الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أيها المسافر اتق الله 2


عناصر المادة
الخطبة الأولى
حاجة المسافر للزاد في سفره
الذكر عند توديع المسافرين
دعاء السفر ومعناه
الأمير في السفر (حكمه وصفاته)
الخطبة الثانية
السفر إلى الخارج لحاجة
ما يحدث لبعض النساء - وللأسف- في الطائرات
مقارنة بين المسافرين قديماً وحديثاً

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب71-70

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة: نريد أن نكمل شيئاً مما يتعلق بالسفر، الذي كنا قد بدأنا الكلام عنه في الخطبة الماضية، هذا الموضوع - موضوع السفر - الذي كثر جداً في هذه الأزمان، لما حصل من التيسير في وسائل المواصلات، التيسير الذي فتح الله تعالى به على الناس في هذه الأزمان، وهي نعمة كبيرة من الله ، فهل يا ترى رعوها حق رعايتها، أم أنهم ضيعوها إضاعة كبيرة؟ وهل شكروا الله على نعمة تيسير السفر وعلى أن جعل المشاق فيه قليلة بالنسبة لما كان عليه في الماضي؟

حاجة المسافر للزاد في سفره

00:02:18

والمسافر -أيها الإخوة- يحتاج في سفره أن يتزود لدنياه وآخرته، فإنه يحتاج للزاد المادي من النفقة وغيرها في السفر، كما أنه يحتاج إلى الزاد الديني في سفره، فهل الذين يسافرون في هذه الأيام قد تزودوا بالزاد الديني؟ إنهم يتزودون بأزواد من الدنيا، وقد يصطحبون معهم مبالغ طائلة من الأموال، لكي ينفقونها في أسفارهم، في التجول، والمشتريات، وغيرها، وكثير من هذا التجوال، وتلك المشتريات، قد لا تكون فيما يرضي الله ، ولكن الزاد الديني ربما ضيع تضييعاً تاماً عند البعض، فهل يعرف الذين يسافرون مثلاً أحكام السفر في الصلاة والصيام من قصر الصلاة مثلاً، وجمعها؟ هل يعلمون الأوقات وكيف يحددون اتجاه القبلة الذي كان متيسراً لهم في الحضر؟ يحتاج المسافر إلى أنواع من العلم قبل أن يسافر، على الأقل أن يسأل عنها أهل العلم، فيما يتوقع أنه سيتعرض له من الإشكالات، هل يستخير المسافر ربه قبل سفره كما كان ﷺ يعلم الأمة أن تستخير في الأمور كلها؟ هل يسأل ربه إن كان هذا السفر خيراً أن ييسره له، وإن كان شراً أن يصرفه عنه؟ أم أنه يضع في نيته أنه سيسافر بكل حال؟ كان رسولكم ﷺ يستحب أن يسافر يوم الخميس، وكان يستحب أن يخرج مبكراً، ويقول: بورك لأمتي في بكورها [رواه الطبراني في الصغير65]. ولكن قد يضطر المسافر أن يخرج في غير هذا الوقت، وهذا لا حرج فيه إن شاء الله، وبعض الذين يسافرون يقعون من جهة تحديد الوقت في أنواع من الشرك، من ردته الطيرة عن شيء فقد قارف الشرك[رواه البزار2316]. وبعضهم يفزع إلى صفحات المجلات التي توجد فيها الأبراج - أبراج الحظ - لينظر ما هي أيام السعد؟ وما هي أيام الشؤم؟ وما هي الأيام التي قال الفلكي أن السفر فيها مستحسن؟ فيعمد إلى تطبيق ذلك، وعلي ابن أبي طالب ، لما أراد أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسافر فإن القمر في العقرب، فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك، فقال علي : بل أسافر ثقة بالله وتوكلاً على الله وتكذيباً لك، فسافر فبورك له في ذلك السفر، حتى قتل عامة الخوارج، وكان ذلك من أعظم ما سر به .

