الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

كيف يكون الزواج إسلامياً؟ 1


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أهمية النكاح
أحكام عقد النكاح
فوائد النكاح
مفاهيم خاطئة في الزواج
المغالاة في المهور

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أهمية النكاح

00:01:11

أيها الإخوان: لقد سرنا ما نرى في هذه الأيام من كثرة الزواجات التي هي دلالة على صحوة هذه الأمة، وعلى عودتها إلى الله ، وعلى رغبة الناس في العفاف والإعفاف، وإننا بهذه المناسبة نتكلم عن بعض الأمور المتعلقة بالنكاح، وهذا أمر طويل يحتاج إلى عدة خطب، ونقول:

إن الله كما سمعنا في خطبة الحاجة قد قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءسورة النساء1، وقد حث الله تعالى على النكاح فقال: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءسورة النساء3، وأخبر أنه من سنن الأنبياء والمرسلين فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةًسورة الرعد38، حث عليه النبي ﷺ فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج[رواه البخاري5065 ومسلم1400]، واللام لام الأمر في قوله: فليتزوج، ولا بد من الانصياع لأوامر الله ورسوله إذا استطاع الإنسان الباءة، وملك ما يقدر عليه من تحقيق النكاح مالياً، وجسدياً، ودينياً قبل ذلك، وقال ﷺ آمراً: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة[رواه أبو داود2050]، ورد النبي ﷺ على رجل قال: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج فقال ﷺ: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني[رواه البخاري5063].

أحكام عقد النكاح

00:03:22

وعقد النكاح عقد خطير رتبت الشريعة لعقده وفسخه أحكاماً معلومة، وحدوداً معروفة، لكثرة ما ينبني عليه من أحكام الله من الأمور المتعددة كالنسب، والإرث، والمحرمية، والنفقات، وغيرها، فاعتنت الشريعة بعقد النكاح اعتناءً عظيماً، فمن شروطه: أنه لا بد أن يكون بولي بالغ، عاقل، يعرف الكفء من الناس، ومصالح النكاح، لقول النبي ﷺ: لا نكاح إلا بولي[روه الترمذي1101]، فالمرأة لا تزوج نفسها، لا بطريق الأصالة، ولا بطريق الوكالة، وأحق الناس بالولاية على المرأة في النكاح أقربهم، والولاية في النكاح للعصبة، وهم من جهة الأب، فيزوجها وليها العاصب، الأقرب فالأقرب، الأب، ثم الجد، ثم الولد، ثم الأخ، وهكذا، وأما الأقارب غير العصبة فلا ولاية لهم إلا بتوكيل، كالأخ لأم، والخال، والجد لأم، فإن هؤلاء لا ولاية له في تزويج المرأة، وإذا لم يكن الولي أهلاً للولاية يزوجها الولي الذي بعده، والناس اليوم في كثير منهم كفر، أو فسق وفجور، فإذا كان الولي غير صالح، وما أكثرهم في هذه الأيام زوجها الولي الذي يليه، وإذا لم يكن للمرأة أولياء من العصبة يزوجها القاضي ومن يقوم مقامه.

ويجب على الولي أن يتقي الله، وأن يراعي مصلحة المرأة، ويزوجها من هو كفؤاً لها ديناً، وخلقاً إذا رضيته، ولا يحل له أن يمنعها من الكفء فإن فعل فقد عصى الله ورسوله، وسقطت ولايته عليها، ويزوجها الولي الذي بعده، ومن شروط عقد النكاح: رضا المرأة إذا كانت بالغة، فلا يجوز تزويج المرأة بغير رضاها سواءً كانت بكراً أم ثيباً، وسواءً كان الذي يريد أن يزوجها أباها أو غيره لقول النبي ﷺ: لا تنكح البكر حتى تستأذن[رواه البخاري5136] وفي رواية لمسلم، والبكر يستأذنها أبوها[رواه مسلم1421] فأما الثيب فإنها تعرب عن نفسها لما اعتادته من أمر الزواج، وأما البكر فلغلبة الحياء عليها يكتفى منها بالصمت، إذنها صماتها إذا لم تستطع التصريح، فلا يجوز للولي إجبار موليته على الزواج بمن لا ترضاه لما يترتب على ذلك من المفاسد، خصوصاً وأن بعضهم يجبرها لمصلحة نفسه، وإذا كان لا يجوز له شرعاً أن يجبرها على بيع أقل شيء من مالها بغير رضاها فكيف يحل له أن يجبرها على بذل نفسها وعرضها لمن لا ترضاه ولا تريده، ولكن لو أن الفتاة رغبت بالزواج من شخص لا يرضى دينه فيجب على الولي أن يمنعها، وهذا من مقتضيات الولاية.

