السبت 12 شوّال 1445 هـ :: 20 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

06- سنة الله في التغيير 1


عناصر المادة
تعريف التغيير، وسنة التغيير في الكون والمخلوقات
التغيير في حياة الأفراد والأمم
التغيير سنة عامة في حياة البشر
أقسام التغيير
التغيير من السيء إلى الأسوء وأسبابه
جحود النعم وكفرانها
التمرد على أوامر الوحي
بدايات التغيير إلى الأسوء
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الرضا بالدنيا والتنافس فيها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
المقدمة

00:00:20
فإن من سنة الله -تعالى- في المجتمعات: التغيير. والله يُغير حالها وفق سننه وحكمته.

تعريف التغيير، وسنة التغيير في الكون والمخلوقات

00:00:38

والتغيير في اللغة: التحويل، فيقال: غيرت الشيء عن حاله إذا حولته وأزلته عما كان عليه.
ويقال: غيره إذا بدله.
فأبدلته، يعني نحيت الأول وجعلت الثاني مكانه.
التغيير سنة إلهية عامة في الكون والمخلوقات، فكثير من الأمور تتغير في كونه ، حتى تولد نجوم، وتموت أخرى.
غيث بعد جفاف: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ [الشورى: 28].
وأرض تحيا بعد الموت: وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا [يس: 33].
ليل ونهار يتعاقبان، نور وظلام: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62].
التغيير في البشر كثير سواءً كان في مراحل الخلقة: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ۝ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ۝ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [المؤمنون: 12 - 14].
تغير الأحوال وتبدلها، من قوة إلى ضعف: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً [الروم: 54]. من عز إلى ذل: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران: 26]من غنى إلى فقر، ومن فقر إلى غنى: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ[الرعد: 26]. وهكذا التغيير في المجتمعات سنة إلهية ماضية، وظاهرة مشاهدة عبر التاريخ.
ينتقل المجتمع أيضاً من فقر إلى غنى، ومن غنى إلى فقر، من قوة إلى ضعف، ومن ضعف إلى قوة، من سعادة إلى شقاء، ومن شقاء إلى سعادة، من تقدم ورخاء إلى ضدها، وكذلك من انحطاط وتخلف إلى ازدهار وتقدم.
والعز والقوة، والنصر والرفعة، والهزيمة والهوان، والمرض والصحة، وهكذا قلق ورعب، وخوف وأمن، فكم من أمة كانت في نعيم وسعادة ورخاء وتقدم وتمكين وغنى، فتغير حالها إلى حرمان وشقاء، تخلف تأخر، هزيمة ضعف، تسلط الأعداء، وهكذا..

التغيير في حياة الأفراد والأمم

00:03:40

لكن هذا التغيير في الأفراد والأمم في الكون، ليس خبط عشواء، إنه يسير وفق ناموس وقاموس إلهي، وقد ذكر الله -تعالى- قانونه في التغيير، بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد: 11].
وهذه سنة ثابتة لا تتخلف، فالله يرفع أقواماً ويضع آخرين، ويرزق نعماً، ويحرم أخرى، ويغني قوماً، ويفقر آخرين، ويقوي أناساً، ويُضعف آخرين، وهكذا..
لا يمكن الانتقال من وضع إلى وضع إلا بسبب، وقانون الله لا يحابي أحداً، فإذا غير الناس، إذا غير المجتمع حاله، غير الله عليهم، ونفذت سنته فيهم، فحدوث التغيير من الله مترتب على حدوثه من البشر، إن حسناً فحسن، وإن سوءً فسوء، وقد ذكرت الآية تغيرين:
التغيير الأول: يُحدثه الله: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ [الرعد: 11].
والتغير الثاني: يحدثه الناس: حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ[الرعد: 11].
وهو في الحقيقة يكون إلى الأحسن ويكون إلى الأسوء، فالله يغير ما بقوم من الهزيمة والضعف إلى نصر وتمكين إذا غيروا ما بأنفسهم من بعد عن دينه، إلى تمسك بدينه، والعكس بالعكس، فهم الذين يختارون لأنفسهم، ويتحملون النتيجة والمسؤولية.
والنعم والنقم، والخيرات والويلات، لا تتأتى هكذا مصادفة عفوية دون سبب، وإنما هي منوطة بأسباب، وأحوال معنية.