هل يعمد المسافرون اليوم إلى انتقاء الأصحاب الذين يسافرون معهم ممن يعينوهم على أمور الدين فيذكره إذا نسي، ويعينه إذا ذكر؟ أليس رسول اللهﷺ قد نهى عن الوحدة؟ أليس رسول الله ﷺقد نهى أن يسافر الرجل لوحده؟

الذكر عند توديع المسافرين

00:06:36

وتأمل في الأذكار التي كان ﷺ يقولها في سفره، لتعلم أن في ثنايا هذه الأذكار، وفي ما تتضمنه، إشارات إلى نوعية السفر، وما الذي ينبغي أن يفعله المسافر أثناء سفره، كان ﷺ إذا أراد أن يستودع الجيش قال: أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم[رواه أبو داود2601]. ومرة ودع صحابياً فقال: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك[رواه الترمذي3443]. والله إذا استودع شيئاً حفظه فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَسورة يوسف64. إذا استودع شيئاً حفظه، أستودع الله دينك الدين أهم شيء، أستودع الله دينك، أجعل دينك وديعة عند الله يحفظه لك من التعرض للنقصان، أو التعرض لمعاصي الله ، وأمانتك من الأهل، والأموال الذين خلفهم المسافر وراءه، وتأمل في قوله: أستودع الله دينك عند السفر؛ وذلك لأنه عهد أن المسافرين في كثير من الأحيان، يتعرض دينهم لنقصان عند السفر، ولذلك كان استيداع الدين، استيداع الدين عند الله، كان تنبيهاً للمسافر، يا فلان، يا أيها المسافر، يا عبد الله: لا تنقص دينك عند السفر أستودع الله دينك وأمانتكاجعل أهلك، ومالك، وديعة عند الله يحفظهم لك، حتى إذا رجعت من سفرك، وجدتهم بخير حال كما فارقتهم، أو أحسن.

وقال مجاهد: "خرجت إلى العراق أنا ورجل معي، فشيعنا عبد الله بن عمر، فلما أراد أن يفارقنا قال: إنه ليس معي ما أعطيكما، ولكن سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا استودع الله شيئاً حفظه وإني أستودع الله دينكما، وأمانتكما، وخواتيم عملكما. [رواه النسائي10269].

وورد أنه ﷺ كان إذا ودع يقول: أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه[رواه ابن ماجه2825]. أجعلك عند الله وديعة، هو الذي لا تضيع ودائعه ، والبشر إذا استودعوا شيئاً، ربما حفظوه، وربما ضيعوه، والله إذا استودع شيئاً، فإنه يحفظه ، وهاتين الصيغتين كل منهما سنة عند توديع المسافر أن تقال له.

وإذا أراد أن يسافر يأتي إخوانه فيسلم عليهم، وإذا رجع من السفر أتاه إخوانه فسلموا عليه، وحمدوا الله له بسلامة وصوله.

وتأمل ماذا يقول المسافر إذا خرج من بيته، وهذا الدعاء عام للجميع، ويدخل فيه المسافر: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله[رواه الترمذي3426]اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل، أو أزل أو أُزل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يجهل علي[رواه الطبراني726]. أليست هذه الأدعية داعية للمسافر أن لا ينقص الدين أثناء سفره؟

