الخميس 10 شوّال 1445 هـ :: 18 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

اغتنام الأوقات بالطاعات


عناصر المادة
الخطبة الأولى
اغتنام الوقت لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا
مشكلة بعض الناس عدم معرفة قيمة الوقت
استغلال الوقت بالطاعة قبل عروض المشاغل
الخطبة الثانية
الاستعداد لرمضان بالاستغلال النافع للوقت
مسألة الجمع في المطر

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران 102.  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب 70-71.

أما بعد:

اغتنام الوقت لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا

00:01:11

فإن الله تعالى جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًاسورة الفرقان 62.وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَسورة إبراهيم 33. وقد أنّب الله تعالى الكفار لما أعطاهم العمر المديد فلم يستفيدوا منه فقال : أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍسورة فاطر 37. ومدح المؤمنين لأنهم استفادوا من أعمارهم، واغتنموا أوقاتهم، فقال كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِسورة الحاقة 24.

فوبخ هؤلاء مع أنه عمّرهم؛ لأنهم لم يستفيدوا من العمر، ومدح هؤلاء؛ لأنهم اغتنموا الأيام الخالية، اغتنموا العمر في طاعة الله تعالى، وهذا المبدأ مهم للغاية أيها المسلمون أن يعلم الإنسان قيمة عمرة.

لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 111]. وقال ﷺ: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك[أخرجه الحاكم في المستدرك 7846].  فتأمل أنه يُسأل عن العمر عموماً، ويُسأل عن الشباب خصوصاً؛ لأنها مرحلة فيها نشاط، وقوة، وحيوية، ففي أي شيء صرفها؟ وفيم قضاها؟ وكذلك يُسأل عن الصحة؛ لأنها نعمة يستطيع أن يفعل فيها أكثر مما يفعل في حال المرض، ويُسأل كذلك عن أوقات الفراغ يا عباد الله، والنبي ﷺ بيّن هذا المفهوم بقوله ﷺ: عجلوا الخروج إلى مكة، فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8695]. وقال: من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة[أخرجه ابن ماجه 2883]. حديث صحيح.

انتهاز الفرصة واغتنام الأوقات قبل ورود المشاغل، قبل الانشغال بالمرض، وقبل الانشغال بالفقر، وقبل الانشغال بالأولاد والزوجة، وقبل الانشغال بما سينزل به من الموت، ومع الأسف فإن كثيراً من الناس لا يدرون قيمة عمرهم، قال رسول الله ﷺ: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ، فالحديث يدل على توفر أمرين: الوقت وقوة الجسد، الوقت الذي يمكن ملؤه، وقوة الجسد المعينة على العمل، وفترة الشباب تكون زاخرة بهذين الأمرين.

عباد الله: ونحن مقبلون على موسم الطاعة، وعلى..... وسيكون فيه إجازة من المدارس، فماذا سيفعل الشباب ويفعل الناس عموماً في هذا الموسم القادم؟ إذا علمنا أنه ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها، يتحسرون على ساعة مرت بهم في الدنيا لم يذكروا الله فيها، فإذا قارنا هذا بالساعات الطوال التي تضيع في غير ما فائدة، بل إنها تقضى في المعاصي، ولا يُبقي كثير من الناس لربهم وعبادته سبحانه إلا ساعة إذا اكتملت، هذا إذا اكتملت، أهل الجنة يتحسرون على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها، وكثير من الناس في هذا الزمان لا يتعدى ذكرهم لله في اليوم ساعة، وبقية الأوقات في الأشغال، والملاهي، والمحرمات، وهنا ينبغي أن يقف العاقل مع نفسه وقفة يتذكر فيها ربه، ويعد العدة لما بعد الموت.

عباد الله: ينبغي اغتنام كل فرصة، واغتنام العمر حتى آخر لحظة، وهذا معنى قول النبي ﷺ: إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل[أخرجه أحمد 12569]. رواه الإمام أحمد.

في هذا الحديث الصحيح: انتهاز الفرصة في عمل صالح في آخر لحظة، ولو كان الإنسان لن يرى ثمرته - العمل الصالح - ويرى ثمرته في الآخرة ولو لم يجدها في الدنيا.