التغيير سنة عامة في حياة البشر

00:06:07

وهذه السنة عامة في البشر، ليست خاصة بأمة معينة، ليست خاصة بأمة الإسلام، ليست خاصة ببني إسرائيل، ليست خاصة بغرب أو شرق، يجري على الجميع.
وكلمة: "قوم" نكرة: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ [الرعد: 11] نكرة في سياق النفي تفيد العموم، تعم أي قوم، إنه إطلاق.
إذاً، في كل الملل والنحل، هذه سنة جماعية، وليست فردية؛ لأن الله قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ [الرعد: 11] وهؤلاء جماعة.
وهذه السنة في هذه الحال ليس مجالها محاسبة الأفراد، لكن مجالها محاسبة المجتمعات، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: إن الناس إذا رأوا المنكر، فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه [رواه أحمد: 1، وابن ماجه: 4005، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في صحيح ابن ماجه: 3995].
إذاً، هذا العقاب مجاله المجتمع، إذا رأوا المنكر وما غيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه، يقول القرطبي -رحمه الله-: "أخبر الله -تعالى- في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير إما منهم أو من الناظر لهم" [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 9/294].
ما معنى: الناظر لهم؟
القائم على شؤونهم، المتولي لأمورهم، القائد.
قال: "إما منهم أو من الناظر لهم أو ممن هو منهم بسبب" -يعني: له علاقة بهم- "كما غير الله بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغير الرماة" [الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 9/294].
ليس كل الجيش غير، الرماة غيروا، لكن شيء لا يمكن فصله عن الجيش، والمعصية شؤمها يعم، ممكن يطال ناس أبرياء، ويكون لهم ابتلاء، وللأولين عقوبة، لكن التغير سيحصل على الجميع: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثُر الخبث [رواه البخاري: 3346، ومسلم: 7416].
لكن هناك قلة ينجيهم الله -مثلاً- لما أهلك قوم ثمود نجا صالحاً والذين آمنوا معه، لما أهلك قوم عاد نجا هوداً والذين آمنوا معه، لما أهلك قوم نوح نجا نوحاً والذين آمنوا معه، ولما أهلك قوم لوط نجى لوطاً وأهله إلا امرأته هلكت معهم، وهكذا..
في عصرنا وزماننا، أو بعد تلك الأمم، ما هي القاعدة؟
أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ [الأعراف: 165] الذين ينهون عن المنكر ينجيهم الله، الباقي يعمهم بعذاب.
الذي لم يكن يرتكب المنكر؟
داخل معهم.
لماذا؟
ما نهى، وعدم نهيه يعني رضاه، وسكوته يعني الإقرار، وهذه كافية في الأخذ والإدخال في العقوبة.
يوم القيامة، نعم الذي ارتكب المنكر وبدأه، وشجع عليه، وشارك فيه، عقابه في النار أكثر، عقابه أشد عند الله من الذي سكت، لكن السكوت والإقرار في الدنيا كاف في شمول العقوبة، يهلكون معاً، ويبعثون على نياتهم، يردون موارد شتى يوم القيامة، يعني: يوم القيامة فيه تصنيفات، هذا مبتدئ، هذا مشجع، مشارك، هذا ساكت، هذا.. وهكذا، في تصنيفات، سن سنة سيئة.

أقسام التغيير

00:10:20

التغيير -أيها الإخوة والأخوات- على قسمين: تغيير من الحسن إلى السيء، ومن السيء إلى الأسوأ أيضاً، ويوجد التغيير المقابل، الله لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية ويزيلها عنهم ويُذهبها، حتى يغيروا ما بأنفسهم، من ظلم بعضهم لبعض، واعتداء بعضهم على بعض، وارتكاب المنكرات فيما بينهم، وهكذا: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا.
تأمل هذه سنة التغيير أيضاً: مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال: 53] ضع هذه مع الآية الأخرى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد: 11].
وتأمل أن آيات الكتاب العزيز يشرح بعضها بعضاً، ويؤكد بعضها بعضاً، ويواطئ بعضها بعضاً: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد: 11]، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال: 53].

