الجمعة 11 شوّال 1445 هـ :: 19 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

البيئة المحيطة بالإنسان معاناة ومعالجات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمي، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد خلق الله تعالى هذا الإنسان، وجعل البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خَبُث لا يخرج إلا نكداً.
فالإنسان ابن بيئته، تؤثر فيه سلباً وإيجاباً منذ مرحلة مبكرة جداً.
وهذا التأثير شأنه عظيم، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، فهو مفطور على الحق أصلاً، لكن البيئة من حوله تعديه، ويسري إليه منها أشياء كثيرة، وهذه العدوى سريعة؛ وخصوصاً عدوى السيئات، حتى قيل: إن عدوى السيئات أشد سرياناً من عدوى الحسنات، وحد الشرع للإنسان أن لا يجاوز حدود الله تعالى.

حث الشريعة على اختيار البيئة والرفقة الصالحة

00:01:53

 وقد أوصى الشرع باختيار البيئة الطيبة والرفقة الصالحة وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [الكهف: 28]. وانظر أين ينشأ ولدك لأن فطرته مرهونة في بقائها سليمة بما يكون من حوله.
وإن ملكة سبأ قد صدها ما كانت تعبد من دون الله، إنها كانت من قوم كافرين.
فلما كانت في بيئة تعبد الشمس والكواكب من دون الله، ونشأت فيهم، وتأثرت، فإنها ضلت وانحرفت وكفرت.
الإنسان ابن بيئته من بدا جفا، في البادية.
وكذلك -قال ﷺ: الفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل، والسكينة في أهل الغنم  [رواه البخاري: 3301، ومسلم: 52].
فيتأثر الإنسان ببيئته إسلاماً وكفراً، كذباً وصدقاً، في العقيدة، وفي الأخلاق، فخراً وخيلاء، أو تواضعاً ورقة.
قال شيخ الإسلام: "الآدمي إذا عاشر نوعاً من الحيوان اكتسب من بعض أخلاقه، ولهذا صارت الخيلاء والفخر في أهل الإبل، وصارت السكينة في أهل الغنم، وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيماناً من غيرهم.
والبيئة تعدي حتى في الطبائع الاجتماعية، وتسري العوائد إلى الداخل الجديد، ولذلك يقول عمر -رضي الله عنه- في وصف ما حدث لنساء المهاجرين بعد انتقالهن إلى المدينة واختلاطهن بنساء الأنصار، قال: "وكنا معشر قريش نغلب النساء -الكلمة للرجل- فلما قدمن على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم -المرأة فيهم كلمتها لها وزن- فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار" [رواه البخاري: 2468].
ولما ذكر ابن خلدون -رحمه الله- بعض الفروق بين أهل المدن وأهل البادية قال في تأثير البيئة على الإنسان وأنها أقوى من تأثير الوراثة: "الإنسان ابن عوائده ومألوفه، لا ابن طبيعته ومزاجه، فالذي ألفه في الأحوال حتى صار خلقاً وملكة وعادة تُنزّل منزلة الطبيعة والجبلّة، واعتبر ذلك في الآدميين -يعني تتبعه- تجده كثيراً صحيحاً، والله يخلق ما يشاء"[تاريخ ابن خلدون: 1/156].

المعنى اللغوي والشرعي للبيئة

00:05:04

 البيئة تطلق في اللغة على المحل الذي ينزل فيه الإنسان وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ [الحج: 26].
باء يعني رجع وانقطع، مباءة.
وتطلق كذلك البيئة على الحالة، وهذا كلام ابن خلدون -رحمه الله- قال: "فالذي ألفه في الأحوال حتى صار خلقاً وملكة وعادة تنزل منزلة الطبيعة والجبلّة" [تاريخ ابن خلدون: 1/156].

بيئة بني إسرائيل مع موسى عليه السلام

00:05:39

 في زمن موسى -عليه السلام- كان بنو إسرائيل يعانون الظلم والاضطهاد من سطوة فرعون، وكانت البيئة الجائرة قد أثرت عليهم تأثيراً شديداً فخرج جيل جبان.
ولما أراد موسى أن يدخل بهم بيت المقدس أبوا:  اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24].
وحاول القلة من أهل الإخلاص بلا فائدة، قال رجلان من الذين أنعم الله عليهم: قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ  الْبَابَ  اقتحموا  فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ [المائدة: 23].
فلما قضى الله عليهم التيه، وعاقبهم، وماتوا في الصحراء، وخرج من أبنائهم جيل جديد تربى بالشدة، واكتسب من صفات القوة والتحمل  قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة: 246].

أنواع وأشكال البيئات المعاصرة

00:06:37

 والحياة المعاصرة اليوم أفرزت بيئات كثيرة ينشأ فيها أولادنا ذكوراً وإناثاً، ونعيش فيها نحن، ونتأثر ونؤثر أيضاً، في مراحل عمرية متنوعة، فهنالك بيئة الأسرة من الأبوين المؤثرين، والإخوة والأخوات، والأعمام وأولادهم، والعمات وأولادهن، والأخوال وأولادهم، والخالات وأولادهن، وهكذا أسرة الإنسان، وأيضاً الجيران، وأيضاً المدرسة، وأيضاً الشارع والطريق، وأيضاً الشلل والأصدقاء، وأيضاً البيئة الوظيفية، والمجمعات السكنية، وأوساط المبتعثين، والجاليات الإسلامية في الخارج، والبيئة الإعلامية التي تحيط بنا من هذه الموجات في القنوات، وبيئة الأسواق والمجمعات التجارية.
لكن البيئة الإلكترونية اليوم في الشبكة والمجموعات، والعالم الافتراضي، والفيسبوك، واليوتيوب.
وكذلك مما يتكون حول الإنسان وينسج من الأوساط والبيئات الإلكترونية الحقيقية والوهمية، أشياء كثيرة تؤثر في الإنسان، إفرازات متعددة تضغط، تحرف، تغيّر، تنشئ، تكسب عادات وأخلاقاً، قد تجر إلى أودية سحيقة وقد ترفع الإنسان رفعاً عظيماً، وهكذا يعيش الإنسان في كبد في دار ابتلاء وفتن، وهو -أي الإنسان- من طبعه التقليد، والمحاكاة، والاقتباس، والأخذ، والتأثر.
ليست الاستقامة حياة وردية بلا محن، بل  يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر [رواه أحمد: 9073، والترمذي: 2260، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 8002].
الصابر على أحكام الكتاب والسنة ينال من الشدة والمشقة من أهل البدع والضلال ما يناله.
نحن اليوم نعاني ما نعاني، ونريد أن نحمي أنفسنا من البيئات الفاسدة، والبيئات المترفة وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ [يوسف: 30]. تراود فتاها عن نفسه، بيئة مترفة فاسدة عاش فيها يوسف عليه السلام ثم أراد الخروج منها ولو إلى السجن.

