الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الحكم عند تيقن الطهارة والشك في الحدث


"أو تيقن الطهارة وشك في الحدث" يعني هذه حالة أخرى، واحد توضأ وتيقن أنه توضأ ثم شك خرج منه ريح وإلا لا، تحرك شيء في البطن، كأني سمعت صوت، كأني.. كأني.. فهذا تيقن الطهارة وشك في الحدث، قال فهو طاهر؛ لقوله ﷺ في الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة:  لا ينصرف  هذا الجواب النبوي الفتوى لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا  متفق عليه [رواه البخاري: 137، ومسلم: 361].

وهذه من فروع القاعدة السابقة.

فإذًا، الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع، ولا يحكم بزواله بمجرد الشك، وكذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته، في المقابل لو واحد متأكد أنه أحدث قام من نوم مستغرق خرج منه ريح يقينًا، قضى حاجته من بول أو غائط، متيقن وشك هل بعدها توضأ أو ما توضأ، فما هو الأصل؟

الحدث، والطهارة مشكوك فيها؛ لأنه الآن متيقن من الحدث، شاك في الطهارة؛ فما هو الأصل في هذه الحالة؟ ما هو اليقين؟ الحدث، فالأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك؛ لأن الشك أضعف من اليقين، فلا يعارضه ثبوتًا وعدمًا. انتهى [شرح مجلة الأحكام].

قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "من استيقن الطهارة ثم شك في الحدث أو استيقن الحدث ثم شك في الطهارة؛ فلا يزول اليقين بالشك" [الحاوي الكبير: 1/ 207].

قال الماوردي -رحمه الله-: "وهذا صحيح، أما إذا تيقن الحدث وشك بعده في الوضوء فإنه يبني على اليقين، وهو الحدث" وماذا يفعل إذا أراد أن يصلي؟ يتوضأ، قال: "ولا يأخذ بالشك إجماعًا، فأما إذا تيقن الوضوء ثم شك هل أحدث بعده أم لا؟ فمذهب الشافعي وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء أنه يبني على اليقين، ولا يلزمه الوضوء" [الحاوي الكبير: 1/ 207].

ثم ذكر المصنف -رحمه الله- حديث عباد بن تميم عن عمه أنه شكا إلى رسول الله ﷺ الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينصرف  يعني: ما يخرج من صلاته،  حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا  [رواه البخاري: 137، ومسلم: 361].

وهذا الحديث أحد أدلة هذه القاعدة الكبرى من قواعد الفقه الإسلامي: "اليقين لا يزول بالشك".

احفظوا القواعد هذه "الأصل في الأشياء الطهارة"، "الأصل في الأشياء الإباحة"، "اليقين لا يزول بالشك"؛ هذه قواعد مهم لطالب العلم أن يحفظها، بل العامي تنفعه جدًا خصوصًا في علاج الوسوسة.

قال النووي -رحمه الله-: "وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه؛ وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها، فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة، ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة، وحصوله خارج الصلاة" [شرح النووي على مسلم: 4/ 49].

أنت الآن تصلي جاءك "خنزب" جاءك هذا الشيطان في الصلاة، ووسوس إليك أنك أحدثت، وسواس شك، ألقى في نفسك الشك أنك أحدثت، فما هو الحكم؟

أن تستمر في الصلاة؛ لأن الأصل الطهارة عندك، جاءك الشيطان بعد الصلاة ووسوس إليك أنك أحدثت ربما أحدثت، قال: يمكن، يمكن أنا، يمكن أنا أحدثت قبل الصلاة وما توضيت، أنا متأكد أني توضأت، ولكن يعني يمكن إني أحدثت، كأني.. كأني.. يعني ما أتذكر، كأني يمكن أحدثت، هل هناك فرق بين الحالين؟ لا.

صحة الصلاة، لا تلتفت عندنا يقين، عندنا يقين لا يزول بالشك.

لكن الآن أنت تسأله سؤالاً هل يزول بغلبة الظن؟ هل يعمل بغلبة الظن؟ وهذه من قواعد الشريعة، وسنأتي عليها -إن شاء الله- قضية العمل بغلبة الظن، لكن خلينا نتكلم الآن عن الشك، نقول: لا يعمل بالشك، ويرجع إلى اليقين، أما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بإجماع المسلمين.

