الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الغاية من خلق الخلق
عباد الله: خلقنا الله لعبادته، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذاريات:56، ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرها، لآمرهم وأنهاهم، معدين للعبادة، ثم منهم من يتأتى منه ذلك، ومنهم من يأبى، فمن قام بعبادة الله، فقد حقق الغاية من وجوده، ومن قصر فيها، أو نكل عنها، فقد أبطل غاية وجوده، وأصبح بلا وظيفة، وباتت حياته فارغة من القصد، خاوية من المعنى، والله تعالى خلق الزمان والمكان، وهو الذي يفضل منه ما يشاء ويختار، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُالقصص:68، أي: المتفرد بالاختيار والتفضيل في الأزمان والأماكن، ولذلك فليس من حق العباد أن يفضلوا زمناً على زمن بلا دليل شرعي، والله تعالى جعل لنا مواسم الخيرات لنعبده فيها، وأوقات الطاعات لنشكره على نعمه فيها.
فضائل شهر رمضان
ورمضان أفضل شهور العام، شهر العبادة والطاعة، كان السلف رحمهم الله يعرفون له قدره، وأحوالهم فيه عجيبة، من تلاوة، وذكر، ودعاء، وبذل، وجود، وعكوف، والمحروم من حُرم فضل هذا الشهر، رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له[رواه الترمذي3545 وصححه الألباني في صحيح الجامع3510]، وإن من مزايا هذا الشهر الكريم أن صومه من أعمدة الإسلام، وهو السر بين العبد وربه، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به[رواه البخاري1904ومسلم 1151]، وقد جاءت الأحاديث الصحاح والحسان بفضله كقوله: الصوم لا عدل له[رواه النسائي2222]،ثلاث دعوات مستجابات: ومنها: دعوة الصائم[رواه الطبراني في الدعاء1313 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير3030]، للصائم فرحتان[رواه البخاري 1904 ومسلم 1151] يشفع للعبد يوم القيامة يقول: ربي منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه[رواه أحمد6589 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 3882] لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك[رواه البخاري 1894] الصوم جنة وحصن حصين من النار[رواه أحمد8972 وصححه محققو المسند15/123] من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا[رواه البخاري2840] الريان باب الجنة العظيم للصائمين، صيام رمضان يعدل صيام عشرة أشهر، من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه[رواه البخاري38 ومسلم760]،ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة[رواه الترمذي682 وحسنه الألباني 759]، فكل يوم من رمضان عند غروب الشمس لله في ذلك الوقت عتقاء، فمن الناس من أدرك قيمة الشهر، وعرف قدره، فهو يغتنمه، ويستعد له، ومنهم الساهي اللاهي، وقد قال الله: قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِسورة الجمعة11، وهذا اللهو اليوم إما أن يصفقون في الشهر، في الأسواق، فصار موسماً عظيماً للتنزيلات والمبيعات، وهذا يهون؛ لأن كثيراً منه من المباحات، ولكن اللوم على من ضيعه في هواية التسوق، والله نهانا أن تلهينا الدنيا عن الآخرة، وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُالعنكبوت:64، يعني: الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقضاء، الحيوان الممتلئة بالحياة المستديمة للحياة.
خطورة الفساد في رمضان، وكيف نقاوم ذلك؟
عباد الله: إن المصيبة إذا أشغل اللهو عن الطاعة، وقد قال ﷺ: كل لهو باطل [جامع الأصول3040] واستثنى منه أموراً من المباحات، من ملاعبة الزوجة، والرماية، وتأديب الفرس، واللهو الباطل ما أشغل عن ذكر الله، قال البخاري رحمه في صحيحه: "باب كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله"، وإذا كانت الشياطين تصفد فإن المصيبة في شياطين الإنس.