مشكلة بعض الناس عدم معرفة قيمة الوقت

00:08:26

عباد الله: إن المشكلة تكمن في عدم معرفة قيمة الوقت، الوقت سريع التقضي، أبي التأتي، لا يرجع مطلقاً، والعاقل هو الذي يفعل ما يغتنم به وقته، قال بعض أهل العلم: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ثم ليس فقط انتهاز العمر بالطاعات، واغتنام الأوقات بالعبادات، وإنما يقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، وهذه مسألة تحتاج إلى فقه، اغتنام الوقت في أفضل ما يمكن تحتاج إلى فقه؛ لأن المسألة، مسألة التفاضل بين الأعمال لا يمكن التوصل إليها إلا من خلال الأدلة الشرعية، ولذلك فلا بد أن يكون للمسلم علم بالأعمال التي نص الشارع على فضلها، وأنها أفضل من غيرها، ولذلك نجد في بعض الأحاديث: أفضل الأعمال: إيمان بالله وحده ثم الجهاد ثم حجة برة[أخرجه أحمد 18531]أفضل الأعمال: الصلاة على وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله[أخرجه البخاري 2783]. وهكذا تتفاوت الأعمال في الفضل، كما تختلف بالنسبة للأشخاص في ظروفهم، وأحوالهم، وإمكاناتهم، وكذلك فإنه قد يكون الأفضل لشخص ما ليس لآخر، فالأذان لمن كان حسن الصوت، وقيادة عسكر الجهاد لمن كان له خبرة وقوة، والصدقات للأغنياء، وتعليم الناس لأهل العلم، والشفاعة الحسنة من صاحب الجاه، وغير ذلك من الأعمال التي تعتمد على إمكانات الأشخاص، ثم إنه قد لا يكون قادراً عليه غيره فيتعين عليه، لا يكون هناك من يقدر على هذا العمل ويستطيع القيام به إلا هو فيتعين عليه، وكذلك أن يكون العمل أنفع، فكلما كانت دائرة النفع أشمل كلما كان أفضل، ولذلك كان نفع المسلم لأخيه المسلم من قضاء دين، أو تعليم علم، أو سد جوعة، ونحو ذلك من أفضل القرب، حتى ربما فاق الاعتكاف في المسجد النبوي شهراً.

وكذلك فإنه إذا عرف أن بعض الأعمال أفضل لمشقتها فإنه يقدم عليها، كما جاء في فضل إسباغ الوضوء على المكاره، والمشي في الظُلَم إلى المساجد، والجهاد في سبيل الله، ولذلك فإن احتساب الأجر في التصدي لأهل البدع، وأعداء الدين، فيه أجر عظيم؛ لأنه يترتب عليه مشقة شديدة وتضحية و المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم[أخرجه ابن ماجه 4032].

عباد الله: حتى القرآن وهو كلام الله تعالى فيه آيات وسور بعضها أفضل من بعض، والأذكار الشرعية بعضها أفضل من بعض، فالحمد لله أفضل من سبحان الله، والكل وارد، وبعضه محدد في مناسبات، ولكن إذا جئت للأذكار المطلقة هنا يظهر الفقه في انتهاز الوقت في العبادة والذكر التي هي أفضل من غيرها.

عباد الله: إن على المسلم أن ينظر في أي شيء ينصرف وقته، قال بعض أهل العلم: رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً، إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب وسمر، قراءة كتاب في أي شيء؟ فيما لا ينفع، ككثير من القصص التافهة، والمجلات الماجنة، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة، أو في الأسواق، هذه ملاحظة أحد علماء العراق في زمانه قال: وهم في أطراف النهار على دجلة، كما يضيع كثير من الناس أوقاتهم على الأرصفة، وعلى الشواطئ، والصفق في الأسواق، تضيع الأوقات، تهدر، عمر يهدر، شهور وسنوات تجري، وهو لم يفعل غير الصفق في الأسواق، والجلوس في الطرقات، وإضاعة الأوقات في الملاهي والمحرمات، ليتهم كان صرفهم لوقتهم في شيء لا يضرهم، ولكن يصرفه فيما يضره ولا ينفعه، قال: وهم في أطراف النهار على دجلة، أو في الأسواق، فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر، لماذا نهى النبي ﷺ عن قيل وقال وكثرة السؤال؟ ونهى عن السؤال عما لم يقع؟ لماذا نهى عن ذلك؟ لأجل حفظ الوقت يا عباد الله، فيكون حال الجاهل بحق ربه، ومصلحة نفسه، من يضيع أوقاته، في مثل هذه الترهات، وكثير ما هم، ونحن قادمون على إجازة في شهر كريم، فما هي الخطة؟ وما هو المنهج؟ وماذا كان الإعداد؟.

