الخميس 10 شوّال 1445 هـ :: 18 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أين الأدب؟


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أدب الأنبياء مع الله
الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم
أدب الإنسان مع الوالدين 
الخطبة الثانية
الأدب مع الإخوة والأخوات 
الأدب مع الكتب 

الخطبة الأولى

00:00:09

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

أدب الأنبياء مع الله

00:00:32

فإن الأدب من خصال الإنسان المسلم، أن يلزم الطريقة المرضية فيمن يتعامل معه، والمسلم له أدب مع ربه، وأدب مع نبيه ﷺ، وأدب مع الناس، وأدب مع نفسه، وقد كان النبي ﷺ في غاية الأدب مع الله تعالى، كما كان الأنبياء كذلك، فهذا آدم عليه السلام يقول: قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ سورة الأعراف23 فيعترف بالذنب ويندم على ذلك ويسأل ربه المغفرة، ولم يقل: رب قضيت عليَّ وقدرت وكتبت، فيحتج بالقدر على المعصية كما يفعل كثير من الجهال، وكذلك الخليل عليه السلام لما قال: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ *وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ سورة الشعراء78-80 ولم يقل: وإذا أمرضني فهو يشفين، مع أن الله هو الذي يُمرض وهو الذي يقدر المرض ويصيب به، ولكن حفظاً للأدب مع الله لم يقل يمرضني.

وكذلك كان أيوب عليه السلام يشكو حاجته لربه قائلاً: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ سورة الأنبياء83 ولم يقل طلباً معيناً، وإنما اكتفى بذكر حاجته ووصف حاله لربه، فكأنه يقول: عافني واشفني، ولكنه اكتفى بذكر الحال عند الله سبحانه وتعالى، والله أعلم به وهو البصير به.

الأدب من خصال الإنسان المسلم، أن يلزم الطريقة المرضية فيمن يتعامل معه، والمسلم له أدب مع ربه، وأدب مع نبيه ﷺ، وأدب مع الناس، وأدب مع نفسه

وكذلك هذا الخضر عليه السلام وهو نبي على الراجح، عندما جاء إلى السفينة قال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا سورة الكهف79، وأما في أمر الغلامين ومالهما فقال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا سورة الكهف82 ولم يقل في الأولى: فأراد ربك أن يعيبها، مع أن الله يوحي إليه ويأمره بما يأمره به، ولكنه اختار اللفظ الأحسن قال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وفي حال حفظ مال الغلامين قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا.

وكذلك موسى عليه السلام ذكر الحال ولم يقل أطعمني، اكتفى بقوله: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ سورة القصص24، والله يعلم ما في نفسه ويعلم ماذا يريد، فاكتفى بذكر حاله وشكواها إلى الله عز وجل، وهذا عيسى عليه السلام عندما يسأله ربه: أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ سورة المائدة116 لا يقول: لم أقله، لم أقل هذا الكلام، وإنما قال: إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ سورة المائدة116 وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب، وكذلك فإن محمداً ﷺ سيد الأنبياء وأكمل الخلق وصفه ربه بالأدب عندما قال لما صعد إليه: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى سورة النجم17 لم يجاوز الحد ولم ينظر إلى أمام، أو يمين، أو شمال، وإنما بقي في حال الأدب التام مع الله تعالى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى سورة النجم17 هكذا كان عليه السلام.

والأدب مع الله عز وجل هو الذي يدفع المسلم أن يتأسى بالأنبياء والصالحين، بل حتى من الجن الذين قالوا: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًاسورة الجن10 ولم يقولوا: وأنا لا ندري أشر أراد بهم ربهم أم أراد بهم خيراً، وإنما قالوا: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا.

لماذا يكون الإنسان المسلم في خلوة فلا يتعرى مع أن أحداً لا يراه؟ أدباً مع الله عز وجل؛ لأن النبي ﷺ قال: فالله أحق أن يستحيا منه [رواه الترمذي2769] من الناس، وهكذا يبقى المصلي ينظر إلى موضع سجوده ولا يرفع بصره إلى السماء أثناء الصلاة لماذا؟ أدباً مع الله تعالى، مع أن ربه فوقه ولكنه لا يجاوز نظره موضع سجوده، هذا من باب الأدب، ويضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، ويقف متأدباً بين يدي ربه.

وكذلك من أدبه مع الله لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول أو غائط، فإن هذا البيت بيت الله تعالى الذي شرفه وعظمه، فلذلك يتأدب مع هذا البيت ولا يستقبله بهذه النجاسات، أو يستدبره مع أن بينه وبينه شأواً بعيداً، ومسافة طويلة، ولكن احتراماً لجهة القبلة جهة البيت الذي شرفه الله تعالى.

