الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ملخص الدرس الماضي
فقد تحدثنا في الدرس الماضي في أحكام الوضوء وصفته، عن مسح الرأس، وكلام العلماء في الحد الواجب من الرأس في المسح.
وكذلك عن صفة المسح وكيفيته، وأن الواجب هو مسح الرأس سواء كان عليه شعر أم لا، فإن كان عليه شعر وجب مسح ظاهر الشعر دون البشرة، والواجب مسحه من الشعر ما كان في حدود الرأس.
أما الشعر النازل عن حدود الرأس فلا يجب مسحه.
وعرفنا أن المرأة التي لها شعر طويل لا يجب عليها أن تمسح إلا إلى منابت الشعر على الرقبة، أما ما أسفل من ذلك فلا مسح فيه.
وعرفنا أنه لا تتعين اليد لمسح الرأس، فلو مسحه بأي شيء آخر صح المسح؛ لأن الله أطلق المسح ولم يقيده بصفة محددة، فلو ساعد الممرض المريض على مسح رأسه فمسحه له بيده، يعني بيد الممرض فإن المسح يصح.
وعرفنا أنه لابد من الإمرار في المسح، فلا يصلح أن يكبس على شعره بدون مسح، فلو كبس على شعره ولم يمسح فلا يصح؛ لأن الله قال: فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ [المائدة: 6] قال الله: وَامْسَحُواْ ، والمسح في اللغة لابد فيه من الإمرار وإلا لا يسمى مسحًا، لا يطلق عليه مسحًا إذا ما كان فيه إمرار.
وعرفنا أن حلق شعر الرأس بعد الوضوء لا يضر الوضوء، فالطهارة باقية.
وعرفنا أنه لا يجب نقض الضفائر عند الوضوء لا للرجل ولا للمرأة، بل يمسح رأسه من منابت الشعر إلى القفا وهو مضفور.
وعرفنا أن الأفضل أن يمسح رأسه بماء جديد غير الماء الذي كان من غسل اليدين؛ لأن الكف مبتلة من غسل اليدين فهل يأخذ ماء جديدًا للرأس أم لا؟
وكان الجواب: أن الأفضل أن يأخذ ماء جديدًا للرأس؛ لأن هذا الذي ورد في صفة وضوء النبي ﷺ.
وعرفنا أنه لو غسل رأسه بدلًا من مسحه أجزأه ذلك حتى في الوضوء؛ لأن الغسل مسح وزيادة، واشترط الحنابلة مع ذلك في الغسل إمرار اليد.
وعرفنا أن الذي عليه جمهور أهل العلم أن مسح الرأس يكون مرة واحدة؛ لأن الأحاديث التي فصلت وضوء النبي ﷺ بينت أنه مسح رأسه مرة واحدة، وأن الروايات التي ورد فيها أنه مسح رأسه ثلاثًا ضعيفة.
صور المسح على العمامة
ثم تكلمنا عن المسح على العمامة، وأن للمسح عليها صورتان:
الأولى: أن يمسح على مقدم رأسه الناصية ثم يكمل المسح على العمامة، وهذا جائز عند جمهور أهل العلم؛ لحديث المغيرة بن شعبة: أن النبي ﷺ "توضأ فمسح بناصيته، وعلى العمامة وعلى الخفين" [رواه مسلم: 247].
الثانية: أن يمسح على العمامة فقط دون أن يمسح معها شيئًا من شعر رأسه، فجمهور العلماء لا يجيزون ذلك الاقتصار في المسح على العمامة وحدها دون مسح شيء من الرأس.
وذهب الإمام أحمد إلى صحة المسح على العمامة فقط، واستدل بأحاديث صحيحة في هذا، وأن المسح على العمامة قد ثبت عن ثمانية من الصحابة -رضوان الله عليهم-.
وشرط جواز المسح عند الحنابلة: أن تكون العمامة ساترة لجميع الرأس، وتكون محنكة، أو ذات ذؤابة.
المحنكة هي عمائم العرب كانوا يلفونها على رؤوسهم ثم ينزلون بطرفها تحت الحنك، ويصعد مرة أخرى، هذه العمامة يشق خلعها، ولذلك جاءت الرخصة بالمسح عليها.
العمامة يشق خلعها وخصوصًا للمسافر وفي الجهاد فكانت محكمة.
العمائم تيجان العرب.
وكذلك فإن الإنسان في البرد يحتاج إلى تدفئة رأسه فإذا عصب العمامة فيصبح رأسه دافئًا، فلو اشترطنا خلعها ربما تأذى من هواء بارد يصيب رأسه الدافئ.
المسح على العمامة
الآن العمامة تلبس في بعض البلدان كالسودان، لكن نحن في هذا البلد أو غيرنا من المسلمين الذين يلبسون غطاء رأس، سواء كان طاقية أو غترة يطرح السؤال: هل يجوز المسح على الطاقية أو على الغترة أم لا؟
ومن هنا نحتاج إلى بسط الكلام في موضع المسح على العمامة.
