الجمعة 11 شوّال 1445 هـ :: 19 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

كفر الاعتراض وموعظة عن السماء


عناصر المادة
الخطبة الأولى
العلاقة بين الإسلام والاستسلام
أصناف المعترضين على أحكام الله
لماذا جعلت الشريعة شهادة امرأتين بشهادة رجل؟ والرد على ذلك
لماذا دية الرجل ضعف دية الأنثى؟ والرد على ذلك
لماذا تحد المرأة على زوجها إذا مات أربعة أشهر وعشرة أيام بينما هو لا يفعل ذلك؟
إحكام الله لخلق السموات وبعض آياته فيها

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

العلاقة بين الإسلام والاستسلام

00:00:41

عباد الله: الإسلام هو الاستسلام لله تعالى إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة البقرة:131]، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [سورة الصافات:103]، استسلما لأمر الله، الإسلام من الاستسلام، ولا تثبت قدم الإسلام إلا على طريق التسليم، إنه استسلام كامل لله، استسلام كامل، فعبادته بلا شريك، استسلام كامل، انقياد عن رضا وطواعية.
استسلام كامل، أخذ بلا اعتراض: فَلاَوَرَبِّكَ لاَيُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَيَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ [سورة النساء:65]، ولا بدّ أن يؤخذ الحكم بكل طمأنينة وتسليم، ولذلك ختم الآية به، فقال: وَيُسَلِّمُواْتَسْلِيمًا [سورة النساء:65]. 

ولذلك -يا إخواني- العبادات، والمعاملات، والحدود، والتعزيرات، وأنواع التشريعات التي جاء بها هذا الدين، في العلاقة بين المسلمين والكفار، والمسلمين وبعضهم البعض، هذه الأحكام كلها لا بدّ أن يكون فيها تسليم كامل لأمر الله.

أصناف المعترضين على أحكام الله

00:02:13

ولا يعترض على أحكام الرب ، لا يعترض على شرع الله، إلا المنافقون والكفرة، الملاحدة الزنادقة، الذين لا يعجبهم أصلا أنه رب، ولذلك يعترضون على أحكامه، اغتروا بأنفسهم فهم يعارضون شرعه، أليس هو الخالق؟ إذا كان خلقهم أليس له الحق أن يحكم بينهم؟ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ [سورة الأنعام:62]، وهو الحكم: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ [سورة آلعمران:85]، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [سورة المائدة:50].

أيها المسلمون -يا عباد الله: عندما نجد من يعترض على حكم الله، في أي قضية من القضايا، فإن المسألة جد خطيرة، يعترض على الله في حكمه، يعترض على الله في شرعه، يعترض على الله في قضائه وقدره، لماذا الله قال: لَايُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [سورة الأنبياء:23]؟  لماذا للأنثى نصف ما الذكر في الميراث؟ والرد على ذلك، ولذلك لو جاء إنسان، فقال: لماذا الأنثى نصف الذكر في الميراث؟ وهناك الآن من يقول: هذه شريعة ذكورية! هذه أحكام جائرة! هذا الدين عنصري!.
عباد الله: المسألة مسألة إيمان وكفر، مسألة إلحاد، إما ملحد، أو مؤمن، إما مسلم مستسلم، وإما زنديق، الله قال: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [سورة النساء:11]، انتهينا، سلمنا، استسلمنا، فهمنا، عقلنا، وبناءً على هذا، مضينا، وعملنا، ونفذنا.
بعد ذلك يدرك العقل الحكمة، وراء ذلك أو لا، فيقول مثلاً بعضهم: إن الرجل هو الذي ينفق، وهو الذي يعطي المرأة المهر أولاً، والنفقة والسكنى ثانيًا، إلى أن يفرق الله بينهما، وهو الذي يعطي وينفق، فإذا أخذ ضعفها في الميراث، إذًا هذا شيء طبيعي.

وبالمناسبة الرجل يأخذ أكثر من الأنثى، في علم المواريث في أربعة مواضع فقط، بينما تأخذ مثله، أو أكثر أحيانًا في ثلاثين موضعًا أخرى، لكن كثيرًا منها غير مشهورة عند عامة الناس، مثلا: الإخوة لأم، هؤلاء يأخذ ذكرهم وأنثاهم سواء، لماذا حكم رب العالمين؟ بناءً على ماذا؟ هذا شرع الله: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [سورة المائدة:50].

لماذا جعلت الشريعة شهادة امرأتين بشهادة رجل؟ والرد على ذلك

00:04:54

عندما تقول الشريعة: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء [سورة البقرة:282] لماذا عدلت الشريعة شهادة امرأتين بشهادة رجل؟ هذا حكم الله، الله الذي خلق الرجل وخلق المرأة، فلا مجال للاعتراض إطلاقًا، أنت تعلم أكثر منه؟ هو الذي خلقه وخلقها؟ وقال لنا: أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [سورة البقرة:282]، تكوين المرأة غير تكوين الرجل، وعقل المرأة غير عقل الرجل، وعاطفة المرأة جياشة قوية، تطغى على عقلها في كثير من الأحيان، وهذا ضروري للأمومة، ورعاية الأطفال، إلى آخره.
إخواني: بغض النظر عن السبب، لكن الحكم حكم، والمسلم مستسلم، والمؤمن يؤمن ولا يعترض إطلاقًا.

لماذا دية الرجل ضعف دية الأنثى؟ والرد على ذلك

00:05:52

دية الرجل ضعف دية الأنثى، لماذا؟ هذا حكم الله، هكذا شرع الله، ولا يقال: الدين عنصري! الدين ذكوري! هذا ليس بكلام المؤمنين أبدًا إطلاقًا، لماذا في الحكم كون الرجل إذا فقد أكثر خسارة من جهة المورد المالي؛ لأنه هو الذي ينفق، فإذا انقطع هذا الباب، فيكون تعويضه أصعب، فالخسارة المادية به أكثر، هذا شيء يشهد به الكفار، بل عندهم في كبار شركاتهم لا زال على المستوى العام رواتب النساء أقل من رواتب الرجال، ورواتب الرجال أعلى، وما استطاع حتى الذين يتشدقون بالمساواة الكاملة أن يتخلصوا من هذه النقطة، فالرجل أقوى، وبالتالي إنتاجه سيكون أكثر، والحاجة إليه أكبر، وفي المواقع القيادية، وغير ذلك، والخسارة به أكبر؛ لأنه في العادة هو رب الأسرة، وهو المعيل، وهو المنفق، فإذا مات هو، وماتت هي، فطبيعي أن تكون الدية أكثر.

المسألة ليس كلامًا الآن على الإيمان، ومن الذي إيمانه أقوى، ومن الذي سيدخل الجنة أولاً، ومن الأعلى مرتبة فيها، ومن الذي عقابه في جهنم أشد، هذه قضية أخرى متعلقة بالأعمال، هذه خسائر أخروية، والمغانم الأخروية.
نحن نتكلم الآن عن الدنيا، الخسارة الدنيوية في موته وموتها، هذا حكم رب العالمين، أدركنا الحكمة أم لا، استسلمنا، انتهينا، المسألة مفروغ منها.

لماذا تحد المرأة على زوجها إذا مات أربعة أشهر وعشرة أيام بينما هو لا يفعل ذلك؟

00:07:30

عندما يأتي من يقول: ثم هي لماذا تسجن نفسها إذا مات الزوج؟ يعني أربعة أشهر وعشرة أيام، يعني هو إذا مات تزوج ثاني يوم! وهي إذا مات أربع أشهر! ولماذا؟ هذا شغل المنافقين، هذا شغل الكفرة، هذا شغل المرتدين، هذا شغل المعترضين على الله، هذا شغل الذين لا يعجبهم شرع ولا دين، هذا شغل الذين يتبعون أهواءهم.
نحن أهل الإيمان يكفينا قول الله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا  [سورة البقرة:234] لماذا الحكم من وراء ذلك؟ أن يتبين الحمل، إذا كان فيها جنين أن تتهيأ نفسيًا للحياة الجديدة؛ ولأن -هذا- من الأمور التي يعلمها الله، وهذا شأن رب العالمين، لكن الحكم هذا، حكم جميل حسن: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [سورة المائدة:50].

عندما يأتي من يعترض على الحدود الشرعية، ويقول: وحشية! وتقطيع! وماذا فعلتم أنتم في معالجة مشكلة الجريمة لديكم يا أيها المعترضون؟ قلًّالقتل والسرقة لديكم؟ والاغتصاب في الثانية الواحدة، كم جريمة تحدث لديكم؟ ثم تعترضون على حكم الله؟ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [سورة البقرة:179]، فإذا قتل القاتل لن يستطيع أن يقتل ويرتدع غيره، ممن كان يريد أن يقتل، وفيها حكم وأحكام كثيرة جداً.

عباد الله: المعترضون على الله كُثر، وحكمهم في الشرع واضح جداً: الخروج عن الملة، ومفارقة الدين. ولكن نحن أهل الإيمان مهما سمعنا من التشكيكات، فإن إيماننا بالله راسخ، وتسليمنا لأمر الله قوي، والاستسلام لأحكامه حاضر: سمعنا وأطعنا، وكل يوم يمضي يثبت للبشرية: أن الشرع هذا أحكم وأفضل، وأجمل وأدق، وهكذا.

إحكام الله لخلق السموات وبعض آياته فيها

00:09:33

دعوني أنتقل بكم من هذا الحكم، وإحكام الشريعة، إلى إحكام السماء، لعلنا أيضًا نجد فيها موعظة وبرهانًا، وحتى للملاحدة: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [سورة غافر:57]، اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ [سورة فصلت:11]، رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا [سورة النازعات:28]، سبع سماوات، مَّاتَرَىفِيها مِنفُطُور، انظر: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ [سورة الملك:4]، ما فيها من فروج، زيناها بالكواكب: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا [سورة الفرقان:61].
وسمك كل سماء خمسمائة عامة، والمسيرة من كل سماء إلى التي تليها خمسمائة عام، وفي كل سماء أبواب وملائكة، وما في موضع أربع أصابع في أي مكان في السماء إلا وفيه ملائكة، ملك قائم أو راكع أو ساجد: أطت السماء، وحق لها أن تئط[1]، وفيها: البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه، آخر ما عليهم[2]، كل يوم يدخله سبعون ألف جدد.

وهذه السماوات فيها الملائكة أهلها وسكانها، وأوامر الله تنزل: يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ [سورة الطلاق:12]، وأعمال العباد صاعدة فيها، وكل واحد أنا وأنت وهو له مصعد في السماء، يصعد عمله من قبله، فإذا كان العبد صالحًا ألفت السماء أعماله، وفتحت أبوابها بأمر الله له، فتصعد أعماله فيها إلى الله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [سورة فاطر:10].
فإذا مات العبد الصالح فقدت السماوات؛ ما كان يصعد فيها من قبله، فتبكي عليه.
وأما الكافر والمنافق، فإذا مات، فلا تبكي عليه، قال الله: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء [سورة الدخان:29]، سماوات: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًاء [سورة الجن:8]، مزينة ومحروسة، سماوات شداد، طباق، هذه السماوات: رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا [سورة النازعات:28]، وأقسم بالبنيان: وَالسَّمَاءوَمَابَنَاهَا [سورة الشمس:5]، من شدته: وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَنتَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ [سورة الحـج:65]، مع أنها بغير أعمدة: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [سورة لقمان:10]، الذي سمك السماوات، وأتقن السماوات، ما أتقن شرعه؟! ما أحكم دينه؟! ويوم القيامة في موعظة عظيمة للناس: السماء تطوى طيًا: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [سورة الأنبياء:104]، تصبح أبوابا: وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا [سورة النبأ:19]، تنزع نزعًا: وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ [سورة التكوير:11]، إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ [سورة الإنشقاق:1]، وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ [سورة الفرقان:25]، ويتخللها الغمام، وهذه السماء بأمر الله المحكم، السبع الطباق تذوب ذوبانًا، ويتغير لونها: فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [سورة الرحمن:37] يعني: حمراء، ولها موجان واضطراب: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا [سورة الطور:9]، وتذوب ذوبانًا، وتطيش على العبادـ وتَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ [سورة المعارج:8]، تذوب ذوبانًا، وينزل من أهل كل سماء إلى أرض المحشر أهلها من الملائكة، ليكونوا طوقًا في سبعة أطواق، يحاصرون الثقلين للحساب، والوقوف بين يدي  الله، الذي أحكم هذه السماوات! ما أحكم شرعه؟! والذي سيزيلها يوم القيامة لحساب هؤلاء، ألا يخشون ربهم؟!.
اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك، وأسعدنا بتقواك، يا رب العالمين، واجعلنا مستسلمين لأمرك، منقادين لشرعك، يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

  1. ^ رواه الترمذي: (2312)، وأحمد: (21555)، وقال محققو المسند: "حسن لغيره، وهذا إسناد منقطع، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (3380)".
  2. ^ رواه مسلم: (434).