ومن الشروط: أن يحضر العقد رجلان مقبولان في الشهادة؛ لحديثه ﷺ: لا نكاح إلا بولي وشاهدين،  وشاهدي عدل[رواه الدار قطني في السنن3533] كما صححه بعض أهل العلم.

ومن الشروط: تعيين الولي للزوجة باسمها، أو وصفها الذي تتميز به، فلو قال: زوجتك ابنتي لا يصح إلا أن يكون ليس له بنت سواها، فلا بد من تعيينها عند العقد حتى يصح العقد، ويجوز العقد على امرأة ولو كانت حائضاً، أو صائمة، أو غائبة عن البلد إذا علم رضاها.

فوائد النكاح

00:07:31

وفي النكاح يا عباد الله من الفوائد ما لا يحصى، فمن ذلك: تحقيق مباهاة النبي ﷺ بأمته يوم القيامة لقوله: فإني مكاثر بكم الأمم[تقدم تخريجه]، ومن فوائده: تكوين الأسر، وتقريب الناس بعضهم لبعض، فإن الصهر شقيق النسب، ألم تر أن الله قال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًاسورة الفرقان54، فالعلاقة بين الناس إما أن تكون نسبية، أو صهرية، وهذا من محاسن دين الإسلام، أن يقرب بين عوائل المجتمع وأسره، ومن فوائد النكاح: حصول الأجر والثواب أولاً بإعفاف النفس، وأجر آخر بإعفاف المرأة، وثالثاً: بالإنفاق عليها، ورابعاً: بالقيام بحقوقها، وخامساً: بابتغاء الولد، وسادساً: أجر تربيته، والولد الصالح يدعو لك، وهكذا كلما زادت النية زاد الأجر، والأجر على قدر النية والعمل، وهو سبب للغنى وكثرة الرزق، ليس كما يتوهم الماديون ضعاف التوكل، قال تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ سورة النور32، فلا صحة لما يقوله هؤلاء اليوم: إن الزواج مسؤوليات مادية مرهقة لا طاقة للناس للقيام بها، لكن متى يكون الزواج ميسراً يأتي بالمال؟ إذا كان كما أمر الله وشرع.

وقال ﷺ: ثلاثة حق على الله عونهم، وذكر منهم الناكح الذي يريد العفاف[رواه الترمذي1655]، فإذا أراد العبد العفاف، وأراد وجه الله، سهل الله له الطرق، ولو كان فقيراً، فساعده الناس، فقدم له هذا هدية، وراعاه هذا في المهر، وأعانه هذا بشيء من تكاليف الزواج، وتنازل له هذا عن شيء من الديون، وهكذا وهكذا، قال أبو بكر : "أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى".

مفاهيم خاطئة في الزواج

00:09:56

ويتبين مما سبق: أن ظاهرة عزوف كثير من الشباب اليوم ذكوراً وإناثاً عن الزواج بحجة إكمال الدراسة مثلاً، أن حجتهم داحضة عند ربهم، فإنه إذا خشي على نفسه الوقوع في الحرام، أو وقع فيه فعلاً فلا مناص له من إعفاف نفسه، وهذا الزواج يسبب من الراحة النفسية، وتفرغ الفكر، واطمئنان القلب، ما يعين على أمور الدنيا، وماذا ينفع المرأة مثلاً إذا أكملت دراستها التي ليست بحاجة إليها وفاتتها سعادة النكاح، ولذة الأولاد، فلا تذكر بعد موتها.

وهذا لا يعني عدم إعداد العدة للزواج، والاجتراء عليه دون أخذ الأسباب، فلابد من أخذ الأسباب، أما الذين لا يقدرون المسؤولية، ويريدون أن يتزوجوا دون أخذ بالأسباب الشرعية فإنهم أناس متهورون ينبغي عليهم أن يتعقلوا، لكن إذا صدقوا الله، وأخذوا بالأسباب فإن الله في عونهم ولا شك.

ومن الظلم الحاصل في المجتمع اليوم عضل المرأة وهو حبسها عن النكاح ممن تريد الزواج به دون سبب شرعي، هذا الأمر الذي ورد النهي عنه في الكتاب العزيز، كما قال : فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ سورة البقرة232. نزلت في شأن المطلقات، وهي عامة في مدلولها بعدم منع المرأة من الزواج بمن تريد الزواج به إذا كان كفؤاً لها ديناً وخلقاً.