استغلال الوقت بالطاعة قبل عروض المشاغل

00:15:48

يا عباد الله: إن العوارض كثيرة، والأشغال متعددة، وتتزاحم الهموم، وينشغل التفكير، ويتكدر صفاء الذهن بمشكلات الحياة الكثيرة، ولذلك لا بد من اغتنام الأوقات قبل عروض المشاغل، والإنسان لا يدري ماذا تخبئ له الأيام، وبعض الناس قد انشغل بمرض سنوات طويلة، أقعده وآلمه، وصرفه عن سعيه ونشاطه، ولا يظنن الشاب أن الأمر سيستمر على ما هو عليه:

أترجو أن تكون وأنت شيخ كما قد كنت أيام الشباب
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب دريس كالجديد من الثياب

وينبغي على الطالب أن يغتنم وقته قبل أن يصبح موظفاً، وكذلك من لم يتزوج، ينتهز وقته قبل أن ينشغل بالزواج والأولاد، وهكذا تشغل الحياة الدنيا من فيها، فالسعيد العاقل من انتهز الوقت وعرف قيمته.

عباد الله: تمر بنا إجازات كثيرة، وعطل عن الأعمال في آخر الأسبوع وغيرها، ففي أي شيء تُقضى؟ وفي أي شيء تُصرف؟ والمسألة تحتاج إلى إيمان يدفع لقضاء الأوقات في الطاعات، بماذا انتهز عبد الله بن عمرو بن العاص وقته؟ واغتنمه في أي شيء؟ جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إن لي قوة، شاب عندي قوة، قال: يا رسول الله، وذكر له الصوم، فقال ﷺ: صم من كل عشرة أيام يوماً ولك أجر التسعةفقال: إني أقوى من ذلك، قال: فصم من كل تسعة أيام يوماً ولك أجر الثمانية فقلت: إني أقوى من ذلك، قال: فصم من كل ثمانية أيام يوماً ولك أجر تلك السبعةقال: فقلت إني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل حتى قال: صم يوماً وأفطر يوماً[أخرجه النسائي 2395]. فقال: فإني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله ﷺ: لا أفضل من ذلك[أخرجه البخاري 1976]. فكان ينتهز عمره وفرصة شبابه في الصيام.

كيف تعوّد الأعمش رحمه الله على أن لا تفوته تكبيرة الإحرام ستين عاماً؟ لقد كان العلماء يعرفون فضائل الأوقات.

والبخاري رحمه الله كان يتمثل بهذين البيتين:

اغتنم في الفراغ فضل ركوع فعسى أن يكون موتك بغتة
كم صحيح رأيت من غير سقم ذهبت نفسه الصحيحة فلتة

وفعلاً فقد توفي البخاري رحمه الله بالسكتة وموت الفجأة، مثلما كان يقول في هذين البيتين، ولكن أي شيء خلّف البخاري؟ ماذا ترك محمد بن إسماعيل رحمة الله عليه؟ ترك هذا الكتاب العظيم الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله، ومنه ينهل الواردون، ويأتي المتعطشون للعلم، ويستدل بأحاديثه في الخطب، والدروس، والمواعظ، فكم جاء لأبي عبد الله في قبره من حسنة، والله يعلم شأن عباده.