وقلنا: إن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قد اختار جواز المسح على العمامة الصماء، وأنه لا يشترط أن تكون محنكة، أو ذات ذؤابة.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "ولأن الحكمة من المسح على العمامة لا تتعين في مشقة النزع، بل قد تكون الحكمة أنه لو حركها ربما تنفل أكوارها، ولأنه لو نزع العمامة فإن الغالب أن الرأس قد أصابه العرق والسخونة، فإذا نزعها فقد يصاب بضرر بسبب الهواء، ولهذا رخص له المسح عليها" [الشرح الممتع: 1/ 238].
وقال الشيخ -رحمه الله- كذلك في "لقاءاته الشهرية": العمامة لا يشترط أن تكون من شيء معين، كل ما أدير على الرأس فإنه عمامة يجوز المسح عليها، إلا أن بعض العلماء اشترطوا شرطًا، وهي: أن تكون العمامة محنكة، أي يدار منها دورة تحت الحنك، أو تكون ذات ذؤابة، أي يتدلى طرفها من عند الظهر، يقول الشيخ: ولكن الصحيح أن ذلك ليس بشرط، وهذا موافقة منه لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأنه متى وجدت العمامة على الرأس فإنه يمسح عليها، وذلك لمشقة نزعها، ثم طيها مرة أخرى.
والواجب عند الحنابلة هو مسح أكثر العمامة لا استيعاب العمامة، وأحكام المسح على العمامة عند الحنابلة كأحكام المسح على الخفين من حيث التوقيت، واشتراط لبسها على طهارة، قال ابن قدامة في العمامة: "وحكمها في التوقيت واشتراط تقديم الطهارة وبطلان الطهارة بخلعها كحكم الخف؛ لأنها أحد الممسوحين على سبيل البدل" [الكافي: 1/ 78].
فإذا قلنا: إن الوضوء لا ينتقض بخلع الجورب الممسوح عليه، فكذلك الوضوء لا ينتقض بخلع العمامة الممسوح عليها.
واختار الشيخ عبد العزيز بن باز من المعاصرين كذلك أن العمامة كالخفين في الأحكام، فلابد من لبسها على طهارة.
وقيل: قياس العمامة على الخفين بعيد، فحكم الرجلين أصلًا الغسل بخلاف الرأس فإن حكمه المسح فلا يشترط فيهما ما يشترط في المسح على الخفين، كما ذكر ذلك ابن حزم -رحمه الله-.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: لا شك أن الاحتياط أولى"[مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 11/169].
والأولى الاحتياط في هذه المسألة، أن ما يمسح على العمامة إلا إذا لبسها على طهارة.
قال: والأمر في هذا سهل فإنه ينبغي أن لا يلبسها إلا على طهارة، وأن يخلعها إذا تمت مدة المسح، ويمسح رأسه ثم يعيدها.
سيأتي مزيد تفصيل لهذه المسائل في باب المسح على الخفين -إن شاء الله-.
حكم مسح المرأة على الخمار
من المسائل أيضًا: خمار المرأة هل تمسح عليه مثل عمامة الرجل؟
المرأة أحيانًا تكون ذاهبة إلى السوق أو تدخل بعض الحمامات العامة، ولا تريد أن تنزع غطاءها على الأقل احتياطًا لنظر أجنبي أو كاميرا أو عدسة كاميرا، أو في الشتاء، فهل يجوز لها أن تمسح على الخمار؟
المشهور من مذهب الحنابلة: أن للمرأة أن تمسح على خمارها إذا كان مدارًا تحت الحلق، قياسًا على مسح الرجل على العمامة، كما في "الفروع".
طبعًا الذي لا يجيز المسح على العمامة لا يجيز المسح على الخمار من باب أولى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وفي مسح المرأة على مقنعتها وهي خمارها المدار تحت حلقها روايتان:
إحداهما: لا يجوز؛ لأن نصوص الرخص إنما تناولت الرجل بيقين، والمرأة مشكوك فيها، يعني جاءت النصوص في العمامة.
والثانية: يجوز، وهي أظهر، وذكر الإمام أحمد وابن المنذر عن أم سلمة زوج رسول الله ﷺ: أنها كانت تمسح على الخمار، فلولا أنها علمت ذلك من جهة الرسول ﷺ.
يقول شيخ الإسلام: نصًا أو دلالة لما عملته وهي أفهم لمراده، قال: "ولأن الرأس يجوز للرجل المسح على لباسه، فجاز للمرأة كالرجل، ولأنه لباس يباح على الرأس يشق نزعه غالبًا فأشبه عمامة الرجل وأولى"، قال: "لأن خمارها يستر أكثر من عمامة الرجل ويشق خلعه أكثر، وحاجتها إليه أشد من الخفين"، يقول شيخ الإسلام: فأما العمامة للمرأة فلا يجوز المسح عليها؛ لأنها منهية عن ذلك، يعني منهية عن لبسها أصلًا؛ لأنه تشبه بالرجل، قال": "وكذلك كل ما فيه تشبه بالرجال، وإن فرضت الإباحة بعض الأوقات لحاجة فهي حالة نادرة" [شرح عمدة الفقه، لابن تيمية: 1/ 135].
وحديث أم سلمة الذي أشار إليه شيخ الإسلام -رحمه الله- في مسحها على خمارها قد رواه ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح، عن الحسن البصري عن أمه: "أن أم سلمة كانت تمسح على الخمار" [مصنف ابن أبي شيبة: 223].
