الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

وإذا مرضت فهو يشفين


عناصر المادة
الابتلاء بالمرض
أهمية العلاج الإيماني والنفسي للمريض
دوافع وبواعث الصبر على المرض
مفهوم الصبر على المرض
وسائل الصبر على المرض وعلاجه
أجر العبادة حال الضعف والمرض

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:

الابتلاء بالمرض

00:00:17

 فإن الله خلق الموت والحياة ليبلونا، وخلق  الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد: 4]، منذ أن يكون في بطن أمه وهو يتدرج خروجاً وغذاءً وتقلباً في الأطوار المختلفة: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ  [الإنشقاق: 19].
ومن الابتلاءات في هذه الحياة: المرض، وقد قال إبراهيم وهو يثني على ربه : الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: 78 - 80].
من الذي يُمرض؟
الله -تعالى-، فهو الذي خلق ويهدي، ويطعم ويسقي، ويمرض ويشفي، لكن إبراهيم تأدباً مع ربه ، ولأن موضوع المرض هذا يُنظر إليه على أنه شر، فإنه ما قال: يمرضني ويشفين، قال: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: 80].
والمرض بحد ذاته ينظر إليه الناس على أنه مصيبة، وهذا صحيح؛ فإنه بلاء:لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ[آل عمران: 186]،  الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ [البقرة: 156]،  وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ [البقرة: 155].
النقص من الأنفس المرض داخل فيها.
وهذا المرض إذا نزل بالإنسان فهو قضاء من الله، مكتوب قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
إن تصور هذه الحقيقة مهم جداً للمرضى؛ فإن المريض إذا علم أن هذا شيء مكتوب ومقدر، وأنه عند الله في اللوح المحفوظ كان مسطوراً من قبل أن يخلق هو، بل من قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؛ فإنه سيقول إذا مرض: هذا إذًا قضاء مكتوب ولا بد من حصوله، وهكذا أراد الله، فإذًا لا مناقشة في قضية: لماذا كتب؟
لأن الله -تعالى- لا يسأل عما يفعل، والناس يسألون.

أهمية العلاج الإيماني والنفسي للمريض

00:02:59

 ثم هذا المريض يحتاج إلى معالجة نفسية قبل المعالجة الدوائية، ومعالجة قلبية قبل المعالجة المادية.
وهذه المعالجة -أيها الإخوة والأخوات- مهمة جداً، بل إن هذه المعالجة القلبية النفسية إذا تمت فربما تغني عن كثير من العلاجات، بل إنها تنفع حتى لو ما نفعت العلاجات المادية، ولو لم يتحسن مستوى المريض من الناحية الجسمية، لكن ممكن يتطور كثيراً من الناحية القلبية والنفسية؛ بحيث يصبح بعد هذه المعالجات القلبية النفسية ربما أحسن حالا مما كان عليه قبل المرض، مع استمرار العلة واستمرار المرض.
ومن هذه المعالجات: معالجات شرعية، وبعض الناس ربما إذا انطلق في العلاج النفسي أحياناً تجد كلاماً من جملة الاسترخاء وأخذ النفس العميق، وتخيل كذا، محاولة نقل المريض من الجو النفسي، الجو المكروب الذي يعيش فيه إلى جو أنا أقول: ملهي، لكن ليس معالجاً، يعني يشعرونه بأشياء، لكن هذا الإشعار قد يكون وهماً، يزول بعد مدة ويرجع مرة خرى إلى الكرب الذي كان فيه.
العلاج الإيماني القرآني النبوي، العلاج الإسلامي الشرعي للقلب والنفس للمريض ينطلق من أشياء كثيرة، هي عملية استحضار، وشعور، هي عملية إحساس، هي عملية تذكر، تأمل تدبر تفكر، لكنها تقود إلى نتائج باهرة في النفس والقلب؛ فمثلاً: كيف نحول محنة المرض إلى منحة ونعمة؟ وهذه عملية مهمة جداً، لو المريض اقتنع أن هذا المرض نعمة تتغير عنده أشياء كثيرة حتى جسمياً، وكيف يستفيد من المرض؟
الآن الرسول ﷺ وصف لنا الكافر بأنه كالبعير عقله أهله ثم أطلقوه، فهو لا يدري لم عقلوه؟ ولم أطلقوه؟
المؤمن إذا مرض يختلف حاله تماماً، إذا مرض فقد رُبط عن الحركة، والتصرفات العادية في الحياة التي كان يعملها قبل المرض ولا يستطيع يعملها الآن بعد المرض أو خفت، فإذا شفي أطلق من المرض.
المسلم يعرف أشياء كثيرة في الأسباب التي من أجلها عقل ورُبط عند مرضه، وكذلك عند إطلاقه من المرض وشفائه، أما الكافر لا يدري لما عقلوه، ولا يدري لما أطلقوه.

دوافع وبواعث الصبر على المرض

00:06:30

 فدعونا الآن ننطلق في موضوع هذه العلاجات النفسية، ننطلق من بعض ما ورد في القرآن والسنة بهذا الشأن، ما هذه المعالجات الإيمانية لموضوع المرض؟ ما هي المعالجات النفسية والقلبية للمرض؟
أولاً: استخراج عبودية الضراء؛ فإن الله -تعالى- يبتلي بالسراء وبالضراء، بالسراء لنشكر، وبالضراء لنصبر، ولذلك فإنه يستخرج هذه العبودية من خلقه، يعني: لماذا أمرضك الله، لماذا أمرضك ربك؟
لأجل أن تعبده بالصبر، ففتح الله لك مجالاً للعبادة جديداً، ربما لم يكن عندك أيها المريض سابقاً عندما ابتلاك لكي تصبر فتؤجر، والنبي ﷺ قال: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيراً له [رواه مسلم: 2999].
إذًا، فيه خيرية تحصل الآن للمريض والمريضة من جراء المرض عبر تعبد الله بالصبر على هذا الابتلاء وهذه الآلام، وهذه النازلة التي نزلت به.
ثانياً: المرض هذا وإن كان شراً من وجه، لكن فيه خيرات عظيمة من جهات أخرى، ومنها: تكفير الخطايا، فالنبي ﷺ يقول: ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن حتى الهم يهمه، إلا كفر به من سيئاته [رواه مسلم: 2573].
فإذًا، التعب والمرض هذا الوصب والنصب، وكذلك الآلام النفسية، والآلام البدنية إلا كفر الله بها من سيئاته.
إذاً، المسلم بالنسبة له المرض ما هو شيء حصل بدون مقابل، ليست آلاماً بدون مقابل، إنها آلام بمقابل عظيم تكفير السيئات، وهذا ينفع جداً يوم الدين، يوم الموازين عندما تنصب عند رب العالمين: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء: 47]، وقال: فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة: 6 - 9].
وحتى يدخل الميزان لا بد أن تكون الحسنات كثيرة، والسيئات أقل، وإلا ذُهب به إلى أمه الهاوية جهنم، هذا المرض يكفر من السيئات ما لا يعلمه إلا الله فتثقل موازين العبد يوم القيامة.
ثالثاً: كتابة الحسنات، فإن العبد إذا صبر في المرض ليس فقط تكفر عنه سيئاته، وإنما يعطى حسنات على العبادة، يعني: لا بد أن يدرك المريض أنه يقوم بعبادة الآن عظيمة وهو في المرض، وهي: الصبر على الابتلاء، وعدم الجزع، والاستسلام لأمر الله، والرضا بالقضاء، هذه عبوديات كبيرة جداً يقوم بها الآن فيؤجر، وتزاد حسناته.
رابعاً: أنه كلما زيد في ابتلائه زيد في ثوابه؛ فإذاً، الأمراض تتفاوت، والآلام تتفاوت، وكلما زاد الألم زاد الأجر، فهو لا ينظر إلى زيادة الألم على أنها كارثة فقط، وإنما ينظر على أنه انفتح بها مزيد من الأجور والحسنات، حتى قال النبي ﷺ:  يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرضت بالمقاريض [رواه الترمذي: 2402، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 1570].
المقاريض لو واحد مسك مقاريض جلس يقرض في الجلد هذا، كيف والأعصاب كل الإحساسات هنا في الجلد، بمعنى الآلام الرهيبة الموجود في قرض الجلود بالمقاريض.
إذاً، هذه الآلام التي تأتي في كل الجسم، وهذه الأشياء المبرحة التي تطيش بالعقل، يطيش معها العقل أحياناً، هذه فرصة كبيرة لتفاوت ما بين هؤلاء العباد يوم القيامة، يعني هذه ميزات، مثل أن نقول: نعطيك ميزات كذا وكذا من الأشياء المالية مادية، هذه ميزات يوم القيامة.


خامساً: إنها سبيل عظيم للنجاة من النار؛ فقد قال النبي ﷺ للصحابي الذي كان يعاني من الحمى والسخونة الشديدة:  أبشر إن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا ليكون حظه من النار في الآخرة [رواه ابن ماجه: 3470، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 32] الكافر والغافل والجاهل عندما يُصاب بالحمى والسخونة الشديدة فهو يتلوه من السخونة ويشتعل، لكن لا يحس أن لهذا مقابلاً، ولا أن لهذا فائدة، بينما المسلم لما يُصاب بالحمى وهو في الحمى يُحس الآن أن هذه بدل تلك؛ لأنه قال: أبشر إن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا ليكون حظه من النار في الآخرة ، وهذه كلمة: أبشر  مفيدة للأطباء الذين يعودون المرضى، والمفترض أن الطبيب المسلم وهو يعود المريض، أو في جولة الساعة الثامنة صباحاً وهو يطوف في العنبر، أنه يحتسب الآن أجر عيادة مريض، والمشوار هذا بسبعين ألف ملك يدعون له صباحاً ومساء عندما ينوي أجر عيادة مريض وليس فقط عندما ينوي أجر عيادة مريض وليس فقط بالمهمة الروتينية في الطوفان على المرضى.
سادساً: رد العبد إلى ربه، وتذكيره بمعصية، وإيقاظه بغفلته؛ فإن العبد إذا مرض واشتد به المرض، يقول: أنى هذا؟ لماذا أصابني؟ من أي شيء أصابني ؟ مما أصابني؟ قال: قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران: 165]، فيقال له: بذنبك؛ لأن الله -تعالى- قال: وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ [النساء: 79].
إذاً، هنا الإنسان في غفلة وهو في حالة الصحة، إذا مرض يبدأ يتساءل كلما اشتد المرض: من أين هذا؟ ما الذي فعلته حتى أصابني؟ فيبدأ يفكر ويحلل، ويخرج بنتائج، يقول: أنا أصابني بمعاصي، ما هي المعاصي؟ متى فعلتها؟ كم هي؟ ويبدأ يحاسب نفسه، وبالتالي يتفطن لسبب الابتلاء هذا الذي أصابه، فيرجع إلى مولاه بالتوبة، والأوبة، وينطرح بين يدي ربه ملتمساً العفو، راجياً المغفرة، يعاهد ربه على التوبة، وأنه إذا قام من المرض لا يعود إلى هذا العصيان، وكم من أناس تغيرت مسيرتهم في الحياة بسبب المرض، ولولا المرض ما تغير بل ازداد عتواً ونفورا.
سابعاً: أن المرض هذا شهادة تزكية للمريض عند الله، المريض المحتسب بأنه مؤمن، لماذا؟
لأنه قال في الحديث الصحيح: يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان صلب الدين اشتد بلاؤه [رواه أبو داود: 212، وأحمد: 1555، وصححه الألباني في ].
 إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم [رواه الترمذي: 2396، وابن ماجه: 4031، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 1566] فهو يقول: لعل الله يحبني فأمرضني، لعل ديني فيه ما يتحمل مثل هذا فقدر علي، فهي في الحقيقة منحة ربانية.
ثامناً: التوجه إلى الله بانتظار الفرج، وهذا نوع من العبادة، فهو الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده، ويمنعه من اليأس، وما الذي يجعل بعض الناس يصابون بانهيارات نفسية؟ ما الذي يجعل بعض الناس يصابون بانهيار نفسي عندما يعلم مثلاً: أن معه مرض السرطان، عند إخبار المريض أن معك مرض السرطان؟ ما الذي يحدث؟ انظر إلى وجوههم وصفحاتها وقسائمها، وما تحمله من تعبيرات عند إخبار هؤلاء بأنهم أصيبوا بهذا المرض.
فأما الغافل الجاهل البعيد عن الله فإنه يحبط، ويصاب بانهيار نفسي، وربما ييأس، وأنه لا أمل له بالشفاء، ويقول: الآن أنا انتظر الموت البطيء.


الإنسان المسلم نفسه قوية، ويعلم بأن الله يفرج ويشفي وهناك أمل: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ [الحجر: 56]، إلا القوم الكافرون.

يا صاحب الهم إن الهم منفرج *** أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه *** لا تيأسن فإن الكافي الله
إذا ابتليت فثق بالله وارض به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله

وهكذا فهو لا يزال يرتجي الفرج من ربه بلا يأس، وهو يعلم أنه لو شُفي من هذا المرض فهو يرجع إلى الله وإلى الطاعات ويعمل المزيد، ولذلك الحياة خير للمؤمن؛ لأنه يزداد بها خيراً، اللهم اشف عبدك، ينكأ لك عدواً، ويمشي لك إلى الصلاة  [رواه أحمد: 6600، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1365] النبي ﷺدعا لهذا المريض المؤمن أن يشفيه الله حتى يقوم ينطلق في نصرة الإسلام ويجاهد في سبيل الله، ينكأ له عدواً، أو يمشي لك إلى صلاة  فتشهد الأرض لما يعمله عليها من الخير.
تاسعاً: أن يعرف العبد بالمرض مقدار نعمة الله عليه، وهذه الصحة ما موقعها؟ فإنه لا يعرف الصحة إلا من فقدها، ولا يشعر بها إلا من حُرمها، فهذا إذا رجع بعد المرض يرجع وهو عارف قيمة الصحة، مدرك؛ لأن هناك غفلة مستولية على عقول الكثيرين، فأنت إذا قلت له: أنت في صحة؟ قال: أدري ما جئت بجديد، يقول: أنت تمشي؟ يقول لك: عارف، أنت تبصر؟ يقول: ماذا؟ أنت تمد يدك تتناول ما شئت وتأكل ما شئت، يقول: ما أخبرتني بجديد، بديهي طبيعي، لكن ماذا وراء هذا التذكير؟ تعريفه بنعمة الصحة، هذا يعرفه جيداً عندما يمرض، ولذلك لما نقول الفوائد هذه منطلقة من قوله تعالى:  وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ [البقرة: 216]، وعندما تقوى نفسية المريض تزداد احتمالات الشفاء، وهذا أمر معروف، والأطباء الأذكياء يهتمون بنفسية المريض جداً، ويبعثون عنده التفاؤل.
نعم صحيح نحن ما عندنا علم بقضية القدر، وكم عمره؟ كم سيمتد؟ وكم سيعيش؟ لكن نفسوا له، يعني: ينبغي على من يعود المريض أن يكون حكيماً من هذه الجهة، وربما فعلاً الله يمد في عمره، يعني: أنت الآن لما تقول له: إن شاء الله ستتغلب على المرض، وستشفى بإذن الله، وستعيش، وستنجب، وسيكون..، هذا الكلام أنت لا تجزم به أنت تتفاءل له لكن ما عندك جزم بالعكس أيضاً، أنت ما عندك جزم أن هذا خلاص قطعاً سيموت، ولن يفعل شيئاً، ما تدري، قد يشفيه الله فجأة، وهل هذا بمستبعد على الله -عز وجل- أن يشفيه فجأة مهما كانت المؤشرات في الأجهزة، والتحليلات، والفحص السريري؟
الجواب: كلا، قد يُدهش الأطباء.
ولو كنتُ في هذا المستشفى لربما فكرت جيداً بإحصاء الحالات التي أدهشت الأطباء.
هذا المستشفى تحديداً؛ أنا في ظني والله أعلم فيه عجائب وغرائب، المستشفى التخصصي، مجمع أمراض السرطانات والأمراض الخطيرة، أنا أظن أنه كل سنة في حالات تُدهش الأطباء؛ فإن جمع هذه الحالات يزيد الطبيب إيماناً، ويزيد المريض فألا حسناً، أما الذي يتعامل مع المرضى بعدم المبالاة، بل أحياناً بطرق منفرة وسيئة كما يقع للبعض، وواحد من هؤلاء يعني: الجهلة المغفلين دخل على واحد مريض ومعه أهله، كان يريد أن يقول شيئاً، وبعض الناس ليته لا يقول؛ لأنه لا يحسن الكلام، وبعدين لما يموت تعلمونا، ما هو مثل هذاك الذي مات وما درينا عنه، فبعض الناس ليته سكت، ليته ما يتكلم أحسن؛ لأن كلامه مرض، هو كلامه يزيد المرض.


ولذلك على عائد المريض واجبات عظيمة، وحتى بعض المرضى يمكن أن يربي عائد المريض، انظر بعض المرضى من قوة يقينه بالله تجده هو الذي يعزي ويسلي، ويخفف عن الذي يعوده، بحيث أن عائد المريض يخرج من عند المريض وقد زاد إيمانه، فيقول: والله وجدنا نفسية عظيمة، ومعنويات عالية، وكلام يزيد الإيمان، من المريض.
الشافعي لما دخل عليه صاحبه، قال: لا تغفل عني فإني مكروب، اقرأ علي من آل عمران؟ يعني: يقصد ما لقي منه النبي ﷺ وأصحابه في معركة أحد، والمصائب المذكورة في الآية، حتى يخفف عن نفسه، يعني: إنه إذا فكر النبي ﷺ وأصحابه وأصابهم سبعين قتيلاً، والجراحات والمصيبة التي حصلت، وكذا..، فيتسلى بهذا ويخفف عن نفسه المصاب بذكر المصيبة الأكبر، وهي مصيبة الإسلام، والنبي  والصحابة الكرام في غزوة أحد، آيات سورة آل عمران، قال له: لا تغفل عني فإني مكروب.
-طبعاً- من المعالجة النفسية أنك لما تدخل عليه تبشره، وحتى لو كان في سياق الموت؛ فأنت تحسن ظنه بربه، تحسن له الظن بالله، وأن الله رحيم، وأن الله يغفر، وأن الله يأجر، وأن الله يعطي، ويمنح، وكله خير، وتذكره:  وَاذْكُر رَّبَّكَ  [الكهف: 24].
عاشراً: أنه يكتب له مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً وإن لم يعمل؛ لأنه ﷺ قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً [رواه البخاري: 2996]، وهذه ميزة أن الإنسان يكتب له في حسناته الصحيفة أشياء ولا يعملها، وهذه فائدة أن يكون الإنسان قبل المرض على خير، حتى إذا مرض كتب له الخير الذي كان يعمله.
إن هذه الأمور العشرة تدفع العبد المريض، والمرأة المريضة للصبر.

مفهوم الصبر على المرض

00:26:57

 وهو عبارة عن ثلاثة أشياء:
1- حبس النفس عن الجزع.
2- وحبس اللسان عن الشكوى للخلق.
3- وحبس الجوارح عن فعل ما ينافي الصبر، كتقطيع الشعر، وشق الثوب، ونحو ذلك.

وسائل الصبر على المرض وعلاجه

00:27:21

 فإن قال المريض: فما الذي يعينني على الصبر؟
إن الآلام شديدة، إن وضعي أنت لا تحس به، أنا في الأزمة أعاني، لكن أنت يدك في الماء الباردة.
فاعلم -أيها الأخ، أيتها الأخت- أن هناك أشياء يستمد بها العبد قوة للصبر؛ ومنها: أن هذا مقدر مكتوب: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا [التوبة: 51]، وقد سبقت الإشارة إلى هذا.
ثانياً: أن تتيقن أن الله أرحم بك من الوالدة بولدها، وأن الله -سبحانه وتعالى- كتب عليك المرض رحمة بك، لهذه الفوائد التي تقدمت، وأن تعلم أن الله اختار لك المرض، ورضيه لك، وقدره عليك، وهو أعلم بمصلحتك من نفسك، فإن المريض لو قيل له: ما هي مصلحتك؟ قال: أن يزول المرض فوراً وأقوم، وما يدريه؟ قد تكون المصلحة أن يبقى معه المرض إلى مدة، ويتقلب في رياض الحسنات، وتكفير السيئات، بدلاً من العودة إلى حال الغفلة والمعاصي، وأن تعلم أن الله أراد بك خيراً.
الواحد لما تقول له: اصبر، وهو مريض الآن يئن ويتوجع، لما تقول له: اصبر، يقول يعني: كيف أصبر؟ وما الذي يخليني أصبر؟ وما الذي يصبرني؟
فتقول: يا أخي اصبر؛ لأن هذا مكتوب ولازم تستسلم لأمر الله، اصبر لأن الله رحمك بالمرض، اصبر لأن الله يعلم مصلحتك بهذا المرض، اصبر لأن الله ما اختاره لك إلا وفيه فائدة: من يرد الله به خيراً يصب منه [رواه البخاري: 5645] يعني: يبتليه بمصائب، وهذه المصائب لعل الله أراد بك خيراً، ولعل الله -تعالى- يريك من محبته لك بهذا المرض، وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم.
فأما الغافل الجاهل يقول: أنا غني عن هذه المحبة، وهذه كلمة ممكن يكفر بها ويخرج عن الإسلام.
وأما المؤمن فإنه إذا قيل له ذلك استبشر: بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 58].
فإذا أحس أن الله ابتلاه لعله لمحبته له فيستبشر وترتفع معنوياته، وتتحسن نفسيته.
وكذلك يصبر العبد على هذه الآلام والأمراض إذا علم أن هذه الدار فانية، ولذلك بعض المرضى يقول: خلوني أموت، يعني: من شدة المرض، لا تقل هذا إن كان الخير في الموت سيأتي به الله، وإن كان الخير في الحياة والشفاء سيأتي به الله، وهذا معنى أن الواحد يستسلم لأمر الله، وحيثما يريد الله أن يوجهه، وحيثما يريد أن يكتب ما يريد أن يكتب له عز وجل فليكن.
إن هذه النفسية المستسلمة لأمر الله نفسية صبورة، والله أعد لعباده الصابرين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.


في حديث لو تأمل فيه هؤلاء المرضى -إخواننا وأخواتنا- لربما أنساهم على الأقل في لحظة التأمل في الحديث ما يعانون منه:  يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة  أنعم واحد، أكثرهم قصوراً ورياشاً وأثاثاً ومتاعاً وأموالاً ونعيماً، ولذة ونساءً، وأولاداً وصحة وقوةً: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة غمسة  ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط، هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما رأيت نعمياً قط، ولا مر بي لذة قط، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة  الفقير الضعيف المظلوم المريض، المحروم الذي ذهب أولاده، واحترق بيته، وحصل ما حصل عليه من المصائب العظيمة جداً، ويمكن مات موتاً بطيئاً، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط، هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط حديث صحيح [رواه مسلم: 2807].
إذاً، لهذه الدرجة الواحد يوم القيامة يعني: من هؤلاء الناس الذين، أنا مررت بردهات هذا المستشفى من مدة يسيرة، دخلت في ردهات هذا المستشفى، في مناطق فيها أصحاب أمراض خطيرة، وأرى هذا شبه مغمى عليه وعنده واحد يقرأ عليه القرآن من أقاربه، والأجهزة والناس، والاجتماع عليه، وهذا يئن وأسمع صوت الأنين، الألم للمرض، هذا الأنين وهذا الألم بعضه شديد يقطع قلوب أصحاب القلوب الرحيمة، يعني: إذا سمع يصاب الواحد هو نفسه ربما يصاب بالاكتئاب من هذه الأشياء، لكن إن هذه الأمور، خصوصاً في القضايا التي مالك فيا حل، يعني تأتي تقول: اقرأ بالله على هذا، ماذا فيه؟ ماذا قصته؟ يقول: هذا أصيب بالمرض الخطير، ولا نقول: الخبيث.
وكان شيخنا محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- ينكر هذه الكلمة، يقول: لأجل أن لا يمس فعل الله بأي شيء، ولو قال: إن هذا خبيث، وإنما نقول: المرض الخطير، حتى لا يتوهم أن أفعال الله شر من جميع الجهات، بل فيها خير من وجوه وإن غابت عنا.


-طيب- هذا الآلام هذه التي تحصل يقول: ماذا فيه؟ تقول: مرض، وأتينا به هنا، قالوا: هذا العلاج، رحنا ألمانيا قالوا: هذا ما في حل، رحنا أمريكا قالوا: ما في حل، الذي في أمريكا قالوا: لا تضيعوا فلوسكم، ارجعوا لبلدكم وخذوا مريضكم وعندكم في البيت إن ارتفعت الحرارة جداً ودوه المستشفى، وردوه، أو خلوه في المستشفى خلاص يعني، الآن في الظاهر أسباب النجاة في الدنيا مغلقة، الطرق مسدودة، وهو يتألم، وأهله يتألمون معه، والعائلة كلها في كربة نتيجة وجود هذا الذي يتألم أمامهم، لكن ما الذي يجعل الواحد نفسيته تتغير؟
تقول: هذا يمكن الله أراد به خيراً عظيماً، لعله خير عظيم لهذا الرجل، لعله كذا، لعله كذا، وهو يفكر من هذه الجهة أيضاً، ولو جاء الموت وأنا على عقيدة صحيحة راضٍ بقضاء الله وقدره، مسّلم أمري لله، صابر على قضاء الله، هذا مهم جداً يأتي الموت على هذه الحالة، فليأت وماذا يعني، ما هو الواحد سيموت يعني عاجلاً أو آجلاً، يعني: الموت سيأتي، صحيح نحن لا نريده أن يأتي الآن ولا نتمناه، ولا ندعوا على أنفسنا به، ونتمنى الشفاء وطول العمر، لكن لماذا فقط لنستمتع بالدنيا ونتلذذ بها؟ أو أننا نريد لكي نزيد عبادة لله ونزداد أجراً وثواباً؟
وهذا يمكن المريض الآن يمكن الذي حانت ساعة وفاته قد يكون الله كفر خطاياه، فلو مات الآن فلا حزن، ولا عليه خطر بعدما غسله ربه بهذا المرض، ولذلك ممكن يطلع المريض إلى الجنة، والأصحاء من حوله يذهبون إلى النار.
ومن الأشياء التي تعطي القوة على الصبر النفسية: أن يتأسى ويتسلى بمن هو أشد بلاءً منه، ويعني في غالب الأمر ما في واحد مريض إلا ويمكن تريه مريضاً أشد حالاً منه، وتقول له: انظر إلى فلان، الآن أنت الآن تعاني من كذا وكذا، وفلان معه زيادة فشل كلوي، وكذا في الكبد، وكل واحد أشد، وحالات بعضها أشد من بعض، ولذلك النبي ﷺ قال: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم  يعني في أمور الدنيا، لماذا؟ قال: فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم [رواه مسلم: 2963]، حتى لا يحصل ازدراء النعمة، ولذلك تنظر إلى من هو أسفل منك، في المال، في الصحة، في الأولاد، في الوظيفة، في المنصب.. إلخ..، انظر إلى من هو أسفل منك، وقل: الحمد لله أنا أحسن من غيري، الحمد لله أنا فيني مرض غيري فيه سبعة أمراض.


ويقولون لك: فلان يريد يموت ما هو عارف كيف يموت؟ يعني: من كثرة الأمراض، لكن أصلاً هذا الموت ما هو بيد المريض ولا بيد الطبيب، يعني: إذا أراد الله له الحياة سيعيش، وإذا أراد له الموت، ما هو الآن موت الفجأة، ما فيه شيء تماماً ويموت فجأة، كثرة موت الفجأة من أشراط الساعة.
كل هذه العوامل -أيها الإخوة- يرزق بها هذا المريض وهذه المريضة ثباتاً على الدين، ويقيناً بالله، وصبراً على المرض:  وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ [البقرة: 155 - 156]، أصلاً الكلمة هذه لا بد أن يعرف معناها؛ لأن بعض الناس يقولها عادة وليست عبادة، ولا يفقه ما فيها من المعاني الجليلة.
 إِنَّا لِلّهِ [البقرة: 156] هذه لام الملك،إِنَّا لِلّهِ يعني: الله يملكنا، نحن ملك لله، يمرضنا يشفينا، يفقرنا يغنينا، يعطينا أولاداً، يحرمنا، يميتنا، يخلينا أحياء، نحن عبيد لله، لا نملك أنفسنا،إِنَّا لِلّهِ هذه كلمة، إنا لله هذه فيها أشياء كثيرة من المعاني لمن تأملها.
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ [البقرة: 156] سنرجع.
فإذًا، نذكر أنفسنا بالمعاد وحشر العباد، وأن المرد إلى الله.
كان بعض السلف يقول: "لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس" [زاد المعاد: 4/176] يعني: أعمال ما في، نحن الآن كما يقولون على باب الله، لكن على ماذا؟
على هذه الابتلاءات التي تجيئنا ونصبر، فلعلنا بهذا الصبر يأتي يوم القيامة وعندنا رصيد، وإلا رصيدنا من غير هذه الابتلاءات هذه ضعيف جداً، قد تأتي العبادة قليلة، وكيف لو حصل فيها رياء؟ وكيف لو صار فيها عجب؟ وكيف لو صار واحد فينا يمن على الله؛ كأن يقول: أنا صليت لك، وصمت لك، وحجيت لك، وسويت..، وهذه كلها ما تجي شكر نعمة واحدة.
قال عروة بن الزبير لما وقعت الآكلة في رجله، لعلها الغرغرينة، قال: "اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت واحداً، وأبقيت ستة، وكان لي أطارف أربعة فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثة، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت، الناس الذي تفهم حقيقة معنى الإسلام والدين والقرآن، هذه عباراتهم، مع الابتلاء الذي يحصل له يقارن، هذا عروة مات له ولد: "اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت واحداً، وأبقيت ستة" يعني: لا زلت متنعماً، لا زلت مع ستة ولو راح واحد، "وكان لي أطراف أربعة" يدان ورجلان، فأخذت طرفاً بالغرغرينة، قُطع، "وأبقيت ثلاثة" الحمد لله، "ولئن ابتليت لقد عافيت" يعني قبل الابتلاء أنا في عافية، وبعد الابتلاء أنا في عافية في أشياء أخرى، في عافية الدين، "ولئن أخذت لقد أبقيت" [البداية والنهاية: 9/120]، ثم نظر إلى رجله في الطست بعدما قطعت، فقال: "إن الله يعلم إني ما مشيت إلى معصية قط" هذا الفخر.


وأحياناً سبحان الله! يؤتي البلاء مطبق من جهات متعددة، بحيث تتوالى الابتلاءات بشكل مدهش، جاء واحد من بني عبس كفيف البصر إلى أحد الخلفاء وجلس عنده عشية، فسأله عن حاله، قال: يا أمير المؤمنين لقد بت ليلة من الليالي وما في عبس" قبيلته، "رجل أكثر مني مالاً وخيلاً وإبلاً وولداً ولا أعزهم نفراً، وأكثرهم جاهاً" في تلك العشية في ذلك اليوم أنا سيد القبيلة أكثرهم نعماً، يعني: بهيمة الأنعام، وأموالاً وولداً، وأنا في عز ومنصب وسلطان وجاه مادي ومعنوي، قال: فجأة "فطرقنا سيل" –طبعاً- البادية المجتمعين هؤلاء إذا جاء السيل لك أن تتصور؛ لأنه يأخذ كل شيء في طريقه، "فطرقنا سيل فذهب بالأهل والولد والمال، ولم يبق لي إلا غلام ولد حديثا، وبكر شرود" جمل لكنه من النوع الذي يريد الهروب والشرود، ولد الناقة الصغير "فاتجهت للصبي وحملته، ثم لحقت بالبكر الذي ند وهرب، ولما عجزت عن اللحاق به"؛ لأني أنا شايل الصبي كيف ألحق الجمل؟ "فوضعت الصبي في الأرض وسرت وراء البكر ألحق به، فسمعت صراخ الصبي، فلما رجعت إليه وجدت الذئب قد افترسه، فلحقت بالبعير ولما أمسكت به رمحني برجله على بصري فذهب، وألقاني على قفاي ولما أفقت" في لحظات يعني، ذهب كل شيء، بهذا التدرج المأساوي، فأصبحت صفر اليدين، لا بصر في عيني ولا ولد ولا أهل ولا مال، فحمدت الله على ذلك.
وأحياناً إذا البلاء استحكم بالعبد، يعني يصبح مندهشاً من قضاء الله لهذا المتتابع مما يجعله يسلم.

فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها  *** صبر الكريم فإن ذلك أسلم
وإذا ابتليت بكربة فالبس لها  *** ثوب السكوت فإن ذلك أسلم
لا تشكون إلى العباد فإنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم


فإن قال قائل: الآن البلاء نزل والمرض حصل، ماذا المقصود بالاستسلام؟
يعني: أن الواحد لا يعمل شيئاً لرفع المصيبة، لا يعمل شيئاً لمعالجة الوضع، لا يعمل شيئاً لتحسين الأحوال؟
الواجب: لا، بل يعمل، إنه سيعمل أشياء كثيرة، ومنها: اليقين بالله الذي يؤدي للشفاء:وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82]،سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق: 7]، وهذا الشفاء لا بد أن يعلم المريض أنه من الله، قال إبراهيم:فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء: 80]، وهذا معناه: أنه لا يشفي إلا الله.
وقد جاء في الحديث الصحيح: اللهم رب الناس أذهب الباس، اشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما[رواه البخاري: 5743] يعني لا يترك مرضاً، فالشافي هو الله، والشافي من أسماء الله الحسنى، والتسمية بعبد الشافي تسمية صحيحة.
إنه شفاء للنفس، وشفاء للبدن، الشفاء المعنوي شفاء القلوب من الشبهات أعظم نعمة من شفاء الأجساد من الأمراض، وكلاهما مطلوب:ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء [رواه البخاري: 5678] يعني: حتى هذه الشبهات الفكرية القلبية التي تلقى في القلب.
وأيضاً فإن شفاء النفس حتى هذه الأمراض النفسية من العين، من السحر، من الاكتئاب الشديد الحاد المزمن.
ابتلاء شديد، واقع بالإنسان، فالله -عز وجل- جعل له شفاءً، ما في شيء، ما في مرض، ما في علة ما لها شفاء، وهذا من رحمة الله:يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ[يونس: 57]، فهذا يشفي من الشبه والشكوك والشهوات، وهذه بلايا عظمى، وأعظم من بلايا الجسد، لكن أكثر الناس لا يعقلون، فيظن أن السرطان أسوأ من مرض الشبهات، مع أن مرض الشبهات أسوأ من مرض السرطان، مرض الشبهات ممكن يجعل الواحد منافقاً وزنديقاً وكافراً، وملحداً، وخارجاً عن ملة الإسلام، وتزل قدم بعد ثوبتها، مرض الشبهات أخطر من مرض السرطان بلا شك.
على أية حالة: القرآن شفاء للجميع:وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82]، فهذا شفاؤه لأمراض القلب، وأمراض الشبهات والشهوات، والعلل النفسية، وأمراض البدن؛ كما جاء في الفاتحة في حديث أبي سعيد لما مرو برجل قد لدغه عقرب، لسعته عقرب، فرقاه بسورة الفاتحة سبع مرات، قرأها عليه، فقام بأمر الله ما به شيء، ولا كأنه اشتكى شيء [رواه البخاري: 2276، ومسلم: 2201]، إنها رقية وقراءة من قلب من مؤمن من ذلك الصحابي بشيء عظيم؛ أعظم سورة في القرآن بهذا العدد الوتري سبعاً جعل الله في ذلك الشفاء، قام وما به شيء.


 وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ  [الشعراء: 80] تضمنت هذه إسناد الشفاء إلى الله، ولكل داء دواء، بقي أن يعلمه من يعلمه، بعضهم يروح للهند، ويروح لأقصى الدنيا يبحث عن العلاج، وينبغي أن يكون عندنا دافع في البحث عن العلاجات الإيمانية أكثر من العلاجات المادية، فإذا كان الواحد يشفى قلبه بالرجوع إلى عالم أو طالب علم، أو واعظ، ينبغي أن يحرص على ذلك أكثر من قضية الذهاب إلى ألمانيا للبحث عن علاج لهذا المرض، أنا أقصد أن نهتم بالأمرين جميعاً، لكن أمراض القلب أخطر.
ثم هناك الأدعية النبوية: اللهم رب الناس أذهب البأس اشفه وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً [رواه البخاري: 5743].
 ضع  يدك على الذي تألم من جسدك، وقل: بسم الله، ثلاث مرات، وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر [رواه مسلم: 2202].
 ما من عبد مسلم يعود مريضاً لم يحضر أجله فيقول سبع مرات: أسال الله العظيم رب العرش العظيم، أن يشفيك إلا عوفي [رواه أبو داود: 3106، والترمذي: 2083، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 1553].
قال ﷺ: لا رقية إلا من عين أو حمة [رواه البخاري: 5705، ومسلم: 220] يعني: أولى ما رقي منه الشخص: العين، وهي الإصابة بالعين المعروفة من حاسد أو من غيره.
والحمة وهي لسعة العقرب، وما شابه العقرب من ذوات السموم.
فالرقية تنفع جداً فيه، وقال ﷺ: ماء زمزم لما شرب له [رواه ابن ماجه: 3062، وأحمد: 14849، وقال الألباني: "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 1165].
وقد جرب الناس أموراً عظاماً في الاستشفاء بماء زمزم، قال ابن القيم: "ولقد مر بي وقت بمكة سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بها آخذ شربة من ماء زمزم، وأقرأها عليها مرارا" أقرأها يعني: الفاتحة، "عليها" يعني: ماء زمزم، الشربة "مراراً" يكرر "ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التام ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها بسورة الفاتحة غاية الانتفاع" [زاد العاد: 4/164].
وذكر الإمام تقي الدين الفاسي في كتابه: شفاء الغرام: "أن أحمد بن عبد الله الشريفي الفراش بالحرم الشريف بمكة شربه للشفاء من عمى حصل له، فشفي منه" [شفاء الغرام: 1/338].
وتجارب الناس المؤمنين مع ماء زمزم كثيرة، وشفاؤها حتى في السرطانات، وقد كتب في ذلك الكتب، وجمُعت القصص من أناس احتار الأطباء في أمورهم، وعجزوا عن علاجهم، وسافروا شرقاً وغرباً حتى رجع يائساً، فقيل له: زمزم، فأخذها يقرأ عليها الفاتحة ويشرب، ويقرأ ويشرب، ويقرأ ويُغسل بها.
-طبعاً- قد يقول واحد: جربنا ما استفدنا؟


يمكن العلة في كلمة ماذا؟ جربنا، يعني: ما أخذها بيقين ، لو أخذها بيقين أن فيها الشفاء، وفيها العلاج فلربما رأى أثرها واضحاً.
بل إن هناك بعض الكفرة قد شفاهم الله بها، الذي قرأ عليه أبو سعيد الخدري سورة الفاتحة سبع مرات وشفي كان كافراً، لكن أحياناً الرقية تؤثر بقوة إيمان الراقي، والماء الذي قرئ في هذه الرقية، والفاتحة هذه أعظم سورة في القرآن، لكن من الذي يقرأ هل هو من قلب غافل لاهٍ، بعض الناس يقرأ لكن لاهٍ، فلا تؤثر قراءته، وبعض الناس بسرعة ويتفل، ما عنده وقت يتفل، تفل بالنيابة عني، خذ هذا ماء زعفران حطه، وهذه آية الكرسي، يا أخي هذه القراءة أنت من قلب من قلب، ما هو أختام، ختم آية الكرسي بزعفران، والذي ما عنده وقت يتفل، يوكل واحد يتفل، لا، القضية الآن قضية إيمان، يعني: الواحد يقرأ من قلب حتى تؤثر، ولما يقول: إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام يعني: الموت معناه فيها شفاء قطعاً، ولما يقول:الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار[رواه البخاري: 5681] معناها هذه من أصول العلاج أيضاً ، وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا  [النحل: 68]، قال: شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ [النحل: 69]، والذي قال هذا رب المرض ورب المريض ورب الدواء ورب العسل ورب النحل، فإذًا هو العليم .
ولذلك لما جاء رجل قال: إن أخي استطلق بطنه؟ قال: اسقه عسلاً فسقاه ثم جاء فقال: إني سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال رسول اللهﷺ في الأخير: صدق الله وكذب بطن أخيك [رواه البخاري: 5684، ومسلم: 2217] سقاه فبرأ.
قد يكون الكمية التي أعطاه إياه أولاً غير كافية، والدواء معروف، يعني إذا ما وصل الجرعة إلى الكمية، الأطباء يقولون: إذا واصل الجرعة، ما وصلت النسبة المعينة في الدم ما راح يؤثر، لم يبدأ التأثير، فكذلك هنا.
وهذه الأشياء لا تمنع من أخذ الأدوية والحبوب الأخرى، وليست القضية فقط أن نقصر شغلنا على العطارين، أو أن نذهب إلى أشياء يعني مشكوك فيها، وفي بعض الناس قد يتعالج بالطب الشعبي أشياء تزيده مرضاً بسبب أن هذه الأشياء أو طريقة تناولها غير صحيحة، بل بعضها أشبه بالخزعبلات والشعوذة والخرافات، وليس لها في الواقع من أساس، ولذلك لما نقول: هذه أشياء الله -عز وجل- وهبها لنا في الحياة، يعني: الحبة السوداء والعسل والكي والحجامة التي دللنا عليها بالوحي، وإلخ..، القسط البحري، والعود الهندي، كما قد يعرفه البعض، هذه الأشياء هذه أصول معادن، يقول لك: هذا فيه شفاء كيف؟ أنت ابحث، ما المادة؟ استخراج هل هو مسحوق؟ هل هو يغلى، هل هو يشرب؟ هل هو يتبخر به؟ هل هو يحقن؟ هل هو يلد لداً، هل هو يستعط به؟ يحشى في الأنف، كيف الطريقة؟ وماذا المقدار والكمية، وهو مسلوق وإلا مطحون وإلا غير مطحون، هو حب صحاح أو مطحون، هذه مرجعها إلى تجارب البشر.
في الحقيقة -يا إخوان- الكلام هنا لا ينتهي في موضوع المعالجات النفسية للمريض المسلم، والتنفيس والمرض من كربات المرض:

ولرب نازلة يضيق لها الفتى *** ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

أجر العبادة حال الضعف والمرض

00:58:12

 وأوصي الإخوان من المرضى والأخوات المريضات بالحرص على العبادة، وأن العبادة في وقت الضعف أجرها عظيم، وعندما قال الله: وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ [النساء: 43]، يبين لنا قاعدة الطهارة، وأن للمريض أن يصلي قائماً فإن لم يستطع فقاعداً فإن لم يستطع فعلى جنب، كيف المريض يصلي؟ كيف يستقبل القبلة؟ وهذا كلام طويل لا وقت الآن لذكره، لكن قاعدة: أي شيء عجزت عنه -يا أيها المريض- يسقط، أهم شيء ما تؤخر الصلاة عن وقتها، عجزت عن الوضوء يسقط، عجزت عن الغسل يسقط، عجزت عن إزالة النجاسة عن البدن يسقط، عجزت عن إزالة النجاسة عن الثوب يسقط، صليت على فراش متنجس؛ لأنه ما عندك تغير الآن مثلاً تغير شراشف فوري ما تستطيع يسقط، ماذا تريد؟
عجزت عن استقبال القبلة يسقط، عجزت عن القيام في المرض يسقط القيام، عجزت عن القعود يسقط القعود، عجزت عن الإيماء حتى الإيماء لا تستطيع صل بغير إيماء، ما في شيء اسمه: ترك الصلاة، يعني: هذه من أهم الأشياء لأننا وجدنا من خلال أسئلة الناس أنهم إذا دخلوا المستشفيات ووضعوا له قسطرة البول ترك الصلاة، غلط عظيم هذا، يجب أن يصلي على حسب حاله، ما تيمم، ما في تيمم هذا اسمه صلاة فاقد الطهرين، ستصلي بغير ماء ولا تتيم.
نسأل الله أن يشفي إخواننا وأخواتنا ممن أصابهم الله بالأمراض، وأن يعافيهم، وأن يخفف عنهم، وأن يعجل ببرئهم، وأن يجعل ذلك كفارة وتطهيراً لذنوبهم، وأن يرفع بهذا المرض درجاتهم، وأن يزيد في حسناتهم، وأن يجعلهم بعد الشفاء خيراً مما كانوا قبل المرض، وأن يرزقنا وإياهم جميعاً التوبة والإنابة، وحسن الخاتمة، والله بصير بالعباد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.