بيئات الاضطهاد الديني

00:09:49

 هناك بيئات اضطهاد ديني  إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ [النساء: 97]. لا يستطيعون إقامة شعائر الدين الظاهرة، لماذا لم يهاجروا؟  أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ [النساء: 97].
نجد اليوم أناسا ًصالحين في بيئة فاسدة، وأناساً فاسدين في بيئة صالحة، فيه تداخلات، في الأفراد والبيئات.
ونشأت امرأة فرعون الصالحة في تلك البيئة الفاسدة، كانت تعيش حتى لقيت ربها، ثابتة، بينما امرأة نوح، وامرأة لوط ضربهما الله مثلاً للذين أشركوا كانتا تحت عبدين صالحين من عبادنا، تعيشان في بيت إسلامي وبيئة طيبة، لكن لا فائدة، لم يغنِ زوج كل واحدة عنها من الله شيئاً  وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10].
المنافقون بعضهم كان يأتي المدينة ويبايع ويظهر الإسلام، ويريد الأمان ويجب عليه أن يهاجر ويستقر في المدينة، لكن لعلهم ما استطاعوا البقاء في البيئة الإسلامية، صلاة فجر، وصلاة عشاء، وذهاب مع النبي ﷺ في الغزوات، في الجهاد، التضحية في النفس والمال، ومجتمع يعمل، ثم لا يوجد محرمات، ولا خمور، ولا زنا، ولا شهوات محرمة، ولذلك اعتذر بعض هؤلاء المنافقين بالعذر الصحي، وقالوا: مرضنا في المدينة، نريد الخروج. وخرجوا قال: حتى نستصح.
ثم اختلف الصحابة فيهم، هل إذا لقوهم في خروجهم من المدينة يقاتلونهم ويقتلوهم أم لا؟
فقال بعض الصحابة: خرجوا ورغبوا عن الإسلام، وهؤلاء أظهروا الإسلام ثم رغبوا عنه وتركوه.
وقال بعضهم: لا، كيف نقاتلهم وقد شهدوا مثلنا بالشهادتين.
فقال الله تعالى للصحابة: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ  لماذا انقسمتم؟ أمرهم واضح  وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ [النساء: 88].
ولذلك أمرهم أن يقتلوهم حيث وجدوهم، وما في ولاية، ولا نصرة، ولا علاقة حتى يهاجروا في سبيل الله، إذا ما هاجروا ما استقروا مع المجتمع المسلم يقاتَلوا.
كان الأمر شديداً.
قضية البيئات وما تحويه اليوم لا شك مع شيوع أنواع من الفساد يوجد انحرافات كثيرة في البيئات، والنبي ﷺ وعد الثابتين بالأجر العظيم، وقال: بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء 
[رواه مسلم: 145].
وفي رواية لأحمد والترمذي صحيحة: "ومن هم يا رسول الله؟
قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس .
وفي رواية: أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم  وهو حديث صحيح.
[رواه أحمد: 6650، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 3921]. 
هؤلاء ليسوا فقط يَصلحون إذا فسد الناس، وإنما يُصلحون، فيقومون بمحاولات الإصلاح، بالدعوة، يقومون بالجهود الإصلاحية لأجل إحياء هذه النفوس الميتة، نشر الهدى، والعلم، والدعوة إلى الخير، والعمل الصالح، هؤلاء بالرغم من البيئة المحيطة بهم أناس صالحون في أناس سوء كثير، لكن لم يقعدوا عن العمل، ولم يستسلموا لمن حولهم، إنهم يقاومون وينشرون الخير. يصلحون إذا فسد الناس هؤلاء ما يجدون أعواناً، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم.
 ولذلك قال: طوبى [رواه أحمد: 16690، والطبراني في الكبير: 290، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1273].
الفرحة وقرة العين والسرور بالآخرة، والشجرة المعروفة في الجنة لهم.
وقال ﷺ: إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم 
قالوا: يا نبي الله، أو منهم؟ قال: بل منكم  رواه ابن نصر في السنة والطبراني وهو حديث صحيح.
[رواه ابن نصر المروزي في السنة: 32، والطبراني في الكبير: 290، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1273].   
لماذا؟ لأنهم يقاومون، لأن الأكثرية من حولهم فاسدة، لأنهم يصلحون غير قاعدين ولا مستسلمين، مع أنهم لا يجدون للخير أعواناً، البيئة العامة لا تساعد، لماذا يحرص المنافقون أن يفسدوا البيئة والأجواء؟
ومن أسهل الوسائل وأكثر الوسائل جدوى في الموضوع هذا هذه الوسائل الإعلامية.
فإفساد الإعلام هو إفساد للبيئة المحيطة بالإنسان؛ لأن الإعلام هو أشياء مرئية ومسموعة وتؤثر في القلب إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36].


هذه البيئات الفاسدة وقد حرص اليهود على تكوين البيئات الإعلامية الفاسدة، قنوات شر، قنوات رذيلة، قنوات فساد، قنوات غناء، قنوات أفلام سيئة، قنوات دعارة، قنوات شعوذة سحر، قنوات تنشر الخنا والفجور، قنوات تنشر الانحلال، قنوات تثير الشبهات، قنوات تنصيرية، قنوات تنشر العلمنة والنفاق والفكر الضال المنحرف من جميع الأنواع؛ لأن هذه عملية إفساد بيئة، فيتأثر بها الصغير، والكبير، والذكر، والأنثى، والعامي، والمثقف، وهذه البيئات الإلكترونية أيضاً تضغط على الناس يعيشون في بيئات اليوم، يعيش من خلال الموقع، من خلال المنتدى.
يعيش من خلال هذه المجموعات المكونة، يعيش من خلال مواقع صممت بحيث يكون الإنسان متنقلاً فيها، يعيش ساعات طويلة جداً، يعيش ساعات على الماسنجر، وعلى اليوتيوب، وعلى الفيس بوك، وعلى مواقع الدردشة ساعات، بيئات تعجنهم وتخبزهم، بيئات تصنعهم، بيئات تشحنهم، بيئات تكون أفكارهم، بيئات تقودهم، تسيطر عليهم، بيئات توجههم، بيئات تزرع فيهم أنواعاً من العقائد، والشبهات والانحلال.
هذه البيئات الإلكترونية اليوم ممكن يفسد فيها الإنسان ولو كان وحده، حتى بدون بشر من حوله يعيشون يمكن أن تكون البيئات الإلكترونية بيئات فساد عظيمة.
قضية البيئة اليوم قضية خطيرة؛ لأن مسمى البيئة ومفهوم البيئة ما عاد مفهوماً فيزيائياً فقط بمعنى أشخاص من حولك ومكان، صار هناك بيئات افتراضية في عالم، هذه البيئات التي تحيط بسمع وبصر وعقل الإنسان، وسواء كانت نصية أو صوتية أو مرئية، بيئات حقيقية فيها أشياء لها تأثير حقيقي، لا يصح الاستهانة بها أبداً.
لماذا تنشأ فجأة الأشياء والظواهر الغريبة عند النساء أو الفتيات، طالبات، المفترض في البيت، ماذا يوجد في البيت؟ كيف تعلمن عبادة الشيطان؟ كيف وصل الأمر إلى هذا؟ عبادة الشيطان؟! في أحد يعلم عبادة الشيطان؟
كيف ظهرت هذه المظاهر على بعض المراهقين والمراهقات؟ من أين جاءت؟ هناك بيئة، هناك شيء يُصّنع ويؤثر، وهكذا يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ويصبح دين الله غريباً.
وقضية السلبية والتأثير على التدين والالتزام الإسلام.

بيئات سلبية تسبب فساداً اقتصادياً

00:19:36

 وكذلك بيئات أحياناً قد تسبب فساداً اقتصادياً، قد تسبب فساداً حتى في طريقة الاستهلاك، تسبب تأثيراً على الإسراف مثلاً، هناك بيئات كسل وخمول مثلاً الإنتاج نازل، قياس الإنتاج في البيئة الوظيفية سلبي جداً.
الإنتاج الحقيقي في البيئات الوظيفية ثمان ساعات دوام، الإنتاج الفعلي منها كم؟ ساعتان، ساعة ونصف، طيب كيف هذا الكلام؟ وبقية الساعات مدفوعة الأجرة؟
والنتيجة إن إنتاج 57 دولة إسلامية لا يساوي حتى نصف إنتاج ألمانيا وحدها، مع أن العالم الإسلامي يمتلك احتياط ثلاثة أرباع من الوقود العالمي وربع الموارد الطبيعية الأخرى.
إذا جئت إلى قضية فساد البيئات الاجتماعية، مثلاً الغيبة، النميمة، الكذب، سوء الظن، التجسس، التحاسد، التدابر التقاطع، مثلاً التنافس في الدنيا، التدابر، العين، السحر، إلى آخره، إفساد حتى في البيئات الاجتماعية، خبّب امرأة عن زوجها، أفسد زوجة على زوجها، ورجلاً على امرأته، وولداً على أبيه.
وقضية إفساد المتزوجات، وإفساد غير المتزوجات، والتبرج، والاختلاط، وتسعير نار الشهوات، والنتيجة تعسر الزواج وانتشار العنوسة، وهكذا شيوع أنواع من المحرمات الكثيرة والشذوذ.
إذا صارت البيئة ممسوخة من ناحية مثلاً محاصرة الأشياء الدينية، تقليل الأشياء الدينية، خفض نسبة التدريس الديني، قضية نشر البدع، تحويل المسألة إلى مسألة مادية بحتة، تسويق النظريات الغربية والشرقية، إشاعة روح الهزيمة النفسية.
هنالك بيئات محبطة تحبط الإنسان، نلاحظ أن من البيئات ما تكون بيئات إجبارية، وهناك بيئات اختيارية، أنت ممكن تعيش فيها أو لا تعيش، هناك بيئات ما تملك إلا أن تتأثر منها، والنسب مثلاً لا يمكن الاستغناء عنه...
الإنسان قد يولد في أسرة فيها فساد، صعب جداً أن يتخلى عن أسرته، لو جئت في سفينة أو في طائرة وشاع فيها منكر مثلاً أو شغل فيها، ماذا تستطيع أن تفعل؟ وهناك في المقابل بيئات اختيارية.
مثلاً إذا كنت تريد الزواج الآن بيدك أن تنشئ أسرتك وأن تنشئ بيتك وأنت تسيطر وتتحكم في هذا البيت بناءً على هذه الزوجة التي ستختارها، بناءً على المكان والعمارة والشارع الذي ستسكن فيه، بناءً على المدينة والبلد الذي ستستوطنه، بناءً على الشركة والدائرة التي ستعمل فيها، فيه أشياء اختيارية...
أنت تستطيع أن تدخل كلية كذا أو كلية كذا، لا شك أن هناك بيئات أحسن من بيئات  وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف: 28].
لماذا جاءت هذه الآية آمرة وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ  معناها تستطيع أنت أن تكون بيئة وأن تتحكم في البيئة وأن يكون لك أصدقاء معينون، وأن يكون لك إخوة في الله، أنت تختارهم، أنت مسئول عن اختيارهم، ولهم صفات معينة، وقال الله إنهم من أهل الإخلاص، يدعون ربهم، لا يدعون غيره.
وأن عبادتهم ليست موسمية، بالغداة والعشي دائماً يريدون وجهه، ليسوا من أهل الدنيا أو أنهم منغمسون في الدنيا.
ما هي الوصية؟ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف: 28].
 وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28]. لان هذه بيئة فاسدة، هذا الغافل الذي اتبع هواه وأمره فرط انفطر، ولا يلتئم له شمل على الخير، فاجلس مع الذين يذكرون الله، ويهللونه، ويحمدونه، ويسبحونه، ويكبرونه، ويدرسون كتابه وسنة نبيه ﷺ، ويعملون الصالحات، ويدعون إلى الخير، واصبر نفسك معهم  الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 3].


