الأحد 23 جمادى الأولى 1446 هـ :: 24 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أحكام صلاة الجمعة - الدرس الأول


عناصر المادة
تعريف الجمعة وسبب التسمية
مكانة يوم الجمعة
الحكمة في اختيار يوم الجمعة
متى فرضت الجمعة؟
أول جمعة أقامها المسلمون في المدينة
أول جمعة جمعها النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلاها بالمسلمين
حكم صلاة الجمعة
خطر ترك صلاة الجمعة والتهاون بها
صلاة الجمعة صلاة مستقلة
شروط وجوب صلاة الجمعة
الحكمة في عدم وجوب صلاة الجمعة على النساء
لا يجوز لمن تخلف عن حضور الجمعة بغير عذر أن يصلي قبل فراغ الإمام من الصلاة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعريف الجمعة وسبب التسمية

00:00:15

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "باب صلاة الجمعة" يعني الصلاة التي تؤدى في يوم الجمعة.

والجمعة بضم الميم، وكذلك الجمعة بإسكان الميم، ويقال: الجمعة بالفتح أيضًا، ولكن الأشهر الضم، والذين ذكروا الفتح قالوا: إنها مثل هُمَزَة، ضُّحَكَة، والمقصود أنها تجمع الناس جمعة، وفي التنزيل:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة: 9].

وسميت الجمعة جمعة؛ لأنها مشتقة من الجمع فإن أهل الإسلام يجتمعون في هذا اليوم في كل أسبوع مرة في المعابد الكبار.

مكانة يوم الجمعة

00:00:59

وفي هذا اليوم كمل الله جميع الخلائق، فإنه اليوم السادس من الأيام الست التي خلق الله فيها الخلق والسموات والأرض، وفي يوم الجمعة خلق آدم، وأدخل الجنة، وأخرج منها، وأهبط إلى الأرض، وتيب عليه في يوم الجمعة، وفيها تقوم الساعة، وفيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه؛ كما ثبت هذا في الأحاديث الصحاح عن النبي ﷺ.

والجمعة اسم إسلامي، وكانت العرب تقول: العروبة قبل الإسلام، ثم سماه الله بيوم الجمعة.

وثبت أن الأمم التي قبلنا أمروا به فضلوا عنه، فاختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق، واختار النصارى يوم الأحد الذي ابتدئ فيه الخلق، وهل كان هذا اختيارًا منهم؟ يعني خيروا أن يختاروا يومًا مقدسًا عظيمًا يجتمعون فيه للعبادة فاختاروا السبت، وضلوا عن الجمعة، واختار النصارى الأحد، وضلوا عن الجمعة، أم أن الجمعة فرض عليهم فحرفوا وبدلوا، اليهود نقلوه إلى السبت، والنصارى نقلوه إلى الأحد؛ كلاهما قولان لأهل العلم.

وقد اختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل فيه الخليقة كما جاء في البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة  يعني الآخرون وجودًا وخلقًا بين الأمم، الأخرون زمنًا من ناحية الوجود، والسابقون بالفضل ودخول الجنة، قال ﷺ:  نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا، والنصارى بعد غد  [رواه البخاري: 876، مسلم: 855].

وجاء عند مسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله ﷺ: أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد  [رواه مسلم: 856].

طبعًا هذا يبين أن أول أيام الأسبوع الجمعة وليس آخر أيام الأسبوع؛ لأنه قال فجعل الجمعة والسبت والأحد.

وفي الحديث الذي قبله قال ﷺ: فالناس لنا فيه تبع  يعني بعدنا اليهود غدًا السبت، والنصارى بعد غد، قال في حديث مسلم:  فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق  هذا لفظ مسلم [رواه مسلم: 856] فقال بعض العلماء: إن الله لم يفرض عليهم يوم الجمعة بعينه، وإنما فرض عليهم يومًا من أيام الأسبوع، ووكل إليهم اختياره فضلوا في الاختيار عن يوم الجمعة ولم يهتدوا إليه، هذا قال به بعض العلماء كابن بطال والقاضي عياض -رحمهما الله-.

ومن أهل العلم من يرى بأنه فرض عليهم يوم الجمعة تحديدًا أن الله أخبرهم به، وأعلمهم به، وعينه لهم، وفرضه عليهم، ولكنهم غيروا وبدلوا وحرفوا ونقلوا، فاليهود أبوا، قالوا: يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئًا فاجعله لنا، ورفضوا الجمعة، اختار النووي -رحمه الله- هذا، يعني أن التعيين حصل ولكن هم غيروا، قال ابن حجر -رحمه الله-: "وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم؛ كما وقع لهم في قوله: وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ [البقرة: 58]"[فتح الباري: 2/155] غيروا، دخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا: حنطة، وقالوا: حبة في شعيرة، ورفضوا أن يقولوا حطة، يعني حط عنا خطايانا، رفضوا الدعاء لله أن يحط عنهم خطاياهم، تكبروا قالوا: حنطة، تلاعبوا استهزئوا سخروا، وهذا شأن اليهود في السخرية بأوامر الله:  إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً  [البقرة: 67] هذا شأنهم، فلا يبعد على من كان هذا حالهم، وهذا خلقهم، وهذا طبعهم، وهذه طريقتهم مع أنبيائهم، أن يحرفوا ويبدلوا ويغيروا ويرفضوا الجمعة، ويختاروا السبت، قالوا: السبت هذا يوم لا خلق فيه، الله ما خلق شيئاً يوم السبت، خلاص نبغى السبت، قال ابن حجر: "وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى: وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ [البقرة: 58] ، وغير ذلك، وكيف لا وهم القائلون: سمعنا وعصينا"[فتح الباري: 2/155]، وقد هدى الله هذه الأمة ليوم الجمعة ببيانه لها بيانًا واضحًا، وتوفيق هذه الأمة لهذا اليوم، قال ابن حجر -رحمه الله-: "ويشهد للثاني -أي القول الثاني هذا- ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال: جمع أهل المدينة -يعني صلوا الجمعة- قبل أن يقدمها رسول الله ﷺ، وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إن لليهود يومًا يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى كذلك، فهلم فلنجعل يومًا نجتمع فيه، فنذكر الله تعالى، ونصلي ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلى بهم يومئذ"[فتح الباري: 2/155]، يعني هذا من توفيق الله، يعني اجتمعوا في المدينة قبل أن يصل النبي ﷺ، وقالوا: لكل أهل ملة ودين يوم مقدس يجتمعون فيه للعبادة، اليهود في البيع، والنصارى في الكنائس، هؤلاء السبت، وهؤلاء الأحد، لماذا لا نجتمع نحن فنذكر الله؟