وفي فتاوى "اللجنة الدائمة" برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- قالت اللجنة: يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها الذي وضعته على رأسها وأدارته تحت حنكها مدة يوم وليلة إذا لم تنزعه، وذلك لمشقة نزعه فصار كالعمامة التي ثبت المسح عليها بالسنة الصحيحة، وكالخفين سفرًا وحضرًا، وروي عن أم سلمة -رضي الله عنها- "أنها كانت تمسح على خمارها" [مصنف ابن أبي شيبة: 223] [فتاوى اللجنة الدائمة: 2 (4/ 105].
وكذلك أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بمسحها على خمارها، قال: فالعمامة والخمار للمرأة كلاهما إذا لبس على طهارة، وقد حنكها أو حنكتها المرأة، يعني الرجل لبس العمامة وحنكها، والمرأة لبست الخمار وحنكته، قال: أي ربطتها على رأسها، وربطها على رأسه، يعني العمامة، فإن هذا عذر في المسح عليها.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "وعلى كل حال إذا كان هناك مشقة إما لبرودة الجو، أو لمشقة النزع واللف مرة أخرى، فالتسامح في مثل هذا لا بأس به، وإلا فالأولى أن لا تمسح، ولم ترد نصوص صحيحة في هذا الباب"[الشرح الممتع: 1/ 239].
من الحالات التي نذكرها الآن بالنسبة للمرأة: المستشفى، تحتاج النساء أحياناً إلى المكث في المستشفى، والمستشفى يدخل أحيانًا عليها رجال أجانب، ولذلك قد تحتاج للبقاء بالخمار مدة.
وذكرنا أيضًا في الحمامات العامة في السوق في غيره قد تحتاج المرأة إلى دخول دورات المياه للوضوء، فيه مواطن في الحج يصعب على المرأة خلع الخمار للوضوء، الناس مكشوفين في مزدلفة، ولذلك يمر بالمرأة حالات تحتاج حقيقة لعدم إزالة الخمار، فيكون الأخذ بهذه الرخصة بالنسبة لها وجيهًا.
حكم المسح على الطاقية والكوفية والشماغ
نأتي الآن إلى مسألتنا وهي: المسح على غير العمامة، وغير الخمار؛ كالطاقية والكوفية والشماغ والغترة التي يلبسها كثير من الناس الآن، وعندك القلانس للثياب المغربية، الثياب المغربية أيضًا فيها غطاء للرأس مخيطًا بالثوب، ما حكم المسح على هذه الأشياء؟
عامة المذاهب الأربعة لا يجيزون المسح على هذه الأشياء، سواء منهم من يجيز المسح على العمامة، ومن لا يجيز، والسبب في ذلك أن النص ورد في العمامة، وهذه ليست مثل العمامة.
الغترة هذه أو الشماغ هذا ليس مثل العمامة؛ لأن العمامة تدار على الرأس، وهذا يوضع وضعًا.
وكذلك الطاقية تلبس في الرأس، توضع عليه ولا تلف، فليست المشقة في نزع الغترة والشماغ والطاقية والكوفية، وكذلك في القلانس أو في الثياب المغربية ليست المشقة في إزاحته وخلعه كالمشقة في العمامة والخمار، ولذلك لا مسح عليها، لا رخصة في المسح عليها، سواء لبس على طهارة أو ما لبس على طهارة.
والطاقية ما تستر جميع الرأس في الغالب من جهة أخرى، قال ابن قدامة -رحمه الله-: "ولا يجوز المسح على القلنسوة، الطاقية، نص عليه أحمد، قال هارون الحمال: سئل أبو عبد الله عن المسح على الكلتة؟ -وهو غطاء للرأس، له كلاليب بغير عمامة فوقها يلبسه السلطان والأمراء وسائر العساكر، هذا تعريف الكلتة التي كانت مستعملة في ذلك الزمان، فالآن سئل أحمد عن المسح عليه أو عليها- فلم يره، وذلك لأنها لا تستر جميع الرأس في العادة، ولا يدوم عليه.
وقال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا قال بالمسح على القلنسوة، إلا أن أنسًا مسح على قلنسوته وذلك -يعني المنع- لأنها لا مشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكلتة-يعني أيضًا لا يجوز المسح عليها-ولأنها أدنى من العمامة غير المحنكة التي ليست لها ذؤابة" [المغني، لابن قدامة: 1/ 222].
وعلى هذا أيضًا فتوى كثير من العلماء المعاصرين، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: لأن العمامة كما هو معروف ليات متعددة، يلويها الإنسان على رأسه، ففي حلها نوع من المشقة بخلاف العقال والغترة والطاقية فإنه ليس فيها شيء من المشقة فيما لو أدخل الإنسان يده ومسح على رأسه، وعلى هذا فلا يقاس العقال والغترة والطاقية على العمامة التي كان رسول الله ﷺ يمسح عليها لما بينهما من الفرق [فتاوى نور على الدرب: 7/ 2، بترقيم الشاملة].
وقال الشيخ عبد الله بن جبرين أيضًا: "الطاقية هي القلنسوة تلبس فوق الرأس للوقاية من الشمس والحر، وهي مفصلة بقدر أعلى الرأس، ولذلك هل يجوز لبسها في الإحرام؟
لا.
