإكرام الوالدين.
اللهم اجعلنا بآبائنا وأمهاتنا بارين يا رب العالمين، واغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، اللهم وسع لنا في أرزاقنا، وبارك لنا فيما أتيتنا، واجعل ما أتيتنا عوناً لنا على طاعتك، نسألك الأمن والإيمان في بلدنا هذا وبلاد المسلمين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم اجزي بالخير كل من كان عوناً للحجيج على أداء حجهم ابتغاء وجهك يا كريم، اللهم اجزي بالخير كل من كان يراقب أمن الحجاج لأجل أداء حجهم ابتغاء وجهك يا عظيم، اللهم إنا نسألك أن تفرق جمعنا هذا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي مشكور.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.