وعن علي بن ربيعة قال: "شهدت علي ابن أبي طالب أتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله - عندما تضع الرجل على الدابة تقول: بسم الله، وإذا استوت الدابة تحته - فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله الحمد لله ثلاث مرات، الله أكبر ثلاث مرات، هذا الذكر لله عند الاستواء على الطائرة، أو السيارة، أو دابة السفر أياً كانت، تذكير لهذا الشخص، تذكير له بربه ، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل يا أمير المؤمنين: من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي ﷺ فعل كما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال: إن ربك يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، وهذا يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري[رواه أبو داود2602]. توحيد الله بطلب مغفرة الذنوب منه ، وتأمل في طلب مغفرة الذنوب، طلب المغفرة من الله عما يمكن أن يقع فيه هذا المسافر من الزلل، وتأمل في دعاء الركوب سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَسورة الزخرف13. ما كنا مطيقين لهذه الدابة، وهذا المركوب، لولا أن الله سخره لنا، وهو يخلق ما لا تعلمون، فكما أنه خلق الجمل، فقد خلق لنا السيارة، والطائرة، ونحوها وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَسورة الصافات96 وما كنا له مقرنين ما كنا لهذه الوسيلة - وسيلة السفر - مطيقين لها، لولا أن الله سخرها لنا، وإنا إلى ربنا لمنقلبونسورة الزخرف13. تذكير للنفس أنها ستعود إلى الله، أنها ستموت، وتعود، وترجع إلى ربها، إذن هل سيقدم على المعاصي أثناء سفره إذا كانت تذكرته لنفسه حقيقية؟

دعاء السفر ومعناه

00:13:32

اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى[رواه مسلم1342]. عندما يقول هذا الدعاء، هل سيقدم ويقارف المعاصي أثناء السفر؟ وإذا وصل إلى المكان الذي يريده وهو يسأل ربه ويقول: نسألك في سفرنا هذا البر، والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده إذن اللجوء إلى الله ؛ لأن السفر فيه مشاق حتى لو كان في الطائرة، قد تأتي لحظات على الإنسان من الأعطال في الطائرة، أو سوء الأحوال الجوية، ما تشعر معه فعلاً بقول رسول الله ﷺ: السفر قطعة من العذاب[رواه البخاري1804]. ما تشعر معه فعلاً أن السفر قطعة من عذاب.

اللهم أنت الصاحب في السفر أنت تصاحبني في سفري، أنت معي في سفري، والخليفة في الأهل وأنا استخلفتك على أهلي، جعلتهم وديعة عندك، إني أعوذ بك من وعثاء السفر، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر شدته، ومشقته وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل[رواه مسلم1342]. فيستعيذ بالله أن يرجع إلى أهله فيجدهم بحال سيئة، فهو إذن يدعو الله أن يحفظ أهله، وأن يكون الله معهم، يشفي سقيمهم، ويلم شعثهم، ويحفظ عليهم دينهم، وأمانتهم، والخليفة في الأهل، أي: هو المعتمد عليه ، والمفوض إليه الأمر غيبة، وحضوراً، في الغيبة والحضور الأمر مفوض إلى الله ، وإذا رجع - - من السفر زاد إلى ذلك تائبون عابدون لربنا حامدون 

فيستعيذ بالله أن يرجع إلى أهله فيجدهم بحال سيئة، فهو إذن يدعو الله أن يحفظ أهله، وأن يكون الله معهم، يشفي سقيمهم، ويلم شعثهم، ويحفظ عليهم دينهم، وأمانتهم، والخليفة في الأهل، أي: هو المعتمد عليه ، والمفوض إليه الأمر غيبة، وحضوراً، في الغيبة والحضور الأمر مفوض إلى الله ، وإذا رجع - - من السفر زاد إلى ذلك تائبون عابدون لربنا حامدون[رواه مسلم1342]. تائبون مما وقع منا، عابدون لربنا حامدونعلى أن أرجعنا، وهكذا، فإذن هذه الأذكار، مجموعة هذه الأذكار التي تقال في السفر، لأي شيء شرعت؟ أليس من الحكم أن تذكر المسافر بالله ؟ أليست تذكره أن لا يعصي ربه ؟ اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور أو بعد الكون[رواه الترمذي 3439]. كما ورد عن الرسول ﷺ من أدعية السفر، أعوذ بك من النقصان بعد الزيادة ، أو من الزوال والنقصان بعد الثبات والاستقرار، من أدعيته ﷺ.

وكان يقول في سفره إذا أسحر في وقت السحر: سمَّع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا عائذاً بالله من النار[رواه مسلم2718]. أي ليسمع السامع، ويشهد الشاهد بنعمة الله علينا، ثم يدعو يقول: ربنا صاحبنا كن معنا، واحفظنا وأفضل علينا وأتم علينا النعمة، والفضل، أقول هذا - يقول المسافر - معنى الكلام: أقول هذا وأنا مستعيذ بالله من النار.

فإذن كل هذه الأشياء يدعو بها الإنسان ليحفظ نفسه، لو أن الناس اليوم عقلوا هذا، فهل سيذهبوا إلى الخارج مثلاً ليفسقوا، ويجرموا، ويذنبوا، ويرتكبوا الكبائر في حق الله ؟

الأمير في السفر (حكمه وصفاته)

00:17:25

وتأمل ما فائدة التأمير وهو واجب كما يفيده ظاهر النص، كما قال ذلك ورجحه بعض أهل العلم، إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم[رواه أبو داوود2609]. ليحفظ عليهم أمرهم، ويلم شعثهم، ولا يتفرقوا، ولا يختلفوا، فيجعلوا أميراً منهم عليهم، يكون فقيهاً في أمور السفر، عالماً بآداب الدين، وأحكامه، سديد الرأي، يعلم كيف يتعامل مع النفوس، وإن لم يوجد يختاروا من بينهم أصلحهم لذلك، إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم[رواه أبو داود2608].

وكذلك هذا الأمير يرعى أصحابه في السفر، ويخدمهم، نقل عن عبد الله المروزي، أنه صحبه أبو علي، فقال عبد الله: على أن تكون أنت الأمير أم أنا؟ فقال: بل أنت، فلم يزل يحمل الزاد لنفسه، ولأبي علي، على ظهره، فأمطرت السماء ذات ليلة، فقام عبد الله طول الليل، قام الأمير على رأس المأمور، فقام عبد الله طول الليل على رأس رفيقه، وفي يده كساء يمنع عنه المطر، فكلما قال له: لا تفعل، يقول: ألم تقل إن الإمارة مسلمة لي، فلا تتحكم علي، ولا ترجع عن قولك، حتى قال أبو علي: وددت أني مت، ولم أقل له أنت الأمير، فهكذا ينبغي أن يكون الأمير.

الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب[رواه الترمذي2607]. هذا إذا لم يكن هناك ضرورة لسفر الإنسان بمفرده، أو لم يجد رفقة يخرج معهم.

لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده[رواه البخاري2998]. كما قال ﷺ في الحديث الصحيح، "نهى عن الوحدة أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده"[رواه أحمد5618]. ولذلك تجد كثيراً من الذين يسافرون للفسق، والفجور، يذهبون بمفردهم؛ لأن المجموعة عندما تذهب مع بعضها، ربما يكون في بعضهم خير، فيكون مانعاً لآخرين من الوقوع في الفجور، وربما يستحي بعضهم من بعض، أليس قد قال لنا القائلون: أنهم إذا نزلوا في الفندق، ورأى، أو عرف أن في الفندق أناساً يعرفهم، فإنه يستحي من إظهار الفجور، وإظهار الفاحشة، أو إظهار أنه يرافق فاجرة من الفاجرات أمام الناس الذين يعرفونه من أهل بلده؟ فإذن في الصحبة خير، وإن كان قليلاً ففيه خير، ولذلك لا ينصح الإنسان أن يسافر وحده أبداً، وتأمل الذكر الذي يسن أن يقوله المسافر إذا علا شرفاً، أو هبط وادياً، فإذا علا قال: الله أكبر، بالتكبير يكبر، وإذا نزل قال: سبحان الله، عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف[رواه الترمذي3445]. هذا ما أوصى به رجلاً لما أراد أن يسافر، ويدخل في ذلك كما قال لنا شيخنا أبو عبد الله عبد العزيز حفظه الله: يدخل في ذلك الطائرات عند إقلاعها، فيقول: الله أكبر، وعند هبوطها فيقول: سبحان الله، وإذا تعرضت للمطبات الهوائية فنزلت فيقول: سبحان الله، فإذا ارتفعت قال: الله أكبر، وهكذا فلسانه مشتغل بذكر الله ، ودعاء المسافر من الأدعية المستجابة، كما قال ﷺ، فهو إذن يذكر الله في أغلب أحيانه، ويدعو الله؛ لأن دعاءه مستجاب، فأي وقت، وأي مناسبة تكون له لكي يفكر في الفجور، وبعض الناس لا يذكرون الله في أسفارهم، فبمجرد أن يستقل الطائرة، تسمع الضحكات، وتسمع الأحاديث المشينة، وتسمع اللهو وأنواعه، من المسافرين لا يذكرون الله لا إذا طلعوا، ولا إذا نزلوا، ولا إذا استقرت بهم الطائرة، ولا يدعون الله، من هؤلاء المساكين؟ الذين فاتتهم الفرصة أن الله يستجيب دعاء المسافر.