كل الشياطين قد باتت مصفدة | فما السبيل إذا الشيطان إنسان |
ولذلك فقد حرص أرباب الفساد، وأعداء الأمة، لما عرفوا فضل الشهر، وكثرة من يتوب فيه، واجتهاد الناس فيه بالطاعة، والإقبال على الله، والترك للمنكرات، عمدوا إلى إفراغ الشهر من محتواه ومضمونه، وإلى قطع الطريق، فهم لصوص في الحقيقة، لصوص رمضان، يشغلون الناس بالطرب والألحان، والأمسيات الفارغات، وهكذا الأفلام والمسلسلات، حتى غدا الإنتاج لهذا الشهر في البرامج الملهية لا يقارن ببقية شهور السنة، فعمد أصحاب شركات الإنتاج والقنوات إلى ملء هذا الشهر بما يغضب الله تعالى، ويقطع الطريق على الناس، وأموال طائلة، وأجور لهؤلاء الممثلين والممثلات متصاعدة، هذا شهر التوبة والإنابة إلى الله، فكيف يملئ بمثل هذا، وبعض هؤلاء لهم بواعث مادية فيقولون: الناس مجتمعون حول الشاشة، وهذه فرصتنا لبث البرامج، والتي من خلالها نأتي بالإعلانات التجارية التي تدر علينا الأرباح، فلا عجب أن يصل وقت الإعلانات في مثل هذه المسلسلات إلى خمسة وعشرين بالمائة، وإذا نظر المرء في محتواه فإنه يجد فيها ما يسمى بالكوميديا، الفكاهة والضحك، وفيها ما يخدش الإيمان والحياء، وفيها قمار وميسر، واتصالات مدفوعة الثمن للاشتراك في مسابقات يعلن عنها، ميسر في رمضان، ما أعظم الإثم! وأيضاً إشغال بتشويه شخصيات المسلمين العظيمة عبر التاريخ، كما فعلوا في عمر بن عبد العزيز، وخالد، وصلاح الدين، وابن تيمية، وما سيفعلونه بالإمام الشافعي رحمه الله، ولا شك أن تقديم الشخصيات العظيمة للأمة بهذا الشكل المهلهل، بل السيئ، والذي فيه معاصي واضحة يهون من قدرها في نفوس من ينظر إليها، بل ويمثل أدوارهم من أهل المجون والفسق من يشارك في هذه السلسلة الخطيرة من الإغارة على تراث الأمة، وشخصيات الأمة، وأبطال الأمة، وعلماء الأمة، وهكذا.
عباد الله: توظيف للباطل، وإشغال للناس، ساعات هائلة حتى يبيت الناس في حيرة، يثبتون على أي قناة، وينظرون إلى أي فلم، ومسلسل، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم[رواه مسلم2674]، فإذا كان الأمر كذلك، فإنهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فوزر هؤلاء عليهم، ومثل ذلك أوزار الذين التهوا بما قدموه من الباطل دون أن ينقص من أوزار المشاهدين شيء، والواجب مقاطعة كل قناة تصد عن سبيل الله، وتلهي عن طاعة الله، وتعرض ما يغضب الله تعالى، وينبغي أن يغار المسلم على صومه، وأن يحفظه، وهذا الصوم عبادة عظيمة، وركن ركين من أركان الدين، لسلفنا فيه حياة الليل والنهار.
يحيون ليلهم بطاعة ربهم | بتلاوة وتضرع وسؤال |
وعيونهم تجري بفيض دموعهم | مثل انهمال الوابل الهطال |
إن الله قال: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍسورة البقرة184، فلا تستطيلوها، ولا تستكثروها، إنها تنقضي سراعاً، وهكذا ما أن يبدأ الشهر حتى يتصرم الثلث، ثم الثلثان، ثم تنقضي العشر الأواخر، وإذا كان الله تعالى قد فرضه لأجل التقوى، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَسورة البقرة21، وذكرنا نبينا ﷺ بقوله: رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر[رواه أحمد 8639 وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب1084] فلا بد من صيانة العبادة عما يبطلها، وعما يحبطها، وحتى عما ينقص أجرها.
عباد الله: لماذا لا نلغي في رمضان كل شيء يلهي عن ذكر الله، ويجر الناس حتى للتأخر عن صلاة العشاء والتراويح لتسمرهم وانجذابهم إلى مثل هذه الملهيات، ولماذا لا يكون عندنا صبر، وإرادة، فلا نفتح أي باب للشر، تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَاسورة البقرة187، ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه[رواه أحمد17182 وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير3887]، ومثلها مواقع في هذه الشبكة تشغل كثيراً من الصائمين والصائمات عن طاعة الله تعالى، والأمانة لابد من القيام بها، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْسورة الأنفال27وينبغي أن يكون هذا الشهر فرصة لتربية أنفسنا، وأولادنا، وأهلينا على طاعة الله تعالى، وليس المطلوب أن يفاجئ الأئمة بظهور الناس بكثرة في رمضان في أوله، فلماذا لا تكون هذه المفاجئة الآن؟ وهل المطلوب أن ننتظر حتى يبدأ الشهر لنتحمس للمساجد؟!
عباد الله: لقد كان السلف يجتهدون في شعبان أيضاً، والتوبة لا تؤخر إلى رمضان، بل الآن حتى قبل دخول رمضان، وتعظم في رمضان، والدعاء الآن، ويعظم إذا دخل رمضان، والقرآن الآن، ويكثر إذا دخل رمضان.
عباد الله: إن الفرح بقدوم الشهر من علامات الإيمان، وتحري هذا الهلال أيضاً مما كان يحرص عليه السلف رحمهم الله، وكان القاضي يخرج مع الناس إلى ظاهر البلد لتحري الرؤية، وينبغي التزود بالعلم النافع من معرفة الأحكام المتعلقة بالعبادات في هذا الشهر ففيه صيام، وقيام، وكثير من الناس يخرجون فيه الزكاة، وفيه اعتكاف، وكثير من الناس يعتمر فيه، وفي نهايته صدقة الفطر، وهكذا من عبادات حتى في أحكام المساجد يحتاج الناس إلى تعلمها استعداداً لدخول هذا الشهر، هذه المساجد بيوت الله في الأرض التي يحبها .
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أشهد أن لا إله إلا الله حقاً، خلق فسوى، وقدر فهدى، هو الرحمن الرحيم، رب السماوات والأرضين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، الرحمة المهداه، البشير والنذير، والسراج المنير، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وذريته، وأزواجه، وخلفائه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
نصائح للمعلمين في بداية العام الدراسي
عباد الله: يتوجه أبناؤنا وبناتنا غداً إلى المدارس والكليات، فبماذا أوصيناهم؟ ماذا في عقولهم، وهم يتوجهون؟ وماذا أعد المدرسون والمدرسات لهذا اللقاء غداً، خصوصاً وأن بداية الموسم الدراسي على أعتاب رمضان، واستثمار الفرصة في الدعوة إلى التوبة، وتغيير المسار لهؤلاء الطلاب والطالبات إلى طريق الحق، والهداية، والعلم، والنور، والبصيرة، والعمل للآخرة، مهيأ جداً الآن، ولذلك فإن الخسارة العظيمة أن لا تستثمر الفرصة التي ستكون في الأيام القادمة، وقد جاءوا إلى المدارس بعد عطلة، وقد جاءوا على أعتاب الشهر، وقد جاءوا وهم مهيئون للتلقي، والتعلم، والدعوة، والتغيير، وغالباً ما تكون فرصة التغيير في بداية المواسم أكبر من لو استمر الموسم ودخلوا فيه، ولذلك تجد أن كثيراً من المهتدين، كانت هدايتهم في بداية تغير ما، إما أنه وفق لداعية اجتذبه في مطلع فصله الدراسي، أو في بداية رمضان، والنفوس تقبل لتتغير مهيأة للتغير، والاستثمار هنا يجب أن يكون أعظم ما يكون، هذه الأيام القادمة أيام ثمينة جداً للدعوة إلى الله.
أبناءنا وبناتنا أمانة ينبغي القيام بها، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُسورة التحريم6، هؤلاء الذين هم جزء منا، فلذات الأكباد، أعظم من تبر أبناءك وبناتك، أقرب الناس في صلة الرحم إليك هؤلاء، فماذا أعددت لتعليمهم، وتربيتهم، وغرس هذه الآيات والأحاديث معانيها في نفوسهم، إن العلاقة ينبغي أن تكون بين المعلمين والمعلمات، والطلاب والطالبات مبنية على التربية والتلقي، تلقي الخير، وكذلك الاحترام المتبادل، وحفظ الحقوق، وإن توعية الأبناء بهذا من قبل أولياء أمورهم مهم للغاية، وكذلك البنات، وأيضاً أهمية الصداقة مع من سيختلط ولدك، بجانب من سيجلس أكثر من خمس ساعات يومياً، سيكون له قرين، سيكون له صاحب، وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِسورة النساء36، فهذا جاره وصاحبه، والمؤثر الأول عليه، وربما يخالطه يومياً أكثر منك، ففي جانب من سيجلس، هل ستعرف ذلك؟ وأيضاً فإنه ينبغي على من تبوأ مكاناً تعليمياً أن يحرص على غرس معاني الإيمان، التوحيد، العبادة في هذه النفوس، وأن يحتسب الأجر، لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم[رواه البخاري2942 ومسلم 2406]، فها هي نفوسهم قد جاءت بعد عطلة، وإجازة، وحل، وحِل، وترحال، وهم آذان يسمعون، وعيون ترى، فماذا ستغرس في نفوسهم؟ ماذا ستعلمهم؟ وعلى أي شيء ستربيهم؟ إن العلم، والرفق، والرحمة، والمخاطبة على قدر العقل، مع شيء من الدعابة المباحة، وكذلك التمكن من المادة، وأيضاً مراعاة الشعور والمشاعر، واكتشاف المواهب والطاقات، والتذكير بالنية الصالحة في أول حصة، أول ما يُتكلم عن النية كما ابتدئ الأئمة مصنفاتهم رحمهم الله.
نصائح للطلاب في بداية العام الدراسي
ثم أنت يا أيها الطالب هل ستكون على ذكر لله، وإنصات، وجد، واجتهاد، واحترام للمعلم، وكذلك فإن اختيار الصديق مسئوليتك، الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل[رواه أبو داود 4833 وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير3545]وفي رواية فلينظر أحدكم من يخالط[رواه أحمد7968]، وراجع فيما أشكل عليك، وانوي في حصص العلوم الشرعية إرادة وجه الله بالتعلم لهذا العلم ابتغاء وجه الله، وكذلك المواد الأخرى لرفعة الأمة، وتقويتها ما دام إلى ذلك سبيل.
بعض أحكام شهر رمضان
عباد الله: لقد جاء النهي عن صيام آخر يومين من شعبان، وأن يسبق رمضان بيوم أو يومين، وذكر بعض العلماء أن العلة في ذلك الصيام بنية الاحتياط لرمضان وهذه بدعة؛ لأن عندنا قاعدة: بعد انقضاء تسعة وعشرين يوماً من شعبان نتحرى هلال رمضان، فإن رأيناه صمنا، وإن لم نره، غُبي عليكم فأكملوا العدة[رواه البخاري1909]، ما قال احسبوا، ولا قال راجعوا أهل الفلك، أكملوا العدة، وهذا قاعدة واضحة جداً في أي عصر من العصور، وأي مكان من الأمكنة، فعندنا دليل عبادتنا قائم في السماء، هذا الهلال، جعل الله الأهلة مواقيت للناس في عباداتهم، في عُدد نسائهم، مواقيت للناس في حجهم، وكذلك صيامهم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته[رواه البخاري1909] الهلال في شريعتنا له شأن عظيم، لكن لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّسورة فصلت37.