أما بيئات الكفر، الواحد يختار أن يذهب إلى بلاد الكفار، ويختار أن يجلس عندهم، أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين، لماذا تبرأ النبي ﷺ ممن أقام بين ظهراني المشركين؟ هو اختار أن يعيش هكذا، هو الذي أراد أن يذهب، وهو الذي جلس، وهو الذي قرر هذا، كان بإمكانه أن يتلافى هذا، كيف يذهب ليعيش مع أسرة كافرة؟ كيف؟ كيف تعقل أن يعيش شاب مسلم بين أسرة كافرة؟ يقول: أتعلّم اللغة.
تعلّم اللغة، أنت اخترتَ الفساد في هذه البيئة الكافرة، ثم هذا يذهب بابنته يوديها هناك ويسكنها مع أسرة كافرة، ويقول لبعض الشباب ممن فيه خير ممن يدرسون في الخارج: بالله أنا بنتي ساكنة هنا جنبكم، لو تنتبهوا لها وأنتم ذاهبون آيبون، إلقاء إلى التهلكة ما بعده إلقاء، كيف يفكر هذا؟ ما حسب حساب يوم القيامة؟
هناك بيئات غارقة في الفساد والشهوات، كيف يبقى الإنسان فيها؟ ومنكرات، ومخدرات مثلاً؟ هل تدخل في بيئة مخدرات؟ هنا مسألة العمل له مجال كبير والحمد لله، ما يمكن أن يقال الآن أن كل الفساد مفروض علينا، وليس بأيدينا شيء، كلا والله، بيدنا أن نفعل أشياء كثيرة، سبل المقاومة في إصلاح البيئات والاختيار.
أول شيء إنك تكون بيئة صالحة، وتختار بيئة صالحة، وتصلح البيئة الفاسدة، تكون بيئة صالحة أنت ممكن، يعني  حتى لو جيت على نطاق الهندسة المعمارية واختيار مجمعات سكنية ليعيش فيها ناس أخيار، وتقول لهم الآن: أنا أريد أن أولادي هؤلاء حتى في الألعاب يجدون أولاداً من أسر خيرة تنشئ أولادها تنشئة إسلامية.
إذاً أنت تستطيع أن تكون هذا.
وهذا التاجر، وهذا المعماري، وهذا المصمم صاحب المشروع يمكن أن يفعل ذلك، هنالك ما يشبه المجمع الصغير الذي إعماره مثلاً اتفق الأخيار أن يسكنوا فيها حتى يكون لأسرهم، أولادهم، نسائهم بيئة طيبة، خلاص تأمن على أهلك، قد يأتي واحد شرير، النبي ﷺ استعاذ من جار السوء في دار المقامة؛ لأن جار البادية يتحول، يعني لو نزل واحد جنبك في البادية يوماً، يومين، ثلاثة، شد الخيمة ومشى.
لكن إذا صار في دار المقام، مصيبة، خلاص هو ممكن يعاكس نساءك، وممكن يؤذيك، وممكن بناته يفتنون شبابك، وممكن تحصل أشياء كثيرة.
إذن، قضية تكوين البيئات أول خطوة في معالجة الموضوع، نحن بإمكاننا أن نفعل؟ نعم.
أنت تكون البيئة من خلال الأسرة، اختيار الزوجة، بل بعض السلف كان يقول لولده: أنا كنت أربيك وأنت في عالم الذر.
قال: كيف؟
قال: أنا قبل ما أتزوج كنت أدعو لك.


وأنت في عالم الذر وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف: 172].
أنت في عالم الذر، أنا كنت أدعو لك وأنت في عالم الذر، ابني، وابني، اللهم... أدعو، وذرية طيبة، قبل أن أتزوج أدعو لك، بالإمكان إذن أن نعمل على تكوين هذه البيئات من خلال اختيار الزوجات، ومن خلال تكون الأسرة، أنت بيدك أن تختار حتى سائقاً، خادمة، من هو.
وهكذا الذي يدخل البيت ويخرج من هو. الجيران إلى حد ما، صحيح إنه نطاق التحكم أحياناً يضيق على الإنسان، وتفرض عليه أشياء، ما وجد إلا هذه البيئة الوظيفية ، ما وجدت وظيفة في مكان آخر، أين أذهب؟
لكن  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2-3].
الطفل صفحة بيضاء يسطر الآباء أول الحروف فيها، يشكلون البيئة الأساسية لتلك الصفحة، أعطني عشرة أطفال أعطك طبيباً ومهندساً أو لصاً وشحاذاً.
البيوت التي لا يذكر الله فيها بيوت ميتة، تعصف بها رياح الفتن، فيها صغار ينشئون لكن على ماذا؟
البيئات الصالحة متميزة، فيها أعمال صالحة، وفيها قدوات، أهم شيء أنه يوجد فيها قدوات، يتلى فيها كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت .
[رواه مسلم: 779].

إنشاء البيئة صدقة جارية؛ لأن هؤلاء الذين سيعيشون البيئة سيتعلمون ويكتسبون ويعملون من جراء شيء أنت سببه، أنت كونته، أنت أعنت، أنت شكلت، أنت مهدت، وأنت بنيت، فأنت تجني، والأجر والحساب يوم القيامة.
ومسألة مد النظر، تفكير في قضية إنشاء البيئات مسألة مهمة جداً، وعندما يكون هناك انتقائية للأشياء، وتقول: أريد في هذا البيت أن تكون هناك قنوات متدينة، قنوات إسلامية حقيقة، وليست متلاعبة، وليست فاسدة...
لقد سئمنا الفحشاء والمنكر والعشق والغرام والفيديو كليب الطرب والإجرام وأفلام الإجرام وإلى آخره، وخلاص عرفنا النتائج الآن، أمراض نفسية، وانتحارات، وكفر، وانحلال، وفساد، وخنا، وفجور.
نريد الآن أجواء نظيفة وبيئات نظيفة.
التفكير في الموضوع هذا والإعداد له والتعاون عليه في غاية الأهمية، نحن نعلم أن الإنسان لا يتهيأ له أن يبني هو، قد يفرض عليه شيء، ما عنده إمكانات مادية، ماذا يفعل؟ هو ليس رجل أعمال أو مؤثر في الموضوع، هو فرد في أسرة، أهلي يضايقونني يلزمونني بالحضور معهم في المنكرات، بيتنا مليء بالدخان والشيشة والقنوات الفضائية الفاسدة والأصوات الموسيقية المرتفعة، والاختلاط، ولا يوجد توقي للمحرمات، بل مضايقات إذا سلكتُ سبيل التدين.
هنا تظهر مسألة المقاومة والإجراءات الأخرى التي يحمي بها الإنسان نفسه في هذه البيئة، نعم يوجد بيئات؛ وخصوصاً في قطاع النساء اللاتي هن من المستضعفات أحرّج عليكم حق الضعيفين المرأة واليتيم [رواه أحمد: 9666، وابن ماجة: 3678، والنسائي في الكبرى: 9104، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 2447].


