الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

التعاون على البر ومجازر أندونيسيا


عناصر المادة
الخطبة الأولى
قاعدة التعاون على البر والتقوى
صور من تعاون السلف على البر والتقوى
النهي على التعاون على الإثم والعدوان
صور من التعاون على الإثم والعدوان
مآسي اندونيسيا

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

قاعدة التعاون على البر والتقوى

00:00:34

فقد قال الله في محكم تنزيله آمراً عباده بالأمر العظيم وناهياً إياهم عن النهي العظيم: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِسورة المائدة2. وهذه القاعدة الإسلامية من أهم قواعد الإسلام، التعاون على البر والتقوى وترك التعاون على الإثم والعدوان، البر والتقوى، الخير والطريق الموصلة إليه، التعاون على الخير وعلى الوسائل الموصلة إليه، هذا البر الذي يتناول الواجب والمندوب، والتقوى التي هي رعاية الواجب، هذا البر الذي هو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوقه تعالى ومن حقوق الآدميين، والتقوى الاسم الجامع لكل ما يجب اجتنابه، لترك كل ما يكرهه الله، التقوى اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله من الأعمال الظاهرة والباطنة، وكذلك اجتناب الإثم والعدوان، الإثم: الحرام لجنسه، والعدوان: ما حرم لزيادة في القدر أو تعدي ما أباح الله .

عباد الله: إن التعاون على البر بر وتقوى وخير، وينبغي أن يكون حال الإنسان مع إخوانه المسلمين في الدنيا اجتماعاً على البر والتقوى، فاجعل من علاقتك يا عبد الله مع إخوانك في المجتمع، أجعل من هذه العلاقة تعاوناً على البر والتقوى، أن توافق أهل الدين، وأن تتشبه بهم في الطاعات، وأن تشترك معهم في أدائها، وتأمل يا أخي المسلم كيف ضوعف أجر المصلي في الجماعة بسبع وعشرين على صلاته وحده، لماذا؟ لأنهم لما تعاونوا على البر والتقوى ضاعف الله أجرهم، لما صلوا في الجماعة متعاونين على هذه الطاعة ضاعف الله أجرهم بسبع وعشرين، أما إذا صلى كل واحد في بيته ولم يكن مع الجماعة، فليس له ذلك الأجر، تأمل إذاً كيف بركة الاجتماع على الخير، وقل مثل ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والحج، هذه المعاونة التي أمر الله بها ينبغي أن تكون في كل مجال خير، في الدعوة إلى الله، ونصرة الدين، عيسى ابن مريم قال: مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِسورة آل عمران52من يساعدني في الدعوة إلى الله؟ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِنقوم معك، ونعينك في دعوتك، وهكذا طلب موسى الإعانة من الله تعالى أن يكون أخوه عوناً له على الطاعة، قال: سَنَشُدُّ عَضُدَكَسورة القصص35. فيكون متعاوناً معه على نشر الدين، والتصدي لأعداء رب العالمين.

صور من تعاون السلف على البر والتقوى

00:04:41

وهكذا قام الصحابة رضي الله تعالى عنهم بتقديم الصورة العملية وراء نبيهم في التعاون على إقامة الدين تعلماً وتعليماً وهجرة وجهاداً وصبراً  على الأذى، وهكذا قاموا بتوزع الأدوار والقيام بها نصرة لدين الله ، وكانوا يتعاونون على العبادات، فهذا الإيقاظ للصلاة حتى في قيام الله، فكان أبو هريرة وأمه وأخوه يتعاقبون الليل أثلاثاً، يصلي الأول ثم يوقظ الثاني، فيصلي الثلث الثاني من الليل، ثم يوقظ الثالث، فيقوم الثلث الأخير ثم يوقظهم لصلاة الفجر.

وهكذا كان سلف هذه الأمة في تعاونهم على البر والتقوى والعبادة، ومن ذلك التعاون في بناء المساجد، فحملوا اللبن، "كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين فرآه النبي ﷺ، فينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار[رواه البخاري447]. فيقول عمار: أعوذ بالله من الفتن". رواه البخاري رحمه الله.