وهكذا يكون المسلم في سائر أحواله متأدباً مع ربه سبحانه في حال خلوته ومعشره مع الناس، في حال عبادته، في صلاته وخارج الصلاة، لا ينسى الأدب مع الرب عز وجل.

الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم

00:07:36

وأما الأدب مع النبي ﷺ فإنه تسليم للنبي، وانقياداً لأمره، وتلق لخبره بالقبول، وعدم المعارضة، وعدم الشك، وكذلك لا يقدم آراء الرجال على الأحاديث، وإنما يسلم وينقاد ويذعن، فمن أدب المسلم مع حديث النبي ﷺ أنه يقبله ويتلقاه بالرضا، ولا ينفيه، ولا يرده، ولا يورد عليه الشبهات، ولا يقول: إنه لا يدخل العقل، أو إن العقل لا يقبله، أو إن الحقائق التي كان يقولها ﷺ إنما هي مزحة من المزح.. ونحو ذلك من سوء الأدب مع النبي ﷺ، كيف يفعل المسلم ذلك وربه يقول له في سورة الحجرات: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِسورة الحجرات1 فلا تتقدموا عليه برأي، لا تتقدموا عليه بكلام.

وهكذا لا ترفع الأصوات فوق صوت النبي ﷺ إن كان حياً، وعند قبره بعد موته لا ترفع الأصوات هنالك، وكذلك إذا قرئ حديثه فإن المسلم يخفض صوته عند قراءة حديث النبي ﷺ، وكان بعضهم يجعل صوته أخفض من صوت قارئ الحديث لأجل هذا المعنى.

وكذلك يتأدب المسلم مع نبيه ﷺ وهو يذكر حال الصحابة الذين نزل عليهم قوله تعالى: لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا سورة النور63 لا تدعونه باسمه كما يدعو بعضكم بعضاً وإنما قولوا: يا رسول الله، ويا نبي الله.. ونحو ذلك، وبعض الناس يقول اليوم: محمد، وهكذا دون أن يضيف إليها النبي أو الرسول أو ألفاظ التوقير أو الصلاة والسلام عليه ﷺ، وربما جعل العنوان حياة محمد دون أن يضيف إلى ذلك شيئاً.

أيها الإخوة، لا يجوز أن يعامل المسلم النبي ﷺ كما يعامل آحاد الناس، وإنما يتأدب معه غاية الأدب، ومع حديثه وسنته، وينوي أنه لو كان معه لم يذهب حتى يستأذنه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ سورة النور62، وإذا ذكر حديثاً عن النبي ﷺفيه إشكال فيعزو الإشكال إلى نفسه وعقله وفهمه وليس إلى الحديث، فيقول: أشكل عليَّ هذا الحديث، ولم يقل: هذا الحديث مشكلة ونحو ذلك، وقد كان الصديق رضي الله عنه في غاية الأدب مع النبي ﷺ فلما أم الناس في مرض النبي عليه السلام ثم خرج ﷺ إليهم وأبو بكر قائماً قال: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله ﷺ وتأخر وانخنس وتراجع إلى الخلف رضي الله تعالى عنه، فانظر إلى أدبه كيف أورثه مقام الإمامة والأفضلية بعد النبي ﷺ.

وكذلك كان أبو أيوب الأنصاري لما نزل عليه السلام في بيته قال: نزل في بيتنا الأسفل وكنت في الغرفة فأهريق ماء في الغرفة وهو فوق مع زوجته، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء، ونزلت فقلت: يا رسول الله! لا ينبغي أن نكون فوقك، انتقل إلى الغرفة، فأمر بمتاعه فنقل، ومتاعه قليل، وهكذا كان إذا جاءته صحفة الطعام نظر أين وضع النبي ﷺ أصابعه ليأكل، فتلمس أثر أصابعه عليه السلام يرجو بركة ذلك.

وهكذا كان ثابت بن قيس الأنصاري خطيبهم لما نزل: أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَسورة الحجرات2 في مسألة رفع الصوت، أصيب بالهم العظيم والغم الشديد على ما كان، وخشي أن يكون ممن حبط عمله، لدرجة أنه قعد في بيته لا يستطيع الخروج حتى افتقده النبي ﷺ وسأل عنه ثم بشره بالجنة.

أدب الإنسان مع الوالدين 

00:13:44

عباد الله، إن للإنسان المسلم أدباً مع الخلق كذلك، إن له أدباً مع والديه وهما أولى الناس بالحقوق، لا يقول لهما أف مع هذه الكلمة القصيرة وهذا الاعتراض الرمزي كما يقول البعض، ولكنه لا يقول تلك الكلمة فضلاً عن أن يفعل أكثر منها أو يقول أكبر منها، لا قولاً مسيئاً للأدب ولا فعلاً مسيئاً للأدب وإنما يقول قولاً كريماً، ويخفض لهما جناح الذل من الرحمة فعلاً.

وتأمل هذا الموقف من إسماعيل عليه السلام أبوه يقول له: إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ سورة الصافات102 ومع ذلك يقول: يا أبت، بهذا اللفظ المؤدب افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ سورة الصافات102 فمع أن المسألة فيها ذبح الأب لابنه لكن الابن لم ينس أن يتلطف غاية التلطف وهو يخاطب أباه بقوله: يا أبت وهكذا كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مع أمهاتهم وآبائهم.

وهذا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه لما صار أميراً وكانت أمه في بيت وهو في بيت آخر، إذا أراد أن يخرج وقف على بابها فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمته وبركاته، فتقول: وعليك يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيراً، فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً، ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك كما رواه البخاري في الأدب المفرد، ولازم أبو هريرة أمه ولم يحج حتى ماتت لأجل صحبتها، وكان الحج يأخذ وقتاً طويلاً؛ ولذلك عكف على أمه.

وفعل الأمر نفسه أويس القرني رحمه الله تعالى خير التابعين الذي قال النبي ﷺ فيه: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن كان به أثر برص فبرأ منه إلا موضع درهم  في السرة، مكان يخفى، يذكر به فضل ربه عليه لما كان البرص في كل الجسم،  كان به أثر برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بار بها، لو أقسم على الله لأبره[رواه مسلم2542]، وهكذا منعه بره بأمه من القدوم من اليمن إلى مكة والمدينة.

وهكذا وهكذا كان العلماء وكان السلف من الصحابة والتابعين، كان محمد بن سيرين رحمه الله لا يكلم أمه إلا وهو يتضرع، دخل رجل عليه على محمد بن سيرين وهو يكلم أمه فقال: ما شأن محمد؟ يظنه مريضاً، أيشتكي شيئاً؟ قالوا: لا ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه يكلمها صوته يتهدج خافتاً كأنه مريض.

وكان طلق بن حبيب لا يمشي فوق ظهر بيته وأمه تحته.

وهذا حيوة بن شريح من أئمة الإسلام في حلقته يعلم الناس، فتصور وتخيل إمام عالم حوله العدد الكبير من الطلاب في الحلقة يجلسون إليه، فتخرج أمه فتنادي بصوت: يا حيوة قم فألق الشعير للدجاج، فيقوم ويترك التعليم، هكذا دون أنفة ولا يقول: فشلتيني أمام الناس، كما يقول اليوم هؤلاء الأحداث، فما بالك بعالم في حلقته ودرسه يقوم لأمه ليلقي الشعير للدجاج؛ لأنها طلبت منه ذلك.

وكان محمد بن المنكدر رحمه الله في غاية التواضع لأمه حتى لربما طأطأ رأسه عندها.

ومنصور بن المعتمر عرض عليه القضاء وهو منصب عال وشرف رفيع فأبى، فكانت أمه تلومه على ذلك وتقول: يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى، فما كان يرد شيئاً ولا يجادل وإنما يضع لحيته على صدره ولا يرفع طرفه إليها، ولا يجيب احتراماً لأمه، ولا يدافع عن نفسه وإنما يسكت مطأطئاً رأسه، علامة أن السكوت ليس تجاهلاً وإنما هو أدب، يضع رأسه على صدره مطأطأ ساكتاً، وهكذا كان السلف أدباً مع أمهاتهم وآبائهم.

فأين الأدب في جيل شباب اليوم وأبناء اليوم من الكبار والصغار مع آبائهم وأمهاتهم في هذا العصر الذي عمت فيه قلة الأدب بكل معانيها، وبكل صورها، وأشكالها، فترى التمرد، ورفع الأصوات، بل السب، والشتم، والإهمال، والاحتقار، والازدراء، ونظرات التحدي في عيون الأبناء تجاه آبائهم وأمهاتهم، هذه هي النهاية لذلك الإحسان الذي أحسنه الأبوان مما ينتهي بهذه الصور المزرية من قبل بعض الأبناء لآبائهم وأمهاتهم.

اللهم اجعلنا ملتزمين لسلوك الأدب معك، ومع نبيك صلى الله عليه وسلم، ومع آبائنا وأمهاتنا، وخلقك يا رب العالمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:21:49

الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، ورب السموات والأرضين عز وجل يفعل ما يشاء يحكم يشاء ويفعل ما يريد، وأشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة البشير والنذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأدب مع الإخوة والأخوات 

00:22:20

عباد الله، الأدب مع جميع أفراد الأسرة، مع الإخوة والأخوات، وهذا يوسف عليه السلام مع ما فعله إخوانه به لما جاءوا بعد ذلك ماذا قال؟ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي سورة يوسف100 فأضاف ما جرى إلى الشيطان ولم يضفه إلى من باشر العمل وهم إخوته، وقال: مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي.

وكذلك ينبغي أن يكون الحال في الأدب مع الخلق، الأدب مع العلماء، ذاك أبو الروح لا أبو النطف، وكان عمر الفاروق يتأدب غاية الأدب مع أبي بكر رضي الله عنه، لما صار خليفة ويقول دائماً: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، فهو يقول عن أبي بكر واصفاً إياه بلفظ السيد، ويقول لأسامة: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله؛ لأن النبي ﷺ أمره على الجيش، وكان يجل العباس عم النبي ﷺ، وهكذا كان ابن عباس متأدباً مع زيد بن ثابت يأخذ بركابه قائلاً: هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا، وهكذا أيضاً كان أهل العلم يفعلونه مع مشايخهم، حتى قال الشافعي: كنت أقلب الصفحة بين يدي مالك صفحاً رقيقاً هيبة له لئلا يسمع ورقها، وهكذا كان بعضهم لا يجترئ أن يشرب الماء بين يدي شيخه إجلالاً له، ولكنهم لم يصل بهم الحال إلى الغلو كما يفعله كثير من الصوفية بمشايخهم أو يعتقدون فيهم الاعتقادات الباطلة، فكان السلف يقولون الكلام الحسن واللين، وهكذا يعرفون قدر أهل العلم، ويقول مسلم لشيخه البخاري: يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله، وهكذا كانوا يفعلون مع شيوخهم فلا يبزق بحضرته ولا يرفع صوته، ولا يجلس جلسة ليست مؤدبة، وهكذا يفعلون فماذا يفعل الطلاب اليوم بحضرة المدرسين؟

الأدب مع الكتب 

00:25:45

أيها الإخوة، إن للإنسان أيضاً أدباً مع المصحف ومع المسجد ومع كل مكان معظم في الشريعة كالحرم، وهكذا حتى اللفظ لا يكون مسيجيد ومسيجد ولا يقول مصيحف، حتى لو كان مصحفاً صغيراً لا يستعمل لفظ التصغير في ذلك، وكان العلماء لا يضعون فوق كتاب التفسير كتاباً آخر من كتب العلم بأنواعه الأخرى إجلالاً لهذا النوع من العلم وهو تفسير كتاب الله تعالى، حتى ترتيب الكتب فوق بعضها كان فيه أدب، وأدب الإنسان مع نفسه كثير، ومن ذلك ما قاله عمران بن حصين رضي الله عنه: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله ﷺ، وقد نهى النبي ﷺ عن ذلك، فهذا أدب مع من؟ إنه أدب الإنسان مع نفسه، حتى لو كان خالياً ليس مع الناس يستعمل يده اليسرى في التنظيف، في تنظيف الفم أو الأنف، وهكذا في مخارج النجاسات يستنجي بشماله لا بيمينه.

إن للإنسان أيضاً أدباً مع المصحف ومع المسجد ومع كل مكان معظم في الشريعة كالحرم، وهكذا حتى اللفظ لا يكون مسيجيد ومسيجد ولا يقول مصيحف، حتى لو كان مصحفاً صغيراً لا يستعمل لفظ التصغير في ذلك

نسأل الله عز وجل أن يؤدبنا بأدب الإسلام، وأن يجعلنا من الملتزمين بسلوك طريق الأدب، وأن يحفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين وراقدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا وهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم انصر المجاهدين في سبيل الذين يقاتلون لرفع كلمتك، اللهم وحد صفوفهم وسدد رميتهم، اللهم إنا نسألك النصر العاجل لهم يا رب العالمين، اللهم أذل أعداء الدين، اللهم أذل أعداء الدين، اللهم أذل اليهود والنصارى والمشركين، اجعل بأسهم بينهم، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، اللهم إنا نسألك الأمن والأمان لبلدنا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين، احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه الترمذي2769 
2 - رواه مسلم2542