الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

هل تلزم المسافر الجمعة ؟


المسافر لا تجب عليه صلاة الجمعة ما لم يجمع الإقامة.

والمسافر له حالان، وهنا يحتاج أن ننتبه لهذه القضية، المسافر والجمعة؛ المسافر له حالان:

 أن يكون سائرًا غير نازل في البلد.

والحال الثانية: أن يكون مارًّا بالبلد ونازلاً فيها أكثر من أربعة أيام ما يصبح مسافرًا أصلاً عند الجمهور.

فمعنى ذلك أننا سنقارن بين حالين عند الجمهور واحد سائر في طريق السفر غير نازل ببلد، ليس نازلاً ببلد، وواحد دخل بلدًا يوم الجمعة لكن سيجلس يوم يومين ثلاثة بعض يوم، وكان هذا يوم الجمعة.

المسافر له حالان: حال أن يكون سائرًا غير نازل ببلد، وحال أن يكون نازلاً ببلد لكنه لا زال مسافرًا؛ لأنه لو نوى أكثر من أربع لا يكون مسافرًا عند الجمهور.

والحال الأولى: رجل في طريق السفر سائر لا تلزمه صلاة الجمعة عند جماهير العلماء من السلف والخلف حتى لو كانوا جماعة كبيرة.

قال ابن قدامة: "إن النبي ﷺ كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره، وكان في حجة الوداع يوم عرفة يوم جمعة، فصلّى الظهر والعصر جمعًا بينهما، ولم يصل جمعة، والخلفاء الراشدون كانوا يسافرون في الحج وغيره فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره، وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله ﷺ ومن بعدهم" [المغني: 2/250].

قال شيخ الإسلام: "الصواب ما عليه سلف الأمة وجماهيرها من الأئمة الأربعة وغيرهم من أن المسافر لا يصلي جمعة" [مجموع الفتاوى: 17/480].

الحالة الثانية: أن يكون نازلاً في بلد تقام فيه صلاة الجمعة، واحد سافر إلى دبي، القاهرة، بيروت، الرباط، لندن، سافر إلى أي بلد يوم الجمعة، جمهور العلماء يقولون: إذا لم ينو الإقامة أربعة أيام فأكثر، فلا يلزمه حضور صلاة الجماعة، وبالتالي لا يلزمه حضور صلاة الجمعة، وهذا قول جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم، أنها لا تجب عليه، لو دخل البلد يوم الجمعة لا تجب عليه، وهو اختيار اللجنة الدائمة، وكذلك في فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-.

لماذا؟ لأن الحديث استثنى المسافر، وما دام هذا مسافر ما يمكن نوجب عليه الجمعة؛ لأن الحديث استثناه فما دام استثناه وعذره فلا سبيل إلى الإيجاب عليه، وسواء دخل بلدًا أو ما دخل بلدًا ما دام اسمه مسافر الحديث استثناه هذا دليلهم.

وذهب بعض السلف -كالنخعي والزهري- إلى أنه إذا نزل بلدًا ولو كان مسافرًا وسمع النداء أنه يجب عليه أن يأتي، ويلزمه الحضور، قالوا: لأنه داخل في عموم قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9].

قال شيخ الإسلام: "وكذلك يحتمل أن يقال بوجوب الجمعة على من في المصر من المسافرين، وإن لم يجب عليهم الإتمام، كما لو صلوا خلف من يتم فإن عليهم الإتمام تبعًا للإمام" [مجموع الفتاوى: 24/184].

إذن، ابن تيمية حكاها احتمالاً؛ قال: يحتمل أن يُقال، كذلك تجب عليهم الجمعة تبعًا للمقيمين، وهؤلاء تجب عليهم الجمعة؛ لأن قوله: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ [الجمعة: 9] يتناولهم وليس لهم عذر، ولا ينبغي أن يكون في مصر المسلمين من لا يصلي الجمعة إلا من هو عاجز عنها، كالمريض والمحبوس، وهؤلاء قادرون عليها، هذا يقوله ابن تيمية على الاحتمال، لكن المسافرون لا يعقدون جمعة، يعني تنعقد معه لا به، لكن إذا عقدها أهل المصر صلوا معهم.