التغيير من السيء إلى الأسوء وأسبابه

00:11:39

فالله حكم عدل، فإذا غيروا وبدلوا غير الله عليهم وبدل، فتغيير آل فرعون ومشركي مكة ممن كانوا كفاراً ومن شابههم، غيروا الحال المسخوطة إلى أسخط، كانوا قبل موسى كفاراً، بعد موسى صاروا أكفر؛ لأنهم كذبوا رسول الله وعاندوه، واضطهدوه، وأتباعه، فصاروا أسوأ، ولذلك ابتلى الله قوم فرعون بعقوبات لم تكن قبل بعثة موسى؛ لأنهم زادوا على ما كانوا عليه، قتّلوا أبناءهم، واستحيوا نساءهم، زادوا عليها، تكذيب رسول الله موسى، ومعاندة موسى، والاستعانة بالسحرة، وإضلال الناس، وبدأت تطلع عند فرعون نزعات جديدة، وكفر متطور: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: 38]. أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات: 24] فرعون صار وضعه يسوء أكثر فأكثر، ينتقل من كفر إلى أكفر، ومن عصيان إلى معاصي أخرى إضافية، وهكذا قومه وجنوده، وهامان ووزراؤه، وقارون والأغنياء والملأ، وضعهم يسوء أكثر.
وهكذا بعد إرسال صالح، وبعد إرسال هود، بعد إرسال نوح صار شرك قوم نوح صاروا أسوء.
ولذلك جاء قوم فرعون الجراد والقمل والضفادع والدم وآيات مفصلات.
وقريش جاءهم بعد تكذيب النبي ﷺ أسوء ممن كان قبل، قبل كانوا مشركين الآن ازدادوا عتواً، صار في صد ومعاندة، ضربوا نبي الله ﷺ، أوشكوا أن يقتلوه، خنقوه، وسبوه، وشتموه، وهكذا فعلوا .. وفعلوا بأصحابه.
فإذاً، جاءهم دخان عظيم، مجاعة، قحط شديد، حتى أن فرعون: أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ [الزخرف: 49].
وجاءت قريش إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- تقول: ادع لنا، ما ترى قومك هلكوا، ما في قطرة مطر: إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ۝ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى [الدخان: 15- 16].
الملأ، وأهل المنكر، المعاندون، رؤساء الكفر، كبراء النفاق، قادة المنكر، ما يفهمون هذا، وليس عندهم استعداد أن يستوعبوا هذا، ولذلك إذا قلت لهم: نحن بخير، يا قوم أخشى عليكم، يا أيها الناس أنتم في نعمة، اتقوا الله لا تغيروا، لا تبدلوا، الله يغير يبدل ينتقم، هذا الإرسال غير موجود، استقبال ما في لهذا الإرسال، إرسال لا يصل، من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً وأغشيناهم، وعلى قلوبهم أكنة، وفي آذانهم وقر، ومن بينك وبينهم حاجب، ما تصل الرسالة، هذه المشكلة الحقيقية.

جحود النعم وكفرانها

00:15:36

الآن تخاطب المنافقين، تقول: يا جماعة أنتم الآن تعيشون في نعمة وخير، تريدون أن تغيروا المجتمع؟ الآن تفتحوا باب الشر الآن؟ الآن انظروا ماذا تفعلون؟! أنتم تريدون تغيير الدين؟ أنتم تريدون الإتيان بإسلام آخر غير الذي أنزله الله؟ أنتم تريدون نشر المنكر، ومحاربة المعروف، ومحاربة الدعاة إلى الله، ومحاربة العلم الشرعي؟ وهكذا تعبثون بالمناهج، وتفعلون بالاختلاط؟ يا قوم! يا جماعة! اتقوا الله، سيأتي نُذر، هنا عذاب، هنا تغيير، هذه سنة الله: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112].
انتبهوا من قضية كفر النعم يا جماعة، حتى الذين يرمون النعم هذه، يرمون الأطعمة، حتى الذين ينسبون النعم إلى غير الله، كفار النعمة، الذين يستعملون النعمة في المعاصي، تقول: عندكم أموال طائلة لا تستعملوها في المعاصي، إذا استعملتموها في المعاصي أنتم كفار نعمة، الله هدد كفار النعمة: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112].
أنت الآن عندما ترسل رسالة، وتقول: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا[القصص: 58].
هذه ديار قوم ثمود كانوا في نعمة عظيمة، هذه ديار قوم عاد بالأحقاف كانوا في نعمة عظيمة.
ماذا كان فرعون في مصر أنهار تجري من تحته؟ ماذا كان يصنع فرعون وقومه؟ وماذا كانوا يعرشون؟
كله دُمر.
كم أهلك الله من قرية كانوا في دعة ورخاء، فوقع عليهم البطر، فخرب الله ديارهم، فأصبحت خاوية، يباباً خراباً؟ لماذا؟
بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا طغت فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ البطر الطغيان عند النعمة.
فالبطر: الطغيان عند النعمة، استعمالها في المعاصي، إهدار النعمة.
الظلم والبغي:
سبب آخر للتغير: الظلم والبغي: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا [الكهف: 59].
قال الله: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102].
قال الله: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [الأنبياء: 11].
فإذا اختلت الموازين، وقهر الضعيف، وأُخذ حق صاحب الحق، ولم يكن هناك من يقوم معه لينصره، ولا من يرد إليه حقه، ولا من يعينه على من ظلمه، ولا من ينصره، فقد آذنوا بعذاب الله.
فإذا تحكم الأقوياء، وقُهر الضعفاء، وعم الظُلم، فقد آذنهم الله بالهلاك، فظلم بعضهم لبعض، واعتداء بعضهم على بعض، هذا مما يُحل العقوبة.

