الخميس 10 شوّال 1445 هـ :: 18 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

شخصية تجمع الفضائل


عناصر المادة
الخطبة الأولى
علاقة العبد بربه، وعلاقته بالمؤمنين
واجب الراعي تجاه رعيته
الخطبة الثانية
الإحسان الى الخلق
المؤمن كيَّس فطن

الخطبة الأولى

00:00:01

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله:

علاقة العبد بربه، وعلاقته بالمؤمنين

00:00:46

إن شأن المؤمن عظيم عجيب؛ فهو مجمع للفضائل، وهو طاهر حسًا ومعنى، كما أخبر النبي ﷺ إن المؤمن لا ينجس[1]، وكذلك قال لنا ﷺ: لا يحافظ الوضوء إلا مؤمن[2]، هذا المؤمن يعيش في جنة الرضا في الدنيا قبل جنة الرضوان في الآخرة وقد قال ﷺ: يا أبا سعيد من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا فقد وجبت له الجنة[3]، وجبت له الجنة الرضا بربوبيته تعالى الرضا بعبادته وحده لا شريك له الرضا بتدبيره وقضائه الرضا بالإسلام دينًا الرضا بمحمد ﷺ وما جاء به فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [سورة النساء:65]، مات لصدقة بن عامر المازني رحمه الله سبعة أبناء في يوم واحد بالطاعون فقال: "اللهم إني مسلم مُسلّم"، وكان من أدعية عمر بن عبد العزيز "اللهم رضني بقضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته ولا تأخير شيء عجلته".

المؤمن إذا جاءه الأمر سلم واستسلم سواء كان أمرًا شرعيًا أو أمرًا قدريًا كونيًا فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [سورة النساء:65]، وقال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا [سورة النور:51]، ومن نفائس كلام بعض علمائنا: "إذا جاءك الأمر فاعمل به؛ ولا تسأل هل هو للإيجاب أو للاستحباب، وإذا جاءك النهي فاتركه؛ ولا تسأل هل هو للتحريم، أم للكراهية"

قال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا، ومن نفائس كلام بعض علمائنا: "إذا جاءك الأمر فاعمل به؛ ولا تسأل هل هو للإيجاب أو للاستحباب، وإذا جاءك النهي فاتركه؛ ولا تسأل هل هو للتحريم، أم للكراهية"

عباد الله، إن المؤمن مع إخوانه كالبنيان المرصوص قال ﷺ: إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا[4]، وكما قال الله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [سورة التوبة:71]، هذه الولاية التي تقتضي محبة، ونصرة وتأييدًا هذه الولاية التي تقتضي دفعًا عنه وحماية له وسهرًا على مصلحته أيًا كانت بلده وقد عبر عن هذا المعنى الشاعر المسلم لما قال:

تذوب حشاشات العواصم حسرة إذا دميت في كف بغداد إصبع
وإن بردى أنّت لخطب مياهه لسالت بوادي النيل لنيل أدمع
ولو مس رضوى عاصف الريح مرة لبادت له أكبادنا تتقطع

كان أويس القرني رحمه الله وهو يسمع بعض ما في المسلمين من الفاقة، وهو نفسه  فقير: "اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة، وجسد عار، وليس لي إلا ما على ظهري، وفي بطني" والنبي ﷺ لما قال لنا: المؤمن مرآة أخيه[5]، فهذا يقتضي نصحًا وعملاً بالمصلحة وقال: المؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه[6]، ما معنى يكف عليه ضيعته؟ يعني يمنع عنه التلف والخسران يجنبه المصائب ما استطاع يحميه وقوله يحوطه من ورائه يعني يحفظه، ويصونه ويذب عنه وعن ماله وعرضه في غيبته وحضوره ومن رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة.

