قيل: تبدأ بعد طلوع الفجر من بعد طلوع الفجر؛ لكن قال أبو الفضل العراقي: "ليس العمل عليه في أمصار الإسلام قديمًا وحديثًا" ليس العمل عليه يعني: ما كان في أمصار الإسلام؛ لا في المدينة ولا في مكة ولا في الشام، ما كان المسلمون إذا أرادوا التبكير إلى صلاة الجمعة يذهبون من بعد الفجر، وفيه طول يؤدي إلى انتقاض الطهارة وتخطّي الرقاب؛ لأنه إذا انتقضت الطهارة سيذهب من الصف الأول حتى يتوضأ ويرجع ويتخطى الرقاب ذاهبًا وراجعًا، هذا الكلام في طرح التثريب للعراقي. [طرح التثريب للعراقي: 3/171].
وقيل: هي ساعة واحدة لطيفة بعد الزوال، تكون فيها هذه الساعات كلها، وهو مذهب مالك، واختاره بعض الشافعية، وعلى هذا فالأفضل عندهم تأخير الذهاب إلى الجمعة إلى الزوال.
قال القاضي عياض: "وأقوى معتمد لمالك في كراهية البكور إليها عمل أهل المدينة المتصل بترك ذلك وسعيهم إليها قرب صلاتها، وهذا نقل معلوم غير منكر عندهم ولا معمول بغيره، وما كان أهل عصر النبي ﷺ ومن بعده ممن يترك الأفضل إلى غيره ويتمالئون على العمل بأقل الدرجات، وذكر ابن عبد البر أيضًا أن عمل أهل المدينة يشهد له"، [طرح التثريب: 3/172].
لكن هذا القول رده كثير من العلماء قالوا ماذا بقي؟ ما هي هذه الميزة؟ يعني كل هذه الخمس ساعات، كلها فيها الوقت القليل جدًا الذي بعد الزوال؟، حتى الإمام هو أصلاً سيصعد المنبر بعد الزوال، كم هي دقائق؟ فردّه كثير من العلماء.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وأما كون أهل المدينة لم يكونوا يرحون إلى الجمعة أول النهار، فهذا غاية عملهم في زمن مالك -رحمه الله-، وهذا ليس بحجّة، ولا عند من يقول إجماع أهل المدينة حٌجّة، فإن هذا ليس فيه إلا ترك الرواح إلى الجمعة من أول النهار، وهذا جائز للضرورة، وقد يكون اشتغال الرجل بمصالحه ومصالح أهله ومعاشه وغير ذلك من أمور دينه ودنياه أفضل من رواحه إلى الجمعة من أول النهار" [زاد المعاد: 1/394].
قال العراقي: "وما أدري أين العمل الذي يشهد له وعمر ينكر على عثمان التخلف، والنبي ﷺ يندب إلى التبكير في أحاديث كثيرة، وقد أنكر غير واحد من الأئمة على مالك -رحمه الله- في هذه المسألة؛ فقال الأثرم: قيل لأحمد كان مالك يقول لا ينبغي التهجير يوم الجمعة؟ يعني لا تذهب مبكرا جدًا، يعني قرب الصلاة فقال: هذا خلاف حديث رسول الله ﷺ، وقال أحمد: سبحان الله! إلى أي شيء ذهب في هذا والنبي ﷺ يقول كالمهدي جزورًا" [زاد المعاد: 1/388].
قال النووي -رحمه الله-: "ومعلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إلى الجمعة متصلاً بالزوال، وكذلك جميع الأئمة في جميع الأمصار، وذلك بعد انقضاء الساعة السادسة، فدّل على أنه لا شيء من الهدي والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، ولا يكتب له شيء أصلاً؛ لأنه جاء بعد طي الصُّحف؛ ولأن ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها، والترغيب في فضيلة السبق، وتحصيل فضيلة الصف الأول، وانتظارها، والاشتغال بالتنفّل"، يعني صلى ما كتب له أن يصلي متى يلحق يصلي ما كتب له أن يصلي إذا كان القضية يأتي بعد الزوال على قبيل الصلاة "والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال شيء منه، ولا فضيلة للمجيء بعد الزوال؛ لأن النداء يكون حينئذ ويحرم التأخير عنه" [المجموع: 4/541].
وقال ابن قدامة -رحمه الله-: "وأما قول مالك فمخالف للآثار لأن الجمعة يستحب فعلها عند الزوال وكان النبي ﷺ يبكر بها، ومتى خرج الإمام طويت الصحف، فلم يكتب من أتى الجمعة بعد ذلك؛ فأي فضيلة لهذا" [المغني: 2/222].
فإذن، الصواب أن هذه الساعات تبدأ من طلوع الشمس، من بعد الفجر ليس معهودًا في أمصار المسلمين، وقول مالك عند قبيل الصلاة، أي فضيلة فيه؟ فإذن، متى تبدأ الساعات؟ هذا مذهب أكثر العلماء: أنها تبدأ بعد طلوع الشمس ولمعرفة وقت هذه الساعات يقسّم الوقت بين طلوع الشمس إلى الأذان الثاني خمسة أجزاء، ويكون كل جزء منها هو المقصود بالساعة التي في الحديث، إذن، ما هو شرط يكون ستين دقيقة، اقسم من طلوع الشمس، يعني مثلاً تطلع الشمس مثلاً هذه الأيام الساعة ستة مثلا، ويؤذن مثلاً الظهر الزوال: إحدى عشر ونصف تقريبًا، كم ساعة من ستة إلى إحدى عشر ونص؟ خمس ساعات ونصف، فممكن تكون الآن أكثر من ستين دقيقة، فإذن على حسب ما يكون من صيف وشتاء، وطول النهار وقصر النهار.
قال ابن رجب -رحمه الله-: "وظاهر الحديث يدل على تقسيم نهار الجمعة إلى اثني عشر ساعة مع طول النهار وقصره فلا يكون المراد به الساعات المعروفة من تقسيم الليل والنهار إلى أربعة وعشرين ساعة، فإن ذلك يختلف باختلاف طول النهار وقصره" [فتح الباري لابن رجب: 8/100].
إذ لو كان ذلك المراد لاختلف الأمر في اليوم الشاتي والصائف؛ لأن النهار ينتهي في القصر إلى عشر ساعات، وفي الطول إلى أربع عشرة"، [فتح الباري لابن حجر: 2/368].
ويدل على هذا قوله ﷺ: يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر رواه النسائي بإسناد كلهم ثقات كما قال ابن رجب في فتح الباري [فتح الباري لابن رجب: 8/101]، وصححه الألباني. [صحيح الجامع الصغير: 8190].
وظاهر هذا يدل على أن ساعة الإجابة جزء من هذه الأجزاء الاثني عشر المتساوية في جميع فصول السنة.
قال الشيخ ابن عثيمين: "الساعات التي ذكرها الرسول ﷺ خمس، فقسم الزمن من طلوع الشمس إلى طلوع الإمام المنبر خمسة أقسام، فقد يكون كل قسم بمقدار الساعة المعروفة ستين دقيقة، وقد تكون الساعة أقل من ستين أو أكثر من ستين؛ لأن الوقت يتغير، فالساعات خمس ما بين طلوع الشمس ومجيء الإمام للصلاة.
وقوله في الحديث: فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر [رواه البخاري: 881، ومسلم: 850]، يدل على أنه متى خرج الخطيب طوت الملائكة صحفها، ولم يكتب لأحد فضل التبكير".