لأنه لا يجوز في الإحرام لبس ما هو مفصل على عضو من الأعضاء أو بعضه، قال: "ولا تستر الأذنين غالبًا، فلا تقاس بالعمامة في المسح عليها لعدم مشقة رفعها"[فتاوى الشيخ ابن جبرين: 1/ 68، بترقيم الشاملة].
وقال الشيخ صالح الفوزان أيضًا: كل أغطية الرأس لا تأخذ حكم العمامة كالطاقية والقلنسوة والقبعة والطربوش وما يلبس على الرأس، هذه كلها لا يمسح عليها.
قد يطرح بعضهم سؤالًا ويقول: في الشتاء القارس يلبس في بعض البلدان طاقية مستوعبة للرأس من صوف وتغطي كل الرأس حتى الأذنين، والوضوء في الشتاء، وفي البرد القارس، يعني فيه ما فيه من المشقة فهل يجوز المسح على هذه الطاقية بهذه الصفة التي تغطي كل الرأس وتغطي الأذنين؟
أجاب عن هذا الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله- فقال: وأما ما يلبس في أيام الشتاء من القبع الشامل للرأس والأذنين، والذي قد تكون في أسفله لفة على الرقبة، أحيانًا بعضها فيه أيضًا مثل الإطار أو مثل الزيادة السفلية التي تجعل لها كباسات أو أزرار أيضًا، يعني بعض القبعات الشتوية هذه والعمال يلبسونها في الصباح، عمال البناء والمشاريع يلبسونها، وأحيانًا يكون لها أيضًا زيادة سفلية تشبه العمامة المحنكة، قال الشيخ: وأما ما يلبس في أيام الشتاء من القبع الشامل للرأس والأذنين، والذي قد تكون في أسفله لفة على الرقبة فإن هذا مثل العمامة لمشقة نزعه فيمسح عليه [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 11/ 170].
طبعًا نحن لما قلنا المذاهب الأربعة أنها لا تجيز المسح على الطاقية والغترة والقلنسوة، معنى ذلك أنه قد يوجد قليل أو أفراد من أهل العلم رأوا خلاف ذلك؟
الجواب: نعم، فعلى سبيل المثال للفائدة، يعني للفائدة أجازها ابن حزم -رحمه الله- جميع ذلك، فقال: "وكل ما لبس على الرأس من عمامة أو خمار أو قلنسوة أو بيضة أو مغفر أو غير ذلك: أجزأ المسح عليها، المرأة والرجل سواء في ذلك، لعلة أو غير علة" [المحلى: 1/303].
لكن نحن الآن نعتمد كلام عامة أهل العلم، وقد عرفنا رأيهم أن الطاقية والقلنسوة، وما شابه ذلك، لا يجوز المسح عليه.
طبعًا نحن إذا لاحظنا مسألة مشقة الخلع قد يأتي بعض الأشخاص بنماذج أخرى، فيقول مثلًا: وما رأيكم بخوذات أصحاب الدرجات النارية؟ وما رأيكم بخوذات الطيارين؟ وما رأيكم بالخوذات العسكرية فإن بعضها تلبس بطريقة محكمة ولها أربطة وأزرار وإغلاقات غلق محكم؟
فنعود للمسألة أنها غطت الرأس، هل هي محنكة؟ هل يشق نزعها؟
في بعض الحالات قد يحصل هذا، حتى الذين يقاتلون في سبيل الله قد يلبسون بعض هذا.
أحيانًا رجال المطافئ أو مثلًا عمال إغاثة المنكوبين، أو الذين ينبشون الحطام، ويستخرجون الناس كما في الزلازل.
فالشاهد: إذا وجدت المشقة في نزعها وغطت الرأس والأذنين فلا يبعد أن تأخذ حكم العمامة، وقد ورد المسح على القلنسوة -كما تقدم- في أثناء الكلام عن أنس وأبي موسى الأشعري كما في "مصنف ابن أبي شيبة".
وقال أبو بكر الخلال: "إن مسح إنسان على القلنسوة لم أر به بأسًا، لأن أحمد قال في رواية الميموني: أنا أتوقاه، وإن ذهب إليه ذاهب لم يعنفه" يعني أحمد، قال الخلال: "وكيف يعنفه، وقد روي عن رجلين من أصحاب رسول الله ﷺ بأسانيد صحاح ورجال ثقات؟" [المغني: 1/ 222].
إذن، هذا يؤيد قضية إذا شق النزع، الحالات التي يشق فيها النزع، نقول: قد ورد عن اثنين من الصحابة فيما هو أسهل من ذلك.
كلام عامة أهل العلم هذا الذي نعتمده ونسير بموجبه نأخذ به، لكن لما تصير في حالات المشقة وعندنا قد وردت الرخصة، وقال بها بعض أهل العلم، فالأخذ بذلك لا حرج فيه إن شاء الله في حالات مشقة الخلع، وخصوصًا عندما تكون محكمة مغطية للرأس.
حكم المسح على بعض الأمور التي ليست من قبيل اللباس
الآن حالات أخرى ليست من قبيل اللباس، لكن من قبيل دهن الرأس بأشياء، أو وضع أشياء على الرأس مثل التلبيد، نحن نعرف أن النبي ﷺ لما أراد أن يحرم لبد شعره.