التمرد على أوامر الوحي

00:19:08

وكذلك -من أسباب- التغيير الذي يحدث للقرى والمدن والدول: التمرد على أوامر الوحي: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ [الطلاق: 8] عتت: عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ۝ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا [الطلاق: 8 - 9].
ما معنى: {عَتَتْ}؟
يعني: تمردت وطغت واستكبرت.
فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا [الطلاق: 8] في الدنيا، بالجوع، بالقحط، بالأوبئة، بتسليط بعضهم على بعض، حروب، إنهاك.
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا [الطلاق: 9] وجزاءها وعاقبتها، ونالتها، وفي الآخرة أشد، بدليل قوله تعالى: وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا [الطلاق: 9].
ماذا يمكن أن يفعلوا من التغيير أيضاً؟
اقتراف الذنوب والمعاصي:
اقتراف الذنوب والمعاصي: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: 30]. أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ [الأنعام: 6].
هذه الخلاصة.
فَأَهْلَكْنَاهُمْ هذا فعل الله بِذُنُوبِهِمْ هذا فعل البشر.
فَأَهْلَكْنَاهُمْ هذا إن الله يغير بِذُنُوبِهِمْ بما غيروا، غير عليهم.
فإذاً، هذه التغيرات من البشر يقابلها تغيير من خالقهم: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، لم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم أموال، أراضي فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم [رواه ابن ماجه: 4019، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه: 4009].
هذا الحديث رتب تغييرات من الله على تغيرات من البشر يحدثونها بأنفسهم.
التحول من الطاعات إلى المعاصي
ما حرم الله على بني إسرائيل الطيبات إلا بإحداثهم وتغييرهم واقترافهم للمعاصي، فقال ربنا: فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا ۝ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[النساء: 160 - 161].
إذاً، ماذا فعلوا؟
بظلم، بصدهم، أخذهم الربا، أكلهم أموال الناس بالباطل، هذه الأشياء فعلوها فغير الله عليهم.
ما كان بنو إسرائيل مثل الآن محصورين، كان لهم القوة في الأرض، حرم الله على اليهود طيبات بسبب جرائمهم، قال قتادة: "عوقب القوم بظلم ظلموه، وبغي بغوه، حُرمت عليهم أشياء ببغيهم وبظلمهم" [جامع البيان في تفسير القرآن، للطبري: 7/676].
إذاً، التحول من الطاعات إلى المعاصي من أسباب التغيير، التحول من السنة إلى البدعة، التحول من المعروف إلى المنكر، التحول من الطاعة إلى المعصية.
ليس أهل قرية، ولا أهل بيت، يكونون على طاعة، فيتحولون إلى معصية، إلا غير الله عليهم، ولو بعد حين.