طيب ماذا تختارون؟

اختاروا الجمعة، فكان هذا توفيقًا من الله لهم قبل أن يقدم النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا قول بهذا الدليل، "واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ، وأنزل الله -تعالى- بعد ذلك:  إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9]" [فتح الباري: 2/155] على أساس أن سورة الجمعة سورة مدنية، يعني على الأقل آخرها مدنية، وهذا الحديث مرسل، ابن سيرين تابعي، فإذا قال : جمع أهل المدينة، وحصل كذا بالمدينة، وفعل المسلمون كذا، فماذا سيكون حديثه؟ مرسلًا، "وهذا وإن كان مرسلًا فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة أيضًا، وغير واحد، من حديث كعب بن مالك قال:  كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله ﷺ المدينة أسعد بن زرارة ، فمرسل ابن سيرين، يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد"[فتح الباري: 2/155]، لأن لقائل أن يقول: قد يكون النبي ﷺ أرسل إليهم من مكة وأمرهم أن يجتمعوا في يوم الجمعة؛ لأن بعض العلماء يقولون: يوم الجمعة فرض بمكة، لكن ما كان المسلمون يستطيعون الاجتماع في مكة لأذى قريش، فلا يمنع أن يكون النبي ﷺ علمه بالوحي وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها، ثم لذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة، كما حكاه ابن إسحاق وغيره، ويكون الأنصار قد استنبطوه استنباطًا.

وعلى هذا يقول ابن حجر: "فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق"[فتح الباري: 2/156]، فالبيان للنبي ﷺ في مكة، والتوفيق لما اجتمع عليه الأنصار فوفقهم الله بالاختيار الذي أراده فعلًا، ووافق اختيارهم الوحي المنزل على النبي ﷺ.

الحكمة في اختيار يوم الجمعة

00:09:23

ما هي الحكمة من اختيار يوم الجمعة؟

قيل: وقوع خلق آدم فيه، والإنسان خلق للعبادة، فناسب أن يشتغل في هذا اليوم بالعبادة بهيئة أعظم من بقية الأيام، ولأن الله -تعالى- أكمل فيه الموجودات؛ لأن الخلق بدأ يوم الأحد، يوم الجمعة اكتمل الخلق، يوم السبت ما في، والله تعالى أوجد هذا الإنسان الذي ينتفع بالمخلوقات، وقد اكتملت يوم الجمعة فناسب أن يشكره عليها بالعبادة فيه.

متى فرضت الجمعة؟

00:09:58

من أهل العلم من قال: إنها فرضت بمكة قبل الهجرة بدليل أن الصحابة صلوها في المدينة قبل هجرته ﷺ، وأن الذي منع من أدائها أن شعارها الإظهار، والإظهار لم يكن ممكنًا بمكة لبطش الكفار، وكان ﷺ وأصحابه بمكة مستخفين في غالب أحوالهم.

والذي عليه جمهور العلماء أنها فرضت في المدينة؛ لأن سورة الجمعة مدنية.

أول جمعة أقامها المسلمون في المدينة

00:10:28

أول جمعة أقامها المسلمون في المدينة كانت قبل مقدم النبيﷺ حيث اجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم، كل الذي فعله أنه جمعهم في هذا اليوم يوم الجمعة، وصلى بهم ركعتين وذكرهم، فجاء عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة، يعني كعب أي جمعة يسمع النداء ترحم لأسعد بن زرارة، فقلت له-يقول عبد الرحمن لأبيه-: إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة، لماذا؟ قال: "لأنه أول من جمع بنا في المدينة"؛ لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع، يقال له: نقيع الخضمات.

هذا الموقع تحديدًا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع، يقال له: نقيع الخضمات، قلت-يقول عبد الرحمن لأبيه كعب-: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون"[رواه أبو داود: 1069، وحسنه ابن حجر، وكذلك الألباني].

هذه بالنسبة لأول جمعة في المدينة.

أول جمعة جمعها النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلاها بالمسلمين

00:11:56

وأما أول جمعة جمعها النبي ﷺ وصلاها بالمسلمين، فقال أهل السير والتواريخ: "قدم رسول الله ﷺ مهاجرًا حتى نزل بقباء على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى".

إذًا، قدم قباء يوم الاثنين اثنا عشر ربيع الأول.

لاحظوا؛ لأنهم يتخذونه مولدًا.