ما هو التلبيد؟
مادة صمغية توضع على الشعر، فيلتصق بعضه ببعض، تجمعه وتضمه، ولا يكون متناثرًا لأجل السفر، ولأجل التنقل في المشاعر، والمحرم قد كشف رأسه، وحتى لا يكون هناك تفرق مؤذ، كان ﷺ يلبد شعره قبل الإحرام.
التلبيد، المادة الصمغية هذه ما حكم المسح عليها؟
حالة أخرى: بعض النساء تضع على رأسها الحناء، وليس في كل الحالات تكون مجرد صبغة.
أحيانًا تجعل طبقة سميكة من الحناء فوق رأسها، وتبقى مدة حتى يتشرب الشعر لون الحناء، وهذه قد تأخذ ساعات، العملية هذه قد تأخذ ساعات، فما حكم المسح على هذه الطبقة من الحناء؟
نعود إلى موضوع التلبيد.
التلبيد في اللغة: التلاصق والتداخل، لبد شعر رأسه، أي جعل فيه شيئًا من الدهون والزيوت أو العسل أو الصمغ، وإنما يفعل ذلك بالشعر ليجتمع ويتلبد، فلا يتخلله الغبار، ولا يصيبه الشعث، ولا يقع فيه القمل، كما ذكر صاحب [معالم السنن: 2/ 151]، فعله النبي ﷺ في حجته؛ كما جاء في صحيح البخاري عن حفصة -رضي الله عنها- زوج النبي ﷺ أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ فقال ﷺ: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي قلدته، يعني أشعرته وجعلت فيه العلامة، جعلت فيه قلادة تدل على أنه هدي، حتى لو ضاع فقد يعرف، ولا يعتدى عليه، قال: فلا أحل حتى أنحر [رواه البخاري: 1566، ومسلم: 1229].
طبعًا القصة جاءت في حجة النبي ﷺ، ما نوع حجه؟
وقد تكلموا في ذلك كثيرًا، إذا قلنا: هو الحج الذي هو القران الذي تدخل فيه الحجة، الذي تدخل فيه، يدخل فيه الحج في العمرة، العمرة في الحج، ويسوق فيه القارن الهدي، فإنه ليس عنده عمرة يتحلل منها؛ لأن العمرة والحج دخلا في بعضهما البعض، والتحلل منهما عام، التحلل منهما مع بعض، ولذلك المتمتعون بعد ما طافوا وسعوا قصروا وتحللوا من العمرة وباقي عليهم أن يدخلوا في الحج في يوم التروية، القارن الذي ساق الهدي هذا لو جاء وطاف طواف القدوم المستحب، وسعى بعده سعي الحج، إذا أراد أو ما سعى وجعل السعي في الآخر، هذا ما عنده تحلل الآن، فلذلك زوجة النبي ﷺ أم المؤمنين لما سألت النبي ﷺ لماذا تحلل الناس من العمرة وأنت ما تحللت؟ قال: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر .
هذا التلبيد هل يجوز المسح عليه؟ وماذا بالنسبة للحناء؟
المسألة لها صورتان:
الأولى: أن يضع الحناء على الرأس ثم يزيل جرم فلا يبقى إلا اللون، ففي هذه الحالة لا حرج المسح على الشعر ووجود اللون لا يضر، اللون ليس طبقة عازلة، قال النووي: "فلو بقي لون الحناء دون عينه لم يضره ويصح وضوءه" [المجموع: 1/ 426].
الثانية من استعمال الحناء: أن تكون عجينة الحناء موجودة على الرأس بحيث تشكل طبقة على الشعر، ففي هذه الحال هل يمسح فوقها أم لابد من إزالتها عند مسح الرأس؟
من العلماء من خفف في هذا، وقال: يمسح على رأسه ولا يضره وجود عجينة الحناء، وهذا مذهب الحنفية، قالوا: لأن الحناء لا يمنع وصول الماء، فالماء يتخلله، أو قالوا: هذا من باب الحاجة؛ لأنه إذا قيل له: أزل هذه الطبقة، ما استفاد، فيصير كل شغله راح، فيحتاج لإبقائه، فسهلوا فيه، قال في "الدر المختار" من كتب الحنفية: ولا يمنع الطهارة حناء ولو جرمه، وبه يفتى" انتهى [الدر المختار: 1/ 98].
أما الجمهور، يعني المالكية والشافعية والحنابلة، فقالوا: يلزم إزالة عجينة الحناء؛ لأنها تمنع وصول الماء، جاء في "المدونة" من كتب المالكية: وقد قال لي مالك في الحناء تكون على الرأس فأراد صاحبه أن يمسح على رأسه في الوضوء، قال: "لا يجزئه أن يمسح على الحناء حتى ينزعها فيمسح على شعره" انتهى. [المدونة: 1/ 124].
على أن المالكية لهم كلام في جواز المسح على الحناء، هذا إذا احتاج إليه للتداوي والعلاج؛ لأن الحناء من خصائصه أنه يعالج الصداع والوجع، يعني مادة الحناء هذه مادة علاجية في الحقيقة فربما تستعمل في الشقيقة، أو في بعض الأمراض كدواء أو كعلاج، فالمالكية الذين أوجبوا إزالة طبقة الحناء لأجل اللون والزينة لما تكلموا في موضوع التداوي والعلاج سهلوا فيها، ورخصوا لمن جعله على رأسه دواء، رخصوا له أن يمسح عليه.
