الأحد 23 جمادى الأولى 1446 هـ :: 24 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

ما هو الضابط لعرف السفر ؟

قضية العرف ممكن يكون فيها مزيد توضيح؛ لأنه يُشْكل على القول بعدم التحديد وإرجاع الأمر إلى العُرف أن أمر العُرف غير منضبط انضباطًا واضحًا؛ مما يؤدي إلى اختلاف الناس فيما بينهم.

فمن الممكن أن يقال: إن المسافات قسمان: طويلة وقصيرة؛ أما الطويلة فلا شك فيها، يعني الآن مثلاً مائتين ثلاثمائة كيلو، أربعمائة كيلو، خمسمائة كيلو، ألف كيلو، هذه واضحة بالعُرف، واضحة أنها سفر، حتى لو رجع في اليوم نفسه؛ لأنه لا عبرة بالزمن في ضبط السفر، ممكن غدًا يخترعون لنا كبسولة، ويحطك هنا ويضغط الزر فتذهب إلى طوكيو في خمس دقائق، يمكن، خلاص الذي اخترع آلات تقطع مسافة ألف كيلو في ساعة ممكن يخترع آلة تقطع الألف كيلو في دقيقة.. يمكن؛ فإذن، المسافة الطويلة عرفًا واضحة.

والقصيرة: واحد سار كيلو ونصف، محطة البنزين التي خارج البلد كيلو ونصف، هذا لا خلاص حتى عرفًا واضح، لكن بينهما هو المشكل في العُرف، لكن لا عبرة بالزمن في ضابط السفر، وإنما المعتبر المسافة.

قال النووي -رحمه الله- لاحظ هذا الكلام قاله من مئات السنين: "حتى لو قطع قدر ثماني وأربعين ميلاً في ساعة أو لحظة"، لاحظ كلام النووي هذا عصر الكبسولات الآن هذا، نقوله الآن في عصر الكبسولات الفضائية هذه.

قال النووي: "حتى لو قطع قدر ثماني وأربعين ميلاً" التي هي الثمانين كيلو تقريبًا، "حتى لو قطع قدر ثماني وأربعين ميلاً في ساعة أو لحظة جاز له القصر؛ لأنها مسافة صالحة للقصر فلا يؤثر قطعها في زمن قصير" [المجموع: 4/323].

يقطع لك ألفين كيلو بساعتين مثلاً، ساعتين، أنت الآن ممكن تذهب لندن وترجع في نفس اليوم، صح ست ساعات تنجز لك شغل ساعتين ثلاثة ترجع الرحلة التي ست ساعات في نفس اليوم، إذن، ليست العبرة هي الزمن، العبرة المسافة.

وأما المسافات القصيرة فهي التي يمكن أن يقع فيها الاختلاف بين الناس، وقد حاول بعضهم ضبط ذلك؛ قال محمد بن سيرين: "كانوا يقولون: السفر الذي تقصر فيه الصلاة الذي يحمل فيه الزاد والمزاد"، مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح.

قال شيخ الإسلام: "ولابد أن يكون ذلك سفرًا في العرف" ابن تيمية الآن يقول السفر عرفي؛ فلابد يعطي شيئًا يضبط لنا العرف، قال: "مثل أن يتزود له، ويبرز في الصحراء؛ فمدينة النبي ﷺ كانت تجمع قرى متقاربة، ولم يكن الخروج إليها سفرًا مع الاستقرار، ولهذا كان النبي ﷺ يخرج هو وأصحابه إلى قباء ولم يكونوا يقصرون الصلاة" لأن هذه القرى كانت بمنزلة الناحية من المدينة، والمتنقل من ناحية إلى ناحية في المدينة ليس بمسافر؛ يعني: الآن مثلاً الرياض توسعت، افرض من أقصى شرق الرياض إلى أقصى غرب الرياض ثمانين كيلو، فهل إذا طلعت من أقصى شرق الرياض إلى أقصى غرب الرياض تقصر؟ لا، لماذا؟ لأنك لا زلت في البلد، لا زلت في البلد، وفي مدن تتوسع أكثر، صح؟ ممكن تحصل بلد من الطرف إلى الطرف مائة كيلو، لكنك لا زلت داخل البلد.

لماذا شيخ الإسلام قال: "ويبرز في الصحراء" من ضوابط العرف، حتى يصير سفر معناها أنك برزت إلى صحراء، مكان ما فيه بنيان، برزت إلى الصحراء طيب، وكان يذهب قباء، وقباء ما هي متلاصقة مع المدينة في المباني، في المباني في فراغ، لكن تعتبر تبع المدينة، ولذلك قال: "ناحية"؛ "لأن القرى كانت بمنزلة الناحية من المدينة، والمتنقل من ناحية إلى ناحية في المدينة ليس بمسافر".

فإذا أشكل العرف علينا فليس هناك من حل إلا ماذا؟ التحديد، والتحديد عرفنا ما هو، يعني كلام أكثر العلماء فيه، وهناك قاعدة: الأصل القصر وإلا عدم القصر؟ عدم القصر، فإذا أنت شككت هل يجوز لك تقصر وإلا ما تقصر ماذا تفعل؟ ما تقصر، أنت الأصل الآن أنك تتم الصلاة أربعة فرضها الله أربعًا، فإذا شككت قلت: هذه المسافة ما أدري المسافة هذه تبيح لي أن أقصر أو ما تبيح لي، فما هو الذي ينبغي عليك أن تفعله؟ أنك تمشي على الأصل وما تقصر، حتى يثبت لك أن هذا يبيح القصر فتقصر، وهذه قاعدة نافعة أيضًا لو واحد شك قال: أنا ما أدري من هذه أنا ما أدري هل مسموح أو لا؟ نقول: الأصل أنك ما تقصر حتى يثبت لك أنه سفر فتقصر، والله أعلم.