وقد اختلف في يوم ولادته، وثبت أنه يوم وفاته، وهنا أصحاب التواريخ والسير على أنه يوم مقدمه المدينة وهجرته ودخوله، ولو سألناهم وقلنا لهم: أي هذه المناسبات أولى بالاحتفال الهجرة أم المولد؟

الهجرة أهم، وفيها الفتح للدين الفتح العظيم.

وكذلك يقال: يوم الوفاة مؤكد، فالحزن فيه، يعني الفرح ليس بأولى من الحزن.

الشاهد: نقض الاحتفال بالمولد يتأتى من وجوه كثيرة، وهذه بعضها، فيقال: خير الهدي هدي محمد ﷺ، وإذا لم يحتفل لا نحتفل.

هذا الدخول الذي حصل يوم الاثنين في قباء استمر إلى متى؟ مكث في قباء إلى متى؟

قال القرطبي في تفسيره: "فأقام بقباء إلى يوم الخميس، وأسس مسجدهم، مسجد قباء، ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذه القوم في ذلك الموضع مسجدًا، فجمع بهم وخطب، وهي أول خطبة خطبها بالمدينة" [تفسير القرطبي: 18/ 98]؛ لأن المسجد النبوي ما بعد بني، قال ابن حجر: "ومن المتفق عليه أن أول جمعة جمعها رسول الله ﷺ بأصحابه كانت في قبيلة بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم لهم في ذلك الموضع مسجدًا، وذلك عندما قدم إلى المدينة مهاجرًا"[فتح الباري، لابن حجر: 2/ 380].

وأول جمعة جمعت في مسجد من مساجد بلاد الإسلام بعد المدينة، يعني خارج المدينة النبوية كانت في جواثى بالبحرين، وبلاد البحرين، هذه الكلمة تطلق على الموضع الذي هو ما بين البصرة وعمان، كله اسمه البحرين قديمًا، وفي العهد النبوي من البصرة إلى عمان، هذه كلها البحرين، فليست البحرين جزيرة، ولا الأحساء فقط، ولا المنطقة الشرقية فقط، البحرين من البصرة إلى عمان.

فقولهم: "جواثى" هي نعم الآن في الأحساء لكنها داخلة في عموم كلمة البحرين، وهذا دليله، يعني أن أول جمعة خارج المدينة كانت في جواثى حديث ابن عباس الذي رواه البخاري في صحيحه أنه قال: "إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول الله ﷺ في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين". هذا في البخاري بجواثى من البحرين [صحيح البخاري، رقم: 892]، ومن المراجع، يعني في تسمية البحرين التي هي من البصرة إلى عمان معجم البلدان ياقوت الحموي.

يقول ابن حجر في شرح الحديث في "فتح الباري" شرح حديث ابن عباس: "ومعنى الحديث أن أول مسجد جمع فيه بعد مسجد المدينة مسجد جواثى، وليس معناه أن الجمعة التي جمعت بجواثى كانت في الجمعة الثانية من الجمعة التي جمعت بالمدينة كما قد يفهم من بعض ألفاظ الروايات، لماذا؟

بعض ألفاظ الروايات قد توحي أن أول جمعة في المدينة ثاني جمعة في جواثى، وليس كذلك لكن ثاني مكان خارج المدينة صار فيه جمعة هو جواثى، لكن بعد مدة.

والدليل، يقول ابن حجر: فإن عبد القيس إنما وفد على رسول الله ﷺ عام الفتح، كما ذكره ابن سعد عن عروة بن الزبير وغيره، فابن حجر نص في "فتح الباري" على أن وفد عبد القيس جاؤوا عام الفتح.

ما حصل صلاة جمعة خارج المدينة قبل جمعة بني عبد القيس في جواثى، ثم صارت بعد ذلك الجمعات في بلاد المسلمين.

حكم صلاة الجمعة

00:16:49

صلاة الجمعة من الفرائض المعلوم فرضيتها بالضرورة من دين الإسلام؛ كما قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: صلاة الجمعة من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين، وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة، فأفضل مجمع للمسلمين عرفة ثم الجمعة، وقد دل على وجوب صلاة الجمعة قول الله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا [الجمعة: 9] هذا الأمر،  فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة: 9]، فأمر بالسعي إليها، والأمر يقتضي الوجوب، ولا يجب السعي إلا إلى واجب، ونهى عن البيع لئلا يشتغل به عنها، فلو لم تكن واجبة لما نهى عن البيع من أجلها، والمراد بالسعي هاهنا الذهاب إليها لا الإسراع حتى لا يتعارض عندنا بين هذا مع حديث : لا تأتوها وأنتم تسعون  فيقال: السعي الذي في الحديث غير السعي الذي في الآية، فإن السعي الذي في الحديث العجلة في المشي، الجري مثلًا، والسعي الذي في الآية معناه شدة الاهتمام بها والمبادرة إليها، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وأجمع المسلمون على أن الجمعة فرض عين إلا قولًا يحكى عن الشافعي وهو غلط عليه" [زاد المعاد :1/ 385]؛ لأن الشافعي بريء من هذا القول، حتى قالت طائفة من الشافعية: لا تحل حكايته عنه.

خطر ترك صلاة الجمعة والتهاون بها

00:18:24

وترك صلاة الجمعة ممن تجب عليه من غير عذر كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب؛ كما روى أبو الجعد الضمري وكانت له صحبة ولم يرو عن النبي ﷺ إلا هذا الحديث أن النبي ﷺ قال: من ترك ثلاث جمع تهاونًا طبع الله على قلبه [رواه أبو داود: 1052، والنسائي: 1369، وهو حديث صحيح].