وهؤلاء الأولياء الذين يحبسون النساء مخالفون لقوله ﷺ: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض[رواه الترمذي1084].

وتأمل الفتنة التي حصلت اليوم من الاتصالات المحرمة وغيرها، والفساد العريض الذي نشأ، بسبب حبس الأولياء لبناتهم، أو أخواتهم عن نكاح الكفء الذي يتقدم إليها وهي تريده، فإذا كان الخاطب كفأً، ورضيته المخطوبة، ومنعها الولي، ففي منعه ثلاث جنايات، الأولى: معصيته أمر الله ورسوله كما في الآية والحديث المتقدمين؛ لأن منع الخاطب من حق أعطاه الله ورسوله إياه معصية ولا شك وظلم، فالله أعطى الخاطب حقاً إذا تقدم يرضى دينه وخلقه فحقه أن يزوج، فإذا منعه الولي من حقه، وعضل المرأة فهو ظالم لكل منهما، وقال العلماء: إذا امتنع الولي من تزويج الكفء سقطت ولايته، وصارت الولاية لمن بعده، وإذا تكرر ذلك منه، يرد هذا وهذا وهذا، صار فاسقاً عند العلماء، ناقص الإيمان والدين، حتى قال كثير من أهل العلم: لا تقبل شهادته، ولا تصح إمامته، ولا ولايته، ولا جميع أفعاله وتصرفاته التي يشترط لها العدالة؛ لأنه لم يعد عدلاً، صار فاسقاً من تكرار رده للأكفاء الذين يتقدمون لمن ولاه الله أمرها، فيكون فاسقاً بذلك تسقط عدالته وشهادته.

وإذا مُنع أبناؤنا من التزوج ببناتنا فبمن يتزوجون؟ هل يذهب الناس إلى الخارج، إلى أقاصي الأرض ليتزوجوا، وقد يتزوج امرأة كافرة مجهولة النسب سيئة الدين، ثم يقع بعد ذلك من الإشكالات ما يقع، هؤلاء الأولياء الظلمة الذين لا يرحمون من تحت أيديهم ممن ولاهم الله أمورهن من النساء الضعيفات، ويجعلون من المهر طريقاً للكسب الحرام، وأكل المال بالباطل فإذا جاءهم الكفء في دينه وخلقه، ولم يكن عنده ما يرضي طمعهم وجشعهم فكروا وقدروا فقالوا: البنت صغيرة، البنت تريد إكمال الدراسة، شاورتها فأبت، وهو كذاب ما شاورها ولا أبت، وسيحاسبون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وبعض هؤلاء الظلمة يشترط لنفسه مالاً غير مهر ابنته، فيقول: أريد لي كذا، ولزوجتي أم البنت كذا، ومهر البنت كذا، ظلماً لا حق لهم به، يأكلون سحتاً وحراماً؛ لأن الله لم يجعل غير المهر للبنت، ولم يجعل من المهر شيئاً للأب إلا برضا ابنته.

ويقول بعض هؤلاء الظلمة: كيف يجترئ فلان أصلاً أن يتقدم إلينا؟ هو لا يزوجه ولو كان كفأً، ولكن بالإضافة إلى ذلك يقول: كيف يجترئ أن يتقدم إلينا؟ كيف يجترئ هذا الوضيع أن يطلب ابنتنا؟ كيف كانت له عين أن يطرق بابنا وهكذا.

ثم بعد ذلك قد يزوجها حسيباً غنياً بزعمه، لكنه لا يصلي، ومن أرباب سفريات الفسق والفجور، فخان الأمانة التي ولاه إياها، فحسبه عذاب الله يوم القيامة.

ونعيد التأكيد على أنه لا يصح الانجراف وراء رغبة البنت إذا كان الخاطب غير كفء في الدين والخلق، إذا كان لا يرضى دينه ولا خلقه.

ولم يرد في الحديث أي شرط للخاطب غير الدين والخلق، فاتق الله يا عبد الله في موليتك التي ولاك الله أمرها.

