حكم قضاء الحاجة مستقبلاً القبلة
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها حال قضاء حاجته؛ لقوله ﷺ: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا متفق عليه. [رواه البخاري: 394، ومسلم: 264].
فمن الأمور المحرمة في قضاء الحاجة استقبال القبلة أثناء قضاء الحاجة أو استدبار القبلة.
إذًا، جهة القبلة جهة محترمة مصونة.
وعن أبي أيوب الأنصاري أن النبي ﷺ قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا [رواه البخاري: 394، ومسلم: 264].
هذا الحديث فيه النهي الصريح عن استقبال القبلة أو استدبارها أثناء قضاء الحاجة، والأمر باستقبال المشرق أو المغرب بدلاً من استقبال القبلة، هذا لأهل المدينة ومن قبلته مثل قبلتهم ممن هو في الشمال أو الجنوب، فالذي هو في شمال مكة أو جنوب مكة يقال له شرق أو غرب، لكن الذي هو في شرق مكة أو غرب مكة هل يقال له شرق أو غرب؟ لا، خلاص يقال: شمئل أو جنب، روح شمالاً أو جنوبًا.
فإذًا، قوله: شرقوا أو غربوا توجهوا إلى جهة المشرق أو جهة المغرب الخطاب لأهل المدينة، ومن كان على سمتهم.
طيب قوله: شرقوا أو غربوا يفيد أن الانحراف اليسير لا يحل المشكلة؛ لأن قوله: شرقوا أو غربوا معناه ينتقل عن جهة الجنوب أو الشمال إلى الشرق أو الغرب، يعني فيها تسعين درجة، فإذا قال له واحد قال: أميل عشر درجات، عشرين درجة، وخلاص أميل عن القبلة عشر درجات، عشرين درجة، وخلاص؟
نقول: لا يكفي؛ لأنه قال لأهل المدينة، وهم شمال مكة: شرقوا أو غربوا ، ما قال: ميلوا يكفيكم ميلاً، أي ميل، قال: شرقوا أو غربوا .
إذًا، تغيير كامل في الجهة، تغيير كامل مثلاً من الشمال إلى الشرق، من الجنوب إلى الشرق أو إلى الغرب.
وقد اختلف العلماء في هذا النهي الذي هو استقبال القبلة واستدبار القبلة ببول أو غائط هل هو عام في جميع الأحوال أم خاص بالصحراء والفضاء دون البنيان؟ وهل هو شامل للبول والغائط أو النهي عن التوجه في البول فقط؟
فذهب بعض العلماء إلى تحريم استقبال القبلة أو استدبارها مطلقًا في البنيان والفضاء، وهو مذهب الحنفية، واستدلوا بأن النصوص لم تفرق بين البنيان وغيره، وأن النبي ﷺ قال: إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها [رواه مسلم: 265].
وعن سلمان : "لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو البول" [رواه مسلم: 262].
فلم يقيد في هذه الأحاديث النهي بشيء، ولم يخصصه بالبنيان، قالوا: ولأن هذا ما فهمه راوي الحديث أبو أيوب الأنصاري، حيث قال بعد روايته لحديث النهي: "فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله" معنى "المراحيض" هذه في البنيان وإلا في الفضاء؟ في بنيان.
ومع ذلك كان ينحرف ويستغفر الله احتياطًا، لماذا؟ لأنه لم يتسن له الانحراف الكامل، فلم ير الانحراف هذا كافيًا فأضاف إليه الاستغفار.
قالوا أيضًا ثالثًا: لأن المعنى الذي من أجله نهي عن استقبال القبلة أو استدبارها هو تكريم القبلة، ولا فرق في هذا المقصود بين الصحراء والبنيان.
وأضاف ابن القيم أيضًا وغيره تعليلات قالوا: الذي يبول أو يتغوط في الصحراء أليس يوجد بينه وبين مكة جبل ولو بعد مائة كيلو، فما هو الفرق بين أن يكون هذا الحائل قريبًا من الشخص أو بعيدًا؟
فهذا قول الحنفية، اختاره ابن حزم، وابن العربي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني، والمباركفوري، وغيرهم من العلماء، وهو ظاهر كلام المصنف -رحمه الله- الشيخ عبد الرحمن السعدي.
وذهب الجمهور إلى أن هذا النهي خاص بالفضاء، أكثر العلماء قالوا هذا النهي خاص بالفضاء، لو كان داخل البنيان فلا يشمله النهي، فإذا كان بينه وبين القبلة شيء قريب.
لاحظ هذه كلمة: "قريب"؛ لأنه حتى التي يعني يبول في الفضاء بينه وبين القبلة شيء، لازم يوجد بينه وبينها ولو حتى يعني جدار الحرم، جدار المسجد الحرام في النهاية، يعني بنيان مكة، مباني مكة، جبال في الطريق.
ما هي حجة الجمهور الذين قالوا النهي خاص بالفضاء، ولا يشمل البنيان، وما هو الراجح؟