قال ابن قدامة: "ولو خضب رأسه بما يستره أو طينه لم يجزئه المسح على الخضاب والطين"[المغني، لابن قدامة: 1/ 96].
أيضًا الطين يمكن أن يكون علاجًا لبعض الحالات، يستعمل الطين على الشعر، تؤخذ خلطة الطين تجعل على الشعر أو على الرأس علاجًا، وقد يكون غير علاج، يعني مثل الأشياء التحسينية، يعني هناك بعض الخلطات تنعم الشعر، هناك بعض الخلطات تفك عقد الشعر، قد تكون أصباغًا.
حكم المسح على الخلطات التي لها جرم
نتكلم الآن عن الخلطات التي لها جرم وليس على ما هو مجرد لون، ما هو مجرد لون أمره سهل، يمسح عليه ولا حرج مجرد لون، لكن لما يكون له جرم ويوضع على الرأس لأي سبب، زينة، علاج، معالجة للشعر نفسه، قد يكون أحيانًا يقوي الشعر، فيه أخلاط قد يكون دواء لآفة، ثعلبة، قمل، المهم لا يخلو أن يحتاج إلى وضع شيء، أو أخلاط، أو عجينة، أو شيء له جرم مدة، ويأتي وقت صلاة.
بالنسبة لموضوع الزينة، يعني ليست للحاجة الماسة، قلنا: الجمهور يشترطون إزالة طبقة الحناء عند الوضوء، يعتبرونها عازلا لابد من إزالته لمسح الرأس، قال ابن قدامة: "ولو خضب رأسه بما يستره أو طينه لم يجزه المسح على الخضاب والطين، نص عليه في الخضاب"[المغني، لابن قدامة: 1/96]؛ لأنه لم يمسح على محل الفرض فأشبه ما لو ترك على رأسه خرقة فمسح عليها، هل يجزئ؟
لا.
بالنسبة للعلماء المعاصرين اختار الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- مذهب الحنفية.
ما هو مذهب الحنفية؟
جواز المسح على طبقة الحناء، فقال الشيخ: "لا حرج من أن تمسح على رأسها وإن كان عليه حناء أو نحوه من الضمادات التي تحتاجها المرأة، فلا بأس بالمسح عليها في الطهارة الصغرى"[مجموع فتاوى ابن باز: 10/ 161] معناها في الطهارة الكبرى، في الجنابة، غسل الحيض، المسألة تختلف.
اختاره أيضًا الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- اختار هذا الرأي، وعلله بأن المسح مبني على التخفيف، وقال: ولو كان الرأس ملبدًا بحناء أو صمغ أو عسل أو نحو ذلك فيجوز المسح؛ لأنه ثبت أن النبي ﷺ كان في إحرامه ملبدًا رأسه، فلما وضع على الرأس من التلبيد، قال: فما وضع على الرأس من التلبيد فهو تابع له، وهذا يدل على أن طهارة الرأس فيها شيء من التسهيل، وعلى هذا فلو لبدت المرأة رأسها بالحناء جاز لها المسح عليه، ولا حاجة إلى أن تنقض رأسها، وتحت هذا الحناء لا حاجة. هذا كلام الشيخ -رحمه الله- في "الشرح الممتع" [الشرح الممتع: 1/ 240] فقاس الشيخ الحناء على التلبيد، ولكن قد يقول قائل: هنا فرق، فالحناء يكون طبقة عازلة على ظاهر الشعر، بخلاف التلبيد فهو لا يشكل طبقة عازلة مغطية لظاهر الشعر، بل هو تلزيق شعر الرأس بعضه ببعض، ولهذا قال في "مواهب الجليل" من كتب المالكية: يجوز له المسح على الشعر المبلد، ولا يكون حائلًا"[مواهب الجليل: 1/ 209] يعني هذا التلبيد.
وقال القرافي -رحمه الله- في "الذخيرة": "إن كانت الحناء ليس على ظاهر الشعر منها شيء لا يمنع من المسح مجرد اللون" قال: "لأن مسح الباطن لا يجب، وقد أجاز الشرع التلبيد في الحج... والتلبيد يكون بالصمغ وغيره" [الذخيرة: 1/ 267].
الخلاصة: لو احتاط المرء لعبادته وأمكنه أن يزيل الحناء من على شعره أو بعض شعره عند الوضوء خروجًا من خلاف من أوجب ذلك من العلماء، لكان أحسن، إلا إن كان الجرم خفيفًا بحيث يصل الماء إلى الشعر، فلا حرج في ذلك، وينصح من أراد وضع الحناء أن يضعه بعد صلاة العشاء بحيث لا يقرب وقت الفجر إلا وقد أدى مفعوله، وصار بالإمكان إزالته من غير ضرر.
وذكر الشيخ زروق عن شيخه القوري هذا في "مواهب الجليل": أنه قال: "إني لأفتي النساء بالمسح على الحناء-هذه طرفة- لأنا إذا منعناهم منه تركن الصلاة-المكياج أهم، بعضهم قد يقول: إذا أفتيناهم بالمنع تقول: شعري على حساب الصلاة- وإذا دار الأمر بين ترك الصلاة وبين فعلها، فارتكاب الأخف أولى"[مواهب الجليل: 1/ 206].
هذا يبين لك مراعاة العلماء لأحوال عصرهم، مراعاة العلماء لأحوال الناس، فهم العلماء لطبيعة النساء، فهم العلماء لما يجري للواقع ليسوا غافلين عنه، ليست فتاوى من أبراج عاجية لا يعرفون الوضع، ويعرفون أن بعض النساء تفتن في الزينة، تفتن لدرجة أنها قد تترك الصلاة من أجل الزينة، ولا نذهب بعيدًا، فنحن نسمع الآن عن ليلة العرس ماذا يحدث فيها من التهاون في أمر الله؛ لأنها تحتاج تجلس عند الكوافيرة مدة طويلة، وأحيانًا تحتاج أنها تجلس عند هذه المزينة تزين لها شعرها مدة طويلة، ولذلك العروس الآن ترى اللي تزين الآن كم ساعة تأخذ؟ وإذا اشتغلوا معها من بعد العصر ما ينتهون إلا بعد العشاء، حتى تذهب إلى العرس على طول بهذه الزينة، أين صلاة المغرب؟ حتى لو أرادت يعني فكرت تتوضأ الشيطان يوسوس: كذا يخرب، ولذلك الفتنة لها صور كثيرة، فتنة المال، فتنة الشهوات، فتنة الشبهات، فتنة الزينة، أين الفتنة؟
أن بعضهم قد يترك الصلاة أو يخرج وقت الصلاة مراعاة للتزين، تزين من أمور الدنيا، يعني أن العروس تفتن، يعني تدخل في محنة حقيقية في تزيينها في الأعراس، بالنسبة لموضوع الصلاة والوضوء، تقول: الآن المكياج، كيف اغسل وجهي الآن في الوضوء؟ كيف اغسل وجهي؟ كل شيء يخرب.
ولذلك تحتاج المرأة، وكذلك الرجل إلى إيمان قوي في مثل هذه المواقف للمحافظة على فرائض الله، وحسن تدبير بحيث أنه لا يتعارض أداء الفرض مع التزين كما قلنا في وضع الحناء بعد العشاء، حتى ما يأتي الفجر إلا وقد وقع مفعوله.
حكم مسح العنق مع الرأس
نأتي الآن إلى مسألة وهي هل يمسح عنقه مع الرأس؟
استحب بعض العلماء مسح العنق في الوضوء بماء الرأس، وهذا مذهب الحنفية وقول عند الشافعية، ورواية عن أحمد كما في "البحر الرائق"، و "روضة الطالبين"، و "الإنصاف" إلا أن الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنه لا يستحب مسح العنق في الوضوء.
لماذا؟
لعدم ثبوت ذلك عن النبي ﷺ، ولئلا نزيد في العبادة فندخل في البدعة، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: هل صح عن النبي ﷺ أنه مسح عنقه في الوضوء أو أحد من الصحابة ؟
فأجاب: "لم يصح عن النبي ﷺ أنه مسح عنقه في الوضوء، بل ولا روي عنه ذلك في حديث صحيح، بل الأحاديث الصحيحة التي فيها صفة وضوء النبي ﷺ لم يكن يمسح على عنقه، ولهذا لم يستحب ذلك جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهم، ومن استحبه فاعتمد فيه على أثر يروى عن أبي هريرة أو حديث يضعف نقله أنه مسح رأسه، حتى بلغ القذال، ومثل ذلك لا يصلح عمدة" يقول شيخ الإسلام: لا يعتمد عليه، ليس قويًا تعتمد عليه، قال: "ولا يعارض ما دلت عليه الأحاديث، ومن ترك مسح العنق فوضوءه صحيح باتفاق العلماء" [مجموع الفتاوى: 21/ 128].
ما هو الحديث الذي أشار إليه شيخ الإسلام؟
نصه أنه ﷺ: "مسح رأسه حتى بلغ القذال، وهو أول القفا" [رواه أبو داود: 132، وهو حديث ضعيف].
وبالرغم من أن القفا من الخلف، مع أنه طبعًا ما ثبت المسح إلى آخر منابت الشعر، ما تنزل إلى الرقبة، مع أنه ما ثبت، لكن بعض الناس يمسح كذا، بأصبعين، يعني حتى ما هو مسح عام.
وما يكتفي بالقفا على الحديث الضعيف، يجيب لك خطين على الرقبة، فهذا ما ثبت، ليس هذا من فعل النبيﷺ.
والنووي -رحمه الله- من علماء الشافعية لما تكلم في "المجموع" في اختلاف أصحاب الشافعي -رحمهم الله- في مسح الرقبة في الوضوء هل هو مستحب أم لا؟ قرر أنه لا يسن ولا يستحب، قال: "وهذا هو الصواب، ولهذا لم يذكره الشافعي ولا أصحابنا المتقدمون، ولم يذكره أيضًا أكثر المصنفين" يعني في كتب المذهب "ولم يثبت فيه عن النبي ﷺ، وثبت في صحيح مسلم وغيره عنه ﷺ أنه قال: شر الأمور محدثاتها يقول النووي: وكل بدعة ضلالة يستدل بالحديث، قال: "وفي الصحيحين عنه ﷺ من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو رد ، وفي رواية لمسلم: من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد يعني مردود عليه، ما يقبل منه، قال النووي: وأما الحديث المروي عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه رأى رسول الله ﷺ يمسح رأسه حتى يبلغ القذال، وما يليه من مقدم العنق، فهو حديث ضعيف بالاتفاق.
وأما قول الغزالي -الغزالي طبعًا هو من فقهاء الشافعية من الناحية الفقهية هو شافعي المذهب، فالنووي يعلق عليه- قال: "وأما قول الغزالي إن مسح الرقبة سنة؛ لقوله ﷺ: مسح الرقبة أمان من الغل فغلط؛ لأن هذا موضوع هذا حديث موضوع، ليس من كلام النبيﷺ" [المجموع: 1/ 464].
ما هو الفرق بين الغُل والغِل؟
الغِل بكسر الغين قرين الحقد أو البغضاء.
الغُل بالضم القيد في العنق، إذ الأغلال في أعناقهم.
أما الغِل بالكسر فهو الحقد والبغضاء، وهذه تكون في القلب في الصدر، أما الغُل فهو في العنق واليدين حسي، وأما الغِل معنوي يكون في الصدر والقلب.
فإذن، ما تأتي وتقول: ثم وضعوا الغِل في عنقه؛ لأنه لو واحد يفهم في اللغة العربية راح يضحك عليك، وضعوا الغِل في اليدين، لا، وضعوا الغُل في عنقه، وضعوا الغُل في يديه، إذ الأغلال في أعناقهم، خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [الحاقة: 30-31].
نسأل الله العافية.
إذن الغُل، يعني مسح الرقبة أمان من الغُل، يعني الحديث الموضوع هذا، الذين يخترع الأحاديث حتى يخوف العامة ويؤزهم إلى العمل، يقول: مسح الرقبة أمان من الغُل، يعني يوم القيامة، فيه غل في العنق، وأغلال في جهنم، فاخترع حديثًا يخوف الناس حتى يرغبهم، يقول: مسح الرقبة أمان من الغُل، والغزالي -رحمه الله- ما كان صاحب تحقيق في الأحاديث، ولذلك كتابه "الإحياء" فيه أحاديث موضوعة ومكذوبة وضعيفة جدًا، ولم يكن طبعًا على منهج أهل السنة في طائفة من حياته المتقدمة، فكان على مذهب الفلاسفة، ولكن في آخر عمره -رحمه الله- نزع وتاب، وترك ما كان عليه من الفلسفة وعلم الكلام، ومات والبخاري على صدره، لكن لعله ما أتيحت له الفرصة لينقح كتبه التي ألفها في السنين الطويلة الماضية من حياته، فنرجو أنه ختم له بخير، لكن في كتبه كثير من الأحاديث الموضوعة والضعيفة ككتاب "إحياء علوم الدين"، واستدلاله بالحديث هذا مثال على ما وقع فيه من الحكم بأشياء أو القول بأشياء اعتمادًا على أحاديث لا تصح.
فالغُل هو القيد والسلاسل التي تكون في الرقبة، قال الله تعالى: وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ [الرعد: 5]، وقال : وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا [سبأ: 33]، قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولم يصح عنه ﷺ في مسح العنق حديث البتة" [زاد المعاد: 1/ 187].
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة": "لم يثبت في كتاب الله -تعالى- ولا سنة رسول الله ﷺ أن مسح الرقبة سنة من سنن الوضوء، فلا يشرع مسحها"[فتاوى اللجنة الدائمة: 1 (5/ 254].
نقف هنا عند مسح الأذنين، ونتابع -إن شاء الله- في الدرس القادم.
حال حديث: كان ابن عمر يمسح على اليافوخ
في الدرس الماضي طلبنا صحة حديث في مصنف عبد الرزاق: حدثنا إسحاق عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع: أن ابن عمر كان يدخل يديه في الوضوء فيمسح بهما مسحة واحدة على اليافوخ فقط، ثم يدخل أصبعيه في الماء ثم يدخلهما في أذنيه ثم يرد إبهاميه إلى خلف أذنيه. وهذا حديث موقوف صحيح.
وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عمر: أنه كان يمسح مقدم رأسه مرة واحدة.
وعن نافع أن ابن عمر: كان يمسح يافوخه مرة، وهذا فعل الصحابي فاستدل به من استدل على الاكتفاء بمقدم الرأس، ولكن هناك ما يعارضه من الأحاديث المرفوعة أن النبي ﷺ مسح رأسه، وظاهره مسح كل الرأس.
والعيني -رحمه الله- قد حكم في "عمدة القارئ" بصحته، فقال: وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح أن ابن عمر كان يمسح رأسه هكذا، ووضع أيوب كفه وسط رأسه، ثم أمرها إلى مقدم رأسه.
وفي "المحلى" صحيحًا عن ابن عمر كان يمسح اليافوخ فقط.
هذا بالنسبة لصحة حديث مسح اليافوخ الذي ورد عن ابن عمر .
وعرفنا بأن الحديث المرفوع إلى النبي ﷺ الأحاديث الصحيحة ظاهرها مسح الرأس كله وهو الأحوط.
هذا والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد.
-
عبد الله عبد الواحد
جزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم