السبت 12 شوّال 1445 هـ :: 20 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

04- ضوابط في الأسماء والصفات


عناصر المادة
ضوابط في توحيد الأسماء والصفات
الضابط الأول والثاني
ثالثًا: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف
رابعًا: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين
خامسًا: أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الإخبار أوسع من باب الصفات
سادسًا: الأسماء المزدوجة تجرى مجرى الاسم الواحد
سابعًا: الأسماء والصفات يشتركان في جواز الاستعاذة والحلف، ويفترقان في الدعاء والتعبيد
ثامنًا: لا يوصف الله بالنفي المحض
تاسعا: الألفاظ التي لم يرد في الكتاب والسنة إثباتها ونفيها في حق الله يتوقف في لفظها، ويستفصل في معناها
عاشرًا: الصفات معلومة لنا باعتبار المعنى، مجهولة لنا باعتبار الكيف
الحادي عشر: يجب وصف الله بكل ما وصف به نفسه في كتابه
الثاني عشر: الاشتراك في الاسم المطلق لا يستلزم التماثل في الحقيقية
الثالث عشر: القول في الصفات كالقول في الذات
الرابع عشر: القاعدة الأخرى القول في الصفات كالقول في بعضها الآخر
الخامس عشر: المضافات إلى الله إذا كانت أعيانًا فهي من جملة المخلوقات، وإذا كانت أوصافًا فهي من صفات الله
السادس عشر: أسماء الله وصفاته أزلية وأبدية
السابع عشر: صفات الله إما ذاتية أو فعلية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:

ضوابط في توحيد الأسماء والصفات

00:00:22

فقد تقدم في هذه الدورة ضوابط في العقيدة الإسلامية ذكر بعض الضوابط والقواعد في توحيد الأسماء والصفات:

الضابط الأول والثاني

00:00:35

فمن ذلك أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، يعني: إثباتها متوقف على الدليل، وموقوف حتى يأتي به دليل صحيح.
ثانيًا: ما دل على ذات الله فهو اسم، وما دل على المعنى القائم بالذات فهو صفة، فالعليم يدل على ذات، يعني: لا يمكن أن تطلق كلمة العليم إلا وهناك ذات متصفة بالعلم، وأما الرحمة والعزة والحكمة فهي تدل على معنى، ولا تدل على ذات، ولذلك يقال: هذه صفات.

ثالثًا: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف

00:01:28

فأسماؤه لها نوعان من الدلالة: دلالة على الذات، ودلالة على المعاني، فلا يوجد اسم ليس له معنى، ولا يوجد اسم لا يدل على ذاته، فكل اسم من أسمائه يدل على الذات المسماة بهذا الاسم، ويدل على الصفة التي يتضمنها هذا الاسم، فالعليم يدل على ذاته سبحانه وعلى صفة العلم، القدير يدل على ذاته سبحانه وعلى صفة القدرة، الرحيم يدل على ذاته سبحانه وعلى صفة الرحمة، وبالاعتبار الأول أن الأسماء تدل على الذات تكون في هذه الحالة مترادفة؛ لأنها تدل على ذات واحدة، كل الأسماء تدل على ذات واحدة، لكن باعتبار الصفة المتضمنة في كل اسم باعتبار الصفة التي يدل عليها كل اسم هل تعتبر هذه الأسماء متباينة بينها فروق؟ أو مترادفة كلها شيء واحد؟ متباينة لأن الرحمة غير القدرة غير العلم، وهكذا. لكن هذه الصفات منها متقابلة، فهو رحيم وجبار مثلاً.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فأسماؤه كلها متفقة في الدلالة على نفسه المقدسة، ثم كل اسم يدل على معنى من صفاته؛ ليس هو المعنى الذي دل عليه الاسم الآخر، فالعزيز يدل على نفسه سبحانه مع عزته، الخالق يدل على نفسه سبحانه مع خلقه، الرحيم يدل على نفسه مع رحمته" انتهى.  [الإيمان الكبير: 1/107].
إذاً الحي، والعليم، والقدير، والسميع، والبصير، والرحمن، والرحيم، والعزيز، والحكيم، كلها أسماء لمسمى واحد، وهو الله لكن معنى الحي غير معنى الرحيم، غير معنى التواب، غير معنى القدير، غير معنى الجبار، غير معنى القدوس، وهكذا هناك أسماء متقاربة في المعنى، لكن هناك أسماء واضح الفرق بينها إلى جهة التقابل مثلاً.

رابعًا: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين

00:04:14

كما قال النبي ﷺ في الحديث المشهور أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك [أحمد: 3712، وصححه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: 199].
ففي أسماء لا نعرفها، ويوم القيامة يعلم الله نبيه، وهو ساجد تحت العرش محامد يثني عليه بها لا يعرفها  أحد من العالمين، فتكون جديدة على الخلق، يعرفها النبي عليه الصلاة والسلام لا يعرفها الناس من قبل لا جن ولا إنس، فقوله عليه الصلاة والسلام: أو استأثرت به في علم الغيب عندك، دليل على أن من أسماء الله تعالى الحسنى ما لا يعلمه إلا هو، فلا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وهذا يدل على أن أسماء الله أكثر من تسعة وتسعين، وأن منها ما لا يحيط به إلا هو سبحانه، وأن قوله: إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة [البخاري: 2736، ومسلم: 2677].
لا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد، ولكن معناه أنه يوجد من أسمائه الكثيرة تسعة وتسعين معينة الذي يحصيها يدخل الجنة، نحن نعرف أكثر من تسعة وتسعين، يعني: لو جمعنا الأسماء في الكتاب والسنة تزيد على التسعة والتسعين، يعني: أكثر من مائة وعشرة، لكن تسعة وتسعين منها الذي يحصيها يدخل الجنة، ما عينها في حديث صحيح حتى يجتهد العباد في إحصائها، وجمعها، ومعرفة معانيها، والعمل بها.
فكيف تعمل باسم الرحيم؟ كيف تعمل باسم الرزاق؟ لا تلتمس الرزق عند غيره. كيف تعمل باسم التواب؟ تتوب إليه، وهكذا تتعبده بأسمائه، ومن ذلك أن تدعوه بها.
قال الإمام النووي رحمه الله: "اتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه ، فليس معناه أن ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين، وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء". [شرح مسلم للنووي: 9/5].
فلو قال لك إنسان: هل أسماء الله تعالى محصورة؟ لا من أسمائه ما لا نعرفه، ولم نطلع عليه.

خامسًا: أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الإخبار أوسع من باب الصفات

00:07:05

يعني: أن باب الأسماء أضيق الأبواب، فلا يجوز أن نسميه بغير اسم من هذه الأسماء التي ذكرها لنا، وورد بها النص الصريح الصحيح، ولا يجوز أن تشتق أسماء الله من صفاته، أو من أفعاله، فمثلاً من صفاته الغضب، هل تستطيع أن تقول: نشتق من هذه الصفة اسم الغاضب أو الغضوب؟ لا، والله من أفعاله يكور الليل على النهار، ويكور النهار على الليل، هل تستطيع أن تشتق من الفعل اسم المكور؟ لا.
فإذاً باب الأسماء أضيق الأبواب، ثم الصفات، ثم الأفعال، باب الأسماء أضيق الأبواب، يعني: ما يجوز تسميه إلا بما سمى به نفسه، فلا تشتق من الصفة اسمًا، ولا تشتق من الفعل اسمًا، لكن كل اسم يدل على صفة بالتأكيد، لكن الصفة لا يؤخذ منها اسم، الفعل لا يؤخذ منه اسم، فإذا قلت:  وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر: 22] لا تستطيع أن تقول: من أسمائه الجائي، وإذا قلت: من أفعاله أنه يمكر بالكافرين، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ[الأنفال: 30]، فلا تستطيع أن تشتق منها اسمًا له الماكر، ومن أفعاله تعالى أنه يخادع أعداءه المنافقين، إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142]، فلا تستطيع أن تشتق اسمًا له وتقول: المخادع، وهو يكيد لأعدائه، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق: 15-16]، ولكن لا يجوز لك أن تشتق من هذا الفعل اسم الكائد.
مثلاً قال ابن القيم رحمه الله: "ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالاً لم يتسم منها بأسماء الفاعل، كأراد فلا تكون من أسمائه المريد السميع، وشاء وأحدث ولم يسم نفسه، ولم يسم في نص صحيح بالمريد والشائي والمحدث، كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن، وغير ذلك من الأسماء" التي يطلقها بعض الناس عليه جهلاً، فيقولون: مثلاً الموجود، وبعضهم يسمي عبد الموجود مع أنه ليس أسماء الله الموجود.
"وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتق له من كل فعل اسمًا، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف، فسماه الماكر، والمخادع، والفاتن، والكائد، ونحو ذلك". [مدارج السالكين: 3/415].
لأن المسألة دقيقة، فهو لما يقول أنه يخادع، هو يخادع الكافرين، يخدع في حالة خاصة، يمكر في حالة خاصة، فلما تقول: الماكر معناها، أن هذا اسم له على الدوام، وأن هذه الصفة مستمرة مثلاً، ولذلك اختراع أسماء له واشتقاق أسماء له من أفعال أو من صفات، ولم يسم نفسه بهذه الأسماء ضلال مبين. وقول على الله بلا علم، الكلام السابق لابن القيم في مدارج السالكين.


أما باب الصفات فأوسع من باب الأسماء، فالصفة تثبت بالنص عليها صراحة، لا بدّ يكون هناك نص صحيح ينص على هذه الصفة، واتصاف الله بها، أو نشتقها من أسمائه، لأن أسماؤه ليست جامدة، ما في من أسماء الله اسم مثل الأحرف المقطعة كهيعص، لا يوجد من أسمائه اسم جامد غير مشتق، ولا يدل على صفة، ولا يؤخذ منه صفة، لا يوجد حتى لفظ الجلالة الله المألوه المعبود المحبوب، المألوه المعبود حبًا، وتذللاً وخضوعًا، فإذاً ما دام الاسم الثابت فيجوز اشتقاق الصفة منه، وبناء عليه كيف نعرف الصفات؟ إما بالنص عليها يد الله فوق أيديهم، لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75]، أو باشتقاقها من اسم من الأسماء الثابتة، ويكفينا وجود الاسم حتى لو ما ورد النص على الصفة التي يتضمنها هذا الاسم، فيكفينا وجود الاسم، وكذلك فإن التصريح بالصفة نجده في النصوص كالعزة، والقوة، والرحمة، والبطش، والوجه، واليدين، ونحو ذلك، فهذه صفات ورد النص بها صراحة، إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [يونس: 65]، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج: 12]، وقوله: وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [البقرة: 272]، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن: 27].
طيب بالنسبة للاشتقاق من الأسماء بما أن الأسماء أعلام وأوصاف علم على الله، ويطلق ويدل على ذاته علم عليه، يدل على ذاته، وكذلك يتضمن وصفًا، فيجوز لنا أن نشتق الصفة من الاسم، وبناء عليه نثبت صفة القدرة من اسم القدير، ونثبت صفة العظمة من اسم العظيم، ونثبت صفة السمع من اسم السميع، وهكذا.
أما بالنسبة لاشتقاق الصفة من الفعل، أو اسم الفاعل، فإننا نشتق له صفة الاستواء من قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه: 5]، ونثبت له صفة النزول من حديث: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا [البخاري: 1145، ومسلم: 758]، ونثبت له صفة المجيء من قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ[الفجر: 22].
ونثبت له صفة الإتيان أخذناها من النص على الفعل: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ[البقرة:210]، وكذلك قوله: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ[السجدة: 22] منتقم اسم فاعل، فيجوز لنا أن نشتق منه صفة الانتقام، لكن هل يجوز أن نشتق اسمًا، ونقول: المنتقم، وعبد المنتقم، ونسميه؟ لا.
فإذاً يجوز أخذ الصفة من الفعل، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ [آل عمران: 11]، صفة الأخذ، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ[الحج: 65]، صفة الإمساك، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ[البروج: 12] صفة البطش.
وباب الأفعال باب الواسع بناء على ذلك، لكن باب الإخبار أوسع من  باب الأسماء والصفات، فيصح الإخبار عن الله بكل معنى صحيح، ولو لم يرد في القرآن والسنة، بخلاف الأسماء والصفات، فإذاً الاسم شيء، والصفة شيء، والإخبار شيء آخر، فالاسم لا نسمي الله إلا بما سمى به نفسه، والصفة إذا وردت في نص أو تشتق من الاسم، أو تؤخذ من الفعل، أو اسم الفاعل، وأفعال الله كثيرة، وبناء على ذلك صفاته كثيرة أيضاً، هذا ما ثبت لأن الصفة: إما أن يكون منصوص عليها، أو مأخوذ من اسم منصوص عليه، أو مأخوذة من فعل منصوص عليه، لكن باب الإخبار عن الله يجوز لنا أن نخبر عن الله بكلام ما هو أسماء ولا صفات غير منصوص عليها، فمثلاً كلمة موجود ليست اسم ولا صفة، لكن هي إخبار عنه أنه موجود، ومن هذا الباب لو واحد قال: اذكر يا فلان الذي ذلت لعظمته الرقاب، وهو يعظ مثلاً أشخاصًا أو شخصًا، كلمة الذي ذلت لعظمته الرقاب، ليس شرط أن تكون هذه نص، لكن هو في باب الموعظة يخبر عن الله بمعنى صحيح، يعبر عنه بهذا الكلام من باب الإخبار لا من باب الأسماء والصفات، ولذلك لو واحد قال: الله يجبر الكسير، وينصر الضعيف، الله ناصر المستضعفين، الله عالم الخفيات، الله مجيب الدعوات، هل يشترط وجود نص مجيب الدعوات، أو في كلمة عالم الخفيات، أو في كلمة غياث المستغيثين؟ لا يشترط لأنها في باب الإخبار، وباب الإخبار واسع، ويحتاج إليه الناس في التذكير بربهم، وفي الموعظة.


قال ابن القيم رحمه الله: "باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به، فإنه يخبر عنه بأنه شيء" وهذا ورد في القرآن: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ [الأنعام: 19]، فيجوز أن يقال: أن الله شيء بدليل قوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ[الأنعام: 19].
قال ابن القيم: "فإنه يخبر عنه بأنه شيء، وموجود، ومذكور، ومعلوم، ومراد، ولا يسمى بذلك". [مدارج السالكين: 3/415]، فمثلا الخطيب أحيانًا، يقول: فالله مرادنا، والله مبتغانا، لا يوجد اسم المبتغى والمراد، لكن هذا إخبار عن الله بمعنى صحيح وحق، لا من باب تسميته، ولا من باب وصفه، ولذلك فالأمر فيه واسع ما دام لا يوجد نقص، فلا بد من التوقي، تجد بعض الناس لما يتكلم عن الله، يعني: تعالى الله كأنه يتكلم عن واحد صاحبه، يعني في بعض رسائل الواتس أب، ورسائل الجوالات، يتكلم كأنك تريد أن تقول له: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا[نوح:13]، وبعضهم يتكلم عن الله باللهجة العامية كلامًا لا يليق، ولا يجوز، بعضهم يناديه نداءات كأنه ينادي مخلوق من المخاليق، ولذلك لا بدّ من التوقي، فليس معنى أن باب الإخبار واسع؛ وأنه يجوز أن نخبر عن الله بما لم ينص عليه القرآن والسنة؛ إنه يعني تكلم عن الله كما تريد، ولذلك بعضهم يقول كلام فيه نقص لا يليق بالله، كقول بعض الناس مثلاً: إذا مات شخص يقول: ربنا افتكره، معنى افتكره: يعني كان ناسيه وفجأة افتكره، وأخذه كأنه كان ضايع كذا بين الخلق وعثر عليه -تعالى الله-، هذا موجود في كلام العامة، ويقولونه من باب الإخبار لكنه نقص لا يليق بالله إطلاقًا. فإذاً مرة أخرى لما نقول أن باب الإخبار واسع ليس معناه أن نتكلم عن الله كيف شئنا، وأن نخبر عن الله كيف شئنا، فإن بعض كلام الناس عن الله لا يليق بالله.

سادسًا: الأسماء المزدوجة تجرى مجرى الاسم الواحد

00:22:13

لأن من أسماء الله ما يطلق عليه مفردًا، ومن أسماء الله ما يطلق عليه مقترنًا بغيره، ومن أسماء الله ما يأتي على سبيل الإفراد، ومنه ما يأتي على سبيل الاقتران، فما يجوز أن تطلقه عليه مفردًا: فالقدير يأتي مفردًا، السميع يأتي مفردًا، البصير يأتي مفردًا، العزيز يأتي مفردًا، الحكيم يأتي مفردًا، لكن المانع ما يأتي مفردًا لا بدّ أن تقرن معه المعطي الضار المنتقم، فلا بد أن تقول المعطي المانع، الضار النافع، المنتقم العفو، ما تجي مثلاً تفرد المذل، بدون أن تقول: المعز، لأن الكمال لا يحصل إلا بالاقتران هنا، فلو قلت: المذل فقط ما أكملت، لكن لو قلت: القدير كامل، السميع كامل.
قال ابن القيم رحمه الله: وأما أن يثني عليه بمجرد المنع، ومجرد الانتقام، ومجرد الإضرار، فلا يسوغ، فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد، الذي يمتنع فصل حروف بعضه عن بعض"، يعني: مثلاً السميع لا تستطيع تفصل السين والميم عن الياء والعين، كذلك ما تستطيع أنك تفصل الضار عن النافع، والمذل عن المعز، قال: "فهي وإن تعددت جارية مجرى الاسم الواحد، ولذلك لم تجيء مفردة"، -يعني راقب مجيئها في النصوص كيف ذكرها الله؟ كيف ذكرها رسوله ﷺ؟ لا تجدها جاءت إلا مقترنة، "ولم تطلق عليه إلا مقترنة، فاعلمه".
يقول ابن القيم: فلو قلت: "يا مذل، يا ضار، يا مانع، وأخبرت بذلك -يعني عنه- لم تكن مثنيًا عليه في الحقيقة، ولا حامدًا له حتى تذكر مقابلها" كلامه في بدائع الفوائد [1/177].
طيب ماذا أيضا من الأسماء التي لا تأتي إلا بالاقتران؟ الخافض الرافع، المحيي المميت، المعز المذل، الأول الآخر، الظاهر الباطن، ولذلك شوف حتى المسلمون لما يسمون الله لا تجد أحدا يسمي عبد المميت عبد المذل.

سابعًا: الأسماء والصفات يشتركان في جواز الاستعاذة والحلف، ويفترقان في الدعاء والتعبيد

00:25:27

فيشرع للعبد أن يستعيذ بأسماء الله وصفاته، الاستعاذة بالأسماء مثل أعوذ بالله، لفظ الجلالة الله، أعوذ بالعزيز بالسميع بالجبار،  قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا [مريم: 18].
هل يجوز الاستعاذة بصفاته؟
الجواب: نعم، لأن الأدلة قد وردت بذلك، أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك [مسلم: 486]، أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر [مسلم: 2202]، أعوذ بعزة الله وقدرته[أبو داود: 3893، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 3453]، عزة الله صفة، قدرة الله صفة، معافاة الله، فإذاً يجوز الاستعاذة بصفاته.
الحلف أقسم بالله، أقسم بالجبار، مثلاً تالله بالله والله، والعزيز الحكيم، أقسم بالعزيز الحكيم.
الحلف بالصفة: أقسم بعزة الله، فالاستعاذة والحلف جائزان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى.
أما الدعاء والتعبيد فلا يكونان إلا بالأسماء فقط، فنقول في التعبيد: إذا أردنا التسمية مثلاً عبد الرحمن، عبد الله، عبد الحميد، ولا نقول: عبد الرحمة، عبد العزة، عبد القدرة، ولا نسمي عبد كرم الله، كذلك الدعاء، فإننا ندعوه بأسمائه الحسنى: يا رحمن ارحمني، يا حي يا قيوم، ولا يجوز لنا أن ندعو بالصفة، فلا يجوز أن نقول: يا رحمة الله ارحمينا، يا مغفرة الله اغفري لنا، وهنا لا بد أن نفرق بين أمرين مهمين، التفريق بينهما يزيل لبسًا عظيمًا، هناك فرق كبير بين دعاء الصفة، والدعاء بالصفة:
فالمراد بدعاء الصفة أن تكون الصفة هي المدعوة، ومعنى ذلك كأنها شيء آخر غير الله، وهذا باطل؛ لأن صفات الله لا تنفك عنه، ولا عن ذاته، فعندما ينادي الصفة وحدها فإن هذا معناه أن الصفة قائمة وحدها بمعزل، وهذا لا يجوز باطل فإن قول القائل: يا رحمة الله ارحميني، ويا عزة الله أعزيني، ويا قوة الله قويني، معناها أنه يعتقد أن الصفة منفصلة عن الموصوف، وأن الصفة تغفر وحدها، وترحم وحدها، وتغني وحدها، وتقوي وحدها، فجعل الصفة إلهًا معبودًا، وهذا كفر باتفاق العلماء، لأن صفات الله ملازمة لله، ملازمة لذاته لا تنفك عنه، قائمة بها غير منفصلة عنه.
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اتفاق العلماء على أن دعاء صفاته وكلماته كفر، حيث قال: "وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين، فهل يقول مسلم: يا كلام الله اغفر لي، وارحمني، وأغثني، وأعني، أو يا علم الله، أو يا قدرة الله، أو يا عزة الله، أو يا عظمة الله، ونحو ذلك" هذا في كتاب الرد على البكري [79].


إذاً لا يجوز دعاء الصفة، ولا نداء الصفة.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن قول القائل: يا وجه الله.
فقال: لا يجوز لأحد من المسلمين أن يدعو صفات الله عند جميع أهل العلم، كأن يقول: يا وجه الله، أو يا علم الله، أو يا رحمة الله، أو ما أشبه ذلك، وإنما الواجب أن يدعوه سبحانه بأسمائه الحسنى لقول الله : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180]، فيقول: يا الله يا رحمن يا رحيم ونحو ذلك، ماذا يقصد إذاً بهذا الذكر الذي في الصباح والمساء، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق  [مسلم: 2708].
هذا دعاء بالصفة، وليس دعاء الصفة، فأنت لا تقول: يا كلمات الله أعوذ بك، لا لأن هذا يوهم أن الكلمات مستقلة، ومنفصلة عن الذات، لكن أعوذ بكلمات الله، هذه استعاذة بصفاته، أعوذ بكلمات الله، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر [أبو داود:3893، وصححه الألباني صحيح الترغيب:3453]، إذاً هذه الفرق بين دعاء الصفة والدعاء بالصفة.
بعض الناس قد يفهم من كلامه أنه لم يرد الوجه وحده، بل يريد ذات الله وصفات الله، فنقول: إذاً نيتك وعقيدتك ومفهومك صحيح، لكن صحح اللفظ اخرج عن الوهم، اخرج عن الشبهة لا تتلفظ بكلام موهم، قد يكون المقصود منه حقًا، وقد يكون المقصود باطلاً، اخرج عن الإيهام بين وضح، الكلام عن الله ينبغي فيه الدقة، والتحري، والتوقي، اخرج عن قضية الالتباس، الدعاء بالصفة من قبيل التوسل بالمشروع، وقد ثبت من مأثور الأدعية: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث [الترمذي: 3524، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 227]، معناه:  أسألك يا الله برحمتك، أعوذ بعزة الله، هذا السؤال لله بعزته، وكذلك قوله: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك [البخاري: 1162]، اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "ويستحب التوسل بصفات الله، فيقول: اللهم إني أسألك بأنك عظيم، أو بقدرتك العظيمة، أو أسألك بحلمك، ونحو ذلك. [مجموع فتاوى ابن باز: 28/403].

ثامنًا: لا يوصف الله بالنفي المحض

00:33:39

فأثبت الله تعالى لنفسه أسماء وصفات، ونفى عن نفسه أسماء وصفات، وكل صفة نفاها الله عن نفسه، أو نفاها عنه رسوله تتطلب شيئين: نفي تلك الصفة، وإثبات كمال ضدها، لأن النفي المحض ليس بكامل، يعني: ما أحد يجي إلى الملك مثلاً، ويقول: أنت لست بنشال، ولست بكذاب، ولست بحرامي، ولست بقبيح، هذا مجرد النفي ليس مدحًا، وربما لو قاله هكذا هذا يعاقبه، ولذلك فإن كل صفة نفاها الله عن نفسه، أو نفاها عنه رسوله ﷺ تتطلب شيئين: نفي تلك الصفة، وإثبات كمال الضد، لماذا لأن النفي المحض ليس مدحًا، ليس كمالاً، إلا أن يتضمن ما يدل على كمال الضد، ومنهج القرآن في النفي أنه لا ينفي نفيًا محضًا، فلا ينفي القرآن صفة نقص عن الله إلا إذا كانت متضمنة لصفة مدح وكمال، وأما النفي المجرد فليس مدحًا.
يقول ابن القيم في الفوائد: "فإن النفي عدم لا كمال فيه، ولا مدح فإذا تضمن ثبوتًا صح المدح فيه، كنفي النسيان المستلزم لكمال العلم"، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا  [مريم: 64]، "ونفي اللغوب، والإعياء، والتعب المستلزم لكمال القوة والقدرة"، وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38]، "ونفي السنة والنوم المستلزم لكمال الحياة والقيومية"،لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة: 255]، "ونفي الولد والصاحبة المستلزم لكمال الغنى، والملك، والربوبية"، مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا [الجن: 3]، "ونفي الشريك، والولي، والشفيع بدون الإذن، يستلزم كمال التوحيد والتفرد التام بالكمال والإلهية، فنفي الظلم يتضمن كمال العدل" [الفوائد: 1/132]، إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ[النساء:40].
ولا يمكن أن يكون النفي في صفاته نفيًا محضًا، والله لما قال: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى[النحل: 60]، يعني: الوصف الأكمل، وهذا معدوم في النفي المحض، فالنفي إن لم يتضمن كمالاً فقد يكون لعدم قابلية الموصوف لذلك لا لكمال الموصوف.
فلو قال: الجدار لا يظلم، هل هذا مدح؟
لا. لأن الجدار ليس له قوة، ولا قدرة على الظلم أصلاً، فنفي الظلم عنه ليس كمالاً ومدحًا؛ لأنه ليس قابلاً أصلا للظلم، والمحل غير قابل، وليس عنده قدرة، فنفي الظلم عن الجدار ليس لكمال الجدار، لكن لعدم قابلية المحل للاتصاف لا بظلم ولا بعدل، والنفي إن لم يتضمن كمالاً فقد يكون لنقص الموصوف أو لعجزه، كما قال الشاعر يهجو قومه:

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانًا

[ديوان صفي الدين الحلي: 1/81].
هذا ظاهره أنه يمدح لكن في الحقيقة هو يذم. يقول قومي ما عندهم قدرة على شيء، عجزة، قوله:

لكن قومي وإن كان ذوي عدد ليس من الشر في شيء وإن هان

 

لأن ما عندهم قدرة أصلاً، فيريد بهذا ذمهم، ووصفهم بالعجز.
لماذا نقول هذا الكلام؟
لأن بعض المتكلمين الفلاسفة إذا قرأت كتبهم في العقيدة هي عبارة عن نفي، هي جمل نفي، فيقولون: الله لا يتكلم، ولا يغضب، ولا يرضى، ولا يحب، الله ليس فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا شمال، ولا قدام، ولا وراء، ولا داخل العالم، ولا خارجه، ولا متصلا به، ولا منفصلا عنه، هذا توحيدهم، ولهذا قال محمود بن سبكتكين رحمه الله: لمن أطلق مثل هذه العبارات: ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته، وبين المعدوم". [الرسالة التدمرية: 1/27].
يعني: إذا أردت أن تصف الأعدام، بعض الأشاعرة مثلاً الله لا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا شمال، ولا قدام، ولا وراء، ولا داخل العالم، ولا خارجه، ولا متصلا به، ولا منفصلا عنه، فقال بعضهم: لا يوجد أبلغ من هذا في وصف العدم، إذا أردت أن تصف العدم فلن تجد أبلغ من هذه الكلمات، ليش لأن هؤلاء المبتدعة لا يثبتون، يهربون من الإثبات، ما يثبتون لله الصفات، يقولون: إذا أثبتنا شبهناه بالخلق، إذا أثبتنا اتهمناه بالنقص، إذا أثبتنا جسمنا، فالتوحيد عندهم عبارات نفي، فنقول: لهم النفي وحده ليس مدحًا، وخذها على سبيلكم مخاليق لا يرضى المخلوق مجرد تمدحه، وتقول: أنت لست بحرامي، ولا نصاب، ما يعتبر هذا مدحًا بحد ذاته.

تاسعا: الألفاظ التي لم يرد في الكتاب والسنة إثباتها ونفيها في حق الله يتوقف في لفظها، ويستفصل في معناها

00:40:27

أطلق بعض الناس ألفاظًا ما هي في القرآن والسنة، ولا تدل على كمال ولا مدح، ما هو الموقف من هذه الإطلاقات؟ نحن قلنا: إذا أطلقت عن الله كلامًا فيه مدح وكمال يجوز حتى لو من باب الإخبار، وإطلاق كلام فيه نقص على الله كفر، لو أطلق على الله كلامًا لا هو مدح ولا هو ذم، قد يكون محتملا، فما هو الموقف من هذا الإطلاق؟ هذا يتبين من خلال الضابط التاسع، الألفاظ التي لم يرد في الكتاب والسنة إثباتها أو نفيها في حق الله يتوقف في لفظها، ويستفصل عن معناها، مثال: لو قال واحد: الله جسم أو ليس بجسم؟ هل وردت هذه اللفظة بالكتاب والسنة؟ هل يفهم منها المدح؟ هل يفهم منها الذم؟ هل هو يريد أن يثبت أن ذات الله موجودة؟ ماذا يريد؟ أما هو يفهم من كلامه التشبيه بالمخلوقات إذا كان يقصد أنه جسم مثل المخلوقات، فهذا يعتبر كفرا.
ما هو الموقف من إطلاق هذه الألفاظ التي لم يرد في الكتاب والسنة إثباتها ولا نفيها؟
يجب التوقف في لفظها لا تثبت ولا تنفى، لكن نستفصل في المعنى، يا أيها القائل ماذا قصدت بهذه الكلمة؟ فإن قال معنى يليق بالله، قلنا: المعنى مقبول ليس اللفظ، المعنى مقبول، وإن قال معنى لا يليق بالله، قلنا: المعنى مرفوض مردود، لكن نقول له لا تستعمل هذا اللفظ.
مثال آخر: لفظ الجهة لو قال قائل: هل نثبت لله جهة؟ فنقول له لفظ الجهة ما ورد في الكتاب ولا في السنة، لكن فيهما يغني عنه، ورد أن الله في العلو، ورد أن الله في السماء يعني في العلو، فإذا قلنا: ماذا تقصد بالجهة؟ قال: أريد الجهة هل لله جهة يعني علو تحيط به لا تحيط به، فنقول: إذا قصدت أن هناك مخلوقًا يحيط بالله فهذا باطل، إذا قصدت أنه محدود بحد وأن شيئًا فوقه هذا باطل، الله أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، والله هو الأعلى فلا شيء فوقه، يحيط ولا يحاط به.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: والألفاظ التي لم تنطق الرسل فيها بنفي ولا إثبات كلفظ الجهة، والحيز، ونحو ذلك لا يطلق فيها النفي ولا الإثبات إلا بعد بيان المراد، فمن أراد بما أثبت معنى صحيحًا فقد أصاب في المعنى، وإن كان في اللفظ خطأ، ومن أراد بما نفاه معنى صحيحًا فقد أصاب في المعنى، وإن كان في اللفظ خطأ، وأما من أثبت بلفظه حقًا وباطلاً، أو نفى بلفظه حقًا وباطلاً، فكلاهما مصيب فيما عناه من الحق، مخطئ فيما عناه من الباطل، قد لبس الحق بالباطل، وجمع في كلامه حقًا وباطلاً" [الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح:4/ 318].
فنقول: اترك هذا التعبير لا تستعمله، في القرآن والسنة ما يغني عنه، إذا قال: أنا أقصد كذا وكذا من القصد الصحيح، وافقناه على القصد لا على اللفظ، وإن قال قصدًا باطلاً خطأناه في القصد، ونهيناه عن اللفظ؛ لأنه موهم.

عاشرًا: الصفات معلومة لنا باعتبار المعنى، مجهولة لنا باعتبار الكيف

00:45:30

فصفات الله تعالى معلومة من جهة المعنى، فاليد في اللغة معلوم، ما هي اليد؟ في اللغة معلوم، ما هو الوجه؟ في اللغة معلوم، ما هي العزة؟ معلوم، ما هو الحب الغضب؟ معلوم، لكن الكيف بالنسبة لنا في حق الله مجهول، فالمعنى معلوم في حق الله بالنسبة لنا، والكيف في حق الله بالنسبة لنا مجهول، وقلنا: أن المعنى معلوم لأنه ما يمكن أن الله ينزل في كتابه ألفاظًا لا معنى لها، ولا تفهم، ولا تعقل، ولا أحد يعرف عنها شيئًا، وإلا صار طلاسم، وكيف يقول لنا: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ[ص: 29]،  إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[الزخرف: 3]، وهو طلاسم، كيف يمكن التدبر والتعقل فيما لا معنى له، أو فيما هو من الطلاسم، فإن قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه: 5]، نقول: الاستواء معلوم بالنسبة لنا، هذا كلام عربي، الاستواء معناه العلو الارتفاع، علا ارتفع، إذاً هذه المعاني الصحيحة مفهومة، لكن كيف علا؟ نقول لا نحيط بذلك، ولذلك سأل رجل الإمام مالك في القصة المشهورة: يا أبا عبد الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] كيف استوى؟ فأطرق مالك رحمه الله حتى علاه العرق، يعني من هول ما سئل عنه، أنه لا يتكلم عن الله بشيء لا يليق، ويريد أن يفهم السائل.
فقال: الاستواء غير مجهول، أو الاستواء معلوم، والكيف غير معقول" -يعني نحن ما نعقله، يوجد كيفية لكن نحن ما نعرفها، ولا نحيط بها- "والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا، فأخرجوه" أمر به أن يخرج. [الأسماء والصفات للبيهقي: 867].
نحن نثبت الوجه، والعينين، واليدين لله، ونعرف ما معنى العين في اللغة، ومعنى اليد، لكن كيف هي لله؟ لا نعرف.
فلا يجوز أن نثبت لون، نقول: لم ورد.

الحادي عشر: يجب وصف الله بكل ما وصف به نفسه في كتابه

00:48:23

ثم من القواعد يجب وصف الله بكل ما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله ﷺ من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
فما هو التمثيل؟
اعتقاد مماثلة الله لشيء من مخلوقاته، وهذا كفر.
ما هو التكييف؟
اعتقاد أن صفة من صفات الله على كيفية معينة، ونحن قلنا: إنه لا يمكن إدراك الكيفية، فنحن لا ننفي الكيفية، لكن ننفي العلم بالكيفية.
ما هو التعطيل؟
نفي الصفة، نفي الاسم، إنكار الصفة التي في الاسم؛ لأن بعض المبتدعة يقولون: الرحيم، والعليم، والسميع، والبصير، هذه ليس فيها صفات، أسماء جامدة لا تدل على أي شيء، وهذه بدعة عظيمة.
ما هو التحريف؟
صرف اللفظ عن معناه الحقيقي.

الثاني عشر: الاشتراك في الاسم المطلق لا يستلزم التماثل في الحقيقية

00:49:30

يعني مثلاً هل يجوز أن يقال عن فلان من البشر: عزيز كريم جواد؟
نعم.
هل يجوز أن تقول: فلان يرضى، فلان يحب، فلان يبغض، فلان يكره؟
نعم.
هل يجوز أن تقول عن أحد البشر: ملك؟
نعم.
لكن هل تسمية الله بالملك أو بالسميع أو بالبصير أو بالكريم معناه أن ملك الله مثل ملك المخلوق، وسمع الله مثل سمع المخلوق، وكرم الله مثل كرم المخلوق؟
لا.
فإذاً مجرد الاشتراك في اللفظ لا يعني ولا يدل أبدا على التماثل في المعنى والحقيقة، ومن هنا نقول، لا مانع أن يوجد اشتراك لفظي في بعض الأسماء، لأن الأسماء الأخرى لا يجوز أن يقال: فلان رزاق، وفلان رحمان، وفلان بارئ، ما يجوز حرام، هذا اعتداء على أسماء رب العالمين، لكن في أسماء يجوز أن بعض البشر يسمى بها، ونقول في هذه الحالة: إن الاشتراك في اللفظ لا يدل على التماثل في المعنى والحقيقة.

الثالث عشر: القول في الصفات كالقول في الذات

00:51:04

يعني: إذا قال قائل: أنا أخشى أن أثبت لله سمع، وبصر، ويد، ووجه ونشبهه بالمخلوقين.
نقول: هل لله ذات وإلا لا؟
يقول: له ذات.
نقول: المخلوق له ذات وإلا لا؟
يقول: له ذات.
نقول أنت إذا أثبت لله ذات وأثبت للمخلوق ذات وقعت في تشبيه لماذا تثبت الذات؟ هذا من باب المحاجة.
فنقول: لا، ذاته غير ذاتهم، ذاته غير ذات المخلوقين، وسمعه غير سمع المخلوقين، وبصره غير بصر المخلوقين، ويده غير أيدي المخلوقين، ووجه غير وجوه المخلوقين، فإذاً الكلام في الصفات كالكلام في الذات.
ثم لماذ تنفي الاستواء؟ يقول: خشية المشابهة، وأن يكون استوى يعني المماسة، وتشبيه القعود بالمخلوق على الكرسي.
نقول: هل تثبت له الإرادة؟
فيقول: نعم.
فنقول: هل تثبت للمخلوق إرادة؟
يقول: نعم.
فنقول: ولماذا ما قلت: الآن شبهنا وصارت إرادة الله مثل إرادة المخلوق؟ يقول: لا، لا كل واحد له.
إرادة تليق به، الله له إرادة تليق به، والمخلوق له إرادة تليق به، وإرادة الله غير إرادة المخلوق، نقول: واستواء الله غير استواء المخلوق، فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ [المؤمنون: 28]، يعلو الكرسي، والملك على عرشه يستوي، لكن استواء ملك الملوك غير استواء ملك من الملوك، الكلام في الصفات كالكلام في الذات، وهذه من أقوى الحجج في الرد على الأشاعرة ومن شابههم، وهي أحد القاعدتين التي ذكرها شيخ الإسلام في التدمرية.

الرابع عشر: القاعدة الأخرى القول في الصفات كالقول في بعضها الآخر

00:53:17

لأن بعض الأشاعرة يقول: الله له صفة الحياة، المخلوق له صفة الحياة، السمع، البصر، الإرادة، العلم، القدرة، الصفات السبعة عند بعضهم طبعا: الغضب، المحبة، الكره، يقول: لا هذه أنفيها عن الله، سنشبه به المخلوقين.
نقول: الإرادة أنت أثبتها فلماذا تنفي الكره والمحبة والبغض، إذا أثبت الإرادة، وقلت: إرادة تليق بهذا، وإرادة تليق بهذا، ومحبة تليق بالله، ومحبة تليق بالمخلوق، وكره يليق به -سبحانه-، وكره يليق بالمخلوق، وهكذا، فالكلام في بعض الصفات كالكلام في البعض الآخر، فهذا الأشعري يقول: له الحياة، والكلام، والبصر، سمع، إرادة، وعلم، واقتدر، يعني: صفة القدرة، واليد والوجه يقول: لا مشابهة.
نقول: والسمع والبصر ما هو الفرق تثبت السمع والبصر لله، وتنفي الوجه واليد، ما هذا التناقض.

الخامس عشر: المضافات إلى الله إذا كانت أعيانًا فهي من جملة المخلوقات، وإذا كانت أوصافًا فهي من صفات الله

00:54:36

فلو قلت: عباد الرحمن، عباد أعيان، ناقة الله أعيان، بيت الله أعيان، إذاً إذا أضيفت الأعيان إلى الله، فهي مخلوقة لكن الإضافة تقتضي تشريفًا وتكريمًا، وخصوصية معينة، وأما الصفات إذا أضيفت إلى الله فهي من صفاته، ليست مخلوقة وهذا واضح.

السادس عشر: أسماء الله وصفاته أزلية وأبدية

00:55:18

فلم يزل متصفًا بها، ولا يزال مثل العلم، والكلام، والقدرة، والسمع، والبصر.

السابع عشر: صفات الله إما ذاتية أو فعلية

00:55:34

وهذا التقسيم لمجرد الشرح والفهم والتبيين، ففيها صفات ذات: كالعلم، والقدرة، والحياة، والسمع، والبصر، والوجه، واليدين.
وفيها صفات فعل تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعل، كالاستواء، والنزول، والضحك، ونحو ذلك.
ما هو الضابط؟ الصفات الفعلية تقيد بالمشيئة: يرحم إذا شاء، يغضب إذا شاء، يكتب إذا شاء.
الصفات الذاتية دائمًا متصف بها: كالحياة، والسمع، والبصر، والعلم، والوجه.
وصلى الله على نبينا محمد.

  • السلام عليكم

    هل أجد تفريغاً لهذه الدروس؟