وتعاون المسلمون على طلب العلم، فهذا بكراسه وهذا من حفظه، وهذا بإملائه، وذاك بإعادة الدرس، وهذا يعين طالب العلم فينفق عليه، فحصل في الأمة من كبار العلماء، وأئمة الهدى من أناروا الطريق للمسلمين، وشرحوا كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، وتعاونوا حتى في تأليف الكتب، فأخرج العراقي والزيلعي رحمهما الله في تعاون فريد كتباً عظيمة، لا تزال مراجع لطلبة الحديث في العالم.

وتعاون المسلمون في أعمال البر المختلفة، وهكذا كان يعينون الذي ذهب في الجهاد بأن يخلفوا أهله بخير، ويتعاونون في جمع مال لسداد دين أخيهم، أو في إعتاق رقبته، كما أعان الصحابة رضوان الله عليهم سلمان الفارسي وجمعوا له من أموالهم حتى عتق من ربقة ذلك اليهودي.

ولما كان النبي ﷺ لما كان مع أصحابه، فرأى رجلاً يتلفت يميناً وشمالاً، يبحث عن منقذ له، نادى عليه الصلاة والسلام، نادى فيهم: من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، ومن كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له[رواه أبو داود1663، وصححه الالباني في صحيح أبي داود1466]. حتى رأى الصحابة أنه ليس لأحدهم حق في شيء زاد عن حاجته، وأن ما زاد عن الحاجة لا يوفر ولا يكدس وإنما يبذل للمسلمين، قاموا يعينون بعضهم بعضاً في الملمات والمصائب والحوادث، كما قال يزيد بن الأسود رحمه الله: لقد أدركت أقواماً من سلف هذه الأمة قد كان الرجل إذا وقع في هوي أو دجلة في هذا النهر سقط فيه، صار في طينه، هو ومتاعه، نادى: يا لعباد الله، فكانت تلك الكلمة كافية، يا لعباد الله، ليثبت إليه إخوانه المسلمون، فيستخرجونه ودابته مما هو فيه، يقول يزيد: ولقد وقع رجل ذات يوم في دجلة، فنادى: يا لعباد الله، فتواثب الناس إليه، فما أدركت إلا مقاصه في الطين، فلأن أكون أدركت من متاعه شيئاً فأخرجه من تلك الوحلة أحب إلي من دنياكم التي ترغبون فيها.

إعانة الضعفاء والمظلومين والمساكين، وإخراجهم من محنهم، لقد قام ذو القرنين بتعليم تلك الأمة الجاهلة بعد أن دعاهم إلى الله وعلمهم كيف الصناعة في مواجهة الأعداء، وقال: فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا سورة الكهف95. وهكذا قام أخيار هذه الأمة ببذل الغالي والنفيس معاونة للفقراء المساكين، وشفاعة للذين يحتاجون إلى الواسطة الحسنة ليصلوا إلى أمر شرعي مباح.

وكذلك كانوا يتعاونون في مواجهة شداد العيش، وأثنى النبي ﷺ على الأشعريين، من هم الأشعريون؟ أصحاب أبي موسى الأشعري، قال ﷺ فيهم: إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم في المدينة، فسواء كانوا في السفر أو في الحضر فعندهم هذا المبدأ التعاون على البر والخير، إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم[رواه البخاري2486، ومسلم2500]. وهكذا كانوا من النبي ﷺ؛ لأنهم كانوا إذا أرموا وفني الزاد وصاروا فقراء، فلصق الواحد بالرمل من القلة، كما هو المعنى في اللغة، قاموا بجمع كل ما لديهم، كل واحد يأتي بما عنده قلّ أو كثر، فيجمعونه في شيء واحد، ثم يقسمونه على أنفسهم بالسوية، وهكذا يتكافلون لمواجهة هذه الصعاب.

لقد تعاون الصحابة يا معشر الدعاة في نشر الدعوة إلى الله ، وعملوا بوصية النبي ﷺ: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وهكذا تطاوع معاذ بن جبل وأبو موسى لما بعثهما إلى اليمن في الدعوة إلى الله، ممتثلِينَ وممثلَينِ لأمر النبي ﷺ: وتطاوعا ولا تختلفا[رواه البخاري3038].

وعندما تكون الأمة في مثل هذا الوحل الذي تعيش فيه، ومستنقع الرذائل الذي قد انغمست فيه، وهكذا عندما تكون غارقة في أودية الجهل والشرك والبدعة والمعصية، جهل، شرك، بدعة، معصية، فلا بد من الدعوة إلى الله، ولا يمكن أمام هذا الحشد الهائل من ركام الجاهلية أن يقوم واحد بالدعوة فقط، ولا أن تغني المجهودات الفردية إلا في نطاق محدود، لا بد إذاً من القيام بالتعاون الجماعي لنصرة دين الله ، والدعوة إلى الله تعالى، أن يتعاون الدعاة على المدعوين لإنقاذهم مما هم فيه من براثن هذا البعد عن دين الإسلام.

إن هذا التعاون والتناصر والتآزر والتآخي في حمل رسالة الإسلام إنه شيء عظيم.

النهي على التعاون على الإثم والعدوان

00:14:26

عباد الله: وكما أن الشريعة جاءت وأمرت بالتعاون على البر والتقوى، فإنها نهت كذلك عن التعاون على الإثم والعدوان، فلا يجوز التعاون على ظلم مسلم، ولا على أخذ ماله، ولا على سفك دمه، ولا على غمط حقه، ولا على ظلمه عموماً، إن هذا التعاون الذي يحدث اليوم بين أنواع من الظلمة في أخذ رشوة، أو سرقة مال، أو انتهاك عرض، هذا التعاون بين العصابات وأشباههم في ظلم المسلمين، هذا الذي يحدث كثيراً اليوم بين المسلمين، يتعاونون في مصالحهم التي يسمونها مصالح، وما هي إلا مفاسد، وشرور، وآثام، وهكذا يكونون عصابة للرشوة يتوزعون في أماكن، ثم يقول الواحد للمسكين الآخر من إخوانه: أجلب لك وظيفة، أو أنقل لك زوجتك، أو أعين لك ابنتك، أو أجعلها تقبل في كلية مقابل خمسة آلاف أو عشرة، أو خمسة عشر، أو نحو ذلك، في أنواع من الرشاوى المكشوفة، التي تتعاون هذه العصابات فيها في الاستيلاء على أموال المسلمين، وفي الاعتداء على حقوق الذين يقفون بالدور انتظاراً للفرج، وهكذا يحصل من أنواع المعاصي والاعتداء على شريعة رب العالمين، وظلم المسلمين، من أنواع الفحش والمعصية ما لا يرضاه الله ، ألم يقل الله: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ سورة المائدة2. فما بالهم إذاً يتعاونون على الإثم والعدوان!

ثم الاستعانة بالشياطين على السحر والاعتداء، وإيذاء المسلمين وسائر أنواع الحرام، فيتعاونون في دلالة بعضهم بعضاً على ساحر أو عراف يذهب هذا إليه لينهب ماله، وأهم من ذلك أن يوقعه في براثن الشرك، وأوحال كل ما يضاد التوحيد مما نهى الله عن قربانه وإتيانه، ويتعاون بعض النساء أو الرجال على عمل السحر لامرأة أو رجل يفرقون به بين المرء وزوجه أو يجلبون الكراهية والبغضاء بين أفراد الأسرة، ويسعون في تطليق هذا من هذه، أو ينفر هذا الشريك من شريكه، أو أن يبغض الأب أولاده، ولا يعود يطيق البيت فإذا كان خارجه كان حسن الخلق، حسن المعاملة، وإذا دخل البيت تحول إنساناً آخر بسبب السحر الذي نصب له، تعاوناً على الإثم والعدوان، هكذا يا عباد الله يفعل إذاً.

صور من التعاون على الإثم والعدوان

00:18:08

وقد نبه العلماء على التعاون الخطير في الإثم والعدوان، عندما يتعاون مع أعداء الله تعالى في نصب بناء كفر وشاهد على الشرك من بيعة أو كنيسة ونحوها أو التعاون على المسلمين، لقد قال أحد سلاطين المسلمين في هؤلاء النصارى: إن طراز التفكير عند الأوروبيين وعند النصارى طراز غريب مليء بالتناقضات، فلا يستطيع الإنسان أن يحدد رأيه فيهم، فيوماً تراهم عريقين، ويوماً سفلة ظالمين، إنهم أناس لا يؤمنون بمبدأ، ولا يدينون بدين، يستصغرون رب العالمين، تعالى الله عما يقولون، لقد جاءنا أناس منهم بصفة أساتذة أفاضل، فأصابتنا الدهشة عندما عرفناهم وعرفنا دناءتهم، إن مفاهيم الحياة عندهم تغاير مفاهيمنا، والبون بيننا شاسع، والهوة سحيقة، فكيف يمكننا أن نفكر في التعاون معهم في مثل هذه الظروف، هكذا قال سلطان من سلاطين العثمانيين، وهو يعاني الأمرين في العلاقة مع هؤلاء، وأنشد أحد شعراء المسلمين أبياتاً في أحد هؤلاء الذين تعاونوا مع النصارى في إنشاء كنيسة، بل بذل لهم في بيت المال لكي يبنونها.

أردتكم حصناً حصيناً لتدفعوا نبال العدا عني فكنتم نصالها
فيا ليت إذا لم يتحفظوا لي مودتي وقفتم فكنتم لا عليها ولا لها
فيا سيف دين الله لا تنب عن هدى ودولة آل هاشم وكمالها
أعيذك بالرحمن أن تنصر الهوى فتلك لعمري عثرة لن تقالها
أفي حكم حق الشكر إنشاء بيعة النصارى لتتلوا كفرها وضلالها
وينفق فيها مال حران والرهاء وتفتيحها قصراً وتسبا رجالها
وترغم أنف المسلمين بأسرهم وتلزمهم شنآنها ووبالها
أبا ذاك ما تتلوه في كل سورة فتعرف منها حرامها وحلالها
ويركب في أسواقنا متبختراً بأعلاج روم قد أطالت سبالها

فخذ ماله: أي هذا المعاون للمشركين.

واقتله: يخاطب خليفة المسلمين.

............واستصفي حاله بذا أمر الله الكريم وقالها

بل إن من شروط أهل الذمة أيها الإخوة: أن لا يحدثوا كنيسة، وأن يعاونوا المسلمين ويرشدوهم، ويصلحوا الجسور، فإن تركوا شيئاً من ذلك فلا ذمة لهم.

يا عباد الله: لا بد أن يكون التعاون على البر والتقوى أن يكون شعاراً لنا، وأن نرفعه لمصلحة ديننا، ومصلحة دنيانا، ولا يمكن أن تصلح أحوال المسلمين إلا بهذا التعاون الذي أمر الله به.

عباد الله: إن التعاون على البر والتقوى خير عظيم، وفيه بركة كبيرة يعرفها من جربها، كما أن في التعاون على الإثم والعدوان شر كبير وبلاء مستطير، يعقد الأمور ويعين إبليس على مهمته، ويجعل هؤلاء المتعاونين شركاء له في الجرائم.

أيها الإخوة: إن الإنسان مدني بطبعه، لا بد أن يعيش مع الناس، والناس لهم إرادات وتصورات واعتقادات، فيطلبون منه أن يوافقهم عليها، فإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب من وجه آخر، عندما يعذبه ربه في الآخرة، إن وافقهم على الباطل فعذاب الله، وإن لم يوافقهم آذوه هم، فلا بد ولا بد من مخالطة الناس، فماذا يحتمل الإنسان؟ العذاب الأدنى درءاً للعذاب الأكبر، ولذلك لو خالفتهم فآذوك فاصبر على أذاهم واستمسك بدينك، ولا تتعاون معهم على الإثم والعدوان، وإن أرادوك على ذلك.

أيها الإخوة: عندما يريد منا هؤلاء المنافقون وأعداء الدين أن نكون منسلخين من الشريعة، وعندما يريدون نشر التحلل في الأمة، لما قام والٍ من المسلمين بمنع المرأة من العمل في محطات البنزين والفنادق، التي يسمون العاملات فيها فراشات الليل، ترفيه عن الزبائن، ورواد الفندق، وأنتم تعلمون معنى هذا، والكفتيريات قامت الدنيا عليه، لماذا؟ هكذا يريد أعداء الإسلام، نشر الانحلال في المسلمين، ونشر الانحلال يبدأ من خروج المرأة واختلاطها بالرجال، ولذلك فهم لا يزالون حتى يردونا عن ديننا ما استطاعوا، لا يزالون يقاتلوننا فكرياً وعقدياً وبالسلاح وبجميع الأنواع؛ ليسلخوا المسلمين عن دينهم، ويقوم هؤلاء المنافقون من المسلمين تأثراً بدعايات أولئك الكفرة، وانجذاباً إلى الشهوات وجرياً وراءها بنشر هذه الفكرة، خروج المرأة للاختلاط، ويتعاون بعضهم مع بعض من أجل هذه الجريمة، إدخالها في كل ما يفسدها، إدخالها في كل ما يجلب عليها الرذيلة، ويجرها إلى مستنقعها.

وهذا العجيب الذي يقول: إنه قد خرج من مسجد من المساجد، بعد أن خرج معظم المصلين، هذا الزعم بالتقوى، وتزكية النفس، يقول: ليجد على الباب فتاة تتسول، ويقول، وأنت تعرف العفة من كلامه: تعرف من يدها أنها لا تتجاوز الخامسة والعشرين. الخبرة في تقدير الأعمار، فسألتها عن السبب الذي دفعك إلى هذه المهنة؟ فقالت: إن راتب أبي لا يتعدى ثلاثة آلاف، ونسكن في بيت شعبي، فإما أن أتسول وإما أن أعمل في مهنة قذرة، فاخترت التسول، فسألتها: لو عرض عليك عمل في المطارات والبلديات والمؤسسات الخاصة والعامة، هكذا دون تقييد، فهل تمانعين؟ ثم يقول: رأيت موظفات في بعض المطارات فقلت: علام تحتجب نساؤنا عن العمل في الخطوط الأجنبية.

إذاً هذا المنافق بدلاً من أن يقول: لو عرض عليك عمل في مدرسة بنات نصف الراتب مثلاً، في مكان للنساء بنصف الراتب تقبلين. لا يقول ذلك، لكن يقول: لو عرض عليك في مكان كذا من هذه الأماكن خطوط الطيران الأجنبية، هكذا يريد إذاً، وهكذا يريد هؤلاء المنافقون أن تعمل المرأة في هذه الأماكن، فنادق، محطات بنزين، مصانع، إذا كان المسلم يريد إنقاذ المرأة هذه من الرذيلة، من العمل في الفنادق، أو من هذا العمل الشنيع الآخر محطة بنزين، امرأة تعمل في محطة بنزين، قاتلهم الله، فتقوم الدنيا على من يريد إكرام المرأة المسلمة وصيانتها، وحمايتها من مثل هذه الأعمال، وهذا أيها الإخوة مثال واضح على التعاون على الإثم والعدوان الذي يريده أعداء الله .

مآسي اندونيسيا

00:28:54

ومثال آخر، ومثال آخر للتعاون على الإثم والعدوان، وما أشده أيها الإخوة، ما يحصل الآن من المجازر للمسلمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون، لقد كانت المجازر في الشمال الغربي وفي الشمال فانتقلت الآن إلى الجنوب وجنوب الشرق، جنوب شرق العالم، لكي يقوم النصارى على المسلمين بحروب الإبادة والتقتيل والتشريد.

أيها الإخوة: لقد عانى إخواننا المسلمين في إندونيسيا والفلبين من المجازر العظيمة، والاعتداءات الجسيمة، وفر مئات الألوف من بيوتهم، هجموا على المسلمين في منطقة من المناطق، في منطقة بوسو قبل ثلاثة أشهر أو أربعة، عندما كان المسلمون يستعدون لصلاة الفجر، وهم في غفلة من أمرهم، ودون أدنى استعداد، وإذا بآلاف النصارى المسلحين يجتاحون القرى قتلاً وتحريقاً وتعذيباً جسدياً، وترى أكوام البيوت المحترقة على قارعة الطريق وجنباته، وهكذا حرقوا قرىً كثيرة واستثنوا في بعض القرى المساجد، وقد يتعجب بعض المسلمين ويقولون: تركوا بعض المساجد، لماذا تركوا بعض المساجد، مع أنهم كانوا في أماكن أخر يبدؤون بالمساجد؟ الجواب: إن الخطة لمجلس الكنائس العالمي تقضي بتحويل عدد من المساجد إلى كنائس، ورفع الصلبان عليها إغاظة للمسلمين وإذلالاً لهم.

أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول عليه بالدين النحيب
فحق ضائع وحمىً مباح وسيف قاطع ودم صبيب
فكم من مسجد جعلوه ذيراً على محرابه نصب الصليب

لم يبق للمسلمين في قراهم شيء، البيوت، المزارع، أحرق مصادر الرزق عندهم، ولذلك هاجروا يبحثون بمد اليد عن لقمة عيش لهم ولأولادهم، رحلوا عن البيوت، وأجلوا عن البيوت، وهكذا تنقل الطائرات تعاوناً على الإثم والعدوان، من بلاد النصارى، إلى إخوانهم في جنوب أو في تلك البقاع من أندونيسيا الأسلحة والمؤن إعانة لإخوانهم على المسلمين، هكذا يحدث في هذه الأيام، هجموا على قرية جمعوا مائة وواحد وتسعين رجلاً، قتلوهم جميعاً، ثم جمعوا عشرات النساء فجردوهن من ثيابهن، وفعلوا الفاحشة ببعضهن، ثم أرغموهن على المشي مسافة ستة كيلوا مترات وهن عريانات، وقد أخذت الصور المثبتة للوقائع، نصراني يحمل مسلم، يعضه من جلد الرقبة وآخر ينفخ عليه باستهزاء، وقد جمع كفيه حول الفم، ومسلم أصابه سهم في القلب وجثث بلا رأس، ومجموعة من رؤوس مقطوعة، يحملها النصارى، ونصراني يميل بيده بسيجارة مشتعلة ليطفئها في رأس المسلم المحمول، وهكذا حفر غائرة في أجساد المسلمين، المنحنين على الأرض من العذاب الذي لاقوه، وأكوام الجثث المحترقة، بعضها في المساجد، وبعضها في المستودعات، وبعضها في المدارس، متفحمة وسوداء، ووصل اللاجئون إلا الملاعب، هؤلاء المساكين من المسلمين فرؤوا بالحالة الرثة البالية، وقواطع صغيرة من الشراشف المهترئة، تفصل بين العوائل المفترشة لأراضي الملاعب، وهذه الأماكن المكشوفة، في خلو من الضروريات، الأرز الذي هو أصل طعامهم، ليس موجوداً عندهم، وهكذا، وهكذا تأتي المرأة بطفلتها الرضيعة، لتروي قصتها وهي تبكي، قتلوا النصارى جميع أهلي، والدي، زوجي، أولادي، أحد عشر فرداً من الأسرة لم يبق لي إلا هذه البنت الصغير، ثم، ثم ومع هذا كله يتباهى ويتواقح هؤلاء النصارى الكفرة بأنهم يريدون أن يجعلوا العالم بلا حروب، يفعلونها في هذه الأيام، ثم يتواقحون بأنهم يريدون أن يكون السلام بين أجيال البشرية، ويتظاهرون على المسلمين، ويتعاونون في المجازر، وهكذا، ثم يريدون فصل مناطق هؤلاء عن بلاد المسلمين، وأن تكون مستقلة لهم ولإخوانهم النصارى في ثرواتها الطبيعية.

أيها الإخوة: إن المسألة تدمي القلب فعلاً وتوقظ شيئاً في الضمير لمن كان له ضمير، وتبين بأن الحرب على الإسلام مستمرة مهما قال أولئك الكفرة، وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْسورة البقرة120. وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْسورة البقرة217. والله قالها، وهو يقول الحق سبحانه، ومن أصدق من الله قيلاً: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْسورة البقرة217. فهكذا يفعلون، وما على المسلمين من ضير إذا كانوا في وعي عما يراد بهم، وتعاون، وتناصر لأجل إنقاذ إخوانهم، دعاءً ومالاً، ومعاونة بشتى السبل.

أيا الإخوة: لعل مثل هذا يجعل بعض المسلمين يستحيون من إنفاق الأموال في المعاصي وهم يرون حال إخوانهم المسلمين، إنفاق الأموال في المعصية.

اللهم إنا نسألك أن ترد المسلمين إلى الحق رداً جميلاً، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين.

ومن البشائر السارة أن المجاهدين في أندونيسيا قد استرجعوا كثيراً من المناطق التي احتلها النصارى، وقام هناك جهاد للمسلمين، لكن هذه المرة ليس في مكان أقلية، وإنما في مكان فيه أكثر من مائة مليون مسلم، لكن أيها الإخوة: نحن مصابون بالغثائية، داء الغثائية الذي يجعلنا هواناً عند الناس، وعند العالم، لكن لا بد أن نتفاءل، ولا بد أن يكون لنا إيمان بالبشائر التي ذكرها النبي ﷺ، والحمد لله إن في الواقع ما يدعو إلى التفاؤل، من عودة عدد من المسلمين إلى دينهم، والتزامهم بالإسلام، واستيقاظ حس معاونة الإخوان، أن يعاون الإنسان إخوانه المسلمين، على البر والتقوى، المساهمة، والمشاركة، وكذلك ما يحدث من الانتصارات في بلاد الشيشان، ويومياً يقتل من الروس أعداد ولله الحمد والمنة حتى صاروا في عذاب أليم، نعم، إن العذاب أيضاً على المسلمين واقع، في المدنيين وغيرهم، ولكن المدافعة موجودة، وهذه علامة صحية، المدافعة، وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًاسورة الحـج40. وإنك لتجد بحمد الله أنه ما من بلد الآن يقام فيه بمذبحة للمسلمين إلا وتكون ردة الفعل إحياء الجهاد ورفع راية الجهاد، وهذه نعمة كبيرة جداً أن يكون في المسلمين مدافعة، ومصارعة للباطل، ثم يقوم إخوانهم المسلمون بمدهم بما يستطيعون، هذا مفهوم الجسد الواحد الذي وصفه لنا رسول الله ﷺ.

اللهم إنا نسألك النصر العاجل للمسلمين يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تنصر دينك، وأن تعلي كلمتك، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والتوحيد، اللهم إنا نسألك الفرج العاجل لإخواننا، اللهم أشف مرضاهم، وأبرئ جرحاهم، وارحم موتاهم، اللهم ردهم إلى الحق يا رب العالمين، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم زلزل الأرض من تحتهم، وأنزل عليهم عذاباً من فوقهم، وائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم فرق شملهم، وشتت جمعهم، اللهم عليك باليهود والنصارى والمشركين، اللهم اجعلها عليهم ناراً ودماراً يا رب العالمين، اللهم أذقهم بأسك، اللهم أذقهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه البخاري447
2 - رواه أبو داود1663، وصححه الالباني في صحيح أبي داود1466
3 - رواه البخاري2486، ومسلم2500
4 - رواه البخاري3038