قال العراقي -رحمه الله-: "المراد بالتهاون الترك بلا عذر، والمراد بالطبع أن يصير قلبه قلب منافق"[حاشية السندي: 3/ 88]، وهذا كما هو واضح عقوبة قلبية، وهي أشد من العقوبة الجسدية.

وفي صحيح مسلم: أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة سمعا رسول الله ﷺ يقول على أعواد منبره:  لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين  [رواه مسلم: 865].

قال ابن عبد البر: "والختم على القلوب مثل الطبع عليها، فهذه الروايات يفسر بعضها بعضًا" الختم يفسر الطبع "وهذا وعيد شديد؛ لأن من طبع على قلبه وختم عليه لم يعرف معروفًا ولم ينكر منكرًا" [الاستذكار: لابن عبد البر: 2/55].

وقال أيضًا رحمه الله-: "وأجمعوا أنه من تركها وهو قادر على إتيانها ممن تجب عليه أنه غير كافر بفعله ذلك إلا أن يكون جاحدًا لها مستكبرًا عنها، فإذا تركها عمدًا مرة لا يكفر لكن يكون قد أتى بكبيرة عظيمة من أعظم الكبائر فإذا تكرر منه ذلك ثلاث مرات، قال ابن عبد البر: "وأجمعوا على أنه بتركها ثلاث مرات من غير عذر فاسق تسقط شهادته"[الاستذكار: 2/ 56].

فإذًا، من تركها ثلاث مرات من غير عذر فاسق ساقط الشهادة.

صلاة الجمعة صلاة مستقلة

00:20:39

الجمعة صلاة مستقلة ما معنى هذا؟

ذهب جمهور العلماء إلى أن الجمعة فرض مستقل ليست بدلًا من الظهر، ولا ظهرًا مقصورة، هذه صلاة مستقلة، لا هي ظهر، ولا هي بدل من الظهر، ولا هي ظهر مقصورة، هذه صلاة مستقلة فأنت لو قلت: عدد لي الصلوات يوم السبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس؟ أقول: فجر، ظهر، عصر، مغرب، عشاء، وإذا قلت لي: عدد لي صلوات يوم الجمعة؟ سأقول لك: فجر، جمعة، عصر، مغرب، عشاء، فالجمعة ليست بديلًا عن الظهر، ولا هي ظهر، ولا هي ظهر مقصورة، الجمعة صلاة مستقلة بنفسها، لكن من صلى الجمعة سقطت عنه الظهر، لكن هي صلاة مستقلة.

وهذا مذهب الجمهور، ويدل على ذلك حديث عمر قال: صلاة الجمعة ركعتان، والفطر ركعتان، والنحر ركعتان، والسفر ركعتان تمام غير قصر على لسان رسول الله ﷺ  [رواه النسائي: 1420، وصححه الألباني].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الجمعة مخصوصة بأحكام تفارق ظهر كل يوم"[مجموع الفتاوى: 24/ 190].

إذًا، الاختلاف بين الظهر والجمعة، فالجمعة يشترط لها عدد معين، بخلاف الظهر، الجمعة فيها خطبة، بخلاف الظهر، الجمعة يشترط فيها الاستيطان، بخلاف الظهر، يعني الجمعة ما تصلى في طريق سفر، ناس في طريق سفر حتى لو كانوا ألفًا ما يصلون الجمعة، بخلاف الظهر يصلون الظهر، الجمعة جهرية والظهر سرية، الاختلافات بين الجمعة والظهر كثيرة، فالجمعة صلاة مستقلة.

إذًا، فلا يجوز أن تتلقى أحكام الجمعة من أحكام الظهر؛ لأن للجمعة أحكام خاصة تفارق بها صلاة الظهر، ولو كانت الجمعة تشارك الظهر في بعض الأحكام فإنه لا يمكن إلحاقها بها، يقال: هذه مثل هذه، أو هذه هي هذه؛ لأنها وافقتها مثلًا في الوقت، علمًا أن بعض العلماء كما سنعرف يقولون: إن وقت الجمعة تبدأ من وقت صلاة العيد من الضحى.

والجمهور على أنه من بعد الزوال، قال ابن القيم -رحمه الله-: "الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر في الجهر والعدد والخطبة والشروط المعتبرة لها وتوافقها في الوقت"[زاد المعاد: 1/ 417].

شروط وجوب صلاة الجمعة

00:23:13

قال المصنف -رحمه الله- الشيخ عبد الرحمن السعدي: "كل من لزمته الجماعة لزمته الجمعة"، وفي هذا بيان من الذي يجب عليه حضور الجمعة، فكل من تجب عليه الجماعة تجب عليه الجمعة.

وصلاة الجماعة مر معنا أنها تجب على كل مسلم ذكر بالغ قادر يسمع النداء.

فنستطيع أن نقول: إن شروط لزوم الجمعة ووجوب الجمعة خمسة.

تجب على المرأة؟ على المريض؟ على المسافر؟ على المجنون؟ على العبد؟ على من تجب صلاة الجمعة؟

أولًا: أن يكون مكلفًا، ولذلك الصبي والمجنون لا تجب عليهما؛ لأنهما غير مكلفين؛ لما رواه أبو داود عن علي في الحديث المشهور أن النبي ﷺ قال:  رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل  [حديث صحيح].

قال ابن قدامة: "وذكر بعض أصحابنا في الصبي المميز رواية أخرى أنها واجبة عليه بناء على تكليفه، ولا معول عليه"[المغني: 2/ 243]، لكن لو واحد قال: دعنا من الوجوب، لا تجب على الصبي، لكن هل يؤمر بها؟

الآن الصلوات العادية ألا يؤمر بها الصبي؟ مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر  مع عدم وجوبها عليهم، يعني لو ما صلاها ابن عشر ما يأثم، لكن يلزم ويضرب عليها للتعويد فهل الجمعة كذلك؟

الجواب: نعم، يؤمر بها لسبع ويضرب عليها لعشر لدخوله في عموم قوله ﷺ:  مروا أولادكم بالصلاة ، وهذا يدخل فيها الجمعة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين [حديث صحيح، رواه أبو داود: 495].

طبعًا هذا الحديث رغم أنف المنافقين والعلمانيين الذين يقولون: الضرب ليس عقوبة تربوية على طول الخط، ونحن أهل الإسلام ماذا نقول؟

الضرب ليس من البداية، نحن ما نبدأ بالضرب.

أول شيء نأمر، ونعظ، ونبين، ونعلم، ونربي، وقدوة، تحميس، وترغيب، وترهيب، وتحذير، تنبيه، ومن سبع إلى عشر كم سنة؟ كم فرض فيها؟ خمسة في سبعة في ثلاثين كم؟ خمسة في ثلاثين في اثنا عشر آلاف، الفروض آلاف الفروض، ونحن نأمر ونعظ ونذكر وقدوة ونحذر، فإذا صار عمره عشر ورفض الصلاة هذا يؤدب بالضرب، وأي ضرب؟ لا يصل به عشر أسواط وليس في مقتل، ولا إلخ.. من شروط التأديب المعروفة عند الفقهاء، أما من زعم أن الضرب عقوبة غير تربوية أبدًا فهو جاهل مسكين لا يعرف الشرع، ولا يعرف التربية، لكن لو قال: لا نبدأ به، نعم له شروط.

أولًا: أن يكون مكلفًا.

ثانيًا: أن يكون حرًا، ولذلك الجمعة لا تجب على العبد؛ لأن العبد تحت تصرف السيد ما يستطيع يذهب، ولا يمكث إلا بإذن سيده، لكن بعض العلماء قال: واجبة على العبد، وحق الله مقدم على حق السيد، فالجمهور قالوا: لا تجب على العبد، وآخرون كشيخ الإسلام ابن تيمية، قال: وجوبها على العبد قوي إما مطلقًا، وإما إذا أذن له السيد، يعني إذا أذن السيد يجب على العبد أن يذهب، وإذا ما أذن فبعضهم قال: لا يجب عليه.

وبعضهم قال: يجب، وحق الله مقدم.

ثالثًا: أن يكون ذكرًا.

إذًا، عند الجمهور أن يكون مكلفًا.

ثانيًا: أن يكون حرًا فلا تجب على العبد.

ثالثًا: أن يكون ذكرًا، فلا تجب على الأنثى، ولكن اتفق العلماء على أن المرأة تصلي الظهر أربعًا في بيتها يوم الجمعة، قال ابن المنذر -رحمه الله-: "وأجمعوا على أن لا جمعة على النساء"[الإشراف على مذاهب العلماء : 2/ 83]، والدليل على ذلك حديث طارق بن شهاب أن النبي ﷺ قال:  الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض [رواه أبو داود: 1067]، وقال النووي في "المجموع": "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، وقال ابن رجب أيضًا في "فتح الباري": "إسناده صحيح"، وكذلك قال ابن كثير في "إرشاد الفقيه": "إسناده جيد"، وصححه الألباني].

الحكمة في عدم وجوب صلاة الجمعة على النساء

00:27:40

الحكمة من عدم وجوب صلاة الجمعة على النساء: أن بقاءها في بيتها أستر لها من خروجها منه، وأن أمور النساء في الشرع مبنية على الستر، وأن الشرع في الابتداء أصلًا لا يريد من النساء أن يحضرن محافل الرجال، غير الآن أهل النفاق يريدون الزج بالنساء في كل محفل رجالي، طريقتهم واضحة، زج بهم واحضرهم واجعلهم يتنقلون ويجتمعون ويدورون ويتكلمون.

-سبحان الله- الشرع يقول: ما في جمعة على المرأة حتى ما تقدر تختلط بالرجال، وأهل النفاق يقولون: الرجال مع النساء، نفاق، فإلى الله المشتكى.

وواضح جدًا المخالفة الشرعية لله ورسوله ودينه، واتفاق العلماء وطريقة الشريعة وروح الشريعة وفقه الشريعة، الشرع لا يوجب الجمعة، الجمعة أعظم محفل للمسلمين في الأسبوع، وأعظم محفل بعد عرفة لا يوجبه على المرأة، واستحسن ذلك في العيدين، يعني في السنة مرتين؛ لأن المرأة تحتاج إلى أن تشهد جماعة المسلمين مرتين في السنة، تشهد هذا الجمع والبركة، وما في ذلك من الخصوصية في العيد.

فإذًا، المرأة لا يجب عليها أن تحضر الجمعة.

ومن المعاني أيضًا: اشتغالها بخدمة الزوج، واشتغالها بتربية الأطفال، فلن يخرجها إلى المسجد لتترك أطفالها في البيت، وتترك خدمة الزوج ليعود فلا يجد زوجته مهيأة أو قد هيأت له، قال الكاساني -رحمه الله-: "أما المرأة فلأنها مشغولة بخدمة الزوج، ممنوعة من الخروج إلى محافل الرجال لكون الخروج سببًا للفتنة".

والكاساني حنفي ما هو حنبلي حتى يقولون: أنتم الحنابلة، الكاساني قال: "لكون الخروج سببًا للفتنة"، ولهذا لا جماعة عليهن، أيضًا يقول الكاساني: ولهذا لا جماعة عليهن أيضًا [بدائع الصنائع: 1/ 258].

وإذا التزمت المرأة بالشروط الشرعية للخروج إلى المسجد كعدم التزين وعدم التطيب جاز لها حضور الجمعة، لكن ليس هو الأفضل، الأفضل أن تصلي في البيت ظهرًا، ولا تصلي جمعة، فإذا حضرت الجمعة هل تصلي مع الإمام ركعتين تجزئها حينئذ عن الظهر؟

الجواب: نعم، قال ابن المنذر -رحمه الله-: وأجمعوا على أنهن إن حضرن الإمام فصلين معه أن ذلك يجزئ عنهن" [الإشراف على مذاهب العلماء : 2/ 83].

وقال ابن قدامة: ولكن تصح منها، أي الجمعة لصحة الجماعة منها، فإن النساء كن يصلين مع النبي ﷺ في الجماعة"[المغني، لابن قدامة: 2/ 243].

وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة": "إذا صلت المرأة الجمعة مع إمام الجمعة كفتها عن الظهر، كفتها عن الظهر، فلا يجوز لها أن تصلي ظهر ذلك اليوم. أما إن صلت وحدها فليس لها أن تصلي إلا ظهرًا وليس لها أن تصلي جمعة"[فتاوى اللجنة الدائمة: 1 (7/ 339].

فضلًا عن أن تؤم الرجال في صلاة الجمعة، كما قال بعض الحثالة من السفهاء في هذا الزمان، بل صوروا مجموعة من ناقصي الرجولة تؤمهم أنثى في صلاة جمعة، وطنطنوا حول ذلك، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم، وأزبدوا، وكله زبد جفاء لا ينفع الناس، ولا يمكث في الأرض، وخالفوا إجماع الأمة، وهذا في عالم ضياع الأمانة أمر متوقع، ويجب على المسلمين التصدي لهذه الدعوات السيئة المنحرفة، العلماء يقولون: الأفضل لها في يوم الجمعة أن تصلي ظهرًا في بيتها؛ لعموم قول النبي ﷺ: لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن [رواه أبو داود: 567، وهو حديث صحيح].

فإذا احتسبت المرأة الأجر في الصلاة في بيتها ظهرًا يوم الجمعة ولو كان مشروعًا لها أن تحضر لحضرت فهي ما مكثت في البيت عن كسل أو تواني أو عدم رغبة أو زهدًا في الأجر، أو رغبة عن حضور مجمع الخير، وإنما هي فضلت ورغبت واختارت البقاء في بيتها؛ لأن الشرع فضل لها ذلك فتؤجر، فلو قيل: أجر صلاة المرأة ظهرًا في البيت أكثر أو أجر حضورها الجمعة أكثر؟

فنقول: أجر صلاتها في بيتها ظهرًا أكثر من أجر حضورها الجمعة، فإذا كان في بيت الله الشرع يفضل لها عدم الإتيان، فكيف في بيئات العمل المختلطة وهي بيئات الدنيا وليست بيئة عبادة، وليس فيها ذكر لله وخشوع وصلاة كما يكون في المساجد.

فإذًا، واضح أن طريقة الشرع شيء، وما يريده أعداء الإسلام شيء آخر، يختلف تمامًا، وإن زخرفوه وقالوا: العصر والزمان والوعي والتعلم.

فنقول: لو كان يفقهون لأمروها بالقرار في البيت، ووفروا لها كل ما يلزم للقرار في البيت، وشجعوها على ذلك، وهذا طريق توصل إليه بعض الكفار بعد مدة طويلة من التجارب المرة، تشجيع المرأة على القرار في البيت، وتخصيص راتب لربة المنزل، كما تجده في بعض بلدان أوروبا المتقدمة.

الشرط الرابع لوجوب الجمعة: أن يكون صحيحًا، فإن كان مريضًا مرضًا يشق معه الذهاب إلى الجمعة، فلا يجب عليه؛ لحديث: الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة قال  أو مريض  [رواه أبو داود: 1067].

ما هو المرض المسقط للجمعة؟

قال النووي في "المجموع": والمرض المسقط للجمعة هو الذي يلحق صاحبه بقصد الجمعة مشقة ظاهرة غير محتملة"[المجموع: 4/486] مشقة ظاهرة غير محتملة، يعني هذا لو جاء لا يخشع أبدًا، يعني من الألم ما يكون فكره حاضر في الصلاة من شدة الوجع.

فإذًا، الوجع الخفيف والوجع المحتمل والمشقة المحتملة لا تسقط الجمعة؛ لأن المرض يتفاوت، واحد عنده أوجاع، واحد عنده زكام، واحد عنده صداع، لكن إذا بلغ الأمر لدرجة أنه لو حضر ما يخشع في الصلاة من شدة الألم الذي تسبب حضوره له فيه.

خامسًا: أن يكون مقيمًا، فالمسافر لا تجب عليه صلاة الجمعة ما لم يجمع الإقامة، والمسافر له حالان، وهنا يحتاج أن ننتبه لهذه القضية، المسافر والجمعة، المسافر له حالان:

الحال الأولى: أن يكون سائرًا غير نازل في البلد.

الحال الثانية: أن يكون مارًا بالبلد.

ونازلًا فيها أكثر من أربعة أيام ما يصبح مسافرًا أصلًا عند الجمهور، فمعنى ذلك أننا سنقارن بين حالين عند الجمهور، واحد سائر في طريق السفر غير نازل ببلد، ما هو نازل ببلد، وواحد دخل بلدًا يوم الجمعة لكن سيجلس يوماً أو يومين أو ثلاثة أو بعض يوم، وكان هذا يوم الجمعة.

المسافر له حالان:

حال أن يكون سائرًا غير نازل ببلد.

وحال أن يكون نازلًا ببلد، لكنه لا زال مسافرًا؛ لأنه لو نوى أكثر من أربعة أيام لا يكون مسافرًا عند الجمهور.

الحال الأولى: رجل في طريق السفر، ماشي في طريق السفر، رجل في طريق السفر سائر، لا تلزمه صلاة الجمعة عند جماهير العلماء من السلف والخلف، حتى لو كانوا جماعة كبيرة، قال ابن قدامة: "إن النبي ﷺ كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره، وكان في حجة الوداع يوم عرفة يوم جمعة فصلى الظهر والعصر جمعًا بينهما، ولم يصل جمعة، والخلفاء الراشدون ، كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره، وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله ﷺ ومن بعدهم [المغني: : 2/250-251].

قال شيخ الإسلام: "الصواب ما عليه سلف الأمة وجماهيرها من الأئمة الأربعة وغيرهم من أن المسافر لا يصلي جمعة"[مجموع الفتاوى: 17/480].

الحال الثانية: أن يكون نازلًا في بلد تقام فيه صلاة الجمعة واحد سافر إلى دبي، القاهرة، بيروت، الرباط، لندن، سافر إلى أي بلد يوم الجمعة، جمهور العلماء يقولون: إذا لم ينو الإقامة أربعة أيام فأكثر فلا يلزمه حضور صلاة الجماعة.

وبالتالي لا يلزمه حضور صلاة الجمعة، وهذا قول جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم أنها لا تجب عليه لو دخل البلد يوم الجمعة لا تجب عليه، وهو اختيار "اللجنة الدائمة"، وكذلك في فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- لماذا؟

لأن الحديث استثنى المسافر، وما دام هذا مسافراً ما يمكن نوجب عليه الجمعة؛ لأن الحديث استثناه، فما دام استثناه وعذره، فلا سبيل إلى الإيجاب عليه، وسواء دخل بلدًا وإلا ما دخل بلدًا ما دام اسمه مسافر الحديث استثناه، هذا دليلهم.

وذهب بعض السلف كالنخعي والزهري إلى أنه إذا نزل بلدًا ولو كان مسافرًا وسمع النداء أنه يجب عليه أن يأتي، ويلزمه الحضور، قالوا: لأنه داخل في عموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9].

قال شيخ الإسلام: "وكذلك يحتمل أن يقال بوجوب الجمعة على من في المصر من المسافرين وإن لم يجب عليهم الإتمام؛ كما لو صلوا خلف من يتم فإن عليهم الإتمام تبعًا للإمام"[مجموع الفتاوى: 24/ 184].

إذًا، ابن تيمية حكاها احتمالًا، قال: يحتمل أن يقال كذلك تجب عليهم الجمعة تبعًا للمقيمين، وهؤلاء تجب عليهم الجمعة؛ لأن قوله: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ [الجمعة: 9] يتناولهم، وليس لهم عذر، ولا ينبغي أن يكون في مصر المسلمين من لا يصلي الجمعة إلا من هو عاجز عنها كالمريض والمحبوس، وهؤلاء قادرون عليها، هذا يقوله ابن تيمية على الاحتمال لكن المسافرون لا يعقدون جمعة، يعني تنعقد معه لا به، لكن إذا عقدها أهل المصر صلوا معهم، يعني إذا قلنا: ما هو العدد الذي تنعقد به الجمعة؟ ولنفرض أنه خرجنا أنهم ثلاثة؛ لأنه فيه خلاف، اثنين، ثلاثة، أربعون، على عدد أصحاب بدر ثلاثمائة، وكذا أقوال كثيرة لنفرض خرجنا أنه الله قال: فَاسْعَوْا [الجمعة: 9] الواو واو الجماعة، والجمع ثلاثة، قال بعضهم: اثنين، معنى ذلك لو قلنا: ثلاثة، لو قلنا: لو كان أحدهم مسافرًا لا تصح الجمعة، لكن لو كانوا أربعة، واحد مسافر تصح الجمعة لهم جميعًا، فالجمعة تنعقد معه لا به، فلا تنعقد الجمعة بمسافر في العدد، يعني ما يكمل العدد، لكن لو صلى معهم بعد ما اكتمل العدد تصح للجميع.

لكن إذا عقدها أهل المصر صلوا معه.

من المعاصرين اختار وجوب الجمعة على المسافر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- كما في "الشرح الممتع"، وأن النازل في البلد تلزمه صلاة الجمعة، قال الشيخ: "فيجب على من سمع النداء يوم الجمعة ولو كان مسافرًا أن يصلي مع المسلمين إلا رجلًا يقول: أنا لا أستطيع لأنني سأواصل رحلتي وسفري، فهذا يعذر؛ لأنه يفوته مقصوده لو بقي لصلاة الجمعة.

هؤلاء الذين قالوا بالوجوب على المسافر إذا كان في البلد، وسمع النداء وما عنده عذر.

طبعًا هم لا يرون السفر في هذه الحالة، يعني مجرد السفر عذرًا ما عنده شيء جالس في الفندق ما عنده شيء سمع النداء يقول: صل الجمعة؟

الجمهور قالوا: لا، المسافر ما عليه؛ لأنه نص الحديث عليه، يقول الشوكاني: وأما إيجاب الجمعة على المسافر إذا كان نازلًا في الموضع الذي تقام فيه الجمعة أو يسمع النداء لها فهو تخصيص لقوله في الحديث:  أو مسافر  بغير مخصص، لماذا تقول: إذا كان نازلًا عليه وإذا كان ما هو نازل ما عليه، والحديث قال: المسافر وما خصص؟

وكذلك رجح القول بعدم الوجوب الصنعاني -رحمه الله- قال: "وهو الأقرب؛ لأن أحكام السفر باقية له من القصر، ونحوه" [سبل السلام: 1/417].

أمام هذا الخلاف الجمهور لا يجب، والدليل واضح حجتهم فيه.

الآخرون قالوا بالوجوب.

ما هو الأحوط؟

أنه إذا ما عنده شغل يروح يصلي، غير واحد على أهبة الاستعداد للسفر وستنزل طائرة، والآن في المطار، وعلى وشك الإقلاع، ولو قلنا له: يالله روح اطلع، صل الجمعة برا يالله، فيه مسجد في المطار روح صل الجمعة، قال: بتفوتني الطيارة وهو مسافر، هو مسافر ما هو في البلد، المطار هذا في بلد آخر.

فهذا عليه مشقة في صلاة الجمعة، قال ابن قدامة: "والأفضل للمسافر حضور الجمعة؛ لأنها أكمل"[المغني: 2/ 253]، فكلامه أفضل أكمل.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "أما الجمعة فليس على المسافر جمعة، ولا تصح منه"[مجموع فتاوى ابن باز: 30/237] يعني لو صلاها هو والمسافرون معه لا تصح، بل عليه أن يصلي ظهرًا، لكن إذا مر على قرية وصلى معهم الجمعة أجزأته عن الظهر.

وفي "فتاوى اللجنة الدائمة": لا يخفى أن المسافر لا تلزمه الجمعة، فإذا صلاها صحت منه، وكفت عن صلاة الظهر" [فتاوى اللجنة الدائمة: 1 (8/ 208].

من حضر صلاة الجمعة ممن لا تتوفر فيه شروط الوجوب ما حكم صلاته؟ حضرت امرأة، حضر مريض، حضر مسافر، حضر صبي.

تصح منهم، وتجزئ من يجب عليه منهم فرض الظهر تجزئه عن الظهر، لماذا؟

لأن امتناع الوجوب في حقهم إنما كان للعذر، وقد زال بحضورهم إلا المجنون، قالوا: لا تصح منه؛ لأنه لا عقل له، ومن لا عقل له لا نية له، بخلاف الصبي المميز فإن له نية.

لا يجوز لمن تخلف عن حضور الجمعة بغير عذر أن يصلي قبل فراغ الإمام من الصلاة

00:42:24

آخر مسألة في درسنا هذا: لا يجوز لمن تخلف عن حضور الجمعة أن يصلي قبل فراغ الإمام من الصلاة، قال ابن قدامة: "ومن وجبت عليه الجمعة إذا صلى الظهر قبل أن يصلي الإمام الجمعة لم يصح ويلزمه السعي إلى الجمعة إن ظن أنه يدركها؛ لأنها المفروضة عليه"[المغني: 2/254].

أيش معنى المسألة هذه؟

واحد عاند وما يريد يصلي الجمعة، كسلان، عاصي، قم صل الجمعة، لا، يا ابن الحلال جمعة والله واجبة عليك، لا طيب أيش؟

قال: سأصلي الظهر، قام وتوضأ وصلى الظهر قبل أن يصلي الإمام الجمعة، لا تصح صلاة الظهر منه، ويقال: صلاتك الظهر غير صحيحة ولا مقبولة، اذهب إلى الجمعة فإن أدركها مع الإمام صلاها وإن فاتته فعليه صلاة الظهر، وإن ظن أنه لا يدركها.

ولنفترض أن واحداً كان مسافرًا دخل البلد، قال: أنا الآن أريد أتوضأ، أريد أدخل الحمام وأتوضأ، راح البيت توضأ، دخل الحمام توضأ طلع في الساعة كذا، يعني قال: الآن إذا رحت المسجد سأجدهم طالعين، وهو صادق، فماذا يفعل؟

يصلي ظهرًا بعد أن يتيقن من خروج الإمام، يعني لو باقي دقيقتين على انتهاء الصلاة صلاة الجمعة مثلًا فقال: الآن إذا رحت المسجد يبغى لي خمس دقائق، يعني راح أروح بعد السلام، طيب أيش أسوي أكبر للظهر الآن؟

نقول له: لا.

انتظر حتى تتيقن أن الإمام سلم، ثم كبر للظهر، وهذا قول مالك والثوري والشافعي في الجديد.

فأما من لا تجب عليه الجمعة كالمسافر والعبد والمرأة والمريض، وسائر المعذورين، فله أن يصلي الظهر قبل صلاة الإمام للجمعة بمجرد دخول وقت الظهر يصلي.

النساء في البيوت يقولون متى نكبر للظهر؟

نقول: بعد دخول وقت الظهر.

ستقول: الناس في المساجد ما خلصوا صلاة الجمعة؟

نقول: حتى لو أنت لا تجب عليك غير مخاطبة فيها.

إذًا، يجوز لك أن تصلي الظهر من بداية دخول وقت الظهر لك أن تبتدئي الصلاة.

وبالله التوفيق.

وصلى الله على نبينا محمد.