من مسائل القاعدة هذه: أن من شك في طلاق زوجته أو عتق عبده أو نجاسة الماء الطاهر أو طهارة النجس أو نجاسة الثوب أو الطعام أو غيره، أو أنه صلى ثلاثًا أو أربعًا أو أنه ركع وسجد أم لا، أو أنه نوى الصوم أو الصلاة أو الوضوء أو الاعتكاف أو لا، فكل هذه الشكوك لا تأثير لها والأصل عدم الحادث.

مرة أخرى شك هل طلق أم لا؟ ما الحكم؟ ما طلق.

شك هل ركع أو ما ركع، ما الحكم؟ أنه ما ركع.

واحد شك أنه ركع أو ما ركع؟ الأصل أنه ما ركع، في أصل.

شك هل نوى الصيام أو ما نوى؟ ما هو الأصل؟ أنه ما نوى.

شك عند دخول المسجد هل نوى الاعتكاف أو ما نوى، ما هو الحكم؟ الحكم أنه ما نوى هذا الأصل.

شك هل صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ لأن هذا هو اليقين أنها ثلاث، الأربع فيها شك.

وهكذا الأصل عدم الحادث، حتى يثبت الحادث، ويدل على هذا الأصل قول النبي ﷺ: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثًا أم أربعًا؛ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن  [رواه مسلم: 571].

قال ابن عبد البر: "وفي هذا الحديث من الفقه أصل عظيم جسيم مطرد في أكثر الأحكام، وهو أن اليقين لا يزيله الشك، وأن الشيء مبني على أصله المعروف"؛ ما هو الأصل المعروف للماء؟ الطهارة مثلاً، "حتى يزيله يقين لا شك معه" [التمهيد: 5/ 25].

قال الشيخ ابن عثيمين: "وهذه أعني البناء على اليقين وطرح الشك قاعدة مهمة دل عليها قول النبي ﷺ:  إذا شك أحدكم في صلاته فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن  قال: ولها فروع كثيرة جدًا في الطلاق والعقود، وغيرهما من أبواب الفقه، فمتى أخذ بها الإنسان انحلت عنه إشكالات كثيرة، وزال عنه كثير من الوساوس والشكوك، وهذا من بركة كلام النبي ﷺ، وحكمه، قال: وهو أيضًا من يسر الإسلام، وأنه لا يريد من المسلمين الوقوع في القلق والحيرة، بل يريد أن تكون أمورهم واضحة جلية، ولو استلم الإنسان لمثل هذه الشكوك لتنغصت عليه حياته؛ لأن الشيطان لن يقف بهذه الوساوس والشكوك عند أمور الطهارة فقط، بل يأتيه في أمور الصلاة والصيام وغيرهما، بل في كل أمور حياته حتى مع أهله، فقطع الشارع هذه الوساوس من أصلها، وأمر بتركها، بل ودفعها حتى لا يكون لها أثر على النفس" انتهى.

طبعًا هذا الكلام -يا إخوان- مهم جدًا في علاج الوسوسة التي تفضي أحيانًا ببعض الناس إلى تصرفات غريبة جدًا، هل تعلمون أن هناك من يصور صلاته بالفيديو حتى يعد الركعات بعد الصلاة، ويتأكد من الفيديو، هذا تنطع، ولا يمكن الشرع يأمر بمثل هذا، إذا أنت متيقن أنها أربع، وشككت، خلاص هي أربع، متيقن أنها ثلاث، وشككت أتيت بالرابعة، هي ثلاث، انتهينا.

قالوا في علم النفس، يعني في بعض ما هو خطأ الواحد يروح يتأكد أنه أغلق الباب وإلا لا، واحد يريد النوم وليأمن يغلق الباب بالقفل ما هو خطأ يروح يتأكد أنه أغلق الباب وإلا لا، لكن الخطأ الكبير أنه يروح ويتأكد، الباب مقفل ويرجع ثم يعود ليتأكد مرة أخرى، هذا مريض، خلاص، تأكد، تروح تتأكد من ماذا؟ يتأكد من المتأكد منه، كلام فاضي.

الآن يعني هذه القاعدة تنفع بأي شيء في الحياة حتى من غير العبادات، لو مثلاً أنت هو متأكد أن جارك دخل البيت لكن شككت طلع وإلا ما طلع؟ ما هو الأصل؟ أنه في البيت.

أنت يعني شككت هل دخل وقت صلاة الظهر أو ما دخل ما هو؟ أنه ما دخل.

أنت شككت هل ثبت دخول هلال رمضان وإلا ما دخل وإلا ما ثبت، ما هو الأصل؟ ما دخل.

وعلى هذا فقِس.