وقال ﷺ: ثلاثة يحبهم الله، فذكر منهم: والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض من التعب، فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم[رواه أحمد20833]. هذا الذي أثنى عليه ﷺ في الحديث الصحيح، أثنى عليه؛ لأنه يعبد ربه في السفر. وأنتم تعلمون أنه ﷺ وإن كان يدع سنناً في سفره فإنه كان يحافظ على سنة الفجر، وعلى صلاة الوتر، وصلى في السفر صلاة الضحى ثماني ركعات، كما ثبت عنه ﷺ.

وإذا أراد أن يدخل بلداً قال: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها[رواه النسائي في عمل اليوم والليلة544]. وكثير من البلدان، والمدن التي يأتيها الناس اليوم، فيها شر، وفي أهلها شر عظيم، فالواجب أن يستعيذ الإنسان من ذلك، فإذا رجع لا يدخل على أهله ليلاً، حتى تتمكن المرأة من إزالة ما يكره الرجل، والآن مواعيد الطائرات قد تكون في الليل، ولذلك يزول الإشكال لو أخبر الإنسان أهله، أنه سيأتي في الليل، لا يأتيهم على فجأة فيتخونهم، فيظنون به أنه يظن شراً، أو أنه يجد منها شيئاً لا يحبه، فيخبرها بمقدمه، فإذا جاء يستحب له أن يصلي في المسجد ركعتين قبل أن يأتي البيت إن تمكن من ذلك، وكذلك فإنه يسن له أن يذبح لهم، ويدعو الناس إلى ذلك، كما ثبت في البخاري أنه نحر جزوراً، أو بقرة، لما قدم من سفره.[رواه البخاري3089]. وتسمى النقيعة عند العرب، وهي سنة.

ويأتي لأهله بالهدايا التي تسرهم، بعض الناس يسافرون فيضيعون الأموال ولا يأتي إلى أهله بشيء، ويستقبله أطفاله، فلا يجدون معه شيئاً، وهو خالي الوفاض، وهم يتوقعون أشياء، من الآداب الإسلامية: أن يأتي الإنسان لأهل بيته بشيء إذا قدم من سفره.

كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج، يجتمع إليه إخوانه من أهل مرو فيقولون: نصحبك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، هاتوا نفقة السفر، فيأخذ نفقاتهم، فيجعلها في صندوق، ويقفل عليها، ثم يكتري لهم، يستأجر لهم، ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم، ويطعمهم أطيب الطعام، وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي، وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول ﷺ، فيقول لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها؟ فيقول: كذا، وكذا، ثم يخرجهم إلى مكة، فإذا قضوا حجهم قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا، وكذا، فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو - البلدة الأصلية - فإذا كان بعد ثلاثة أيام عمل لهم وليمة، وكساهم، فإذا أكلوا، وسروا، دعا بالصندوق ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته، وعليها اسمه.

أيها الإخوة: هناك الآن من الناس من الأغنياء، والأثرياء، من يصطحب معه أناس في السفر، ينفق عليهم، ويغدق عليهم، ولكن في أي مجال؟ مهر البغي، وأجرة الزانية عليه هو، وثمن المشروب - الخمر المسكرات - عليه هو، وتذاكر الطائرة إلى أمكنة الفجور عليه هو، وأجرة النزول في الفندق الذي يقارفون فيه معاصٍ أخرى عليه هو، وهكذا، فيرجع إلى بلده، وأهله، وقد ازداد إثماً على إثم، بما سهل لهم من الشر، نسأل الله السلامة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وأرجوا من الإخوان أن يتقدموا.

الخطبة الثانية

00:26:44

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أشهد أن لا إله إلا هو تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى سبيله ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورضي عن صحابته، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

السفر إلى الخارج لحاجة

00:26:58

أيها الإخوة: لقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن السفر إلى الخارج، ونقول هنا: بأن بعض الناس قد يحتاجون إلى السفر لعلاج لا يجده في بلدان المسلمين، أو طلب علم يحتاج إليه المسلمون ولا يوجد عندهم، أو تجارة يضطر إليها، ونحو ذلك، ولكن هذا الإنسان لا بد له من علم يدفع به الشبهات إذا أوردت عليه، وعقلٍ يدفع به الشهوات إذا ثارت في وجهه، يدفع به الشهوات إذا استثيرت في نفسه، وهكذا، وأنتم تعلمون ما يحدث في الخارج من المعاصي، ولذلك رسول الله ﷺ برئ ممن أقام بين ظهراني المشركين؛ لأن الإقامة بين ظهور الكفار لا خير فيها، وكثيراً ما يكون فيها نقص في الدين، بل هو الغالب على من سافر إلى تلك البلاد، لذلك لا ينصح أبداً بالسفر إلى تلك البلاد إلا لحاجة، وإذا سافر لا بد أن يكون متحصناً، بحيث لا يحصل له نقص في دينه، لو لم يكن إلا المنكرات، والمناظر المحرمة، التي تشاهد في المطارات، لكان كافياً، وأنت عندما تقف في الصف، تنتظر دورك في المطار، وعندما تجلس في الاستراحة، لو التفت يميناً أو شمالاً ماذا يحصل؟ وهذا الكلام أيها الإخوة ليس خاصاً ببلاد الكفار، فإن هناك بعضاً من مدن المسلمين، فيها من الفجور ما لا يقل عن بلدان الكفار، أليس كذلك؟ بلى، ولذلك لا يجوز الذهاب إليها بالنفس، والأهل، إذا كان الإنسان سيتعرض إلى نقص في دينه، هذا شيء عام، لا يستثنى فيه مكان دون آخر، وأما إذا كان المكان الذي ستذهب إليه، لا يحصل لك فيه أذىً في دينك، أو نفسك، فإنه لا بأس لك أن تذهب إلى ذلك المكان، وكن مستعيناً بالله، حريصاً على أداء الطاعات، لو لم يكن في السفر إلى بلاد الكفار أيها الإخوة إلا مسألة عدم وجود جماعات، ومساجد متيسرة، يصلي فيها الناس، لا يسمع أذاناً، ولا تكبيراً، ولا يذكر بالله .

ذهب إنسان إلى بلد من بلدان الكفار، فسأل عن القبلة أناساً من المسلمين الموجودين هناك، لم يجبه أحد، إلى أن قال له قائل في النهاية: لا أدري، ولكني أرى بعض الناس يصلون بهذا الاتجاه، أليس هذا حادثاً حاصلاً في تلك البلاد؟ عندما يشاهد أطفالنا المناظر العارية في شوارعهم، وأنتم تدرون أحوال بلاد الكفار في فصل الصيف الآن، من العري المنتشر في الشوارع أيها الإخوة، عندما يقول الرجل: أنا أسحب طفلي في الشارع، ورجل وقف مع امرأة قد التزمها يقبلها أمام الناس، والولد ينظر إليهما، وأنا أجر الولد وإن تعداهما فلا زال وجهه ملتفت إلى تلك المرأة والرجل، أليست هذه جريمة في حق أولادنا، نحن نجرهم إليها بأيدينا؟ قد يكون عندنا شيء من الدين، ولكن ما مصير أطفالنا الذين يذهبون إلى الخارج، وتنطبع، وتنحفر في أذهانهم تلك المناظر المحرمة؟ ما مصير بعض أطفال المسلمين الذين يدرسون في مدارس، وفي جامعات؟ في مدارس داخلية هناك، في بلاد الكفر، وتجلس إلى جنبه بنت، ماذا يكون مصيره؟ وما هو الخير الذي يرجى له؟ وفرص الحرام، والمناظر المحرمة، وأنواع الفواحش أمامه. سقطت امرأة مرة في الطريق، فلما أخذوها وفحصوها، وجدوا أن سبب السقوط، أن بها مرض الإيدز، وهنا قالوا لها: كم مكثتِ في البلد؟ قالت: ثلاثة أيام، قالوا لها: من الأشخاص الذين أتوك؟ كم عددهم؟ قالت: أربعين شخصاً، ثم كانت المناسبة المشئومة التي تقزز النفس، والفضيحة، أن يجرجر أولاد العوائل من بيوتهم؛ لإجراء الفحوصات الطبية عليهم، وبعضكم يعلم أكثر مني بكثير، عن كثير من هذه المصائب، التي يؤدي إليها السفر إلى بلاد الكفر، والإلحاد، والإباحية، والجرائم التي تحدث هنالك، وبماذا يعود الإنسان إذا عاد إلى بلده، وأي حور يقع له بعد الكور الذي كان فيه، أي نقصان يحدث له بعد العودة.

إذا كان الرسول ﷺ قد منع الذهاب بالمصاحف إلى بلاد الكفار حتى لا تتعرض للإهانة، فما بالكم بالسفر بالعوائل إلى بلاد الكفار، لكي تنغرس فيهم تلك الأفكار، وتلك المناظر التي تفسدهم وهم في بلادهم، هل المسافرون على متن الطائرات اليوم يغضون أبصارهم إذا قامت المضيفة أمامهم؟ والعجب كل العجب، أن تسمع ذلك المنادي يقول: نرجو توجيه النظر إلى ملاح الكبينة، من هي؟ هي مضيفة، هو يقول: نرجو توجيه النظر، والله يقول: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْسورة النور30. والطاعة لمن في هذه الحالة؟ وتجده ينظر بغير حاجة إلى المضيفة.

ما يحدث لبعض النساء - وللأسف- في الطائرات

00:32:53

ويحدث من التكشف من نسائنا في الطائرات، المسافرة إلى الخارج ما تعلمون عنه كثيراً.

أقلعت طائرة من مطار داخلي إلى الخارج، فإذا بالسواد الذي كان يجلل أجساد النساء المسلمات في الطائرة، ينقلب إلى ألوان مختلفة، وزينات بأنواعها، على الوجوه، والأجساد، فترجع الطائرة كأنك لا تعرف أن هؤلاء الناس هم الذين أقلعوا قبل قليل من ذلك المطار، بعد فترة قال قائد الطائرة: لقد تعطلت الطائرة، وسوف نضطر للرجوع إلى مطار داخلي، فرجعت الطائرة إلى المطار الداخلي، فرجع النساء إلى دورات المياه، ليرتدين الزي مرة أخرى، أليست مهزلة؟

أقلعت طائرة من مطار داخلي إلى الخارج، فإذا بالسواد الذي كان يجلل أجساد النساء المسلمات في الطائرة، ينقلب إلى ألوان مختلفة، وزينات بأنواعها، على الوجوه، والأجساد، فترجع الطائرة كأنك لا تعرف أن هؤلاء الناس هم الذين أقلعوا قبل قليل من ذلك المطار، بعد فترة قال قائد الطائرة: لقد تعطلت الطائرة، وسوف نضطر للرجوع إلى مطار داخلي، فرجعت الطائرة إلى المطار الداخلي، فرجع النساء إلى دورات المياه، ليرتدين الزي مرة أخرى، أليست مهزلة؟

هل هؤلاء يؤمنون أن رب هذا البلد، هو رب تلك البلاد؟ أسألكم بالله أيها الإخوة ما هو موقفنا نحن من نسائنا؟ وماذا يحدث لنا عند الله؟ ماذا سيكون مصيرنا ونحن ساكتون؟

وبعض النساء يضغطن على أزواجهن يقلن: نحن نريد السفر، لماذا العائلة الفلانية سافرت؟ هل هم أحسن منا؟ حتى تخرجه إلى السفر، وقد لا يريد هو الخروج، تحت ضغط الزوجة، تعس عبد الزوجة.

مقارنة بين المسافرين قديماً وحديثاً

00:34:12

المشركون في الماضي عندما كانوا يركبون البحر، إذا اضطربت بهم الأمواج رجعوا إلى الله، تابوا إلى الله، حتى يأتون إلى البر، فيشركوا مرة أخرى.

أقلعت طائرة من الطائرات، فجلس إنسان - نحسبه ممن يخاف الله - يقرأ في المصحف، وبجانبه رجلان من كبار السن مع الأسف يذكرون مفاتن المضيفات، اللاتي يمرون أمامهم، وفي الخلف شباب تائهون، يصيحون، يصفقون ويزمرون، ويغنون، ويلهون، والطائرة بين السماء والأرض، لو خسف الله بها في لحظة واحدة، بعد فترة ارتجت الطائرة، قال قائد الطائرة: هناك خلل فني، وبدأت الطائرة تضطرب، وتموج، سكت الناس في الخلف، الذين يطبلون، ويزمرون كأن على رؤوسهم الطير، الجميع في وجوم، الخطر محدق، كف أولئك عن النظر إلى المضيفات، وواحد منهم خطف المصحف من يد صاحبنا، وجعل يقرأ فيه، وبعد فترة استقرت الطائرة، وقال القائد: لقد استطعنا إصلاح الخلل، بعد فترة وجيزة أرجع ذلك الرجل المصحف إلى صاحب المصحف، وجلس يتكلم عن مفاتن المضيفات، ورجع الشباب في الخلف يطبلون، ويزمرون، ويغنون، وهكذا، ولما تصل الطائرة إلى البر بعد.

أي ضعف في الدين ذلك الذي يعشعش في تلك النفوس الخاوية من ذكر الله، أين أذكار السفر؟ أين التدبر فيها؟

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونعوذ بك أن نرد إلى أرذل العمر، لكي لا نعلم من بعد علم شيئاً، اللهم متعنا بأسماعنا، وقواتنا، وأبصارنا، أبداً ما أبقيتنا، واجعلها عاملة في طاعتك يا رب العالمين.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه الطبراني في الصغير65
2 - رواه البزار2316
3 - رواه أبو داود2601
4 - رواه الترمذي3443
5 - رواه النسائي10269
6 - رواه ابن ماجه2825
7 - رواه الترمذي3426
8 - رواه الطبراني726
9 - رواه أبو داود2602
10 - رواه مسلم1342
11 - رواه البخاري1804
12 - رواه مسلم1342
13 - رواه مسلم1342
14 - رواه الترمذي 3439
15 - رواه مسلم2718
16 - رواه أبو داوود2609
17 - رواه أبو داود2608
18 - رواه الترمذي2607
19 - رواه البخاري2998
20 - رواه أحمد5618
21 - رواه الترمذي3445
22 - رواه أحمد20833
23 - رواه النسائي في عمل اليوم والليلة544
24 - رواه البخاري3089