فالمرأة ماذا تملك، هذا أب هو وليها، ولا هذا زوج هو سيدها، فماذا تفعل؟ يمكنها أن تفعل أشياء كثيرة ولكن لا شك أن تصرفها أقل من تصرف الرجل.
لماذا ضُرب لنا مثل امرأة فرعون، مثل امرأة فرعون مثل مهم جداً لازم نفكر فيه باستمرار؛ لأن امرأة فرعون كانت محاصرة في بيئة الملك الكافر وفي القصر، ما في عندها خيارات أخرى، أين تذهب؟ وهذا يلاحقها... تهرب منه؟ ما يمكن تهرب، لكن مع ذلك عاشت المرأة نظيفة، وعاشت مسلمة، وآمنت بموسى ، وثبتت على الدين، وما انحلت، ولا فترت، ولا تراجعت، ولا كفرت  وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ  هذا دعاؤها الذي لا يفتر  ابْنِ لِي عِنْدَكَ  واختارت الجار قبل الدار  ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِه  [التحريم: 11].
فإذن، اضطهاد، هي في بيئة اضطهاد، إلى أين تفر؟ اضطهاد، جنود فرعون يأتون بها في لحظة، ولكن عاشت، وبقيت، ونفسها محمية، إذن، هذا دليل على أنه يمكن للإنسان -ولو فرضت عليه بيئة فاسدة بل بيئة كفر من أكفر الكفر على وجه الأرض -أن يعيش سليماً، ممكن.
الدين يقوي عزيمة الإنسان، ويثبته، ويشحذ همته، ويجعله مقاوماً.
البيئات عادة التي تضطهد ربما تكون بالنسبة حتى للشخص العربي تثير فيه نزعة المقاومة، لكن في بيئات مغرية، بيئات إغراء، هي بيئات إغراء البنت تعيش فيها بغير محرم، تخرج حفلات صاخبة، اختلاط، عطور فواحة، مصافحة رجال، نميمة شائعة، غرور في كل شيء، ترف، في غرفتها الخاصة قنوات وجوال وشبكة إنترنت...
فأحياناً قضية الاضطهاد عند بعض الناس قد تسبب تمسكاً زيادة، لكن بيئات الإغراء، بيئات الفتنة، بيئات الانفلات، بيئات الترف، سينما في القبو، سينما كبيرة، شاشات من جميع الاتجاهات...
المال أوجد اليوم أنواعاً من التجهيزات التي تأتي بالغزو، المسألة الآن ادفع بالبطاقة وتحمل وتتفرج.
المسألة فيها قضية واعظ الله في قلوبنا مهم جداً في المقاومة، واعظ الله في قلوبنا، يعيش إخواننا أبناؤنا من الطلاب في المدارس والجامعات والمعاهد والدورات، بيئة عمرية، في سن الشباب، في تهور، في تمرد، في عناد، نعم، ولكن أيضاً في إخلاص إذا وجد من يقوده بسلاسة ولطف إلى شاطئ النجاة.
وربما يوجد من الحماس والعمل عندهم ما لا يوجد عند الكبار مع اتساع رقعة التقدم العلمي والتكنولوجي في وسائل الاتصال والشبكات، صارت لعبة الشباب، هوايتهم، فنهم، أساليبهم، حياتهم، بيئتهم.
هذه الأزرار والشاشات وهذه التقنيات في البث والاستقبال والتحميل والتنزيل والرفع والإرسال والاستقبال... خلاص، هذه البرمجة التي يعيشونها صباح مساء، صارت حتى طاغية على بيئة المدرسة، بيئة إلكترونية، أشياء جديدة نشأت، لا بد من إعادة دراسة هذا الموضوع.
وصحيح أنه كان هناك الشلة والمجموعة والاستراحة والشقة والمقهى، وأنواع المقاهي الآن، مقاهي تطورت، حتى المقاهي، المقاهي الشعبية صارت مقاهي من أنواع أخرى.
ويقول لك: فيه مخدرات شعبية ومخدرات نقية وللأغنياء.
وكذلك الأغاني أنواع وأصناف، الأفلام، أفلام أنواع وأصناف، والجلسات السمرة...
أشياء مصنعة للطبقة الراقية، وأشياء من كافة المستويات لأنهم يريدون مالاً وانحلالاً.
إن ساحة المدرسة أيضاً فيها تبادل لكثير من الخبرات السيئة، والآداب المخلة، والأشياء المخلة بالأدب، وأنواع من الشر المستطير، وبلدان تجد فيها اختلاطاً في الجامعات أدى إلى ارتفاع نسبة الزنا والزواج العرفي الباطل بمعنى ما في شهود، ما في ولي، زوجتك نفسي، قبلت...


أو خذ اثنين من الطلاب يشهدون في لعبة؛ لأن الله جعل الولي لا بد منه في النكاح.
وقد كثرت حتى أنواع الشذوذ، والسحاق... إلى آخره.
المسألة موجودة، هذا السكن وهذه البيئة الطلابية فيها أشياء كثيرة، حتى صار يُختار ملك جمال الكلية، والأصوات المرتفعة، والمعانقات، والزغاريد، وبالأحضان، وبالتعليم صارت للرقص وليست للتكنولوجيا.
بيئة الأصدقاء والرفاق لا شك أنها مؤثرة وباقية موجودة مع وجود البيئات الإلكترونية، لكن هناك رفيق إلكتروني، أو رفيق من بُعد، موجود، ومؤثر أيضاً، ويبقى هذا الشخص المجاور واللصيق والقرين والرفيق له التأثير الأكبر، هذا القريب من ميولك، وعمرك، وشخصيتك، واهتماماتك، وهواياتك، هذا الذي تتلاقى معه أنت نفسياً، والأرواح جنود مجندة، له تأثير عظيم عليك، والقرين بالمقارن يقتدي ويهتدي، ولكن من تأمل قول الله -عز وجل-: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا [الفرقان: 27، 28]. قال الشعبي: "كان عقبة بن أبي معيط خليلاً لأمية بن خلف، فأسلم عقبة، فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً. [تفسير الطبري: 17/ 440]
فكفر، وهو الذي قال: ليتني لم أتخذ فلانا ًخليلاً.
وهذه صحبة أبي طالب ماذا جنت عليه في اللحظات الأخيرة من حياته، هو على ملة عبد المطلب، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحاول فيه لآخر لحظة.
جنت الصحبة الفاسدة على عقبة بن أبي معيط، يقول ابن القيم رحمه الله: كم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلّت من رزية، وأوقعت في بلية، وهل آفة الناس إلا الناس؟ وهل كان على أبي طالب عند الوفاء أضر من قرناء السوء؟ لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة توجب له سعادة الأبد.
عندما يعيش الشاب اليوم أو الشخص مع رفاق ولكنهم في المقاهي، مجالس قد يتعاطون فيها المنكرات، والسهر المحرم، ضياع الأوقات أقل ما فيها، يقول أحدهم: نشأت في بيت متدين، ولم يكن هذا البيت يسمح بدخول آلات اللهو والفتن والفساد، بلغت الرابعة عشرة من العمر، تعرفت على الشلة، في مدة الامتحانات جاءوني بالحبوب المنبهة، وسهرنا الليالي، وجاءوني بحبوب أكثر وتطورت الأنواع حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من الفساد الذي لم يجعلني حتى أكمل المرحلة المتوسطة.

شبابنا ضاع بين الدش والقدم *** وهام شوقاً فمال القلب للنغمِ
يقضي لياليه في لهو وفي سهر*** فلا يفيق ولا يصحو ولم ينمِ
يقلب الطرف حتى كلّ من نظر*** إلى قناة تبث السم في الدسمِ
فقلد الغرب حتى فاقهم سفهاً *** وضاق بالدين والأخلاق والقيمِ
أرى سموماً أتت من سات يرسلها *** إلى شباب هوى في حالك الظلَمِ
أرى شباكاً من الأشرار قد نصبت *** فما تصيد سوى الغربان والرخمِ


 
هذا قوله: فقلّد الغرب حتى فاقهم سفهاً، حكى لي أحد الأطباء الذين يحضرون الزمالة شهادة بتخصص نادر في الخارج: جاءنا شباب ثانوية حديثو عهد بتخرج، يوم يتصل السائق، سائق مسلم في تلك البلاد الكافرة، يقول: أنا وجدت واحد صاحبكم خارج طايح باب ملهى، سكران، تأتون تأخذوه؟ أين أذهب به؟ يتصل آخر من مستشفى، أنت فلان؟ نعم، المكان كذا؟ نعم، الجالية الفلانية؟ منتدى الطلاب الـ...؟ نعم.
عندنا الطالب فلان هو في المستشفى، مدمن، أخذ جرعة زائدة، من يريد يأخذه؟ من يريد يستلمه؟ من مسئول عنه؟ جاءنا مسئول في الكلية، قال: أنتم يا العرب من حين أتيتم نزل مستوى الكلية، و نزل المعدل، إذا كان الكفار هذه نظرتهم...