عباد الله: إن الله لما أمر نبيه بالعبادة، أو بالصلاة أتبع الصلاة بعمل آخر، قال: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ۝ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ، والمؤمن يخرج من عبادة ليدخل في أخرى، هذا هو الاغتنام الحقيقي، يخرج من عبادة ليدخل في أخرى، وتحسن نيته، حتى يكون نومه عبادة، وأكله عبادة، وشربه عبادة، ونكاحه عبادة، إذا حسنت النية، وابتغى بذلك وجه الله .

عباد الله: كان السلف رحمهم الله أوقاتهم موزعة بين العبادة، والتعلم، والحفظ، والتدريس، والتصنيف والإفتاء، وربما كان يُقرأ عليهم في الطريق، ويقرؤون هم في الطريق، وكان الخطيب البغدادي رحمه الله يمشي وفي يده جزء يطالعه، وكان جد شيخ الإسلام إذا دخل المغتسل أمر قارئاً يقرأ ويرفع صوته؛ ليستفيد من العلم وهو يغتسل، وكانوا يأكلون الطعام النيئ أحياناً؛ لضيق الوقت، ويختارون سف الكعك؛ لأنه أسهل وأشد يسراً في البلع، ولا يأخذ وقتاً في المضغ، وربما تعلم واحد منهم المسألة وهو على فراش الموت يحتضر، وقد قالوا: وقال عمر : تفقهوا قبل أن تسودوا؛ لأن السيادة لها ضريبة في الشغل والانشغال، فإذا لم يدخل فيها المرء بعلم وفقه، فأي شيء يفعل، وكيف يقود؟

عباد الله: تبقى المسألة معرفة قيمة الزمن، وشرف الوقت، وإذا خلصت النية فالله يبارك، هذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله في سنتين ونصف فقط أحدث انقلاباً في حياة الناس، صار الناس في غاية الشغل في العبادة والطاعة، وكانوا في عهد من قبله يسأل بعضهم بعضاً عن القصور، والبساتين، والعمائر، والزراعات، والتجارات، وفي عهد عمر صار الواحد يسأل الآخر عن الختمة، والحجة، والعمرة، والطاعة، فالإنسان يمكن أن يفعل لنفسه ولغيره من النفع العظيم في وقت يسير إذا خلصت النية.

وكذلك ينبغي الانتباه لسوف، ومرض التسويف، كما قال بعض السلف: كلما جاء طارق الخير صرفه بواب لعل وعسى، فينبغي أن يسارع المسلم، أن يسارع الآن؛ لأن كلمة (عسى) و(سوف) لا تغني شيئاً، بل ربما سوَّف وفاتت عليه الفرصة.

نسأل الله أن يعمر أوقاتنا بالطاعات، وأن يجعلنا من القائمين بالعبادات، وأن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.

أقول أقولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

وافسحوا يفسح الله لكم.

الخطبة الثانية

00:24:18

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على النبي الأمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

الاستعداد لرمضان بالاستغلال النافع للوقت

00:24:35

عباد الله: أمران أنبه عليهما في هذا الاجتماع، لم يبق على رمضان إلا أياماً قليلة، فينبغي إعداد العدة لقدوم الشهر الكريم، وإذا كان التجار يستعدون بتكديس المواد الغذائية، وأهل المعاصي يستعدون بالسهرات المحرمة، والفوازير، والمسابقات القائمة على الميسر والقمار الشائعة بين الناس، وغيرهم من أهل الدنيا في لهو ولعب، واستعداداتهم للشهر دائرة بين الانشغال بالمباحات، أو الإعداد للمحرمات، فينبغي على المسلم أن يعد العدة لهذا الشهر الكريم، فأما من كان على ثغرة في تعليم الناس، فينبغي أن يعد العدة فيما يقرأ عليهم، وأي شيء يذكّرهم به، وأن يقرأ في فتاوى الصيام وأحكامه؛ ليكون على استعداد لتعليم غيره ونفعه، بما ينبه به غافلاً، ويعلم به جاهلاً، وهذه مسألة في غاية الأهمية وهي: تنبع من الشعور بالمسئولية، وحمل الأمانة التي كلف الله بها أهل هذا الدين.

وننبه: من كان عليه قضاء من رمضان الماضي، بأن يسارع إلى القضاء قبل دخول رمضان الجديد؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يؤخر ما عليه من الدين لله تعالى من رمضان الماضي حتى يدخل رمضان الجديد، وإنما ينبغي عليه أن يقضي قبل ذلك، ولو كان له شغل أخّر قضاءه إلى شعبان، كما كانت عائشة رضي الله عنها تقول في انشغالها بشأن زوجها النبي ﷺ، حتى تجعل قضاءها في شعبان، فإنها الفرصة الأخيرة.

فننبه: وبالذات النساء في البيوت اللاتي عليهن قضاء من نفاس، أو رضاع أشغلهن في رمضان الماضي للمسارعة في القضاء، وأما إن اتصل العذر فكانت في حمل، ونفاس، ورضاع حتى دخل رمضان الجديد، ولم تتمكن من القضاء، أو المريض الذي اتصل مرضه من رمضان الماضي حتى دخل رمضان الجديد، فليس عليه شيء غير القضاء فيما يستقبل إذا زال العذر وتمكن منه.

كما أنبه أيها الإخوة: إلى أنه لا يجوز تأخير القضاء بعذر الاختبارات والامتحانات، فإنها ليست بعذر؛ لأن قضاء الصوم أعلى درجة بكثير من اختبارات الدنيا وامتحاناتها، فلا يكونن ذلك عذر فتنبه يا ولي أمر الطالب والطالبة. وكذلك فإننا نسأل الله التوفيق للأبناء، وأن يجعل سعيهم في طاعته.

مسألة الجمع في المطر

00:28:43

عباد الله: أمر آخر في قضية الجمع في المطر، وقد سبق التنبيه في خطبة ماضية على عدم التنازع، وتحويل المساجد إلى ساحات للصراع في الآراء، ورفع الأصوات، والصياح، والاختلاف بين المسلمين، حتى لو أن كافراً اطلع على بعض ما يدور في جماعة مسجد من المساجد في هذا الشأن لربما صده ذلك عن دينه، فلا يجوز رفع الأصوات في المساجد، والصياح، والاختلاف فيها، وقد غضب النبي ﷺ لما رأى شيئاً من ذلك، فاجتنبوا ذلك يرحمكم الله، والمسألة واضحة فيما ذكره أهل العلم في الجمع في المطر، من استمرار نزوله مطراً حقيقياً يبل الثياب، فيه مشقة، وحرج في قدوم الناس إلى المسجد، فهذا المطر الذي يُجمع فيه، وقد ذكر علماؤنا هذه المسألة، وأنقل لكم هذه الفتوى التي صدرت من سماحة الشيخ في هذه المسألة: يجب على المسلم أداء الصلوات الخمس في أوقاتها التي حددها الله لها، وبينها رسوله ﷺ بقوله وبفعله، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًاسورة النساء 103.  وقال النبي ﷺ: صل الصلاة لوقتها[أخرجه مسلم 648]. فلا يجوز فعل الصلاة في غير وقتها، لا قبله ولا بعده إلا لمن يجوز له الجمع بين الصلاتين لعذر شرعي، يبيح له الجمع، كالسفر الذي تقصر فيه الصلاة، والمرض الذي يحصل فيه على المريض بترك الجمع مشقة، وفي حالة المطر والوحل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لأن فعل الصلاة في وقتها فرض، والوقت أوكد فرائض الصلاة، كما أن صيام شهر رمضان واجب في وقته، ليس لأحد أن يؤخره عن وقته، لكن يجوز الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بمزدلفة، باتفاق المسلمين، وكذلك يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر عند كثير من العلماء؛ للسفر، والمرض، ونحو ذلك من الأعذار، وأما تأخير صلاة النهار إلى الليل، وتأخير صلاة الليل إلى النهار فلا يجوز لمرض، ولا لسفر، ولا لشغل من الأشغال، ولا لصناعة، باتفاق العلماء، بل قال عمر بن الخطاب : الجمع بين صلاتين من غير عذر من الكبائر. انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله.

وبناءً على ذلك، انتبهوا معي لهذه الخلاصة، وبناء على ذلك: فالذين يسارعون إلى الجمع لمجرد وجود غيم، أو مطر خفيف لا يحصل منه مشقة، أو لحصول مطر سابق لم ينتج عنه وحل في الطرق، فإنهم قد أخطؤوا خطأً كبيراً، ولا تصح منهم الصلاة التي جمعوها إلى ما قبلها؛ لأنهم جمعوا من غير عذر، وصلوا الصلاة قبل دخول وقتها.

وأيضاً: لا يجوز الجمع بين الجمعة والعصر؛ لأن ذلك لم يُنقل عن النبي ﷺ، ولا عن أصحابه ، ولأن الجمعة ليست من جنس العصر، فمن جمع بين الجمعة والعصر فعليه أن يعيد صلاة العصر؛ لكونه صلاها قبل وقتها لغير مسوغ شرعي.

فإذاً إذا كان مطراً واضحاً يبل الثياب، تحصل منه مشقة، ولو لبعض الناس، لأن بعض المجاورين للمسجد قد لا يحصل له شيء، فعند ذلك تجمع  الصلاتان.

وينبغي يا عباد الله، وينبغي كذلك الائتلاف، والاتفاق، وعدم الاختلاف، وبيان كلام أهل العلم في المسائل، وليس الجمع شهوة، ليس الجمع شهوة، المسألة ليست كما قال واحد من الناس، قال: اجمعوا أين نجد هذه الفرصة؟ اجمع، ليست المسألة بيعاً وشراءً، وليست عرضاً تجارياً وفرصة، وتنزيلات، المسألة مسألة صلاة ودين، ولذلك ينبغي أن يكون الجمع صحيحاً.

ولنعلم أيضاً: أن حال الأحياء يختلف، والمدن يختلف، فبعضها بعض المساجد قد يحيط بها، تحيط بها مستنقعات من المياه، حتى لو توقف المطر يخوضون في الوحل والماء، فهؤلاء يجمعون، وآخرون ليس عندهم هذا العذر لا يجمعون، وبعض المخططات السكنية فيها خوض في الوحل والطين يجمعون، ولو توقف المطر، وغيرهم لا يجمع؛ لأنه ليس عنده عذر الجمع، وقد يكون المطر كثيفاً في طرف البلد، خفيفاً في الطرف الآخر، أو منقطعاً، فينبغي مراعاة كل مسجد، وكل حي بحسبه.

وكذلك فإنه ينبغي تعلم دين الله تعالى، فإن بعض الناس بلغ من جهلهم أنهم جمعوا في المطر في البلد وقصروا، وقصروا، وقصروا، وهذا من تقصيرهم وجهلهم، فأين سمعت بقصر صلاة في البلد؟ وليس قصر إلا في السفر، ومن فعل ذلك فعليه التوبة والإعادة، وأحياناً يكون الإمام من الأعاجم، فيتسلط عليه من في المسجد، ويلزمونه بجمع في وقت ليس فيه جمع شرعي، ويكون بجهله ربما يؤدي إلى قصر الصلاة، وهم بجهلهم لا ينبهونه، ويخرج الناس من المسجد، ويتفرقون ولما يقضوا واجب الله تعالى، ولذلك ينبغي الحرص على العلم، ومعرفة أقوال أهل العلم، وتحقق ذلك، وتحقق العذر، ولا بأس إذا كان العذر قائماً أن يذهب إلى مسجد فيه جمع ليجمع ما دام العذر قائماً، وأما إذا لم يكن قائماً فلا يجمع ولو معهم، ولا يصلي حتى نافلة لئلا يكون مقراً لهم على حالهم، وينبغي أن تكون النصيحة بالحسنى، فيما بينه وبين إمامه، وبين المصلين وبعضهم، وكونوا عباد الله إخواناً.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه، والعمل بكتابه، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 111
2 - أخرجه الحاكم في المستدرك 7846
3 - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8695
4 - أخرجه ابن ماجه 2883
5 - أخرجه أحمد 12569
6 - أخرجه أحمد 18531
7 - أخرجه البخاري 2783
8 - أخرجه ابن ماجه 4032
9 - أخرجه النسائي 2395
10 - أخرجه البخاري 1976
11 - أخرجه مسلم 648