ثم قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى وينصب اليمنى"، وقد نص على استحباب هذا فقهاء المذاهب الأربعة؛ كما في "البحر الرائق" و "حاشية الدسوقي" و "المجموع" و "الفروع" في الفقه الحنبلي.
واستأنسوا بما رواه البيهقي في سننه والطبراني عن سراقة بن مالك قال: "علمنا رسول الله ﷺ إذا دخل أحدنا الخلاء أن يعتمد على اليسرى، وينصب اليمنى". وقد ضعفه أيضًا البيهقي في "مجمع الزوائد" و البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة"، وكذلك ابن حجر في "البلوغ" ضعفه.
قال الحافظ أبو بكر الحازمي: "لا نعلم في هذا الباب غير هذا الحديث، وهو حديث غريب جدًا" الذي هو الاعتماد على الرجل اليسرى.
لكن ماذا ذكروا في سبب ذلك؛ هؤلاء الذين استحبوه من فقهاء المذاهب لماذا؟ قالوا: لأن هذه الكيفية تسهل الخروج؛ الاعتماد على اليسرى ونصب اليمنى، قالوا: أعون على خروج الخارج؛ لأن المعدة في الجانب الأيسر.
وقيل: ليكون معتمدًا على اليسرى، ويقل الاعتماد على اليمنى لشرفها؛ لمعنى اليمنى واليسرى الذي ذكرناه في مسألة الأشياء المحمودة أو المكروهة.
قال النووي: "وهذا الأدب مستحب عند أصحابنا، وقد بينا أن الحديث لا يحتج به؛ فيبقى المعنى ويستأنس بالحديث"، نحن الآن ما نعتمد على الحديث؛ لأنه ضعيف لكن المعنى المعدة في اليسرى والأطباء يقولون: هذا يسهل خروج الخارج، أو المعنى الذي هو الاعتماد على اليسرى في الأشياء المكروهة، واليمنى تُقدم في الأشياء المحمودة.
قال النووي: "فيبقى المعنى ويستأنس بالحديث" انتهى كلامه -رحمه الله-.
فإذا ثبت هذا من الناحية الطبية، يعني مثلاً علماء الأحياء الفسيولوجيا أو علماء الطب، قالوا إن هذه الكيفية -الاعتماد على اليسرى ونصب اليمنى- فعلاً مفيدة صارت مطلوبة، لا لأنها سنة، لكن لما فيها من المصلحة.
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "ما دام هذا الحديث ضعيفًا، فإما أن يرجع إلى أهل الطب في هذا الأمر، وما هي الجلسة التي تكون أهون لخروج الخارج، وإما أن يكون الإنسان طبيب نفسه".
يقول الشيخ: "ينظر هل إذا قعد مستقيمًا يكون أريح له وأسهل لخروج الخارج، أو إذا انحنى يسيرًا أو يتكئ على اليمنى يسيرًا أو على اليسرى يسيرًا، الإنسان طبيب نفسه في هذا وهو يعرف، فإذا قال أهل الطب: -الكلام للشيخ- إن الأحسن الجلسة الفلانية فإننا نأخذ بكلامهم؛ لأن هذه المسائل تتعلق بصحة البدن تعلقًا كبيرًا، والمرجع فيما يتعلق بصحة البدن إلى الأطباء". انتهى كلامه -رحمه الله- في شرح بلوغ المرام. [شرح بلوغ المرام: 1/314].
وقد ذكر بعض أهل الطب أن أحسن طريقة لقضاء الحاجة لإخراج الفضلات الجلوس على الأرض، والاتكاء على الرجل اليسرى، وذلك أن شكل المستقيم -وهو آخر الأمعاء الغليظة وفيه تتخزن الفضلات- على شكل معين إذا اتكأ على اليسرى صار مستقيمًا، وسهل نزول الغائط؛ كما أن خلف المستقيم معن غليظ يدعى القولون السيني؛ لأنه على شكل السين، وكذلك يستقيم وضعه عند الاتكاء على الرجل اليسرى، وذلك كله من أسباب سهولة خروج الفضلات، هذا ذكره بعضهم في الطب في القرآن والسنة، أو الإعجاز الطبي في القرآن والسنة، ذكره بعض الباحثين، يعني من الأطباء المعاصرين.
على أية حال: هذا يعني هذه وضعية استحباب، ولو أنه جلس بأي كيفية يرتاح معها في خروج الخارج فإنه لا حرج في ذلك.
هذا طبعًا يتصور في الذين يقعدون في الحمام العربي أو المرحاض العربي، أما الأفرنجي هذا فيصعب أن يكون فيه هذه الكيفية أصلاً، وقد يكون بالنظر إلى آلية الإخراج استعمال الحمام هذا العربي من الناحية الصحية في قضية انتشار الأمراض، وتلوث هذه المقاعد، لا شك أن الحمام الذي يسمونه عربيًّا أفضل من الأفرنجي، ولكن بعض الناس لا يستريح إلا على هذا الأفرنجي، وهذه مسألة واسعة، ولكن المقصود أن الكيفية التي ذكروها هنا في قضية قضاء الحاجة والاتكاء على اليسرى ونصب اليمنى، ما تتصور تقريبًا إلا في الحمامات العربية المعروفة.