بدايات التغيير إلى الأسوء

00:23:53

التغيير -أيها الإخوة- له مقدمات، يعني ممكن يبدأ التغيير -مثلاً- بنقص متوال في البركة، وممكن يستمر التغيير بتنغيص، فالنعمة ما يستفاد منها كما ينبغي، بل ممكن تكون سبباً لأمراض -مثلاً-، ففي مقدمات للتغيير الإلهي، بداية -مثلاً- قلة البركة، ثم نزع البركة.
مع الخير والنعمة الموجودة، تبدأ تطلع التنغيصات، أوبئة، أمراض جديدة، ما كانت موجودة، اختلاف شركاء، انهيار أسر، قضايا في المحاكم، هذه تنغيصات، هذا قبل الأخذ الكلي.
فالله من رحمته: أنه يعطي العباد إنذارات وإشارات، لما يبدؤوا بالتغيير يبدأ بالتغيير، فيغير عليهم أشياء، فيقول الناس: والله المال ما عاد يكفينا! من أول كانت الرواتب أقل والبركة أكثر! والله يا أخي الأكل ما ندري ماذا صار فيه! من أول نأكل يعني الحمد لله! يعني نشبع! وصحتنا طيبة! الآن والله الصحة ما ندري! طلعت أمراض جديدة! من أول كان أهل البيت متآخين متألفين! والأب عنده أولاد يزوجهم مع بعض! وكل الإخوة عايشين مع زوجاتهم في بيت واحد! والأب، والجد الكبير، والبقية ماشية أمورهم متألفين! والضراير أخوات! والآن -والله- ما أدري ما عاد نطيق بعض! كل واحد يطلع في جهة! خلاص! يا الله! الله يسعدكم ويبعدكم! الله يسعدكم ويفرقكم! ابعدوا! ما عاد أحد يتحمل أحد! يا الله! هذه التنغيصات!.
وتأمل في المجتمع -الآن- ستجد هذا ينتشر ويتكاثر!.
-مثلاً- ازدياد الفقراء -مثلاً- ازدياد الجرائم -مثلاً- ازدياد التسلط الخارجي -مثلاً- زيادة الخلافات الداخلية، الله له إنذارات، الله رحيم، وإذا بدأ العباد يغيرون يبدأ بالتغيير، وكلما ازدادوا تغييراً اشتد تغير الله، حتى يأتي في النهاية الأخذ الشامل -والعياذ بالله-، الانهيار.
هذه مرحلة الانهيار وصلت إليها أقوام وأمم ودول وقرى وبلدان، هذه تكررت كثيراً عبر التاريخ كم دولة قامت؟ أين هي؟ لماذا لم تستمر؟ لماذا دولة كسرى ما استمرت؟ لماذا دولة حمورابي ما استمرت؟ ولماذا؟ ودول كثيرة، وقرى وبلدان، وكانت مزدهرة، وكانت لها تجارات، وكانت من حواضر الدنيا؟
ناس كان لهم حضارات كبيرة ضخمة، كان لهم حضارات زراعية، كان لهم نهضة عمرانية: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ۝ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [الشعراء: 129]، وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ[الشعراء: 149]، أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزخرف: 51].
فإذاً، كان في دول، فماذا بقي منها؟!
أهرامات!.
ماذا بقي من الفينيقيين؟!
أعمدة!.
ماذا بقي من حضارة؟!
جدران!.
ماذا بقي من دولة كذا في اليمن؟!
السد!.
ماذا بقي من دولة؟!
بقايا سور على شوية أعمدة! على آبار جافة! على بيوت منحوتة في الجبال خاوية! على مسرح روماني!.
كل هذه التي كانت موجودة، كانت تدل على أقوام عاشوا حياة كاملة، حضارة كاملة، كان عندهم سلطة وقوة وجيش وزراعات، وثروات اقتصادية، وعندهم طاقات بشرية، وكان عندهم من المفكرين والمخترعين والمبدعين، والقادة والساسة، والأغنياء والكبراء، والحكماء والكتاب، كان .. كان.. أين هم هؤلاء؟!
الآن الأفلام الوثائقية لما تعرض لك، حتى ما ترى لا يعرضوها من باب: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد: 11]، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً [النحل: 112]، ما يعرضوها من هذا الباب.
يعرضوها من باب: إنه انظر هذه آثار كان كذا وكذا! والناس تتعجب!! أيوه! ماذا كان؟! والله كان عندهم كذا! وكان عندهم كذا! إيه؟! الناس تستعرضها من باب الثقافة! حب الاطلاع! متاحف! نروح نزور آثارا سياحة! ما يأخذونها من باب عبرة! ولا اتعاظ! ولا سنن إلهية! وهذه هي المشكلة! مشكلة حقيقية! ولذلك ما في ربط! ما في اتعاظ! ما يقول -مثلاً-: مثل ما أصابهم يمكن أن يصيبنا! هذا غير موجود إلا من رحم الله.

