الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أحكام الغسل - الدرس الأول


عناصر المادة
ملخص الدرس السابق
بعض الأدلة على نواقض الوضوء
نواقض وضوء مختلف فيها عند العلماء
أكل لحوم الأبل
القهقهة
موجبات الغسل من الحدث الأكبر
تعريف الغسل
الغسل من الجنابة
تعريف الجنابة
الجنابة تعم كل البدن
أسباب الجنابة
حالات خروج المني

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

ملخص الدرس السابق

00:00:22

فقد سبق الحديث في دروس سابقة عن نواقض الوضوء وهي ثمانية ذكرها المصنف -رحمه الله-:

أولها: الخارج من السبيلين مطلقًا سواء كان قليلًا أو كثيرًا، فإنه ينقض الوضوء، وسواء كان هذا الخارج نجسًا بالأصل كالبول والغائط والودي والمذي، أو كان طاهرًا كالريح، لكن ما دام خرج من السبيلين فإنه ينقض الوضوء.

وذكرنا حالات قلنا : مثلًا: بعد أدوية إخراج الحصوة أو تفتيت الحصوة خرج من السبيلين حصى، ينقض الوضوء أم لا؟ الجواب: ينقض، وإن كان الحصى في أصله طاهرًا، لكن قلنا : كل خارج من السبيلين ينقض الوضوء، وسواء كان معتادًا خروجه كالبول والغائط والريح أو نادر الخروج كالدم والدود والحصى والشعر فكله ناقض للوضوء.

وبالنسبة للمالكية في هذا خالفوا في النادر، وقالوا: لا ينقض، ووافقهم الحنفية في خروج الريح من القبل كما عند المرأة، وقالوا: لا ينقض، وهو اختيار اللجنة الدائمة، وكذلك من المعاصرين فتوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-.

ثانيًا: خروج الدم الكثير من أي مكان من الجسم، ويلحق به خروج أي نجس من الجسم، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة.

وذكرنا: أن مذهب كثير من العلماء أن خروج النجاسة من البدن لا ينقض الوضوء، وليس هناك دليل صريح يدل على نقض الوضوء بذلك، فالأصل بقاء الطهارة.

فنحن الآن نلخص ما سبق بالنسبة لخروج الدم إذا كان من السبيلين ينقض.

أما خروج الدم من غير السبيلين جعله بعضهم ناقضًا إذا كان كثيرًا.

وقال بعضهم: إن هذا الخروج لا ينقض، وليس هناك دليل صريح على نقضه.

ثالثًا من النواقض: زوال العقل بنوم أو غيره، فقلنا: إن الجنون والإغماء والسكر تنقض الوضوء مطلقًا.

وأما النوم فهو درجات، فأما النعاس والنوم الخفيف الذي لا يفقد الإنسان معه شعوره بما حوله فإنه لا ينقض الوضوء على أرجح أقوال أهل العلم.

وأما النوم المستغرق الذي يفقد الإنسان فيه شعوره وإحساسه بما حوله فيعتبر ناقضًا للوضوء.

رابعًا: أكل لحم الجزور، فيجب الوضوء من أكل لحم الإبل سواء كان صغيرًا أو كبيرًا ذكرًا أو أنثى مطبوخًا أو نيئًا، وذلك لأجل الدليل الذي نص على الوضوء من أكل لحم الإبل.

وذكرنا الخلاف في أكل ما سوى اللحم من أجزاء الإبل كالشحم مثلًا هل ينقض الوضوء؟ فمن أهل العلم من قال: لا ينقض الوضوء إلا اللحم الأحمر، والنقض بلحم الإبل تعبدي لا يقاس عليه غيره، واختار هذا من المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، وكذلك اللجنة الدائمة.

وقيل: الحكم عام في جميع أجزاء الإبل، لأن الكل يتغذى بدم واحد وطعام واحد وشراب واحد، وممن أفتى من المعاصرين بهذا الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله-.

الناقض الخامس : مس المرأة بشهوة، وبينا أن هذه المسألة خلافية بين العلماء، وسبب الخلاف هو اختلافهم في فهم قوله تعالى:  أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء  [المائدة: 6]، هل المراد بها مجرد اللمس باليد أو المراد بها الجماع، أو المراد بها المس مس مخصوص كالمس بشهوة؟

والذي اختاره كثير من المحققين: أن اللمس لا ينقض الوضوء مطلقًا، وهذا مذهب الحنفية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن المعاصرين أفتى به الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، والشيخ ابن عثيمين، واللجنة الدائمة.

فإذن، قلنا : الراجح أنه لا ينقض الوضوء مطلقًا إلا إذا خرج منه شيء كالمذي فهنا ينقض الوضوء لخروج المذي.

سادسًا: مس الفرج،  وعرفنا أن مذهب الشافعية والحنابلة وجوب الوضوء من مس الفرج، وأن مس الإنسان فرجه قبلًا كان أو دبرًا، والمقصود به فتحة الدبر؛ لأن الفرج ما انفرج، وليس الألية سواء كان منه أو من غيره صغيرًا كان أو كبيرًا حيًا أو ميتًا بشهوة أو بدونها دون حائل ينقض الوضوء، وذكرنا الأقوال الأخرى لأهل العلم.

سابعًا: تغسيل الميت، والقول بنقض الوضوء من تغسيل الميت من مفردات مذهب الحنابلة، أما الجمهور فقالوا: إنه لا ينقض، والذين قالوا بالنقض حجتهم الآثار الواردة عن الصحابة التي فيها الأمر بالوضوء من غسل الميت، وذكرنا أن هناك اختلاف عن الصحابة في هذه المسألة فلم يجمعوا عليها، وأنه من المحتمل أن يكون المراد الاستحباب وليس الوجوب، وأن حديث أبي هريرة: من غسل ميتًا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ [رواه أبو داود: 3161، وأحمد: 9862] الراجح فيه أنه موقوف من قول أبي هريرة.

فالغسل أو الوضوء من تغسيل الميت مستحب وليس بواجب.

ثامنًا: الردة -والعياذ بالله- وهو الناقض الأخير الذي ذكره المصنف.

وذكرنا أن الردة من حيث تأثيرها على العبادة ثلاثة حالات:

أولًا: أن تقع الردة بعد الفراغ من العبادة بالكلية، ففي هذه الحال لا تبطل العبادة، فلو ارتد بعد الصلاة لا يكلف لو أسلم بإعادة الصلاة ولو كان لا زال في الوقت، لو توضأ ثم ارتد ثم عاد للإسلام هل يكلف بإعادة الوضوء؟

الراجح لا يكلف وأن أثر الوضوء باق ما دام قد أصبح طاهرًا، فإن الردة لا تبطل أثر الوضوء وهو الطهارة.

والحالة الثانية: أن تقع الردة أثناء العبادة، ففي هذه الحالة تبطل الردة العبادة قولًا واحدًا، فلو ارتد أثناء الطهارة بطلت، لو ارتد أثناء الصلاة بطلت، لو ارتد أثناء الصيام بطل.

ثالثًا: أن تقع الردة بعد الفراغ من العبادة، ولكن قبل انتهاء حكمها كمن يرتد بعد الفراغ من الوضوء، فالجمهور يقولون بعدم بطلان الأثر، وذهب الحنابلة إلى بطلان الأثر.

وذكرنا أن للمرتد من جهة الرجوع حالتان:

الحالة الأولى : أن يموت بلا رجعة -والعياذ بالله-، فالذي مات على الردة جميع أعماله التي عملها باطلة، لا قيمة لها، ولا ثواب له عليها.

الحالة الثانية: أن يرتد ثم يرجع إلى الإسلام، فهذا لا تحبط أعماله على الراجح من قولي أهل العلم؛ لأن الله قال: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة: 217]، فعلق الحبوط بأمرين:

أولاً : الردة.

ثانيًا: الموت عليها.

وعلى هذا تكون النواقض التي ذكرها المصنف ثمانية، وعلى ما تم ترجيحه في الدروس أربعة:

الخارج من السبيلين.

زوال العقل بنوم أو غيره.

أكل لحم الجزور.

ومس الفرج.

لأننا تكلمنا في قضية خروج الدم، ومسألة لمس المرأة، وتغسيل الميت ذكرنا تفصيلات فيها، وبناء عليها لا يكون على الراجح كل ما ذكره المصنف ناقضًا هو ناقض.

بعض الأدلة على نواقض الوضوء

00:10:42

وقد ذكر المصنف -رحمه الله تعالى- أدلة هذه النواقض، فقال : لقوله تعالى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ  [النساء: 43].

هذا الدليل كم ناقض فيه؟

فيه ناقضان:

الناقض الأول: الخارج من السبيلين: في قوله تعالى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [النساء: 43].

الناقض الثاني: لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء: 43]، لكن طبعًا عندنا اختلاف في تفسيرها هل المقصود به اللمس وإلا المقصود به الجماع ؟ هل هو اللمس المس مس البشرة للبشرة أو هو الجماع؟

سبق التفصيل.

نواقض وضوء مختلف فيها عند العلماء

00:11:30

أكل لحوم الأبل

00:11:30

وقال رحمه الله: وسئل النبي ﷺ أتوضأ من لحوم الإبل؟ فقال: نعم  [رواه مسلم: 360] هذا دليل الناقض الثالث.

وقال في الخفين: ولكن من غائط وبول ونوم [رواه النسائي: 158، والترمذي: 3536، وصححه] هذا أي ناقض؟ الخارج من السبيلين، والنوم وزوال العقل، وقد سبق بيان هذه النصوص وشرح هذه النصوص.

القهقهة

00:12:07

ومن الأمور التي ذكرها بعض الفقهاء: أنها تنقض الوضوء القهقهة، وهذا عند الحنفية، والقول الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم أنها لا تنقض الوضوء؛ لعدم وجود دليل على ذلك، قال جابر بن عبد الله : "إذا ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء" رواه البخاري تعليقًا والدارقطني موصولًا [صحيح البخاري: 1/46، وسنن الدارقطني: 1/ 317].

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: "وهو صحيح من قول جابر" كما في [الفتح: 1/ 280].

فإذن، هذا صح عن جابر ، لكن هذا كلام الصحابي، كلام الصحابي حجة إذا لم يكن له مخالف.

وقال شيخ الإسلام: ولم يثبت عن صحابي خلافه، ولأنه لا ينقض خارج الصلاة، فكذلك في الصلاة [شرح عمدة الفقه لابن تيمية: 1/ 180] يعني كما أن القهقهة لا تنقض الوضوء خارج الصلاة فكذلك لا تنقض الوضوء ولو حصلت داخل الصلاة، لكن تبطل ماذا؟ الصلاة، والطهارة باقية، وبناء على ذلك لو رأى مدرس طالبًا في مصلى المدرسة أثناء الصلاة يقهقه، وهذا يحصل طبعًا مع الأسف من قلة التربية يحصل، فإذا كان الطالب قد توضأ فماذا يأمره المدرس؟

أن يعيد تكبيرة الإحرام ويستأنف الصلاة من جديد، وروى البيهقي عن أبي الزناد قال: كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، في مشيخة أجلة سواهم، يعني بالإضافة إلى هؤلاء يقولون فيمن ضحك في الصلاة أعادها ولم يعد وضوءه، هذا كلام أبي الزناد -رحمه الله- ورواه عنه البيهقي.

على أي شيء استند الأحناف أن القهقهة تبطل الطهارة؟

استدلوا بأحاديث لكن ضعيفة لم تثبت، الأحاديث التي وردت في نقض الضحك للوضوء ضعيفة لا يصح منها شيء، قال النووي -رحمه الله تعالى-: "كلها ضعيفة واهية باتفاق أهل الحديث"[المجموع شرح المهذب: 2/ 61].

موجبات الغسل من الحدث الأكبر

00:15:35

لما فرغ المصنف -رحمه الله- مما يوجب الحدث الأصغر بدأ بعد ذلك في بيان ما يوجب الحدث الأكبر، فذكر أربعة أمور توجب الغسل، فقال: "باب ما يوجب الغسل وصفته" يعني صفة الغسل، فسيبين المصنف -رحمه الله- أمرين:

الأول: موجبات الغسل.

والثاني: كيفيته وصفته.

تعريف الغسل

00:16:24

ويقال: غسل الجنابة، وغسل الحيض، وغسل الجمعة، وغسل الميت، وما أشبهها بفتح الغين وضمها، فإذا قلت: غَسل، غُسل، غَسل الجنابة، غُسل الجنابة، غَسل الميت، غُسل الميت، غَسل الحيض، غُسل الحيض، كلها صحيحة في اللغة.

وأما الأفصح فإن الفتح أفصح وأشهر عند أهل اللغة، والضم الذي يستعمله الفقهاء أو أكثرهم، فعند أهل اللغة الأفصح غَسل الميت، غَسل الجنابة، غَسل الحيض.

وعند الفقهاء المستعمل الأشهر: غُسل الميت، غُسل الجمعة، غُسل الحيض.

وزعم بعض المتأخرين أن الفقهاء غلطوا في الضم، وليس كما قال، النووي في "المجموع"، يعني ليس كما قال، هذا كلام [النووي في المجموع: 2/ 130].

الغسل من الجنابة

00:17:37

قال المصنف -رحمه الله-: ويجب الغسل من الجنابة، وهي إنزال المني بوطء أو غيره، أو بالتقاء الختانين.

فأول الأمور التي توجب الاغتسال هي الجنابة.

تعريف الجنابة

00:17:57

والجنابة في الأصل من جنب معناها البعد.

لو واحد قال: ما معنى الجنابة في اللغة؟ ما فحوى هذه الكلمة؟

نقول: جنب في اللغة لفظ يفيد البعد.

الدليل على ذلك: فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [القصص: 11] يعني من بعد.

فإذن، الجنابة في الأصل معناها البعد هذا في اللغة.

وعند الفقهاء الجنابة لها معنى خاص قالوا: أمر معنوي يقوم بالبدن، فالجنابة ليست شيئًا حسيًا، تقول: فلان الآن على جنابة، هي حالة أمر معنوي يقوم بالبدن.

الجنابة تعم كل البدن

00:19:20

هل الجنابة ببعض البدن أم بكل البدن ؟

بكل البدن، فلا يقال: نصفه السفلي على جنابة، والعلوي لا، بل إذا صار الواحد على جنابة فكله على جنابة، الجسد كله، البدن كله، فقالوا: هي أمر معنوي يقوم بالبدن يمنع من صحة الصلاة وما في حكمها، الطواف، مس المصحف، وهكذا...

فإذن، أمر معنوي يقوم بالبدن كله فيمنع من صحة الصلاة وما في حكمها، ويرتفع بالغسل.

إذن، هذا الأمر المعنوي كيف يزال، كيف يرتفع؟ بالغسل.

العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي: لأنه يصبح بعيدًا عن أداء العبادات التي يشترط لها الطهارة وزوال هذه الجنابة.

اللغوي البعد، والشرعي عرفناه، قال الأزهري -رحمه الله-: إنما قيل له جنب؛ لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر فيتجنبها أو تجنبها، وأجنب عنها، أي تنحى عنها، وقيل: لمجانبته الناس ما لم يغتسل [لسان العرب: 1/ 279].

لكن طبعًا حديث أبي هريرة يدل على أن المؤمن لا ينجس، وأنه يخالط الناس، ولا يحرم عليه الجلوس معهم، الورود عليهم، لا يحرم عليه مخالطتهم، وإن كان ممنوعًا من أشياء في المسجد أو في الصلاة أو الطواف، لكن لا يعني ذلك منعه من الناس.

وفي اللغة يستوي في لفظة: الجنب الذكر والأنثى والمفرد والجمع، فيقول مثلًا الزوج: أنا جنب، وزوجتي جنب، ونحن جنب، كلانا جنب، فهذه اللفظة جنب يستوي فيها الذكر والأنثى، والمفرد والمثنى، المفرد والجمع.

أسباب الجنابة

00:22:43

وللجنابة سببان: نزول المني، والجماع.

فنبدأ بالأول: خروج المني: يوجب الغسل سواء خرج من الرجل أو المرأة، وسواء كان نزوله بسبب جماع أو احتلام أو مداعبة ملاعبة أو تقبيل أو فكر، ويدل على هذا حديث أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال: إنما الماء من الماء  [رواه مسلم: 343].

الماء الأول ما المقصود به؟ إنما الماء من الماء، الماء الأول : ماء الغسل، والماء الثاني: المني، معناها إنما الماء الذي يستعمل في الغسل يكون واجبًا بسبب الماء المني، فإذا خرج وجب الغسل، قال النووي -رحمه الله-: وقد أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المني" [شرح النووي على مسلم: 3/ 220].

وعن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول اللهﷺ:  نعم إذا رأت الماء  متفق عليه[رواه البخاري: 130، ومسلم: 313].

قال ابن رجب -رحمه الله-: وهذا الحديث نص على أن المرأة إذا رأت حلمًا في منامها ورأت الماء في اليقظة أن عليها الغسل، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء، ولا يعرف فيه خلاف إلا من النخعي، وهو شذوذ [فتح الباري، لابن رجب: 1/ 338].

إذن، حديث هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء  معناها الشيء الذي لا خلاف فيه إذا حصل الاحتلام وخرج المني؛ لأنه قد يحصل الاحتلام فقد يذكر في منامه شيئًا أو تذكر في منامها شيئًا، ولكن لا يخرج إذا استيقظ ما يجد خارجًا، وقد يخرج الخارج أو هذا المني بلا تذكر شيء حصل في المنام، يعني من أمور الشهوة طبعًا، فالذي لا خلاف فيه أنه إذا صار في المنام شيء احتلام وخرج الماء فرآه الشخص هذا المحتلم بعد استيقاظه أن عليه الغسل.

حالات خروج المني

00:25:58

له أحوال: فقد يكون بشهوة ولذة، وقد يكون دون شهوة ولذة، وقد يكون في المنام، وقد يكون في اليقظة.

فما حكم كل؟ لأنه  قد يخرج بسبب المرض، بسبب حمل شيء ثقيل، بسبب البرودة الشديدة، أسباب كثيرة.

إذا خرج بلذة وشهوة وهو الغالب فحينئذ يوجب الغسل باتفاق العلماء، قال ابن قدامة -رحمه الله-: "فخروج المني الدافق بشهوة يوجب الغسل من الرجل والمرأة في يقظة أو في نوم، وهو قول عامة الفقهاء، قاله الترمذي، ولا نعلم فيه خلافًا"[المغني، لابن قدامة: 1/ 128].

وإذا خرج دون لذة، وهذا يحصل بسبب كمرض أو برد، أو حمل شيء ثقيل، فقد اختلف العلماء في ذلك فذهب الشافعية إلى أنه يوجب الغسل مطلقًا سواء خرج في الصحة، في المرض، في البرودة، باحتلام، بدون احتلام، بشهوة، بدون شهوة، عندهم أن مجرد الخروج يوجب الغسل، لماذا؟

قالوا: حديث  إنما الماء من الماء ، فإذا وجد الماء الذي هو المني بأي سبب وجب الماء الأول الذي هو ماء الغسل، قال النووي -رحمه الله- موضحًا مذهب الشافعية في هذا: ولا فرق عندنا بين خروجه بجماع أو احتلام أو استمناء أو نظر، أو بغير سبب، سواء خرج بشهوة أو غيرها، وسواء تلذذ بخروجه أم لا، وسواء خرج كثيرًا أو يسيرًا، ولو بعض قطرة، وسواء خرج في النوم أو اليقظة من الرجل أو المرأة، فكل ذلك يوجب الغسل عندنا.

النووي شافعي وحكى مذهبه فصله، لكنه مطلع على المذاهب الأخرى فحكاها أيضًا قال: وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يجب إلا إذا خرج بشهوة ودفق" [المجموع شرح المهذب: 2/ 139].

ما حجة الجمهور الذين قالوا : إذا خرج بغير شهوة ولا لذة مثل برودة المرض، حمل شيء ثقيل، أنه لا يوجب الغسل، وأنه يشترط فيما يوجب الغسل أن يكون دفقًا؟

فاحتجوا بأدلة؛ منها: قوله تعالى: فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ [الطارق: 5-6] فقد وصفه تعالى بأنه دافق، فإذا لم يكن دافقًا فلا يعتبر الماء الذي يكون منه الولد، ويجب منه الغسل.

أيضًا احتجوا بما رواه أبو داود والنسائي عن علي قال: كنت رجلًا مذاءً فجعلت أغتسل، يعني من المذي حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي ﷺ أو ذكر له، يعني وكَّل واحدًا يسأل كما جاء في بعض الروايات أنه وكَّل المقداد، لماذا؟ لمكان ابنته مني، لأن بنت النبي ﷺ تحت علي فاستحيا أن يسأله هذا، فوكَّل المقداد أن يسأله فسأله، فقال رسول اللهﷺ: لا تفعل، إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل، والحديث في الصحيحين بدون زيادة  فإذا فضخت الماء ، ولذلك تكلموا في صحتها، مثل الشافعية، قال الجمهور: الفضخ الدفق، والخروج بشدة، قال السندي من شراح الحديث: وإذا فضخت الماء، أي دفقت، والمراد به المني، ومعنى ذلك أن المني إذا سال بنفسه من ضعفه ولم يدفعه الإنسان فلا غسل عليه [حاشية السندي: 1/ 111].

هذا عند الجمهور.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في "الكافي": فإن خرج لمرض من غير شهوة لم يوجب" يعني لم يوجب الغسل؛ "لأن النبي ﷺ وصف المني الموجب بأنه غليظ أبيض، ولا يخرج في المرض إلا رقيقًا"[الكافي: 1/ 105].

أما حديث النبي ﷺ:  الماء من الماء  بماذا أجاب عنه الجمهور؟

قالوا: المقصود بالماء الثاني الذي هو المني المعهود المعروف الذي يخرج بلذة، ويوجب فتور البدن بعد خروجه.

أما الذي يخرج بدون لذة ولا شهوة ولا يوجب فتورًا بعد خروجه فلا يوجب الغسل، قال ابن عابدين -وابن عابدين على مذهب الحنفية، من الجمهور في المسألة هذه- قال: لو انفصل أي المني بضرب أو حمل ثقيل على ظهره فلا غسل عندنا" انتهى [الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار): 1/ 160].

أدلة الجمهور فيها قوة، فإذا فضخت الماء، وأن المني الذي يوجب الغسل هو المني المعهود المعروف، والذي يخرج في هذه الحالة المعروفة المعهودة، فإذا خرج على خلاف المعهود فلا يوجب الغسل، لكن هنا حالة، وهي أن بعض الناس إذا جامع ثم اغتسل قد يخرج منه أو منها مني أثناء الاغتسال أو بعد الاغتسال، وهو بقية للمني الأول، فيكون باقي في الممر مثلًا، فلما تحرك أو مشى أو اغتسل خرجت البقية، فهل للخروج هذا بعد الاغتسال للمشي، للحركة، يوجب إعادة الاغتسال علمًا أن الخارج هو مني بصفته من الغلظ ثخين غليظ الصفة المعهودة؟

قال ابن قدامة -رحمه الله-: فأما إن احتلم أو جامع فأمنى ثم اغتسل ثم خرج منه مني، فالمشهور عن أحمد أنه لا غسل عليه، قال الخلال: تواترت الروايات عن أبي عبد الله، أي الإمام أحمد أنه ليس عليه إلا الوضوء بال أو لم يبل، فعلى هذا استقر قوله [المغني، لابن قدامة: 1/ 129].

إذن، قالوا: هذا بقية الأول، وما خرج بلذة وشهوة للحركة، للاغتسال، للمشي، يعني خروجه لا يوجب إعادة الغسل، لم يكن بشهوة ولا لذة، قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في هذه المسألة: ليس عليه إعادة الغسل، وإنما عليه إعادة الاستنجاء والوضوء؛ لأننا قلنا : الخارج من السبيلين هنا ينقض الوضوء، ولو ما جعلناه موجبًا للغسل أو موجبًا للجنابة، لكننا لابد أن نجعله ناقضًا للحدث، من الحدث الأصغر الموجب للوضوء، قال الشيخ: لأن خروج المني بدون شهوة مصاحبة لخروجه لا يوجب الغسل وإنما يوجب الاستنجاء والوضوء كالبول [مجموع فتاوى الشيخ].

وبناء عليه لو خرج منه مني لمرض أو حمل شيء ثقيل أو برد شديد فماذا نقول؟

عليك الاستنجاء والوضوء فقط.

الحالة الآن في الخروج أثناء النوم وهو ما يسمى بالاحتلام، فيوجب الغسل مطلقًا لفقد إدراكه وقد لا يشعر باللذة، فالنائم إذا استيقظ ووجد أثر المني وجب عليه الغسل، ففي حال اليقظة يمكن أن يفرق بين خروجه بشهوة وبغير شهوة، لكن في النوم يوجب الغسل مطلقًا إذا خرج في النوم.

عندنا الآن حالتان في الاحتلام أو في مسألة الخروج بعد النوم:

الحالة الأولى : أن يذكر احتلامًا، يعني شيء في المنام يتعلق بالشهوة ثم يستيقظ فلا يجد أثرًا.

الحالة الثانية : العكس أن لا يذكر احتلامًا في المنام، ثم يقوم فيجد أثرًا.

 فما هو حكم كل حالة؟ أيهما فيها الدليل الدامغ أكثر؟ أن يذكر احتلامًا ولا يجد أثرًا؟ أم يجد أثرًا ولا يذكر احتلامًا؟

الحالة الأولى: من رأى أنه احتلم ثم استيقظ ولم يجد بللًا، فلا غسل عليه؛ لما روى البخاري ومسلم عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى رسول الله ﷺ فقالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال النبي ﷺ: إذا رأت الماء  [رواه البخاري: 130، ومسلم: 313].

إذن، لو كان مجرد الاحتلام يوجب الغسل، ماذا كان سيكون جوابه؟

نعم.

هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟

نعم، لكن هو ما أجاب بنعم، هو قال: إذا رأت الماء، فعلق الحكم بوجوب الغسل على رؤية الماء الذي هو المني، ومفهوم كلامه عليه الصلاة والسلام، أنها إذا لم تر الماء لا يلزمها الغسل، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنهم من أهل العلم على أن الرجل إذا رأى في نومه أنه احتلم أو جامع ولم يجد بللًا أنه لا غسل عليه [الأوسط: 2/ 83].

قال ابن قدامة: "وإن انتبه" يعني من نومه "فرأى منيًا ولم يذكر احتلامًا فعليه الغسل لا نعلم فيه اختلافًا أيضًا" قال: "لأن الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه" [المغني: 1/148].

وما أكثر ما ينسى الإنسان ما رآه في المنام.

الحالة الثانية : العكس إذا استيقظ ورأى أثراً، يجب عليه الغسل.

الآن ذكرنا الحالتين إذا ذكر احتلامًا ولم يجد أثرًا، فقلنا: لا يجب عليه، وإذا رأى أثرًا ولم يذكر احتلامًا يجب عليه، طبعًا إذا ذكر احتلامًا ورأى أثرًا خلاص، هذا ما في كلام.

وإذا استيقظ ورأى بللًا لا يدري ما هو؟ يعني قد يكون مذيًا، بولًا، منيًا، يعني احتمالات.

من استيقظ من نومه ووجد بللًا فله ثلاثة أحوال، ما يتعلق بموضوعنا الذي هو غسل الجنابة، ما هي هذه الأحوال؟

أولا: أن يتيقن أنه مني.

ثانيًا: أن يتيقن أنه ليس بمني.

ثالثًا: الشك، وهذا طبعًا فيه تفصيل، أن يغلب على ظنه أنه مني، أن يغلب على ظنه أنه ليس بمني، أن يشك فلا يرجح شيئًا، لا يستطيع الترجيح.

الحالة الأولى: أن يتيقن أنه مني، ما حكمها؟

عليه الغسل وجوبًا، وذلك بمعرفة صفات المني، وقد ذكر له الفقهاء ثلاث علامات:

أولًا: أن يخرج دفقًا، وذكروا أن رائحته إذا كان يابسًا كرائحة بياض البيض، وإذا كان رطبًا فرائحته تكون كرائحة طلع النخل، وذكروا أنه يعقبه فتور بعد خروجه، يعني هذه من العلامات، حتى لو قال : أنا الآن حتى أعرف هذا ما هو؟ فالجواب هذا ينبني على صفات الذي رأيته ما هي صفاته؟

هل هذا يختلف بين الرجل والمرأة؟

الجواب: نعم، قالوا: إن خروج مني المرأة لا يكون بدفق كالرجل، ويكون رقيقًا أصفر، وليس غليظًا أبيض، وذلك لحديث النبي ﷺ:  إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر [رواه مسلم: 311].

لكن كلاهما يكون معه لذة، وكلاهما يعقبه فتور في البدن، وكلاهما له تلك الرائحة، قال ابن قاسم في "حاشية الروض": "وهو من الرجل في حال صحته" يعني في حالته المعتادة "ماء غليظ أبيض، يخرج عند اشتداد الشهوة ويتلذذ بخروجه، ويعقب البدن بعد خروجه فتور، ورائحته كرائحة طلع النخل، يقرب من رائحة العجين، وإذا يبس ريحه ريح بياض بيض جاف" ثم قال في "حاشية الروض": "ومن المرأة ماء رقيق أصفر، وقد يبيض لفضل قوتها، فمن القوية قد يكون لونه أبيض، ولا خاصية له إلا التلذذ، وفتور شهوته عقيب خروجه" [حاشية الروض المربع: 1/268].

هذا المواصفات تفيدنا في مسألة الحكم على هذا البلل الذي رآه، أو هذا الشيء الذي جف على ثيابه الآن، يعني هذا الأثر ما هو؟

فإذا تأكد أنه مني فحينئذ يجب عليه الغسل، ولا يجب غسل الثوب على الراجح؛ لأن المني طاهر على الراجح من قولي أهل العلم، لأن القول الآخر: أن المني نجس، والراجح: أنه طاهر، وهذه المسألة سبقت، ولو كان نجسًا فإن أم المؤمنين لن تفركه وتكتفي بالفرك أو بحكه بالإذخر،كان يجب عليها الغسل حتى لو جف.

وبعضهم يقول بنجاسة المني، وهذا موضع المناظرة المشهورة بين شافعي وحنفي، قال الشافعي: ليس بنجس، قال الحنفي: إنه نجس، واستمرت المناظرة ومر عليهما رجل، قال: ما بالكم؟ فقال الشافعي: أنا من أول النهار أقنعه أن أصله طاهر، وهو لا يرتضي إلا أن يكون أصله نجس.

على أية حال: الراجح طهارته، ولذلك نقول: لا يجب غسل الثوب، لكن إذا تأكد من خروجه فلابد أن يغتسل هو.

إذا تأكد أو غلب على ظنه أنه هو فعليه الغسل، ولا فرق في هذا بين أن يذكر احتلامًا أو لا يذكر لحديث أم سلمة السابق  إذا رأت الماء وأيضًا  إنما الماء من الماء .

قال ابن نجيم -رحمه الله-: "فيجب الغسل اتفاقًا فيما إذا تيقن أنه مني تذكر الاحتلام أو لا" [البحر الرائق: 1/58].

الحالة الثانية: أن يتيقن أنه مذي، "والمذي ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الشهوة لا بشهوة" يعني أيش معناها؟ يعني عند خروجه يخرج عقيب الشهوة، ولكن عند الخروج لا يكون مصحوبًا خروجه بشهوة، "المذي ماء أبيض رقيق لزج، يخرج عند الشهوة لا بشهوة ولا دفق، ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه [المجموع: 2/ 141].

فإذا تأكد أنه مذي فلا يجب عليه الغسل سواء تذكر احتلامًا أم لا، ولكن ماذا يجب عليه؟

الاستنجاء، وغسل ما أصابه من الثوب والوضوء؛ لأن المذي نجس، وبعضهم قال: نجاسته مخففة، واكتفوا بالرش، لكن لابد من شيء، ما يجوز أن يتركه.

الثالث: الشك، ولا يجزم هل هو مني أو مذي؟ فماذا يصنع؟

قيل: يجب عليه الغسل مطلقًا سواء ذكر احتلامًا أم لا ما دام فيه خارج وشك فيه فعليه الغسل سواء ذكر احتلامًا أم لا، وهذا مذهب الحنفية والمالكية كما في "البحر الرائق" و"الشرح الصغير".

والقول الآخر: لا يلزمه الغسل مطلقًا، لماذا؟ قالوا : لأنه بات طاهرًا بيقين فلا يصبح جنبًا بالشك، هو قبل أن ينام كان طاهرًا، بعد ما قام رأى شيئًا شك فيه ما عرف يرجح ولا يجزم، فما هو الأصل؟

الطهارة، قبل أن ينام كان طاهرًا، فلماذا نوجب عليه الغسل؟ الأصل بقاء الطهارة ولا نخرجه عنها إلا بيقين ولا يقين، وهذا مذهب الشافعية.

أما الحنابلة فصلوا في الشاك، قالوا: إذا ذكر احتلامًا فإنه يجب عليه أن يغتسل؛ لأن هذا يرجح أن الخارج مني، قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في "شرح العمدة": "فألحقت هذه الصورة المجهولة بالأعم الأغلب" [شرح العمدة، ص: 354] يعني إذا ذكر احتلامًا فإن الأغلب أن يكون أن هذا مني، وتلحق هذه الصورة، هي صورة الشك بالأعم الأغلب.

وعند الحنابلة فيها تفصيلات، وإن كان تقدم نومه سبب يدعو إلى تحريك الشهوة وخروج المذي كتفكير أو نظر، فالبلل الذي وجده في ثوبه له حكم المذي؛ لأن السبب ليس أثناء النوم، إنما قبل النوم، وما كان قبل النوم من فكر أو نظر عادة ماذا يخرج من جرائه؟ مذي، ولذلك قالوا: إذا سبق النوم سبب يدعو إلى تحريك شهوة وخروج المذي فإنه يعتبره مذيًا ولا يجب عليه الغسل.

إذا لم يذكر احتلامًا ولم يتقدم نومه سبب يدعو إلى تحريك شهوة وخروج المذي فماذا يفعل؟

عنده الآن احتمالان: أن يكون منيًا أو لا يكون، ولا يستطيع الجزم، ولا يذكر احتلامًا حتى يرجح أنه مني، ولا حصل سبب يدعو إلى تحريك شهوة قبل النوم حتى نقول إنه غالبًا مذي، فماذا نفعل؟

نحن بين أمرين: إما أن نأخذ قول الشافعية الذين يقولون: الأصل الطهارة، وهذا لا يوجب الغسل، وإما أن نقول بالاحتياط، والاحتياط الغسل؛ لأنه لو كان مذيًا الغسل ينفع، ولو كان منيًا تزول الجنابة، فالحنابلة قالوا: إنه يعمل بالاحتياط، ويراعي حكم المني والمذي معًا، فيغتسل ويغسل ما أصاب ثوبه، ويأتي بالوضوء مرتبًا أثناء الغسل، حتى يخرج من الحدث الأصغر؛ لأنهم يوجبون الترتيب في الوضوء، هذا في مطالب أولي النهى من كتب الحنابلة.

وقال في "مطالب أولي النهى" أيضًا: "وليس هذا من باب الإيجاب بالشك"؛ لأنه لابد أن يرد على حجة الشافعية الذين يقولون: ولماذا توجبون عليه الاغتسال بمجرد الشك؟ قال: "وليس هذا من باب الإيجاب بالشك، وإنما هو من باب الاحتياط في الخروج من عهدة الواجب؛ لأنه لا يخرج عن كونه منيًا أو مذيًا ولا سبب لأحد الأمرين يرجح به أو يرجح به، فلم يخرج من عهدة الواجب إلا بما ذكر"[مطالب أولي النهى: 1/ 163] يعني لو كان منياً.

الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- قال: وإن لم يسبق نومه تفكير فهذا محل خلاف، قيل : يجب عليه الغسل احتياطًا، وقيل: لا يجب وهو الصحيح، لأن الأصل براءة الذمة [فتاوى الشيخ].

الشيخ في هذه المسألة في هذه الحالة تحديدًا ذهب إلى قول الشافعية.

هذا ما يتعلق بحال الجنابة وخروج المني وما هي الحالات التي تكون في هذا الشأن.

طبعًا الموجب الثاني لغسل الجنابة هو: الجماع، سنأتي على هذا في الدرس القادم -إن شاء الله-.

وصلى الله على نبينا محمد.