واجب الراعي تجاه رعيته

00:05:59

إن هذا المعنى في القيام بمصالح المسلمين جسده عمر الذي كان يطوف يحرس ويتفقد ويسد الحاجة والخلل فكان ليلة مع غلامه أسلم وأبصر من بعيد نارًا فقال لمولاه يا أسلم إني لأرى ها هنا ركبًا قصر بهم الليل والبرد فانطلق بنا، فإذا بامرأة معها صبيان صغار وقدر منصوبة على نار وصبيانها يتضاغون يعني يصيحون من الجوع، فسألها عمر عن حالها، فقالت: قصر بنا الليل والبرد، فسألها: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: فأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ما أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر، قال: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا؟ فأقبل عمر على مولاه، وقال: انطلق انطلق، فأتيا دار الدقيق، فأخرج عمر كيس دقيق وبعض الشحم، فقال لمولاه: احمله عليّ، قال: أنا أحمل عنك يا أمير المؤمنين، قال: تحمل عني أوزاري يوم القيامة؟ قال: فحملته عليه، فانطلق، وانطلقت معه يهرول حتى جاءها، فألقى عندها ذاك الكيس من الدقيق، وقال: ذري عليّ وأنا أحركه لك وجعل ينفخ تحت القدر، ثم أنزلها، فقال: أعطيني شيئًا ليفرغ فيه الدقيق فأفرغها، ثم قال: أطعميهم وأنا أسطح لهم، يعني أبسطه حتى يبرد فلم يزل حتى شبعوا وترك عندها زيادة، وقام عمر، وقام معه مولاه، فقامت المرأة وهي تقول: جزاك الله خيرًا، أنت كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين، فقال: قولي خيرًا إذا جئتِ أمير المؤمنين وحدثيني هناك إن شاء الله، ثم تنحى ناحية واستقبلها من بعيد فربض مربضًا، ولم يغادر حتى رأى الصبية لعبوا فتعبوا فناموا وهدؤوا، وقال: يا أسلم إن الجوع أسهرهم وأبكاهم فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت، اللهم اجلعنا قائمين بحق إخواننا يا رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:09:21

الحمد لله أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله دعا إلى الله ولم يشرك به أحدًا اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك سيدنا وقدوتنا وإمامنا اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى ذريته الطيبين وأزواجه وخلفائه الميامين وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الإحسان الى الخلق

00:09:56

عباد الله: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[7]، لو عمل بهذا الحديث المؤمنون كم يا ترى سترى من حسد أو بغضاء أو قطيعة أو عداوة تعج بها اليوم المحاكم وبيوت الناس.

المؤمن حسن الخلق وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً [سورة البقرة:83]، وخالق الناس بخلق حسن[8]، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره[9]، قال رجل: يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في النار قالوا يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها يعني النوافل وأنها تصدق بالأثوار من الأقط يعني قطع اللبن الجامد هذه صدقتها وهذه حيلتها ولا تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في الجنة[10].

هذا التفقد من المؤمن لإخوانه ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به[11]، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يومه وليلته هذا الواجب وضيافة ثلاثة أيام يعني المستحب فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ولا يحل لرجل مسلم يقيم عند أخيه حتى يؤثمه قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمه؟ قال: يقيم عنده ولا شيء له يقريه به[12].

المؤمن كيَّس فطن

00:12:19

والمؤمن يا عباد الله، صاحب فطنة لا يلدغ المؤمن من حجر واحد مرتين[13]، وفي رواية أن هشام بن عبد الملك أدى عن الزهري سبعة آلاف دينار كانت دينًا عليه ثم قال: "لا تعودن تدان" فقال: كيف يا أمير المؤمنين وقد حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين[14]، يعني لا يمكن أن أفعل ذلك بعدما عرفت هذا الحديث أصلاً فهذا الحذر وهذه الفطنة وهذا الوعي وعدم الاستغفال المانع من وقوع المؤمن في شرك الخداع الإعلامي للأعداء وإذا نكب واحدة لا يمكن أن ينكب أخرى بمثلها ذكر أهل السير أن أبا عزة الجمحي أسر يوم بدر من المشركين فسأل النبي ﷺ أن يمن عليه وقال: "يا محمد إن لي خمس بنات ليس لهن شيء فتصدق بي عليهن" فعفا عنه على أن لا يشارك في قتال المسلمين أخرى، فغدر وجاء في أحد وأسر فطلب العفو فقال لا والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول سخرت بمحمد مرتين ثم أمر بضرب عنقه والقصة في سيرة ابن هشام ورواها البيهقي عن سعيد بن المسيب مرسلة من يقظة المؤمن أنه لا يغدر به من نفس الجهة ويستفيد من أحداث الماضي للمستقبل وإذا عرف غدر قوم كاليهود فهو يحذر ويحذر ويشتد الحذر وقد ضرب لنا نبي الله يعقوب مثلاً فلما طلبوا منه أخذ يوسف وقالوا: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [سورة يوسف:12]، واللعب من حق الأطفال ولذلك أرسله معهم في البداية وجاؤوا يعتذرون بالكذب ولما جاؤوا بعد سنين يطلبون إرسال الأخ الآخر قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة يوسف:63]، هذه العبارة تكررت في الأول فإنهم قالوا في طلب يوسف وإنا له لحافظون قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [سورة يوسف:64]، الموالاة والمعاداة يا عباد الله عند المؤمن قائمة على أساس الإيمان والكفر الموالاة للإيمان وأهله والعداء للكفر وأهله لا بمصالح دنيوية ولا بأنساب ولا بناء على عصبيات أبدًا من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان.

الموالاة والمعاداة يا عباد الله عند المؤمن قائمة على أساس الإيمان والكفر؛ الموالاة للإيمان وأهله، والعداء للكفر وأهله، لا بمصالح دنيوية، ولا بأنساب ولا بناء على عصبيات أبدًا  من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان[15]، هذا المؤمن هين لين كالجمل الأنف حيث ما قيد انقاد حرم الله على النار كل هين لين سهل قريب من الناس[16]، رواه الترمذي وأحمد.

هذا المؤمن حيي الحياء من الإيمان هذا المؤمن يغار على حرمات الله على بناته على زوجته كيف حجابهن إلى ما ينظرن إلى أي شيء يخرجن ماذا يدخل إلى الدار المسموعات والمرئيات اليوم يا عباد الله كم أفسدت بسبب قلة الغيرة وعدم المبالاة عندما يسافرن ويخرجن أين التفقد قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [سورة التحريم:6].

اللهم اجعلنا من أهل الإيمان يا رب العالمين، أحيينا مؤمنين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين؛ غير خزايا، ولا مفتونين، اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واقض ديننا، اللهم استر عيبنا، اللهم آمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم اجعلنا لإخواننا مددًا يا رب العالمين، اللهم اجعل في قلوبنا رحمة للذين آمنوا ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، قوالين بالحق، ولا نخاف فيك لومة لائم، اللهم ارزقنا فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم إنا نسألك الرحمة بالمستضعفين من المؤمنين يا رب العالمين، كن لهم ولا تكن عليهم، اللهم أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، وآوهم اللهم احمل حافيهم واكس عاريهم، وأطعم جائعهم، اللهم احفظهم وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم ابطش باليهود اللهم عليك باليهود اللهم خذهم أخذًا وبيلاً، عليك بهم وبالباطنية المجرمين، وبالمنافقين اللهم آذوا المسلمين وأنت على كل شيء قدير، اللهم أنزل بأسك وسطوتك ونقمتك بهم يا رب العالمين، يا قوي يا عزيز، اللهم اجعل الجنة مثوانا، اللهم أدخلنا الجنة مع الأبرار، وأعتق رقابنا من النار، واغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين والمؤمنات يوم يقوم الحساب، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

  1. ^  رواه البخاري: (285)، ومسلم: (371).
  2. ^  رواه ابن حبان: (1037).
  3. ^ رواه مسلم: (1884).
  4. ^  رواه البخاري: (481)، ومسلم: (2585).
  5. ^ رواه أبو داود: (4918).
  6. ^  رواه أبو داود: (4918).
  7. ^  رواه البخاري: (13)، ومسلم: (45).
  8. ^ رواه الترمذي: (1987).
  9. ^  رواه البخاري: (5185)، ومسلم: (47).
  10. ^  رواه أحمد: (9675) وهو حديث صحيح
  11. ^ رواه الطبراني في الكبير: (259).
  12. ^  رواه البيهقي في شعب الإيمان: (9140).
  13. ^  رواه البخاري: (6133)، ومسلم (2998).
  14. ^ ومسلم (2998).
  15. ^ رواه أبو داود (4681).
  16. ^ رواه الترمذي (2488)، وأحمد: (3938 ).