يعني إذا قلنا: ما هو العدد الذي تنعقد به الجمعة؟ ولنفرض أنه خرجنا أنهم ثلاثة؛ لأنه في خلاف اثنين ثلاثة أربعون على عدد أصحاب بدر ثلاثمائة وكذا، يعني أقوال كثيرة، لنفرض خرجنا أنه الله قال: فَاسْعَوْا  الواو واو الجماعة، والجمع ثلاثة، وقال بعضهم: اثنين، معنى ذلك لو قلنا ثلاثة لو قلنا لو كان أحدهم مسافرًا لا تصح الجمعة، لكن لو كانوا أربعة واحد مسافر تصح الجمعة لهم جميعًا، فالجمعة تنعقد معه لا به، فلا تنعقد الجمعة بمسافر في العدد، يعني ما يكمل العدد؛ لكن لو صلى معهم بعد ما اكتمل العدد تصح للجميع.

قال: "لكن إذا عقدها أهل المصر صلوا معه" من المعاصرين بالمناسبة اختار وجوب الجمعة على المسافر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- كما في الشرح الممتع، وأن النازل في البلد تلزمه صلاة الجمعة، قال الشيخ: "فيجب على من سمع النداء يوم الجمعة ولو كان مسافرًا أن يصلي مع المسلمين، إلا رجلاً يقول أنا لا أستطيع؛ لأنني سأواصل رحلتي وسفري، فهذا يُعذر؛ لأنه يفوته مقصوده لو بقي لصلاة الجمعة".

هؤلاء الذين قالوا بالوجوب على المسافر إذا كان في البلد وسمع النداء وما عنده عذر، وهم لا يرون السفر في هذه الحالة يعني مجرد السفر عذرًا ما عنده شيء واحد ما عنده شيء، جالس في الفندق ما عنده شيء، سمع النداء، يقولون له: اذهب صل الجمعة، الجمهور قالوا: لا، المسافر ما عليه؛ لأنه داخل في الحديث، خلاص نص الحديث عليه.

يقول الشوكاني: "وأما إيجاب الجمعة على المسافر إذا كان نازلاً في الموضع الذي تقام فيه الجمعة أو يسمع النداء لها فهو تخصيص لقوله في الحديث: "أو مسافرًا" بغير مخصص" [السيل الجرار: 181].

لماذا تقول إذا كان نازلاً عليه وإذا كان ما هو نازل ما عليه، والحديث قال: مسافر وما خصص، وكذلك رجّح القول بعدم الوجوب الصنعاني -رحمه الله- قال: "وهو الأقرب لأن أحكام السفر باقية له من القصر ونحوه".[سبل السلام: 1/417].

أمام هذا الخلاف الجمهور لا يجب، والدليل حجتهم فيه واضحة.

الآخرون قالوا: بالوجوب، والأحوط: أنه إذا ما عنده شغل يذهب يصلي، ما عنده شيء يمنع يذهب يصلي، غير واحد على أهبة الاستعداد للسفر، وستنزل طائرة، والآن في المطار، وعلى وشك الإقلاع، ولو قلنا له اطلع صل الجمعة خارج هناك مسجد في المطار اخرج صلّ الجمعة، قال: تفوتني الطائرة، هو مسافر ما هو في البلد، المطار هذا في بلد آخر، فهذا عليه مشقة في صلاة الجمعة، ما يصير تجتمع حلقة تحفيظ ودرس الجمعة.

قال ابن قدامة: "والأفضل للمسافر حضور الجمعة؛ لأنها أكمل" [المغني: 2/253]، فكلامه أفضل أكمل.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "أما الجمعة فليس على المسافر جمعة، ولا تصح منه، يعني لو صلاها هو والمسافرون معه لا تصح؛ بل عليه أن يصلي ظهرًا، لكن إذا مر على قرية وصلى معهم الجمعة أجزأته عن الظهر".

وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "لا يخفى أن المسافر لا تلزمه الجمعة؛ فإذا صلاها صحت منه، وكفت عن صلاة الظهر".