المغالاة في المهور

00:16:40

أيها المسلمون: ومن خطوات الشيطان في أمور النكاح: المغالاة في المهور، والمفاخرة فيها، والزيادة في إدخال أشياء جديدة في المهر من أمور الشبكات، والصالات، تزيد الأمر كلفة وصعوبة، حتى صار المهر في الوقت الحاضر مما يتعسر، أو يتعذر على كثير من الناس، وقد قال ﷺ: إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها وتيسير رحمها، قال عروة: يعني تيسير رحمها للولادة. قال عروة، وأنا أقول: يقول عروة، وأنا أقول من عندي: ومن أول شؤمها أن يكثر صداقها. حسنه في إرواء الغليل.

وحتى القادرين على دفع المهور العالية ينبغي عليهم أن لا يغالوا في دفعها، ولا يباهوا ويفاخروا في الزيادة فيها ابتغاء البركة، فإذا دخل بزوجته أعطاها بعد ذلك ما شاء.

وحتى لا يتسبب في حمل الآخرين على مباراته وتقليده، وقد صح عن عمر قوله: "لا تغلوا في صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا"، لو كان من المكرمة  في الدنيا أن يرتفع صداق المرأة، أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي ﷺ، وما أصدق رسول الله ﷺ امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته.

يقول عمر: ما أصدق رسول الله ﷺ امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية.

واقترح بعض أهل العلم لتسهيل الأمر تأجيل بعض المهر، وذلك بأن يقدم منه ما تدعو الحاجة إليه الآن للتجهيز، ويبقى الباقي في ذمة الزوج، وفي هذا تسهيل على الزوج ومصلحة للزوجة.

قال بعض أهل العلم: ولقد أعجبني رجلان فاضلان، فأما أحدهما فخطبت ابنته فاشترط على الخاطب أن لا يدفع مهراً إلا كذا، وسمى له شيئاً يسيراً برضا الزوجة، وأما الثاني لما دفع إليه المهر أخذ منه أبو الزوجة برضا الزوجة ما يمكن تجهيزها به تجهيزاً معقولاً، ثم رد الباقي عليه.

وهكذا تكون الرجولة، وتقدير المسئولية والنظر في العواقب، فماذا تستفيد يا أيها الأب إذا كان زوج ابنتك مديوناً لسنوات طويلة بعد زواجه يكدح، ويشقى نفسياً ومادياً لكي يعوض، ويقدم، ويسدد الديون التي تراكمت عليه بسبب اشتراطك لذلك المهر.

عن سهل بن سعد: أن امرأة عرضت نفسها على النبي ﷺ فأعرض عنها النبي ﷺليس له بها رغبة، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: ما عندك؟ قال: ما عندي شيء. قال: اذهب فالتمس شيئاً، فرجع الرجل يقول: ما وجدت شيئاً، قال: اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئاً ولا خاتماً من حديد، لا ليلبس ولكن مهر، ولكن هذا إزاري ولها نصفه، قال سهل الراوي: وما له رداء. كان فيهم فقر . لم يفتنوا بالحياة الدنيا، هذا الرجل ليس له إلا إزار يواري عورته وليس له رداء، فقال النبي ﷺ: وما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليك منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليها منه شيء فجلس الرجل محزوناً، حتى إذا طال مجلسه قام وغادر المجلس، فرآه النبي ﷺ فدعاه فقال: ماذا معك من القرآن؟ فقال: معي سورة كذا وسورة كذا لسورة يعددها، فقال النبي ﷺ: أملكناكها بما معك من القرآن[رواه البخاري5121]، أملكناكها وزوجناكها، ومهرها أن تعلمها ما تحفظه من القرآن، وهذا الحديث يدل على اشتراط المهر؛ لأن الرسول ﷺ أكد على الرجل أن يلتمس ويدل على أنه يجوز إذا لم يوجد مهر أن يكون المهر تعليم المرأة شيئاً من أمور الدين أو تحفيظها شيئاً من القرآن يحفظه الرجل، أما في الأحوال التي يكون فيها مال -والحمد لله هو متوفر الآن وموجود- فإن المهر لا بد منه وهو حق من حقوق المرأة، والكلام على النكاح، وأمور الخطبة، ومنكرات الأفراح كثير، وسنأتي على بعضه إن شاء الله في خطب قادمة.

1 - رواه البخاري5065 ومسلم1400
2 - رواه أبو داود2050
3 - رواه البخاري5063
4 - روه الترمذي1101
5 - رواه البخاري5136 
6 - رواه مسلم1421 
7 - رواه الدار قطني في السنن3533 
8 - تقدم تخريجه
9 - رواه الترمذي1655
10 - رواه الترمذي1084
11 - رواه البخاري5121