قلّد الغرب حتى فاقهم سفهاً *** وضاق بالدين والأخلاق والقيم

ولا يوجد تحصيل، البيئة، يخرج واحد من بيت محافظ، ذاهب إلى ملهى ليلي في بلد أجنبي، ماذا تتوقع؟ يقولون: الصدمة الحضارية والصدمة الحضارية.
الصدمة الحضارية يا أخي، الصحابة لما طلعوا فاتحين إلى فارس والروم، أنت تتخيل ربعي بن عامر عنده فرس قصيرة وسيف ملفوف بخرقة، هو عندما يدخل إيوان كسرى، ما تحصل له صدمة حضارية؟ لكن هو عنده الله أكبر فلن يُفتن بهذا، يأخذون بسط كسرى، يقطعوها، يبيعوها في المزاد، الكافور ظنوه ملحاً، وضعوه في الأكل فسد، لما ذهب الصحابة بلاد فارس والروم ما رأوا أشياء مبهرة؟ الصحابة لما دخلوا بلاد فارس والروم أتوا من الجزيرة، صحراء، ماذا هناك؟ لا توجد منجزات معمارية ضخمة.
 أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [الشعراء: 128-129].
ماذا كان في بلد العرب؟ وكنا نأكل الجعلان، وكنا وكنا...، لما دخلوا على بلاد فارس والروم، بلاد فارس والروم كانت تمثل قمة العالم في ذلك الوقت، ماذا حصل للصحابة، فتنوا؟ دخلوا قصور كسرى وقيصر، ورأوا الذهب والفضة، لكن هذا الصحابي عنده في نفسه أصلاً: أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ [الحديد: 20]. حطام  ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا  [الزمر: 21]. انتهى  كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل: 5].
فكان عندهم حصانة، ما هي القضية إنك ترى منشآت عظيمة، القضية الدخول في العالم الفاسد، الدخول في وسط معفّن، ولذلك هو يرجع لك فاسق منحلاً.
صارت البيئات تؤثر حتى المجمعات التجارية والأسواق، نمط جديد للمعيشة، تأخذ الأسرة عندك الملاهي والمقاهي والمحلات... الذي تريد موجود، لو تريد خمس ساعات مستعدين نفصّل لك في وقتك خمس ساعات موزعة على مناشط السوق، ولا تقوم الساعة حتى تتقارب الأسواق[رواه أحمد: 10724، وقال محققه الأرنؤوط: إسناده صحيح].
ولذلك سلمان -رضي الله عنه- قال: "لا تكونن إن استطعتَ أول من يدخل ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته" [رواه مسلم: 2451].
أيضاً قضية الباطل، والغش، والخداع، والأيمان الكاذبة، والعقود الفاسدة، والنجش، والبيع على بيع أخيه، وبخس المكيال والميزان، لكن نحن نتكلم الآن على قضية صارت مجمعاً وموئلاً، وصارت محطاً، وأنواع من الفساد بحيث يقسو القلب إذا دخلتَ وطوّلتَ فيها.


معالجة البيئات، لازم نفكر، أنت تكلمنا عن البيئات الاجتماعية والأسرية في قضية التكوين، وسنتحدث عن معالجتها بعد قليل إن شاء الله، لكن الآن بيئة الأسرة، وبيئة الشلة، وبالمناسبة قبل أيام قال: احتفل بعض المسنين وبعضهم عمره 80 سنة بترك لعبة البلوت؛ لأنهم اكتشفوا أضرارها فقرروا أن يكون هنالك اعتزال جماعي.
مجموعة شيبان تلعب بلوت، عملوا وليمة، احتفال جماعي بترك اللعبة بعد السنوات الطويلة اكتشفوا أنهم كان على غلط، المشوار هذا ما كان صحيح وراح من الأعمار ما راح.

بيئات الموظفين وما فيها من المخالفات الشرعية

00:47:14

 البيئات الوظيفية تعاني، مثلاً إرضاء المديرين بالكذب والنفاق، وما يتعرضون له من الكذب والرشاوى، أو فيها أيضاً اختلاط، فساد مالي، إداري، محسوبيات، ابتزاز، تزوير، نهب المال العام، قضية النفوذ واستعمال النفوذ، المجاملات الخاطئة، والتقرب والتزلف الذي يؤدي للتنازل عن أشياء من الدين، استعمال النفاق والكذب، تكوين لوبيات داخل المكان الوظيفي، وهذا يوقع بهذا، وهذا في معسكرات، تحزبات، وهنالك تجاذبات، وأشياء هذا يأخذها ما يستحقها، وهذا يعرف هذا فيعطيه انتداباً لا يستحقه، تضيع الجدارة، تضيع الشهادات الحقيقية، يضيع أهل الاستحقاق، أهل الحق بسبب هذا النفاق الاجتماعي.
إذا جئنا حتى إلى بيئات سكن العمال تجد في بعض البيئات ترك الصلاة، تهاون، تدخين، سب، شتم، لعن، ألفاظ بذيئة، جلب المسكرات، خمور، مخدرات، أوكار فساد، معاصي.
وإذا انطلقنا على أشياء أخرى سنجد أيضاً بيئات، بيئات وبيئات، أنواع كثيرة من البيئات، وتكلمنا على بيئات الطلاب، بيئات وظيفية، بيئات إلكترونية، بيئات أسرية.
من الأشياء المهمة جداً المفارقة الجسدية والمفارقة القلبية، هذان الإجراءان العظيمان الشرعيان، لما قال الله: فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ [النساء: 140]. معناها أن البقاء في هذه البيئات وهذه المجالس التي يُكفر فيها، ويستهزأ فيها بالله، وفيها فساد حرام؛ لأن الإنسان إذا جلس على مائدة دار عليها الخمر يتأثر.
عندما جيء لعمر بن عبد العزيز بناس ضبطوا سكارى، قالوا: فيهم واحد صائم.
يعزّر معهم، لماذا؟ ما الذي أتى به هنا؟
يقول: الهيئة لما أخذت شاباً أخرج لهم شعار :"الهيئة في قلوبنا"!
هذا الشعار أنت وضعته لماذا؟ يقول: للحاجة!.
المفارقة الجسدية للمكان المنكر مهمة، عملية مهمة في مواجهة فساد البيئة فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ  وفيه تهديد خطير  إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء: 140]. لا تقعد على مائدة يدار عليها الخمر، لا بد من المفارقة، ولا بد من الترك؛ لأن البقاء إقرار، وغير الإقرار وهذا كان من بني إسرائيل، ينكر عليه أول يوم، ثاني يوم لا يمنعه ذلك أن يكون جليسه، وأكيله، وشريبه، وقعيده، إذن، إقرار للبقاء، وأيضاً يتأثر الإنسان، والكثرة تغلب الشجاعة، ولذلك ينحرف بعد مدة، هو يقاوم في البداية على أساس الأسرة المحافظة التي خرج منها وما تلقاه من التربية الأولى.
لكن بعد ذلك تزيد عليه الأشياء، ويصبح هؤلاء الشباب أكثر تأثيراً فيه من أبويه.
أنا بريء من كل مسلم يقيم بن أظهر المشركين[رواه أبو داود: 2645، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1461].
معنى ذلك قضية بقاء هذا الشخص عندهم سيؤثر عند المسلم، ولو كتب على الواحد ما اختار بمعنى أنه لا يستطيع، فماذا يفعل؟
في قضية عزلة القلب، تكلم العلماء على قضية المفارقة القلبية وإن كان جسده معهم لأنه مرغمٌ لكن القلب ليس معهم، مع الله ولو أرادوا، أبقوه بينهم بالقوة لكن نفسه مع الله، فهذا الذي يجعل الإنسان المسلم أحياناً ولو أُكره على الشر لا يستجيب.


لقد حاول الكفار، يقول جان بول سارتر: كنا نحضر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف الأثرياء والسادة من أفريقيا وآسيا ونطوف بهم بضعة أيام في أمستردام ولندن والنرويج وبلجيكا وباريس، لتتغير ملابسهم ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو، ويتعلمون لغاتنا وأساليب رقصنا وركوب عرباتنا. وكنا ندبر لبعضهم أحياناً زيجات أوروبية ثم نلقنهم أسلوب الحياة الغربية، ونضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبا ثم نرسلهم إلى بلادهم التي كانت أبوابها مغلقة في وجوهنا ولم نكن نجد منفذاً إليها. كان بالنسبة إليهم رجساً نجساً، لكن منذ أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم كنا نصيح من برلين أو باريس "الإخاء البشري" فيرتد رجع أصواتنا من أقاصي إفريقيا والشرق الأوسط أو شمال أفريقيا.
كنا نقول لهم: ليحل دين الإنسانية محل الأديان المختلفة فيرددون أصواتنا من أفواههم، وحين نصمت يصمتون، إلا أننا كنا واثقين من أن هؤلاء المغتربين لا يملكون كلمة واحدة غير ما وضعناه في أفواههم.
هذا النص الخطير إذا أضيف إليه اليوم التأثير الإعلامي لهؤلاء الكفار في الأرض والموجات التي يرسلون بها أفكارهم، ما عاد يحتاج تأتي، نحن نأتيك، اتصل نصل، ولو ما اتصلت سنصل.
لكن لو ما اتصلت ووصلت الجهاز لن يصلوا، نحن دائماً نختار، الإنسان يحاسب على الإرادة والحرية التي أعطاه الله إياها، عندما يكون هنالك بيئات مترفة، متنعمة، منغمسة في الشهوات، يحصل الدلال والميوعة، ويصبح الإنسان مخنث العزم، مائع الإرادة، نهم في شهوات الدنيا، يعيش لنفسه، اليوم خمر وغداً أمر، وشعاره: عش حياتك، تمتع، الدين مغيّب، وهذه الحياة المترفة أثرت على كثير من الشباب والشابات في أوساط فيها أموال.

البيئات الإعلامية وأثرها

00:54:09

 البيئات الإعلامية بيئات الفنانين والمطربين والممثلين ونحو ذلك... معروف ما يوجد فيها، يعيش فيها اليوم في ضمن البيئات ، قضية ستار أكاديمي وما شابهها.
ما فكرة ستار أكاديمي؟ وما علاقتها بالموضوع؟ لأن هذه قضية مهمة جداً.
الآن فكرة ستار أكاديمي إنك تنشئ بيئة وتأتي فيها بشباب، وتصمم البيئة وتهندسها بحسب الخطة، وكل هذه أشياء مدروسة ، ثم تنقل الكاميرات، الحياة أو البيئة التي سيعيش فيها الشباب والفتيات.
وبالمناسبة، بعض الشباب الذين خرجوا من ستار أكاديمي والبرامج المشابهة أفصحوا عن معلومات خطيرة، بعضها لم تكن تنقلها الكاميرات، في خطة العيش التي أريدت لهم تحت الأضواء، وكيف كان التحفيز، أو الحث، أو الترغيب، أو الدفع إلى تصرفات معينة، وما هي الخطة الموضوعة داخل هذه البيئة في ستار أكاديمي مثلاً، أو أكاديميات الشيطان هذه حتى يعيشوا فيها الشباب ليكونوا لغيرهم نموذجاً يحتذى.
قضية تكوين بيئة وجعلها نموذج وبثها على الناس بلا شك معمولة بطريقة احترافية، والنسخة الغربية منقحة لتناسب المجتمع العربي، وهناك اشتراك كثير جداً أصلاً، العولمة، تعولمت الملابس والقصات والموسيقى، والأشياء الكثيرة التي يتأثرون فيها في عالم الفيديو كليب.
هذه القضية، الفكرة الخطيرة التي هي غرس بيئة غربية، أو غرس بيئة انحلال في المسلمين، عبر عمليات ستار أكاديمي.
بينما الجانب المقابل يعيش مسلمون في أنحاء من العالم في اضطهاد شنيع، انتهاكات قاسية، قتل، تشريد، منعهم من أبسط حقوقهم الشرعية، حتى صلاة المسجد، حتى صلاة الجماعة، حتى الجمعة، قضية انتهاك حرمة الحجاب، الاضطهاد حتى في اسمه، يحس إنه هو مضطهد، محاصر، ملاحق، مضغوط عليه.
وبعض إخواننا المسلمين في بعض بلاد أوروبا الآن تحت هذا النير من الحصار، بحيث يُضغط عليه في البيئة ليذوب، ويوضع أمام خيارين: إما يقضى عليك وإما الذوبان. ما لك حل آخر.
 وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج: 8].
ولذلك جاءت قضية الهجرة من هذا الباب، لازم تخرج من البيئة الفاسدة، لم تبق؟ وكانت العقوبة شديدة  إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 97].

العلاج الشرعي للبيئات الفاسدة السقيمة

00:58:15

 أيها الإخوة، بعد الجولة هذه في موضوع البيئات نحتاج أن نتعرف على أشياء من العلاج، ونحن ذكرنا موضوع تكوين البيئة والتحكم فيها أصلاً والتعاون على ذلك.
وذكرنا إصلاح البيئات الموجودة، وذكرنا موضوع مقاومة الفساد الموجود في البيئات.
إن اللجوء إلى الله -عز وجل- أمر لا بد منه لأن القضية ضخمة، ولا يستطيع الإنسان أحياناً أن يتصدى لها، وقد تكون المسألة أكبر منه، لكن الله أكبر.
 رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا[الكهف: 10].
لما اضطر أهل الكهف والشباب أصحاب الكهف للخروج من بيئتهم؟ لأنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم،  هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الكهف: 15]. إذن، ما هو الحل؟ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ  أين نذهب؟  فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ  مبدئياً، مرحلياً، ثم ننظر أين نذهب يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا [الكهف: 16].
ولما أخلصوا لله حفظهم، الفتية من فقههم أنهم ما وضعوا الكلب داخل الكهف؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب، وضعوا الكلب خارج الكهف، لكن البركة عمّت، وحفظ الله الكلب؛ ليكون حارساً لهم، من بعيد الذي يراه بِالْوَصِيدِ  بفناء الكهف  كَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا [الكهف: 18]. وسلاح الرعب يعطيه الله لأوليائه، وهم نيام الآن، في معركة بدر عند المواجهة، حتى وهم نيام لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا .
وهذا كلبهم يحرسهم في الخارج.
الله -عز وجل- يعوّض، أنت تقول: إذا خرجت من البيئة أين أذهب؟
نقول:رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا[الكهف: 10].
سيأتي الله بالفرج، فيه أشياء تحتاج إلى معاناة، قال الله تعالى: وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ [الكهف: 13-14]. إذن، مسألة ترك هذه البيئة الفاسدة مهم.
والإنسان أحياناً يكون محاطاً بأشياء لا يمكن يستغني عنها، يطلق الزوجة؟ يبيع الأولاد؟
يقول ابن القيم: "كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه، وولد لا يعذره، وجار لا يأمنه، وصاحب لا ينصحه، وشريك لا ينصفه، وعدو لا ينام عنه، ونفس أمّارة بالسوء، ودنيا متزينة، وهوى مُرْدٍ، وشهوة غالبة، وغضب قاهر، وشيطان مزيّن، وضعف مستولٍ عليه"، قال: "فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها، وإن تخلى عنه، ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكان الهلكة" [الفوائد لابن القيم: 48].


يقول أحدهم: نشأت في بيئة ضالة فاسدة لا تحلل ولا تحرم، كل شيء مخدرات، سرقة، زنا... إلى آخره، أثروا علي، حتى يسر الله لي عملاً خارج هذا المحيط، خرجت بدموعي وأنيني، لكن رحمة رب العالمين، ورزق أرحم الراحمين رجعت إلى رشدي، الولد الصغير قد يهديه الله في بيئة فاسدة، ماذا تفعل؟ تقول له: اطلع خارج البيت، اترك البيئة الفاسدة؟ ما يمكن! أين يذهب؟ ما عنده قوة، لا يكسب، ولا يدبر أمراً.
هنا قضية الالتجاء إلى الله، وأبواب السماء المفتوحة.
يقول هذا الشاب الصغير في السن: كان بيتنا مليئاً بالمنكرات والمعاصي، وأبي لا يعرف القبلة، أدعوه لا يستجيب.
جئت إلى إمام المسجد أبكي وأقول: ماذا أفعل مع أبي العاصي؟ دعوته فلم يستجب، قال: إذا كنت في ثلث الليل الآخر فتوضأ وضوءك للصلاة وصل ركعتين وادع الله أن يهدي أباك.
فكنت أفعل ذلك في كل ليلة، وفي إحدى الليالي رجع الأب من الشلة والمجلس الفاسد الذي كان فيه، دخل يمكن أبكر من العادة قليلاً فوجد ابنه قائماً يصلي، سمع صوتاً، صوت بكاء من إحدى الغرف، فاقترب فإذا ابنه الصغير واقفاً رافعاً يريده، يقول: اللهم اهد أبي، اللهم اشرح صدره للإسلام، اللهم افتح قلبه للهداية، اللهم اهده للحق.
فاقشعر بدنه، وانتفض، وذهب واغتسل ورجع وانضم إلى ابنه في الصلاة فصلى بجانبه، ومن يومها حدث التغيير، صحيح قد يقول بعض الأولاد: نحن دعونا وما استجيب لنا.
فنقول: قد يؤخر الله الاستجابة لحكمة، وأنت مستفيد في جميع الحالات، هذه عملية مهمة في مواجهة فساد البيئة، التي هي اللجوء إلى الله، وذكرنا موضوع أصحاب الكهف، وموضوع الدعاء.
قضية تعميق الإيمان بالله واليقين بلقائه في غاية الأهمية؛ لأنها ستوصلك إلى نتيجة لا بد منها وهي: إنك لازم تعيش مع الله حتى تنجو من تأثير البيئة الفاسدة، لازم تعيش مع الله، لازم، مع كلامه، مع كتابه، تأنس بذكره، ترفع يديك إليه، تتذلل، تنطرح، تفتقر افتقارك، وتكبر، وتهلل، وتسبح، والأذكار، والرضى بالقضاء، ستصل لنتيجة.
لا بد من قراءة الوحي المتلو والمسطور، وسنة محمد ﷺ، وتقرأ سيرة الصدر الأول، كيف ثبتوا؟ كانوا في بيئات شرك، كانوا في بيئات كفر، كانوا في بيئات اضطهاد وهداهم الله -عز وجل-.
النور الماحي من كل ظلمة والدواء الشافي من كل علة، والمفتاح لكل علم نافع في النهاية هذا القرآن، فيه صفات ربك، وأسمائه، وآياته، وسننه، وأحكامه، وشرع، وفيه المثولات عن أمم خلت من قلبنا.
إذا عمرت القلب محبة الله تعالى وزادت معاني الولاء لله والبراءة من الشرك والمشركين والكفر والكافرين والفسق والفاسقين عرفت أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغضها إلى الله الأسواق.
هنا في معالجة فساد البيئة لازم نرجع إلى المعالجات النبوية، وأحسن ناس اشتغلوا في إصلاح البيئات الأنبياء، ولن نجد أمثل طريقة من عمل الأنبياء في إصلاح البيئات، وهذه قضية مهمة جداً.
 فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ  شباب صغار مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ زعيم البيئة الفاسدة  وَمَلَئِهِمْ  الأعوان  أَنْ يَفْتِنَهُمْ   وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ [يونس: 83].  وَقَالَ مُوسَى [يونس: 84]. الخطاب من المربي والقدوة والنبي والناصح والمعلم لأتباعه- يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس: 84] .
فأوصاهم بماذا؟ بعد البناء عن إيمان التوكل، فقالوا: فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [يونس: 85]. الآن هنا اضطهاد وفتنة وإغراء وإغواء وتعذيب، فلا بد من الدعاء بالنجاة  رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [يونس: 85، 86] .


والقضية ليست أماني وكلاماً فقط، وإنما أعمال لأن الثبات لا بد له من مقومات  وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس: 87] . صلاة تقام، ما دام لا يوجد مساجد؛ لأن فرعون لا يسمح بها وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس: 87] .
عالم تشتغل لا بد من وجود، لابد أن تتكون بيئات صلاح وعبادة، لازم بيئات صلاح وعبادة، كيف واحد يقاوم هذا الطغيان؟ لا بد من بيئات صلاح وعبادة.
إذن، الإيمان والتوكل والدعاء واجتماع المؤمنين والتعاون على الطاعة والعبادة والصلة بالله والأمل بأن النصر للدين  وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ  ثم في مواجهة قضية البيئات لا بد من إحياء مفهوم التربية الإيمانية الصحيحة، منهج صحيح، وممارسة تربية صحيحة، فيشتد عود الجيل، وينشأ ناس عندهم قوة، قدرة، مقاومة، دعوة، هم يريدون نشر الخير ويبعدون أنفسهم ويبعدون الناس عن الشر، هناك حصانة، وعندهم وعي، هذه المعاصي شيء حرام، هذا شيء مضر، هذا الشيء يغضب الله، هذا ستار لا تفتحه، ويلك إن تفتحه تلجه [رواه أحمد: 17634، وقال محققه الأرنؤوط: حديث صحيح].
سوران، وأبواب، وستور مرخاة، وقائل يقول: إذا أراد شخص يفتح ستاراً، يقول: لا تفتحه، إنك إن تفتحه تلجه .
فيه وعي بالأشياء الضارة، وهناك أيضاً السعي لاختيار البيئة الأنفع، الأصلح، كل شيء بمقدورك أن تفعله افعله.
عندما نقول: اختيار الزوجة الصالحة، ركز على الصلاح قبل الجمال، وقبل النسب والحسب.
ولا تصاحب إلى مؤمناً، لا يأكل طعامك إلا تقي [رواه أبو داود: 4832، وحسنه الألباني في المشكاة: 5018]. وأنت في السكن، والتعليم، والجيرة، والعمل... إلى آخره، ركز على الاختيار، ستجد، لن تعدم صالحاً، من هم الأخيار؟ والزمهم.
حتى في البيئات الإلكترونية، نحن نستطيع أن نكون منتديات إسلامية، وبيئات إلكترونية إسلامية، يوتيوب ضعوا أشياء إسلامية له، وضعوا شجرة الفيسبوك والعلاقات وهذا يعرف هذا، وهذا يضيف هذا عنده، وهذا يضيف، وأنت تضيف العلاقات!
لكن إذا ما صارت المسألة منضبطة بالشرع سيدخل من العلاقات من هنا ومن هنا؛ لأن الرابط يقود إلى الرابط، ثم لا تفتحه،  ويلك إنك إن تفتحه تلجه [رواه أحمد: 17634، وقال محققه الأرنؤوط: حديث صحيح]. ثم تعشقه وتدمن عليه، ولما أردنا أن يكون لنا على الشبكة حضور إسلامي فعلنا ذلك، إذاً قضية فيها مجال للعمل والاختيار، ونشأت مجموعات بريدية إسلامية، ومنتديات محافظة، ونشأت هناك مقرأة إلكترونية...منتدى العقيدة، ومنتدى الفقه، ومنتدى القرآن، ومنتدى السنة، ومنتدى... كله موجود.
ثم إن القائمين على الغرف والمنتديات لا بد أن يعتنوا بموضوع الانتقاء، وموضوع التخلص من أهل السوء الداخلي، ومثل ما تدخل السوسة أو يدخل قرين سوء فيشلها ويفسدها كذلك هناك من الأشرار من يدخل في بعض المجموعات الإسلامية الإلكترونية على الشبكة فيفسدها.
لا يأس، هذا شعارنا؛ لأن العمل ممكن، ما وصلنا إلى المرحلة التي نقول: كل واحد يأخذ غنماً ويطلع الجبل يلتمس مواقع القطر ويفر من الفتن، أو يصبح القبر بالعبد، أو يمر بالقبر يقول: يا ليتني مكانه، نحن ما وصلنا على مراحل مثل هذه، لكن بناءً عليه ندعو ونعمل ونرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، ومهما كان يا إخوان من رؤية الإنسان لسلطة أهل الباطل وقوة أهل الباطل وطغيان أهل الباطل وقمع أهل الباطل، ما يمكن نيأس؛ لأن طبيعة المؤمن، طبيعة الدين هي طبيعة تفاؤلية، طبيعة عملية، تقول لك: اعمل.
قال شيخ الإسلام: "وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام جزع، وكلّ، وناح كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأن العاقبة بالتقوى، وأن ما يصيبه بذنوبه فليصبر إن وعد الله حق وليستغفر لذنبه وليسبح بحمد ربه بالعشي والإبكار" [مجموع الفتاوى: 18/295].
وعندنا وعود ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار [رواه أحمد: 16957، وقال محققه الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم].

إصلاح البيئة المحيطة

01:14:44

 سادساً: إصلاح البيئة المحيطة.
خير وسيلة للدفاع التقدم إلى الأمام، ادع إلى سبيل ربك، لماذا نستسلم؟ نقول: هذه بيئة فاسدة وأنا مع الوقت أنهار، وأنا أتراجع إلى الخلف، وأنا أتأثر سلبياً.
اشتغل يا أخي، أنت ممكن تصلح هؤلاء بفضل الله تعالى، والدعوة ضمان لنظافة البيئة، وصحة البيئة، وسلامة العقل، ومصعب بن عمير أصلح الله على يديه مدينة.
قال البراء بن عازب: "أول من قدم علينا المدينة مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس".
[رواه البخاري: 4941].
إذن، يقرئان الناس القرآن، يعلمان شرائع الإسلام حتى لم تبقى دار من دور الأنصار إلا فيها رجال ونساء مسلمون، هذا إصلاح البيئة، هذا نموذج عظيم يجب أن يحتذى في إصلاح البيئات.
محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- خرج في بيئة فساد، وبدع، وشرك، ومزارات، وقباب، وجهل، وجفاء، وبداوة، وفقر، وانقسام، في كل قرية أمير، في كل إمارة قبر، عليه بناء وشجرة...أين العلماء؟ قلة، والذين يرأسون الناس عتاة ظلمة، والحاصل فوضى والقوي يأكل الضعيف...
فالشيخ اشتغل، ما استسلم للواقع، ما استسلم، اشتغل، حتى قيض الله له من ينصره، فقام معه الأمير محمد، وبنيا سوياً دولة الإسلام في نجد حتى جاوزت أطراف الجزيرة.
طالب جامعي يغير في البيئة، التحق طالب جديد بكلية الزراعة في إحدى الجامعات، وعندما حان وقت الصلاة بحث عن مكان يصلي فيه فأخبروه أنه لا يوجد مكان للصلاة، لكن يوجد غرفة صغيرة في القبو تحت الأرض، ذهب الطالب إلى الغرفة تحت الأرض فوجد فيها حصيراً قديماً وهي غرفة سيئة التهوية، سيئة الترتيب وجد عاملاً واحداً يصلي، فسأله الطالب: هل تصلي هنا؟ قال: نعم، ولا أحد يصلي غيري، ولا صلاة إلا في هذه الغرفة.
فقال الطالب: أنا لست مستعداً أن أصلي تحت الأرض.
وخرج إلى الأعلى، وبحث عن أكثر الأماكن وضوحاً وأذن فيها للصلاة، فوجئ الجميع، وبدأ الطلاب بالبهو يضحكون، ويشيرون إليه بأيديهم ويتغامزون، ويتهمونه بالجنون.
لم يبال بهم، جلس قليلاً، ثم نهض وأقام الصلاة وبدأ يصلي، كأنه لا يوجد أحد حوله، كل يوم يفعل ذلك، مرت أيام، الذين كانوا يضحكون عليه بدأوا يصمتون، بدأ شيء من التعود، ما عادوا يضحكون، خرج العامل من القبو، تشجع وصلى معه، ثم جاء أربعة طلاب وانضموا معه صاروا أربعة، ثم جاء أستاذ من الكلية وصلى معهم.
انتشر الموضوع فاستدعى العميد الطالب، وقال: نحن نتفهم موضوع الصلاة هذا، وبالحقيقة نحن مقصرون، ما يصلح تكون الصلاة في مكان غير مهيأ، سنخصص مكاناً للصلاة، فبني مسجد في ساحة نظيفة مرتبة تابعة للكلية، فانطلق الطلاب في باقي الكليات يطالبون، فنشأ في كل كلية مسجد تبعاً لذلك أسوة بمسجد كلية الزراعة.
انتهى تصرف الطالب الواحد إلى مسجد في كل كلية.
عملية الإصلاح السلمي والدعوة بالحسنى هي قضية جميلة جداً، فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ  [هود: 116].


وكل من جلس في مجلس معصية ينكر، وإذا حصل الإجماع على مقاومة شر سوف ينتهي ويضمحل، استعن بالأخيار وأمثل الموجودين في المكان، وليكن لكم اجتماع على الخير، وتوجيه أحسن وسيلة للدعوة، واستفادة من كل الوسائل الممكنة، وحكمة في التعامل مع المعادين ومع المتفرجين؛ لأن هناك أناسا ًينتظرون، من يرفع اللواء؟
أوصل الحق بما يمكنك من الوسائل، وخاطب كل أناس بلسانهم وبالطريقة التي توصل الحق إلى عقولهم، اقترب منهم، وانفتح معهم بشرع الله -عز وجل-.
ولا بد من الصبر والمصابرة.
نحن نعلم أن قضية إصلاح البيئات صعبة، ولكن الإنسان يبحث عن الحق وسيصل إليه، ويصبر عليه، هذا زيد بن عمر بن نفيل خرج من بيئة مليئة بالشرك، يبحث عن الدين الصحيح، لقي عالماً من اليهود، سأله عن دينهم، قال: لعلي أن أدين بدينكم، فأخبرني – ما دينكم أنتم اليهود -؟
قال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله.
قال: أنا أفر من غضب الله! كيف أروح أحمل من غضب الله؟!
قال: هل تدلني على غيره؟
قال: ما أعلم إلا أن يكون حنيفاً.
قال: وما الحنيف؟
قال: دين إبراهيم، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً، ولا يعبد إلا الله.
فخرج زيد فلقي عالماً من النصارى، فذكر مثله، قال: ما يمكن تصير نصرانياً حتى تأخذ نصيبك من لعنة الله.
قال: أنا أفر من لعنة الله" [رواه البخاري: 3827].
فلما رأى زيد قولهم إن إبراهيم طريق، خرج ورفع يديه، قال: "اللهم إني أشهد أني على دين إبراهيم.
قالت أسماء بنت أبي بكر: "رأيت زيد بن عمر بن نفيل قائماً مسنداً ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والله ما منكم على دين إبراهيم غيري؟، وكان يحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها أنا أكفيكها – مؤنتها - فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها".
كان زيد بن عمر يعيب على قريش ذبحها، هم يذبحونها لآلهتهم، فيقول لهم: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء ماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟
إنكاراً وإعظاماً لذلك. [رواه البخاري: 3828]. 
إذن، حتى لو الواحد بإمكانه أن يواجه الجميع إذا كان عنده قوة إيمان، والإنسان إذا بدأ يتأثر سلباً من وجودة في بيئة حتى لو كان يدعو فيها ورأى أن سلامته أولى، وهذه الحالة ممكن تحصل.
 اخرج إلى بلدة كذا وكذا فيها ناس يعبدون الله فاعبد الله معهم [رواه مسلم: 2766].
هذه النصيحة لقاتل المائة، واحد في بداية التوبة يمكن ما يقوى على مواجهة البيئة هذه، وهذه التي كانت تفسده وتعينه على المعصية، لكن الذي عنده قوة الأفضل أن يبقى ويصابر.
المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
قاعدة إذا ما استطعت تزيل المنكر زُل أنت، يعني أبعد المدة، نعم، وحاول أن تستخرج من البيئة الفاسدة من تجعله في بيئة طيبة ليتغير، إذا سقطت جوهرة في مكان نجس تحتاج إلى ماء كثير لتنظيفها، ولكن إذا أخرجناها من المكان النجس سهل تنظيفها بماء قليل، لا بد من الإخراج، عملية الإبعاد.
يوسف عليه السلام لما عاش في بيئة الترف، وبيئة فواحش، وامرأة العزيز تطارده وتستعين عليه بكيد النسوة، فتنة، قال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ *فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ[يوسف: 33-34].
ولو واحد قال: أين؟ كيف انصرف الكيد؟


نقول: حمى نبيه بالسجن، حمى نبيه من فساد القصر بالسجن، السجن كريه وكئيب وحجز الحرية، ولكن كان ذلك حماية، هذا على ما فيه حماية.
وكان مع الله -عز وجل- ومارس الدعوة في السجن، ومعروفة القصة، ولذلك خرج بعدها إلى فرج عظيم  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق: 2]. ضاقت، لكن اتسعت، واشتدت، لكن انفرجت.
وهكذا في النهاية الواحد إذا ما وجد إلا أن يعتزل الناس جميعاً فعل هذا، وهذا ما يكون إلا في آخر الزمان، ونحن ولله الحمد الآن في خير عظيم من جهة وجود العلم، وأهل العلم، والدعاة، والأخيار، والصلحاء، والقدرة على العمل، والحركة، والإنتاج هناك خير شيء عظيم، ولو ما استطعت في مكانك على الشبكة، أنت تستطيع أن تحقق شيئاً عظيماً، ومن اللطائف أن يوجد أحياناً شخص صالح في بيئة فاسدة إجباراً مثلما حصل لامرأة فرعون، وقد يجعل شخص فاسد في بيئة صالحة إجبارً لعله يتأثر مثلما حصل لثمامة -رضي الله عنه-.
ربطوه إلى سارية من سواري المسجد، فتأثر.
وإذا كان الإنسان يقاوم المعصية ويحافظ على قبحها في نفسه واستبشاعها، ويأخذ الجرعات المحصنة المقوية، وهذه مهمة جداً في قضية البيئات التي فيها فساد.
مثلاً الاعتكاف في رمضان، هذه مهمة جداً في قضية شحن النفس، هذه مقويات عظيمة، عمرة، حج، زيارة في الله، هذه التحصينات المهمة للغاية، والعبادة في الهرج كهجرة إليّ.
يعني إذا عبدت الله في وقت اختلاط الأمور، وقت الفتن، وتطيش فيه العقول، بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، ولا بد نحاول دائماً تقديم البدائل، هذا الأسلوب الخامس عشر في مواجهة فساد البيئات، تقديم البدائل.
لا نغلق الأبواب، ولازم نصمم بدائل، ونخترع بدائل، ونوجد بدائل، والعقليات الإسلامية -ولله الحمد- متوفرة، لا ينقصنا ذكاء، ولا مرونة، ولا توصل إلى حلول ونتائج وبدائل، نستطيع أن نقدم حلولاً كثيرة، قدمت مؤسسات إسلامية، مواقع إسلامية، مصارف إسلامية، أنت فكّر، وأماكن الذبح الحلال، وحتى في الجاليات، وحتى في بلاد الكفر، وأنشأت الجاليات الإسلامية مقبرة إسلامية، هي قضية إنه إمكان العمل موجود، المجال موجود، وتمت الاستفادة من كل الأشياء المتاحة، حتى التقنيات الحديثة في نشر الخير، وأنت تجد المعارض الإسلامية، ووسائل التقنية الإسلامية التي حصل فيها الكثير من الخير وانتشر والحمد لله.
إن موضوع البيئات موضوع خطير، مهم جداً، لا بد من معالجته، لا يجوز الاستسلام له، عندنا مجال كبير للعمل والحركة ولله الحمد، فبقي علينا أن نعمل.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يهدينا سواء السبيل، وأن يشرح صدورنا للحق، وأن يدلنا عليه، ويثبتنا عليه حتى نلقاه، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.