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

00:30:48

من أسباب التغير الذي يغير الله به على البشر: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ۝ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة: 78 - 79].
إنكار المنكر والحريات الشخصية:
الآن بعض الرجال تغيرت مفاهيمهم! صار كأن عندهم إسلام آخر غير الإسلام الذي أنزله الله!.
صار قضية إنكار المنكر تدخل في الحريات الشخصية! يقول لك: يا أخي ما علينا؟! وما دخلنا؟! من المشاكل! ابعد! بعد!.
صار يقول لك: نريد إسلاما سلميا! ما أصطدم مع أحد! وما أحد يؤذيني ويشتمني ويسبني! ولا أنا أتدخل في أحد! ولا أحد يتدخل في! ولا...!.
ما أريد أحد يتدخل في أحد! ولا أحد يتدخل في! هذه قضية إلغاء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!.
إشاعة مبدأ الحريات الشخصية حسب الإسلام المدني الجديد الذي يريدونه! تطبيق مبدأ الحريات الشخصية والديمقراطية الغربية! هذا هو عملية إشاعة المنكر! هذا الإسلام الجديد!.
وهؤلاء الآن لهم مواقع في الفيس بوك والتويتر على الإنترنت! في الشبكات جدالات! مناظرات! تارة يسمون أنفسهم بالعصرانيين والتنوريين والتحضريين! والإسلام المدني! ما هذا؟! ما هو؟!
هذا مضمونه! هذا نهايته: أن يأخذهم الله!.
هذا ما هو خلاف محتمل! هذا ما هو اجتهادات مقبولة في الإسلام! هذا اسمه انحرافات!.
نحن لو مشينا ورائهم هؤلاء الذين يروجون اليوم لهذا الفكر! فإننا نسير إلى الهاوية!.
وهؤلاء يقومون عملياً بالدفاع عن قادة الإجرام والنفاق! والتغيير! تغيير المجتمع نحو الأسوء!.
الآن يحدث في المجتمع في عالم المرأة! في عالم المناهج! في عالم الابتعاث! في عوالم كثيرة! فيها تغييرات سلبية! مخالفة لأدلة شرعية واضحة جداً!.
يقوم أصحاب ما يسمى بالإسلام المستنير! أو الإسلام المدني! أو الفكر العصراني! بالدفاع عن هؤلاء: أن إجراءاتهم صحيحة! والحرية الشخصية! والحرية الجماعية! والحرية المطلقة! والحرية أهم شيء! والحرية قبل التوحيد! صرحوا بهذا، قالوا: الحرية قبل التوحيد! ونحن ندعم الحرية! ونحن ندعوا للحرية قبل التوحيد! لأنه أصلاً التوحيد يصادم مبدأ الحرية المطلقة! لأنه أنت الآن إذا صرت على التوحيد، فالله يقول: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ [البقرة: 256]! لا تشرك بالله! فأنت سيكون عندك مقاومة للشرك! وكيف؟! وإذا صار عندك مقاومة للشرك أنت ضد الحريات العامة! لأنك ستقاوم شركاً! وتقاوم بدعة! وتقاوم منكراً! فستتدخل في الذي عنده شرك! والذي عنده بدعة! والذي عنده منكر! ستتدخل في الذي عنده معصية! باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! وهذا لا يريدونه!.