عباد الله: من كان له صوم معتاد فإنه يبقى على عادته، فلذلك يمكن أن يصوم الاثنين مثلاً، من هو متعود على صيام الاثنين والخميس، ولو كان قبل رمضان بيومين، وأيضاً من كان عليه، أو عليها صوم واجب من قضاء سابق مثلاً فإنه يصوم حتى في هذين اليومين، ومن صام اليوم الذي يشك فيه، يعني: صيام نفل مطلق، فقد عصى أبا القاسم ﷺ.
وبعض الناس يعمدون إلى توديع رمضان بشعبانية معتبرة من الأطعمة والأشربة بأنواعها، وليس في هذا والله أثر، ولا خبر، وليس جعل هذا احتفالاً من الدين في شيء، وليس الاستعداد لرمضان بالتعبئة التامة لهذه المطعومات كأن هذا الشهر شهر جوع ولابد من توديعه بابتلاع أكبر كمية من الأطعمة، وليس هذا من الدين، ولا من الخلق، ولا من المروءة في شيء.
عباد الله: إن هلال هذا الشهر يذكرنا بأمور كثيرة.
بدأ هلالي فللأرواح سلوان | والصائمون لهم أمن وإيمان |
في طلعتي نفحة الرحمى وفي قصصي | مجد وفي عدتي عتق وغفران |
أتيت أبتذر التقوى وأحرسها | فبش لي من له قلب ووجدان |
وجئت أطلق أعناقاً مكبلة | إن الهوى لبني الإنسان سجان |
هذه لياليَّ والآيات تملأها | نوراً عليها أكاليل وتيجان |
أتيت أفتح أبواب مغلقة | فالرب يغفر والجنات تزدان |
مبجل والفضائيات ترقبني | دهراً لكي يستبيح الأمر شيطان |
إذا أتيت فلا لغو ولا رفث | وتلك أقوالكم زور وبهتان |
كل الشياطين قد باتت مصفدة | فما السبيل إذا الشيطان إنسان |
كم أزهقت قهقهات الطيش من عبر | فليس للصوم في أرواحهم شان |
عباد الله: هؤلاء الذين يجهرون بالمعصية في الشهر لمحو أثره، الذين يقولون وهو عنوانهم: يا باغي الشر أقبل، ويا باغي الخير أقصر، بدلاً من أن يقولوا: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
يا باغي الخير أقبل في قِرى ملك | فساحتي لرضا الرحمن ميدان |
جع في رضا الله واعطش فالشراب غداً | من كوثر المصطفى والباب ريان |
وغض طرفك واخطب كف طاهرة | حوراء ما مسها إنس ولا جان |
فالله أغير أن تؤتى محارمه | والبر يبقى وعقبى الصبر رضوان |
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، لا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي متقبل مشكور، أصلح نياتنا وذرياتنا وطهر بيوتنا من المنكرات، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، وسعياً متقبلاً، نسألك الفردوس الأعلى، نسألك عيش السعداء، وموت الشهداء، ومرافقة الأنبياء، اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، وسع لنا في أرزاقنا، بارك لنا في ما آتيتنا، ارفع عنا الغلاء وأبعد عنا الوباء يا سميع الدعاء، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم من أراد بلدنا هذا بسوء فامكر به، من أراد أن يعبث بأمن هذا الوطن فاجعل كيده في نحره، من أراد بلدنا وبلاد المسلمين بسوء فخذه، اللهم إن نسألك أن تذل أعداء الدين والمنافقين، وأن تبارك في الدعاة العاملين، وأن تفتح لهم قلوب الناس يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، اللهم إنا نسألك رحمة تلم بها شعثنا، وتغفر بها ذنبنا وترفع بها شاهدنا، وتثقل بها موازيننا، وتهدي بها ضالنا، وتقضي بها ديوننا، وتستر بها عيوبنا، وتشفي بها مرضانا، وترحم بها موتانا، يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، يا إله الأولين والآخرين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.