الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وبعد:
أنواع النسك في الحج وأحكامه. (شرح آيات الحج)
فيقول الله تعالى في كتابه العزيز بعدما ذكر أحكام الصيام: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِالبقرة:196، فأتبع الصيام بذكر أحكام الحج؛ لأن شهور الحج بعد شهر الصيام مباشرة، فمن أحرم بعمرة التمتع في شوال، أو في ذي القعدة، أو في أول ذي الحجة صح حجه تمتعاً، وهكذا الإحرام بالحج عموماً في نسكه، يصح أن يكون في هذه الأشهر التي تلي شهر رمضان، وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِالبقرة:196، أدوهما تامين بشروطهما، وأركانهما، وواجباتهما، وإذا أحرمتم بهما فلابد من إتمامهما، ومن تمامهما أن يخرج من أهله لا يريد إلا الحج والعمرة، لا لتجارة، ولا لحاجة، ولو كانت مباحة، فإن التمام ليس هو الإجزاء، وإنما التمام هو الأعلى، والأكمل، ومن تمامهما أن يفرد كل واحد منهما عن الآخر كما قال عدد من أهل العلم، ومن تمامهما أن يخرج من أهله لقصد الحج والعمرة، ثم يمر بالميقات فيحرم منه، وهذا أكمل ممن سافر لحاجة ثم طرأ عليه قصد الحج أو العمرة، فأحرم من مكانه هناك، ثم قال : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْالبقرة:196، منعتم من إتمام الحج والعمرة لأي سبب قاهر كعدو، أو مرض، أو كسر، أو عرج، أو سجن، فَمَا اسْتَيْسَرَالبقرة:196،
أي: فعليكم ذبح ما تيسر وسهل لكم مِنَ الْهَدْيِالبقرة:196، من الإبل، أو البقر، أو الغنم المجزئة، فإن كان موسراً، وذبح بدنة فحسن، وإن أهدى شاة فهو كاف، وإن اشترك سبعة في بدنة أو بقرة فلا حرج، قال تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْالبقرة:196، وتزيلوا الشعر، حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُالبقرة:196، يصل زمان حلوله وهو يوم العيد، ومكان حلوله وهو الحرم، وقيل: حتى يذبح الهدي وتكون الآية حينئذ فيمن ساق الهدي، وقوله: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًاالبقرة:196، أي: فاحتاج إلى حلق رأسه لمرضه، أو إلى فعل محظور لعذر من محظورات الإحرام، أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِالبقرة:196، كالقمل ونحوه، أو احتاج إلى تغطية رأسه مثلاً، فَفِدْيَةٌالبقرة:196، أي: فعليه عند فعل المحظور فدية مِنْ صِيَامٍالبقرة:196، وهي ثلاثة أيام تجوز في الحرم وفي غيره، أَوْ صَدَقَةٍالبقرة:196، وهذا للتخيير، أي: إن شاء صام، وإن شاء أخرج الصدقة، وهي إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم على الراجح لكل مسكين نصف صاع من الطعام، من القمح، أو الأرز مثلاً، قال: أَوْ نُسُكٍالبقرة:196، أي: ذبح شاة في الحرم، ويتصدق بها على مساكين الحرم، ولا يأكل منها شيئاً، فهذا فدية فعل المحظور، التخيير بين الثلاثة، قال تعالى: فَإِذَا أَمِنتُمْالبقرة:196، من العدو والمانع، فأتموا الحج والعمرة كما بدأتموها، ثم شرع تعالى في تفصيل المناسك فقال: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّالبقرة:196، وهذا يشمل من أحرم بهما معاً وهو المعروف بالقارن، أو أحرم بالعمرة أولاً فلما فرغ منها تمتع بما أحل الله له مما كان محظوراً عليه وقت الإحرام ثم يحرم بالحج، وهذا هو التمتع الخاص المعروف في كلام الفقهاء، والقارن سنة إذا ساق الهدي من خارج الحرم إلى داخله، قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِالبقرة:196، أي: فعليه ذبح ما تيسر وسهل من بهيمة الأنعام المجزئة، ويجب دم التمتع الخاص على من أتى بالعمرة في أشهر الحج، ثم حج من العام نفسه، ولم يرجع بينهما إلى بلده، أو يجاوز الميقات الذي أحرم منه، وأن لا يكون من حاضري المسجد الحرام، فهذا يجب عليه الهدي، قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْالبقرة:196، وربنا رحيم ويعلم أن بعض الناس لا يجد الثمن الذي يشتري به هدياً، فهل يفرد لأجل أنه ليس معه مال، ويفوته أجر التمتع العظيم؟ كلا، يتمتع، ولكن يصوم بدلاً من هذا الهدي الذي لا يملك ثمنه، قال: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّالبقرة:196، أي: في أثناء الحج، أو حال إحرامه بالحج، والأفضل أن يصومها قبل يوم عرفة، فيصوم السادس، والسابع، والثامن مثلاً، أو السابع، والثامن، والتاسع، فإن فاتته، أو فاته بعضها صامها، أو أتمها في أيام التشريق وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر؛ لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا: "لم يرخص -أي: من النبي ﷺ في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي"، [رواه البخاري1998]،
فأيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله، فلا صيام فيها إلا الذي لم يجد الهدي فيجوز أن يصوم فيها، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْالبقرة:196، وهكذا يتم العشرة كما قال الله: تِلْكَالبقرة:196، أي: الثلاثة والسبعة، عَشَرَةٌ كَامِلَةٌالبقرة:196، في العدد، وكاملة في الثواب والأجر، وقائمة مقام الهدي، ويجوز أن تكون متتابعة، أو متفرقة، فلا يخطر ببالك عبد الله أن تفوت أجر التمتع؛ لأنك لا تملك قيمة الهدي، فعندك البدل، وتبقى على أجر التمتع العظيم، قال : ذَلِكَالبقرة:196، أي: التمتع الموجب للهدي، أو بدله وهو الصيام لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُالبقرة:196، أي: مسكنه، ومن يسكن إليهم من زوجة وولد حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِالبقرة:196، قيل: مكة، وقيل: منطقة الحرم، وقيل: من كان دون المواقيت، وقيل: من كان على مسافة من الحرم لا تقصر فيها الصلاة، حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِالبقرة:196، منطقة الحرم، وأهل مكة يدخلون أولياً في هذا، وقد أجمع العلماء على أن أهل الحرم لا يشرع لهم التمتع، وبالتالي ليس عليهم هدي التمتع، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهالبقرة:196، خافوه في هذه المناسك، فافعلوا ما أمركم به، واجتنبوا ما نهاكم عنه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِالبقرة:196، أي: لمن ترك التقوى، وهكذا جاءت هذه الآية فيها وجوه إتمام الحج والعمرة فرضاً ونفلاً، هذه العبادة التي إذا بدأها الإنسان ولو نفلاً لا يجوز له أن يقطعها، وأن الخروج من الإحرام بدون طواف، ولا سعي جهل عظيم؛ لأنه لا يمكن أصلاً، بل يبقى محرماً، ولو قطع، ولو رجع، ولو غير الملابس فهو باق على إحرامه، ويكره قطع النفل في غيرهما، يعني: من صلاة ونحوها إلا لغرض صحيح، كما لو نادته أمه وخشي أن تغضب إذا لم يجبها الآن وهو في نافلة من صلاته مثلاً فيجوز قطعها، وكذلك في هذه الآية أنه لا تجوز الاستنابة في أفعال الحج والعمرة؛ لأن الله قال: وَأَتِمُّواالبقرة:196، أنتم أتموا، لا تجوز الاستنابة في أفعال الحج والعمرة كالإحرام، والطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، ويجوز التوكيل في الرمي للضرورة، أما أن يطوف أحد عن أحد، ويسعى أحد عن أحد، ويقف بعرفة عن أحد فلا يمكن، وهذه الآية فيها وجوب الإخلاص لله في المناسك؛ لأن الله قال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِالبقرة:196، أي: لا لغيره، له لا لغيره. وظاهر الآية أن كل إحصار يمنع من إتمام النسك فيجوز التحلل به؛ لعموم قوله:فَإِنْ أُحْصِرْتُمْسورة البقرة196إلا إذا حصل الاشتراط لوجود مقدمات ما يمنع النسك فيجوز التحلل والرجوع بلا ذبح، ولا حلق، وفيها أن المحصر لا يجب عليه القضاء؛ لأن الله لم يكلفه بذلك، فهو محبوس حبس رغماً عنه، وفي الآية تحريم حلق الرأس على المحرم، وألحق أكثر أهل العلم به شعر البدن، وفي الآية فضيلة حلق الشعر في النسك، وهو إزالة الشعر تماماً بالموسى ونحوها، وأما بقاء شيء منه فإنه يعتبر تقصيراً لا حلقاً كما تفعله بعض الماكينات، وفي الآية رحمة الله بعباده أن جعل لهم الفدية بدل الفعل المحظور إذا اضطروا إليه، وفيها أنه لا يجب الاقتراض على من لم يجد الهدي، وفيها أنه لا يجوز صيام السبعة في الحج، ولا يجوز تأخير صيام الثلاثة إلى ما بعد الحج بدون عذر، وتيسير الله تعالى أن جعل السبعة وهي العدد الأكبر بعد الرجوع والراحة، وقد استدل بعض العلماء بالآية على وجوب العمرة، وفي هذه الآية فضل التمتع أيضاً، ثم قال تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌالبقرة:197، معروفات بين الناس، قال ابن عباس: من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهره، وأشهر الحج هي: شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة؛ لأن الحج يفوت بطلوع فجر يوم العاشر، فقبل فجر يوم العاشر يمكن أن تدرك الحج، لو قررت في ليلة عشرة أن تحج يمكنك ذلك أن تحرم، وتصل عرفة قبل فجر يوم عشرة، أما إذا طلع فجر يوم العاشر فات الحج، فلا يجوز الإحرام بالحج بعد فجر يوم العاشر ويجوز قبله، هذه هي الأشهر الثلاثة المعلومة الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّالبقرة:197، أحرم به، والإحرام ركن من أركانه، قال: فَمَنْ فَرَضَالبقرة:197، وهذا يكون بالإحرام، فَلا رَفَثَالبقرة:197، يجتنب الجماع ومقدماته وتوابعه، وَلا فُسُوقَالبقرة:197، المعاصي جميعاً، ومحظورات الإحرام أيضاً، وقال ﷺ: من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه[رواه البخاري1521] قال تعالى: وَلا جِدَالَ البقرة:197، أي: لا منازعة، ولا خصومة، ولا مراء، ولا فعل ما يغضب الرفقة، والإخوة في الله، ويورث الشحناء، والتعصب للآراء، وأقوال الرجال، والجدال العقيم مع أياً كان من الباعة، وغيرهم، ومن يستأجرهم، وبالتالي تعرف حكم المشاحنات بين الحجاج، وإدارات الحملات، والجدال الذي جاء النهي عنه لا يدخل فيه النقاش في مسائل العلم المفيدة في الحج، أو الجدال بالتي هي أحسن في مقام الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا نقاش مفيد ويؤدي إلى نتيجة، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُالبقرة:197، لما نهى عن الشر أرشد إلى فعل الخير، قال: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَالبقرة:197، ثم قال: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍالبقرة:197، نهيتكم عن الشر، وشرعت لكم فعل الخير، وأخبرتكم أني به عليم يَعْلَمْهُ اللَّهُالبقرة:197، ويجازي عليه سواء كان قليلاً أو كثيراً وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍالبقرة:197، كثيراً أو قليلاً، وَتَزَوَّدُواالبقرة:197، خذوا من الزاد ما يكفيكم في السفر حتى لا تحتاجوا إلى الناس، ولا تمدوا أيديكم إليهم، وَتَزَوَّدُواالبقرة:197، مع غذاء الجسم بغذاء القلب وَتَزَوَّدُواالبقرة:197، بمعرفة أحكام المناسك، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىالبقرة:197، أفضله ما كان فيه اتقاء عذاب الله بفعل ما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، ومن خير زاد الدنيا للحاج مال حلال، طيب، يعفه عن سؤال الناس، أو الإثقال عليهم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِالبقرة:197"، خافوا عقابي بامتثال ما أمرت وما نهيت، يَا أُوْلِي الأَلْبَابِالبقرة:197، يا أصحاب العقول، يا أهل الأفهام.
أشهر الحج
على الحاج الابتعاد عما ينافي معنى الحج من الترفه، والتنعم، ومن ذلك الطيب، والمخيط، وقص الشعر، وعليه أن يغض البصر، ويتحاشى الكلام في أمور الشهوات والنساء.
عظم الله شأن الحج في هذه الآية، وجعل له أشهراً خصصها من العام، ولا يجوز تأخير أي عمل من أيام الحج إلى ما بعد أشهر الحج، وفيها أن من تلبس بالحج، أو العمرة صار فرضاً عليه إتمامه ذلك، ولو كان نافلة، والإحرام بالحج قبل أشهره لا ينعقد لقوله: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّالبقرة:197، ونهى عن الرفث، وهو درجات، منه ما يفسد الحج بالكلية ويبطله؛ كالجماع قبل أعمال يوم النحر، ومنه ما لا يبطله، ولكن يأثم به، وعليه الدم كالمباشرة بشهوة، ومنه ما يأثم به وينقص الأجر كالكلام في أمور الجماع ونحوه في أمور الشهوات والنساء، فهذا يأثم به؛ لأن الله قال: فَلا رَفَثَالبقرة:197، فيجتنب فتح هذه الموضوعات تماماً، وكذلك المحظورات تحرم بمجرد عقد النية، ولو بقي عليه شيء من لباسه، وعلى الحاج الابتعاد عما ينافي معنى الحج من الترفه، والتنعم، ومن ذلك الطيب، والمخيط، وقص الشعر، وعليه أن يغض البصر، ويتحاشى الكلام في أمور الشهوات والنساء، وإذا كان يحرم عليه تعاطي الفسوق قبل الإحرام، فابتعاده عنه في حال الإحرام آكد، وأوجب، وعلى الحاج أن يبتعد عن كل ما يقسي القلب، ويشوش الفكر كالجدال والمراء، وكذلك التزود بالخيرات، والأخذ بالأسباب، وأنها لا تنافي التوكل على الله، وزاد الآخرة أفضل من زاد الدنيا؛ لأن زاد الدنيا فان، ويدور على مراد النفس وشهواتها، أما زاد الآخرة فهو يوصل إلى النعيم المقيم، وكذلك تعلمنا من هذه الآية أن نأخذ من أسباب الدنيا ما يعين على طاعة الله، وأن العبد يؤجر على الأخذ من الدنيا إذا أعانه على الآخرة، وفيها أهمية التقوى في أداء العبادات فكم يحتاج إلى تذكر هذا، من يأخذ بالزاد الظاهر ثياب، وأشياء عجيبة تحمل بها الحقائب، وينسى زاد الآخرة، ينسى التقوى، ينسى التعفف، ينسى كف اللسان، ينسى غض البصر.
حكم التكسب في الحج
وقت الوقوف بعرفة عند أكثر العلماء من بعد زوال الشمس يوم التاسع إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر إلى الفجر، كل هذا وقت وقوف;ولما نهى تعالى في مطلع الآية عن أمور تنافي الحج وهي الرفث، والفسوق، والجدال، وأمر بالتزود في السفر، وعدم نسيان التقوى، بين حكم التكسب بالإجارة، والتجارة،
فعن أبي أمامة التيمي قلت لابن عمر: "إنا قوم نكرى، نستأجر، يستأجرون دوابنا، ويستأجروننا، نسوق بهم، إنا قوم نكرى فهل لنا حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت، وتأتون المعرف، وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟ فقلنا: بلى، قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يدر ما يقول له حتى نزل جبريل بهذه الآية: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْالبقرة:198إلى آخر الآية، فقال النبي ﷺ: أنتم حجاج"[رواه أحمد6398 وأبو داود1733 وهو حديث صحيح]، لَيْسَ عَلَيْكُمْالبقرة:198 يا عباد الله من الحجاج، جُنَاحٌالبقرة:198، حرج وذنب،أَنْ تَبْتَغُواالبقرة:198، وتطلبوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْالبقرة:198، رزقاً بالتجارة، والإجارة ونحوه، فَإِذَا أَفَضْتُمْالبقرة:198، ودفعتم، ورجعتم، والإفاضة هي الاندفاع من عرفات، وهو اسم المكان المعروف، وعمدة أفعال الحج، الحج عرفة[رواه الترمذي889] قيل: سُمي بذلك لأن إبراهيم عرفه لما زاره مع جبريل، وكان قد رآه قبل ذلك، وقيل: لأن آدم تعارف وزوجته فيه بعدما أهبطا إلى الأرض، وقيل: لأن الناس يتعارفون فيه فيما بينهم فيلتقي الإخوان في الله والمسلمون من أرجاء العالم، ويتعرف بعضهم على بعض، وقيل: سميت عرفة لأنهم يعترفون فيها بذنوبهم ويطلبون المغفرة، وقيل: لأنها مرتفعة عن غيرها فسميت عرفة، ووقت الوقوف بعرفة عند أكثر العلماء من بعد زوال الشمس يوم التاسع، فالسنة أن لا يدخلها قبل ظهر يوم التاسع، ويجوز أن يدخلها قبل ولكن السنة دخول عرفة بعد الظهر يوم التاسع، ولذلك كان ﷺ يمكث في بطن عُرنة، وصلى في نمره قبل دخول عرفة، وقت الوقوف بعرفة عند أكثر العلماء من بعد زوال الشمس يوم التاسع إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر إلى الفجر، كل هذا وقت وقوف، واستدلوا بفعل النبي ﷺ وبقوله: لتأخذوا عني مناسككم[رواه مسلم1297]، وقال بعض العلماء: وقت الوقوف من أول يوم عرفة لقوله ﷺ: من شهد صلاتنا هذه فوقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه[رواه أحمد15775 وهو حديث صحيح]، وقال ﷺ: من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر، يعني: فجر يوم العاشر، فقد أدرك [رواه الترمذي2975]، يعني: أدرك الحج، وتسمى عرفة بالمشعر الحلال؛ لأنها خارج الحرم، والمشعر الأقصى أيضاً؛ لأنها أبعد ما يصل إليه الحجاج في مناسكهم وهي خارج الحرم، فيكون الحاج بوقوفه فيها قد جمع في نسكه بين الحل والحرم. اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا يا مولانا إنك أنت الغفور الرحيم. أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو البر الرؤوف الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يبدئ ويعيد، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والشافع المشفع يوم الدين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله، وأزواجه، وخلفائه الميامين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
بقية صفة الحج وشرح الآيات
عباد الله: لما وصل الحاج إلى عرفة وهي المشعر الأقصى، وخارج الحرم، والمشعر الحلال، يرجع مرة أخرى ذاكراً لربه قال تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَالبقرة:198، بالتلبية، والدعاء، والتهليل، والتكبير، وأنواع الذكر باللسان، والقلب، والجوارح، وصلاة المغرب والعشاء داخلة في ذكر الله فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِالبقرة:198، هو الجبل الصغير في آخر المزدلفة الذي وقف عنده النبي ﷺ، وقف عليه يذكر الله، ويدعو حتى أسفر جداً، وانتشر النور قبل طلوع الشمس، والمشعر اسم المكان الذي تؤدى فيه شعيرة هو معلم العبادة، وأداء الشعائر، ومكان أداء المناسك، وصفه بالمشعر الحرام لحرمته، ولأنه داخل حدود الحرم، ومزدلفة كلها مكان للوقوف، وقد قال ﷺ: كل عرفات موقف وادفعوا من عُرنة، وهو الوادي خارج عرفات، فلابد من دخول عرفة، ولا يصلح المكث في عُرنة، فمن مكث في عُرنة ورجع فلا حج، قال ﷺ: وكل مزدلفة موقف وادفعوا عن محسر[رواه أحمد16309]، وهو واد بين مزدلفة ومنى، لا هو من مزدلفة، ولا هو من منى، فمن أراد أن يكون في مزدلفة فلابد أن يرفع عن محسر فلا يكونن في الوادي، ويترك مزدلفة، ثم قال تعالى: وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْالبقرة:198،
أمر بذكره مرة أخرى دليلاً على الإكثار من الذكر في الحج، وتعليلاً لأنه هدانا لدينه، ودلنا على هذه المناسك العظيمة، ولذلك نذكره فيها، ونثني عليه ونشكره، قال: وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِالبقرة:198، أي: من قبل هذا الهدى والبيان والإرشاد، لَمِنَ الضَّالِّينَالبقرة:198، قبل الكتاب والرسول كنتم من الضالين لا تعرفون كيف تذكرون، ولا كيف تحجون، ولا كيف تعبدون، فهذه منة الله عليكم، فاذكروا نعمة الله عليكم، عرفكم كيف تحجون، وكيف تعبدون، وهذه الآية العظيمة فيها أنه ينبغي على المسلم في حال تكسبه أن يذكر فضل الله، ولا يتكل على قدرته ومهارته، وفيها منة الله بإباحة التكسب حتى في موسم العبادة هذا، ولا زالت التجارة في موسم الحج من أعظم وسائل جني الأرباح، وعليها اعتماد كثير من الأفراد والأسر في مداخيلهم السنوية، وفي هذه الآية أنه يشترط للوقوف بمزدلفة أن يكون بعد عرفة، ولا يشترط أن يكون واقفاً على رجليه فلو كان قاعداً، أو مضطجعاً في سيارته، أو على الأرض، بل الهواء له حكم القرار أجزأه ذلك، وهواء المناسك له حكم أرضها، وفيها أن الصلاة من ذكر الله، وأن مزدلفة من الحرم، وفيها مقابلة نعمة هدايته بكثرة ذكره، وأن الذكر المشروع ما وافق الشرع كما يفهم من قوله: وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْالبقرة:198، إذا كانت الكاف للتشبيه، ومن أفضل الذكر في الحج، وفي عرفة خصوصاً التلبية، وقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وفيها أن تذكير الإنسان بحاله قبل الهداية مفيد في تعريفه بقيمتها، تذكير الإنسان بحاله قبل الهداية كيف كنت؟ وماذا أصبحت؟ اذكر هذا لتعرف نعمة الله عليك، ثم قال تعالى: ثُمَّ أَفِيضُواالبقرة:199،
يعني: بعد وقوفكم بعرفة ومزدلفة أفيضوا من حيث أفاض الناس، يا معشر قريش أفيضوا مع عامة المسلمين الذين حضروا موسم الحج، أفيضوا من حيث أفاض الناس، وكان في قريش أنفة وكبر فلا يتجاوزن مزدلفة، ولا يصلون إلى عرفة، ولا يقفون مع الناس بعرفة، هكذا كانوا في الجاهلية وقبل أن يسلموا لما كانوا مستولين على مكة قبل أن تفتح كانوا يقولون: نحن أهل الحرم فلا نخرج من حدود الحرم، فلا يدخلوا عرفة ولا يصلوا إليها، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، ويسمون أنفسهم بالحُمس لتحمسهم في دينهم وتمسكهم بما كان عليه آباءهم، وكان سائر العرب يذهبون إلى عرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه ﷺ أن يأتي عرفات"، ولنستحضر ذلك الموقف العظيم، الناس كلهم مع النبي ﷺ وقد خرج من منى إلى مزدلفة، وقد حبست قريش أنفاسها ينظرون، هل سيبقى فيها وهو القرشي أو ماذا سيفعل؟ فأكمل طريقه إلى عرفات، "فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه ﷺ أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله: مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُالبقرة:199"[رواه البخاري45020]، وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يقتضي أن المراد بالإفاضة هاهنا هي الإفاضة من المزدلفة إلى منى لرمي الجمرات، قال تعالى: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَالبقرة:199، اطلبوا منه المغفرة لذنوبكم وأنتم عائدون من عرفات ومزدلفة إلى منى، أكثروا من الاستغفار، وقع منكم تقصير ولابد وأنتم بشر، وقد ورد الاستغفار بعد العبادات في مواضع متعددة بعد السلام من الصلاة، والاستغفار في السحر بعد قيام الليل وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَالذاريات:18،
وفي الذكر بعد الوضوء، ومن فوائد هذا لو قال قائل: عبادة لماذا يستغفرون بعدها؟ هل عملوا معصية؟ هل عملوا شراً؟ فنقول: لا تخلو; النفس من التقصير، وفي فائدة مهمة جداً في دفع العجب عن النفس، فإن النفس ربما إذا قامت بالعبادات دخلها العجب والخيلاء، وكأن الواحد يجزم لنفسه الآن بالمغفرة الشاملة، ولكن يجد أنه مأمور بالاستغفار وهو بشر لا يخلو من تقصير، ورأس الاستغفار سيده اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني الحديث.. [رواه البخاري6306] قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌالبقرة:199، تعليل للأمر بالاستغفار بأن الله يغفر ذنوب المستغفرين، ورحيم يقبل توبتهم، وفي الآية أن الناس في أحكام الله سواء، وأن الإفاضة تكون مع الناس دون إيذاء لهم، وقد سئل أسامة : "كيف كان رسول الله ﷺ يسير في حجة الوداع حين دفع، يعني: من عرفة، قال: "كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص"[رواه البخاري1666]، فإذا وجد متسعاً أسرع، وإلا سار كما يسير الناس لا يؤذيهم، ثم قال تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْالبقرة:200، أنهيتم، وأديتم أعمال الحج، وفرغتم منها، وتحللتم، فَاذْكُرُوا اللَّهَالبقرة:200، في أيام التشريق، في منى، وغيرها،كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْالبقرة:200، كان العرب يفتخرون بآبائهم، وينشغلون بذكر مآثرهم، وينسجون الأشعار فقال الله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْالبقرة:200، كما يكثر الولد من ذكر أمه وأبيه ولا يعرف غيرهما وهو صغير، ماما بابا، كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًاالبقرة:200، بل أشد ذكراً من الآباء، أو على الأقل إن لم تزد فلا تنقص، ثم أرشد تعالى إلى دعائه بعد كثرة ذكره، والدعاء في المشاعر في تلك الأيام عظيم، فالمظنة في الاستجابة جامع بين شرف الزمان، والمكان، ولذلك قال تعالى ذاماً من لا يسأله: فَمِنَ النَّاسِالبقرة:200، بعضهم، مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَاالبقرة:200، أعطنا، فِي الدُّنْيَاالبقرة:200،
من أمور الدنيا، صحة، جاه، دار، دابة، مسكن، وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍالبقرة:200، لا حظ ولا نصيب البتة؛ لأنه ما كان يريد إلا الدنيا، وَمِنْهُمْالبقرة:201، أي من الحجاج، مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةًالبقرة:201، ما يستحسن فيها من صحة، وعافية، وزوجة حسنة، ودار رحبة، وعلم نافع، ومركب هنيء، وثناء جميل، وسعة رزق، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةًالبقرة:201، حسنة عامة تشمل هذا وغيره، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةًالبقرة:201، نعيماً، وفضلاً كنور الوجه، وإيتاء الكتاب باليمين، وتخفيف الحساب، وظل العرش، وسقيا الحوض، وجواز الصراط سالماً، وعلى رأس ذلك الجنة، فهذه الحسنة العظمى في الآخرة، انظر إلى عظيم هذا الدعاء، ما ترك خيراً إلا شملهن رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةًالبقرة:201، قال بعض السلف: من أعطي قلباً شاكراً، ولساناً ذكراً، وجسداً صابراً، فقد أوتي في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، ووقي عذاب النار، فشمل هذا الدعاء خيري الدنيا والآخرة، ومن آتاه الإسلام، والقرآن، وأهلاً، ومالاً، فقد أوتي في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِالبقرة:201، ادفعه عنا، واغفر لنا الذنوب التي توجب دخول النار، أُوْلَئِكَالبقرة:202، الداعون بالحسنتين، لَهُمْ نَصِيبٌالبقرة:202، حظ وافر، مِمَّا كَسَبُواالبقرة:202، لأجل ما عملوا من الحج، والدعاء، وبسبب ما قاموا به من الأعمال الصالحة وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِالبقرة:202، يحاسب العباد على كثرتهم، وكثرة أعمالهم، لا يعسر عليه حسابهم، ولا يعجز عنه، فتعرض عليه الأعمال، ويزنها بميزان العدل، ويقرر كل واحد بذنبه، ويطيل وقوف الكافر والفاجر، وحسابهم جميعاً كحساب نفس واحدة عنده تعالى، فهو سريع الحساب. والذكر مع العبادة قرينان، فالذكر يعوض التقصير في العبادة، وقدم ذكره على ذكر الوالدين، وانقسم همم الناس إلى دنيئة لا تهتم إلا بالدنيا، وعالية تطلب خير الدنيا والآخرة، مشروعية سؤال الله حسنات الدنيا، والإنسان محتاج إليها، وفيها فضل هذا الدعاء العظيم، ولذلك كان أكثر دعاء النبي ﷺ: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب الناركما قال أنس رضي الله عنه في الصحيحين[رواه البخاري4522 ومسلم2690] وهو من جوامع الدعاء، وقال ربنا في ختام هذه الآيات في الحج وَاذْكُرُوا اللَّهَالبقرة:203 يا أيها الحجاج بالتكبير المطلق، والمقيد، والتحميد، والتسبيح، والتهليل في أيام معدودات، وهي أيام التشريق الثلاثة، وقيل: معها يوم النحر، وسميت معدودات لقلتها، ومن الذكر فيها ما يكون عند رمي الجمرات، وخلف الصلوات، وعلى الهدي، والأضاحي، وقد قال النبي ﷺ: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله [رواه مسلم1141] ولماذا جعل الطواف بالبيت، وبالصفا، وبالمروة، ورمي الجمار أصلاً؟ الجواب: لإقامة ذكر الله، قال تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِالبقرة:203، بالنفر من منى إلى مكة في ثاني أيام التشريق الثاني عشر من ذي الحجة قبل الغروب بعد ما رمى الجمار فَلا إِثْمَ عَلَيْهِالبقرة:203، لا حرج في هذا التعجل وَمَنْ تَأَخَّرَالبقرة:203 وبات في منى ليلة ثالث التشريق ورمى الجمار بعد الزوال فَلا إِثْمَ عَلَيْهِالبقرة:203، أي: في تأخره لكن قال: لِمَنِ اتَّقَىالبقرة:203، لا إثم على من؟ على من اتقى سواء المتعجل والمتأخر، إذا أتى بالمأمورات، واجتنب المحظورات في حجه، وَاتَّقُوا اللَّهَالبقرة:203، في المستقبل بعد الانصراف من الحج، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَالبقرة:203، وتجمعون، وتبعثون من قبوركم، ولا شك أن الذي يتأخر إلى الثالث عشر فإنه أفضل؛ لأن معه زيادة عمل، لقد زاد عن ذاك مبيت ليلة، ورمي واحد وعشرين حصاة، هذا العمل الزائد على ذاك له أجر، وهو أفضل وخير. عباد الله: علمنا ربنا مناسكنا إنها نعمة عظيمة من رب كريم جواد، والذين يقيمون في البلدان يشاركون الحجاج بعضاً من النسك، فإذا نوى الأضحية يمسك عن شعره، وأظفاره من ليلة الأول من ذي الحجة، فإذا غربت شمس آخر يوم من ذي القعدة، ودخلت ليلة الأول من ذي الحجة أمسك من يريد الأضحية عن شعره، وأظفاره، وهكذا له نصيب من عبادة الحج بهذا الإمساك، ومشاركة للحجاج في هذا الحكم، وهو سيذبح هذه الأضحية العظيمة، وينهر الدم لله تعالى، فهو يشابه الحجاج الذين ينهرون الدم، دم الهدايا، فضحايا لأهل البلدان، وهدايا للحجاج، واشتراك في بعض الأحكام، والله كريم غفور رحيم. اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين.
نعمة الأمن
عباد الله: لا زلنا نذكر أنفسنا بالمحافظة على نعمة الأمن، والله جعل هذا البيت مثابة للناس وأمناً، فيجب صيانة هذا الأمن، وعدم خرقه، وبذلك تعلم أن هذه الاغتيالات، والتفجيرات في بلاد المسلمين من الإثم العظيم، وخصوصاً من يموت من المسلمين ضحية للأعمال الإجرامية، وفي بغداد، وغزة، ومدن من أمصار المسلمين جرائم عظيمة تلحق بإخواننا المسلمين الموحدين.
اللهم فرج عنهم يا رب العالمين، وارفع عنهم البأس يا أكرم الأكرمين، اللهم كن معهم ولا تكن عليهم، اللهم انصرهم ولا تنصر عليهم، اللهم أغثهم، اللهم فرج كربهم، اللهم انصرهم، اللهم إنا نسألك لهم الثبات على الدين، اللهم اربط على قلوبهم وأفرغ عليهم صبراً وانصرهم على المشركين والصليبيين يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد والنجاة يوم المعاد، اللهم أنت ربنا ومولانا ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها دقها وجلها سرها وعلانيتها ولا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور، وسعي متقبل مشكور، وعمل مبرور يا رؤوف يا رحيم يا غفور.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.