لماذا تحارب شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل العلمانيين والعصرانيين؟؟!
لأنها ضد مبدأ الحريات!.
كثير من الشباب الجدد، وحتى بعض الذين كانوا على دين من قبل! غيَّروا! انخدعوا بالعملية! قالوا: إيه! -والله- الحريات هذه فعلاً! انظر في هنا ظلم! وهنا في كتم نفس!.
إذاً، الحل هو الحريات! راجت عليهم! الخدعة انطلت! فاقتنعوا بالدعوة للحريات! وإطلاق الحريات! وأنه أهم شيء ننادي بالحريات! وصار الدين هو الحريات! ويستدلون لك بوجود شيء من الظلم -مثلاً-! أو مصادرة الرأي! أو .. ! إلى آخره.. إنه الحريات!.
من قال لك: إنك ما تنكر الظلم؟! ومن قال: إنك ما تنكر مصادرة الآراء الصحيحة؟!
أنكرها، لكن ليس الحل الحريات المطلقة! والحريات المطلقة ليست بديلاً عن التوحيد! ولا بديلاً عن الإسلام! ادع للإسلام الذي أنزل على محمد ﷺ! أما تقول لي: نريد إسلام يرضى عنه اليهود والنصارى! بحيث ننظر شوية أخلاق! على شوية آداب! على شوية إتكيت! ماشي الحال! خلاص! هذا قسم الإسلام كويس! هذا يرضى عنه اليهود والنصارى! خلاص! هذا لوائنا! وهذه رايتنا! وهذه مبادئنا! فلندع إليها! قوموا! الطرح الآن في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها على هذا الأساس! وكثير من الشباب سقطوا!: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [التوبة: 49].
والله العظيم سقطوا في الفتنة!.
كثير من الشباب، كانوا على منهج السلف! كانوا على منهج الكتاب والسنة! كانوا يتبعون الدليل الصحيح! كانوا على منهج العلماء الثقات! كانوا ...! وكانوا.. ! الآن صاروا .. ! وصاروا .. ! وصاروا..!.
هؤلاء هم الممهدون للطرح العلماني! والمساعدون عليه! والمشاركون فيه! والذين سيأخذهم العذاب مع أولئك إذا نزل!.
والآن يقولون: هذه لا! هذه مصادرة للرأي! وهذا رأيك الخاص! ونحن لسنا كذلك! ونحن الناجون! ونحن المتنورون! ونحن أصحاب الآفاق الواسعة! ونحن ..! ونحن..!.
على أية حال: بعض الناس تستطيع أن تقنعهم! تستطيع أن تعظهم! تستطيع أن تؤثر فيهم!.
وبعضهم ما في حل إلا أن ينزل من الله شيء يفصل بيننا وبينهم! ولذلك كانت الرسل تقول في النهاية بعد الدعوة والنصيحة والتوضيح والإعلان والبيان: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ [الأعراف: 89].
وللعلم: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ما هو دعاء لهم، هذا دعاء عليهم.
بعض الناس لما يأت يقول لك: أريد أدعو! أدعية قرآنية! افتح! رَبَّنَا افْتَحْ يضعها في القنوت! هي دعاء عليهم! وليست دعاء لهم! أنت تدعو عليهم -مثلاً- يقول: افتح بيننا وبينهم وأنت خير الفاتحين! يعني: خلاص هات العذاب! خلاص خذهم! خلاص..!
قال ﷺ: ما من رجل يكون في قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه، فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا [رواه أبو داود: 4341، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 4339].
قال بلال بن سعد: "إن المعصية إذا أُخفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا أُعلنت فلم تغير، ضرت العامة" [شعب الإيمان، البيهقي: 10/80، وشرح السنة، البغوي: 14/350].
قال عمر بن عبد العزيز: "إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة، فإذا المعاصي ظهرت، فلم تغير أُخذت العامة والخاصة" [مسند الحميدي: 1/304].

الرضا بالدنيا والتنافس فيها

00:38:12

-طبعاً- من الأشياء التي يغير بها العباد فيغير الله عليهم: الرضا بالدنيا، والتنافس فيها: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم[رواه أبو داود: 3464، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 3462، وفي صحيح الترغيب والترهيب: 1389].
فقرن التغيير بالرجوع إلى الدين، يعني: اهتمام بأمور الدين.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنى أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم [رواه البخاري: 3158، ومسلم: 7614].
إذاً، حب الدنيا، والركون إليها، هذا كلام يحتاج اليوم أن يقال لمن فتح الله عليهم بالمال! أسر ثرية! أصحاب شركات! أصحاب أموال! هذا صار عمله في المال! هو في المال! تنمية المال! حراسة المال! استثمار المال! هذا الآن شغله كله في المال: مؤتمرات! اجتماعات! سفرات: الدوام! الروحة: المال! اتصالات! متابعة قنوات! مواقع تفتح! المال!.
طيب! المال! الدنيا تأخذ منها ما تحتاجه! وإذا وسع الله عليك تتصدق وتنفق! لكن تصير هي شغلك الشاغل! ومن الصباح للمساء كل يوم! كل يوم من الصباح إلى المساء! من الصباح إلى المساء! عالم بأمر الدنيا! جاهل بأمر الآخرة! هذه مصيبة، وهذه من أسباب التغيير: الانهماك -الانشغال- التام بالدنيا.
صحيح أن هؤلاء أحسن من الملوثين المنحرفين منهجياً! الذين سبقت الإشارة إليهم! يعني: هذا يمكن يستيقظ! عنده غشاوة نتيجة انشغال بالأموال! يمكن لو جاءت له صدمة! موت قريب! مرض! حادث! سمع موعظة! خطبة! ذهب في حج أو عمرة! رأى رؤيا! يمكن أمره قريب! لماذا؟!
لأنه مشكلته في شهوة المال!.
الذي ذهب في سكرة شهوة النساء أيضاً ممكن يستيقظ! كل همه شهوة النساء! كل شغله شهوة النساء! مسافر من بلد إلى بلد! ومن موقع إلى موقع! ومن صور إلى صور! ومن علاقات إلى علاقات! كله شهوة النساء! انهماكه في شهوة النساء! مقويات الجنس! ومقويات كذا! وهذه وسائل تعالوا! وهذه..!.
كل همه! كل شغله -الآن- شهوة النساء!.
هو لو كان -طبعاً- بالحلال هو نوع من الانهماك في الدنيا! فأنت ستقول يعني أيضاً يرجى له أن يستيقظ!.
وإذا كان بالحرام -طبعاً- هذه مصيبة كبيرة! وهذا -طبعاً- شأنه أسوأ بكثير من المنهمك! لأن الانهماك في الحلال عن واجبات شرعية مذموم! فكيف إذا صار انهماك في الحرام؟! فكيف إذا صار انهماك في الشبهات؟! وهذا الخطر الكبير -الذي صار اليوم- على كثير من الشباب والشابات، بل والكبار: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [التوبة: 49].
الانهماك في الدنيا، وحب الدنيا، والركون إليها، هذا من أسباب التغيير.
ويمكن أن نعزوا سقوط دولة المسلمين في الأندلس إلى هذا السبب، يعني ترف! وانهماك في الدنيا! وفي الزخارف! وفي الزرع! وفي البناء! وفي الملذات!.
الذي ودَّى المسلمين في الأندلس في داهية! كان هذا الباب! فانشغلوا عن الجهاد! فجاءت أوروبا فسحقتهم!.
العالم فيه وحوش! إن لم تكن قوياً سيطر عليك الأقوياء! أكلوك!.
-طبعاً- ليست القضية فقط انهماك في الدنيا، يعني في المباحات؛ لأنه رافق ذلك خلاعة ومجون! يعني صار في انتشار للزنا والفواحش! صار في انتشار للخمر! صار في لبس الحرير! إلى آخره..!.
فإذا أضيف إلى ذلك: موالاة الكفار، فلما دخل عليهم في قضية التفرق بينهم! والتقاتل! والاستقواء بالكافر! وجلب هذا! والتحالف معه على صاحبه المسلم! وأخيه المسلم! -طبعاً- ضع هذا في مقدمة الأسباب؛ لأن هذا انحراف عقدي خطير جداً.
فإذاً: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد: 11].
الآن الذين يذهبون إلى أسبانيا! ويرون الآثار! بالله عليكم يفكرون في قضية السنن الإلهية؟ وفي قضية التغيير؟ وما الذي أذهب هذه الحضارة؟! ولماذا سقطت هذه الدولة الإسلامية الكبيرة في الأندلس؟!
أم ينظرون إنه: إيه -والله- كان أجدادنا كذا! والله كان عندهم! يعني أقصى ما هنالك الإعجاب بما كان عليه المسلمون فقط! لكن أين التفكير في السنة الإلهية التي أسقطت هذا؟! أين التفكير في السنة الإلهية التي بدلت وغيرت؟! وما هو التبديل والتغيير الذي فعله أولئك القوم؟!

تجانف القوم عن تهذيب أنفسهم فلا يراعون للتأديب من حُرم
ما غير الله عنهم عقد نعمته إلا وقد غيروا ما في نفوسهم

قال ابن حزم: "اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم، وبعمارة قصور يتركونها عما قريب عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم، في معادهم، ودار قرارهم، وبجمع أموال، ربما كانت سبباً إلى انقراض أعمارهم، وعوناً لأعدائهم عليهم، وعن حياطة ملتهم التي بها عزوا في عاجلتهم، وبها يرجون الفوز في آجلتهم" [رسائل ابن حزم: 2/18- 19].
هكذا آل الأمر إلى أمراء الطوائف في الأندلس الذين كانوا مستعدين لتقديم تنازلات كثيرة للأعداء في سبيل بقائهم! بقاء مصالحهم الخاصة! يقول ابن حزم: "والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنونهم من حُرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم يحملونهم أُسرى إلى بلادهم... وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً، فأخلوها من الإسلام، وعمروها بالنواقيس" [رسائل ابن حزم: 2/19].
"حب الدنيا" يدعو إلى "إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين" كما قال صاحب مرقاة المفاتيح [انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود: 9/1365].
يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها في آخر الحديث قال: حب الدنيا، وكراهية الموت [رواه أبو داود: 4299، وهو حديث صحيح، صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 4297]. هذه هي الخلاصة.
هذه نبذة عن موضوع التغيير، وفي الموضع بقية، وهذا موضوع مهم جداً، وهذه السنة الإلهية سنة خطيرة، تطبيقاتها تتوالى علينا اليوم.
وسنأتي في الدرس القادم -إن شاء الله- على تمام الموضوع.
نسأل الله أن يعز دينه، وأن ينصر أولياءه، وأن يخذل أعداءه، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد.