الجمعة 11 شوّال 1445 هـ :: 19 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أوقات النهي - الدرس الأول


عناصر المادة
الوقت الثاني من أوقات النهي

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فقد وصلنا في شرح كتاب الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في الفقه في منهج السالكين إلى قوله: "وأوقات النهي عن النوافل المطلقة من الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح، ومن صلاة العصر إلى الغروب، ومن قيام الشمس في كبد السماء إلى أن تزول"، فلما انتهى المصنّف - رحمه الله - من الكلام على الصلوات المستحبة من النوافل وغيرها، ناسب أن يورد الأوقات التي يُنهى عن التنفُّل فيها، فما قبل أوقات النهي كان قد ذكر الصلوات المستحبة والنوافل، فالآن يذكر في أي وقت يمتنع فيها عن أداء هذه النوافل؛ لأن الأصل الصلاة، والصلاة خير موضوع، فمن ناحية الترتيب أتى بالصلوات النوافل بأنواعها ثم أورد مسألة: متى يمتنع عن صلاة النوافل هذه؟ فقال : "وأوقات النهي عن النوافل المطلقة" ولاحظ قوله : "المطلقة" تفريقًا بينها وبين المقيدة، فإذن النوافل المطلقة أوقات النهي عنها "من الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح، ومن صلاة العصر إلى الغروب، ومن قيام الشمس في كبد السماء إلى أن تزول" والأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها على سبيل الإجمال يمكن أن نقول : إنها هذه الثلاثة، وعلى سبيل التفصيل يمكن أن نقول : إنها خمسة.

الوقت الأول: بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس.

ويدل على ذلك ما رواه الإمام البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر ، والذي يتكلم ابن عباس أن النبي ﷺ نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب" [رواه البخاري: 581، ومسلم: 826].

هل يبدأ وقت النهي هذا من طلوع الفجر، أو من صلاة الفجر؟

 الآن عندنا النهي عن الصلاة بعد الصبح إلى الإشراق، بعد الصبح يعني: بعد دخول وقت الصبح، أو بعد الصبح يعني: بعد أداء صلاة الصبح؟ هذا محتمل، وهذا محتمل، لكن قيل: من طلوع الفجر، وهو مذهب الجمهور كما في المغني [المغني :1/286]، والإنصاف [الإنصاف: 1/436]. والمجموع. [المجموع: 4/165].

إذن الجمهور يقولون : من طلوع الفجر، وقت النهي هذا يبدأ من طلوع الفجر، واستدلوا بأدلة منها ما رواه الطبراني في المعجم الأوسط عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر  ولكن هذا الحديث ضعّفه عدد من المحدّثين كابن حجر والهيثمي ومن المعاصرين الألباني [رواه الطبراني في الأوسط: 816، وضعفه الألباني في مجمع الزوائد: 3309] 

وقيل : يبدأ وقت النهي من بعد صلاة الفجر، وهو مذهب الشافعية؛ ويدل على ذلك ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس [رواه مسلم: 670]، وفي النسائي عن عمرو بن عبسة قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله هل من ساعة أقرب إلى الله من أخرى؟ هل هناك ساعة في الأربع وعشرين ساعة، الصلاة فيها أقرب إلى الله من الساعات الأخرى؟ فقال النبي ﷺ: نعم، جوف الليل الآخر فصلّ ما بدا لك حتى تصلي الصبح  [رواه النسائي: 584، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي: 584]، فإذن، أجابه عن سؤاله: نعم يوجد هناك ساعة أفضل من بقية الساعات، ما هي؟ قال: جوف الليل الآخر فصلّ ما بدا لك حتى تصلي الصبح  حتى تصلي الصبح، ثم انته حتى تطلع الشمس، وهذا الحديث الصحيح صريح في أن ابتداء النهي يكون من بعد صلاة الصبح، وليس من بعد طلوع الفجر ودخول وقت الصبح، ولعل هذا هو الراجح، لكن مع ذلك لا يُسن للإنسان أن يصلي بعد طلوع الفجر غير ركعتي الفجر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وما سوى ذلك لم يسن، ولم يكن منهيًا عنه، إذا لم يتخذ سنة" [مجموع الفتاوى: 23/204]، إذن شيخ الإسلام يقول متوسطًا بين من منع من الصلاة من بعد طلوع الفجر إلى أداء صلاة الفجر، وبعضهم قال : ما يصلى إلا ركعتي الفجر، شيخ الإسلام يقول : ممكن يصلي بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة أو سنة، وما سوى ذلك لم يسن، ولم يكن منهيًا عنه إذا لم يتخذ سنة، فإذا قيل : لا سنة بعد طلوع الفجر إلا ركعتان، فهذا صحيح، يعني ما هي السنة المستمرة بين طلوع الفجر وصلاة الفجر؟ ركعتا الفجر، قال : وأما النهي العام، فلا يعني أنه ينهى عن أي صلاة أخرى نهائيًا تمامًا، قال : لا، والإنسان قد لا يقوم من الليل، فيريد أن يصلي في هذا الوقت، يعني فاتك الوتر، ممكن تصلي بين طلوع الفجر وبين صلاة الفجر؟ الجواب: نعم، وقد استحب السلف له قضاء وتره، بل وقيامه من الليل في هذا الوقت، وذلك عندهم خير من أن يؤخره إلى الضحى"، مجموع الفتاوى [مجموع الفتاوى: 23/205].

عندنا حديث رواه الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين  [رواه الترمذي: 419، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 7511]، وهذا الحديث الصحيح عند بعض المحدِّثين، يستدلون به على أنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر، كما فسّره الترمذي، وقد استدلّ من أجاز التنفل بأكثر من ركعتي الفجر، بما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن عبسة في حديث : يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ قال :  جوف الليل الأخير فصلّ ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مقبولة، حتى تصلي الصبح  وفي لفظ : فصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح.... الحديث [رواه النسائي: 584، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي].

يقول المباركفوري - رحمه الله – قلت : "الراجح عندي هو قول من قال بالكراهة، لدلالة أحاديث الباب عليه صراحة" يعني أنه يكره أن يصلى بين أذان الفجر، وصلاة الفجر، إلا ركعتي الفجر، قال: "وأما حديث أبي داود، فليس بصريح في عدم الكراهة"[تحفة الأحوذي: 2/393]؛ لأن حديث أبي داود :  جوف الليل الآخر فصلّ ما شئت حتى تصلي الصبح  قال : ليس صريحًا في عدم الكراهة، وعندنا حديث:  لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين  الذي رواه الترمذي هذا يفيد الكراهة، فلذلك المباركفوري - رحمه الله - مال إلى كراهة أن يصلى أي شيء بين أذان الفجر، أو طلوع الفجر، وبين صلاة الفجر، فإذن الخلاصة: لا يواظب الإنسان على صلاة ما بين أذان الفجر وصلاة الفجر إلا ركعتي الفجر، الصلاة عارضة في هذا الوقت، ممكن قضاء الوتر لمن فاته، احتاج أن يستخير في هذا الوقت مثلًا بعد ما صلى ركعتي سنة الفجر، وقد سألتُ شيخنا عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: هل يشرع للإنسان إذا توضأ بعد طلوع الفجر، أن يصلي إذا دخل المسجد تحية المسجد، ثم يصلي ركعتي الوضوء، ثم يصلي سنة الفجر، والوقت متسِّع إلى الإقامة؟ فقال: لا، بل يصلي ركعتي الفجر فقط، وتكفي عن البقية، فالشيخ - رحمه الله - ما يرى بأن الإنسان في هذا الوقت، بين أذان الفجر وصلاة الفجر، يصلي ركعتي تحية المسجد منفصلة، وركعتي الوضوء منفصلة، وركعتي سنة الفجر مستقلة، بل يدخلها كلها في ركعتي سنة الفجر، ويكفي، فعندنا حديث الترمذي: لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين  يمكن أن يفيد الإنسان، ما يصلي في هذا الوقت، كلام شيخ الإسلام، عندما يقول: لا يُسن أن يصلى في هذا الوقت شيء غير ركعتي الفجر، وإذا عرض شيء يمكن أن يصليه في هذا الوقت مثل: قضاء قيام الليل، كلام متوسط جيد.

الوقت الثاني من أوقات النهي

00:10:15

الوقت الثاني: من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح، ويُقدّر بالنسبة للساعات باثنتي عشرة دقيقة تقريبًا، كما قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع. [الشرح الممتع: 4/87]، من عشر دقائق إلى ثنتي عشرة دقيقة، والاحتياط أن يزيد إلى ربع ساعة، الشيخ يقدر وقت النهي المغلظ هذا، من طلوع الشمس، ابتداء طلوع الشمس، إلى ارتفاعها قيد رمح، يقدره من عشر دقائق إلى ثنتي عشرة دقيقة، والأحوط أن يبقى ربع ساعة، قبل أن يصلي الضحى، صلاة الإشراق، ويدل على تحريم الصلاة في هذا الوقت ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ  إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع وإذا غاب حاجب الشمس  [رواه البخاري: 583، ومسلم: 829] متى هذا المغيب؟ عند المغرب فأخروا الصلاة حتى تغيب  فإذن، لا صلاة عند طلوع الشمس ولا عند غروب الشمس فإذا اكتمل الغروب تصلي المغرب، إذا اكتمل الإشراق انتظر حتى ترتفع قيد رمح، مقدار رمح في النظر، لكن في النظر بين المستوى الأفقي سطح الأرض، وبين الشمس في النظر، قيد رمح، مقدار طول الرمح، هذا الارتفاع يعني : حتى الوقت الذي تأخذه الشمس لترتفع هذا المقدار، يقدر بين عشر دقائق إلى ربع ساعة، وروى البخاري - رحمه الله تعالى - عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :  لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس  ويبدأ هذا الوقت من بدء طلوع حاجب الشمس كما في البخاري :  إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز   تظهر الشمس، وتصبح بينة، وترتفع، وينتهي وقت النهي هذا، قلنا : يبدأ من طلوع الحاجب، وينتهي إذا ارتفعت قيد رمح، عند جمهور العلماء لحديث عمرو بن عبسة عند أحمد وفيه:  إذا صلّيت الصبح فأقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت فلا تصلّ حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة  [رواه أحمد: 17014، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 3775]، فإن الصلاة مشهودة محضورة، إذن، قوله: فإذا طلعت فلا تصلّ حتى ترتفع  هو الدليل على أن هذا وقت النهي، ينتهي بارتفاع الشمس، وحديث أحمد حديث صحيح.

الوقت الثالث : قبيل صلاة الظهر إلى أن تزول الشمس، وهو وقت قصير قبل دخول وقت صلاة الظهر، وقدره شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - بربع إلى ثلث ساعة، قبيل صلاة الظهر إلى أن تزول الشمس، هذا وقت نهي، فأنت ممكن أن تصلي بعد ارتفاع الشمس صلاة الضحى، وتطيل فيها ما شئت، إلى متى؟ إلى قبيل الزوال، قبيل الزوال بكم ؟ ما هو الدليل؟ ما هو الدليل على أن هذا الوقت من أوقات النهي؟ ما رواه مسلم عن عمرو بن عبسة قال: فقلت يا نبي الله أخبرني عما علّمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة فقال: صلّ صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صلّ فإن الصلاة مشهودة محضورة  [رواه مسلم: 832]، ومعنى محضورة، يعني تحضرها الملائكة، فهي أقرب إلى القبول، وحصول الرحمة وقوله:  حتى يستقل الظل بالرمح ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة  حتى يستقل الظل بالرمح، يعني يقوم مقابله من جهة الشمال، وليس مائلًا إلى المغرب، ولا إلى المشرق، وهذه حالة الاستواء، فإذا صارت الشمس مستوية في وسط السماء تمامًا، هنا توقف عن الصلاة، توقف حتى يستقل الظل بالرمح، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الظل بالرمح، فإذا استقل الظل بالرمح وصار قائمًا مقابلًا له في جهة الشمال، لا مائل للمشرق، ولا مائل للمغرب، فهذه حال الاستواء، هنا توقف عن الصلاة، قال:  ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم [رواه مسلم: 832]، فلماذا نتوقف عن الصلاة في هذا الوقت وهو وقت استواء الشمس في وسط السماء تمامًا؟ لأن هذه ساعة توقد فيها جهنم إيقادًا بليغًا، هنا قال:  فإذا أقبل الفيء فصل  فإذا مالت الشمس عن كبد السماء، إلى جهة المغرب، وبدأ يتكون الظل في الجانب المقابل، حينئذ دخل وقت الظهر، قال:  فإذا أقبل الفيء فصل  إذا مالت الشمس من وسط السماء إلى جهة المغرب، الظل يتكون في أي جهة؟ الشرق، صار في جهة المشرق، ظهر إلى جهة المشرق، الفيء، والظل، هذا ظل ما بعد الزوال؛ لأن هنالك ظل قبل الزوال.

إذا بدأت الشمس تميل إلى المغرب، وبدأ الظل يتكون في الشرق نصلي، قال: فإذا أقبل الفيء فصلّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر   ثم  يعني: بعد الفريضة  وبعد صلاة العصر أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس  لماذا؟ قال: فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار  عباد الكواكب، عباد الشمس، يسجدون لها حين الغروب، فنحن لا نشابههم، ولا نصلي في وقت صلاتهم، تمييزًا لصلاتنا عن صلاتهم، وفي هذه الحالة فإن الصلاة منهي عنها، وينتهي وقت النهي الذي هو الثالث المشار إليه آنفًا، وهو في منتصف النهار، ينتهي بزوال الشمس، فإذا اكتمل الزوال دخل وقت الظهر، فحينئذ يمكن أن نصلي، وقد جاء في رواية النسائي لحديث عقبة  وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس  [رواه النسائي: 560، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي]  عرفنا الآن ثلاثة أوقات للنهي، وقت النهي الذي هو في وسط النهار، وإذا استوت الشمس في وسط السماء، هل يوجد فيه استثناء؟ استثنى بعض العلماء الصلاة في يوم الجمعة في وسط النهار لماذا؟ قالوا: لأن النبي ﷺ استحبّ التبكير إلى الجمعة، ثم رغّب في الصلاة إلى خروج الإمام، من غير تخصيص ولا استثناء، إذن، هذا استدلال، كما ذكره النووي في المجموع [المجموع شرح المهذب: 4/176]، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن يوم الجمعة يوجد فيه استثناء، من وقت النهي الذي في منتصف النهار، ويميل إلى هذا القول ابن تيمية كما يوجد كلامه في الفتاوى [مجموع الفتاوى: 23/202]. والاختيارات العلمية الجزء والصفحة& ، ويمكن أن يتقوى هذا، بحديث سلمان الفارسي قال: قال النبي ﷺ: لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهّر ما استطاع من طُهر ويدهّن من دهنه أو يمسّ من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرّق بين اثنين ثم يصلي ما كُتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى  [رواه  البخاري: 883]، إذن، يخرج مبكرًا إلى صلاة الجمعة، لا يفرق بين اثنين، وبالآداب، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت للإمام، يصلي ما كتب له، وهذه الصلاة يمكن أن تمتد إلى أن يخرج الإمام، والإمام يخرج في وقت الجمعة عند الجمهور بعد الزوال، مثل وقت الظهر، فإذا هذا خرج مبكرًا، أو جاء قبل الزوال، وصلّى ما كتب له، إلى أن خرج الإمام، معناها يمكن أن تستمر هذه الصلاة في وقت استواء الشمس في وسط السماء، الحديث هذا رواه البخاري، وابن حجر قال في شرحه: "وفيه جواز النافلة نصف النهار يوم الجمعة" [فتح الباري: 2/372].

والاستدلال السابق ذكره ابن القيم في زاد المعاد، في خصائص يوم الجمعة، قضية استثناء نصف النهار يوم الجمعة من وقت النهي في أيام الأسبوع، واستدل بالحديث : ما كتب له  ويمكن أن يستدل أيضًا بما رواه مالك في الموطأ عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر، وجلس على المنبر، وأذّن المؤذنون جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون، وقام عمر يخطب، أنصتنا، فلم يتكلم منا أحد.

الوقت الرابع : بعد العصر إلى أن تصفر الشمس، لحديث أبي بصرة الغفاري قال: صلّى بنا رسول الله ﷺ العصر بالمخمص، وهو اسم موضع في ديار بني كنانة، فقال: إن هذه الصلاة وهي صلاة العصر عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين  لماذا؟ الأولى: للمحافظة عليها خلافًا لمن قبلهم، والثانية: أجر عمله كسائر الصلوات، فإذن، من يحافظ على صلاة العصر من هذه الأمة له أجران، الأجر الأول: أجر الصلاة نفسها، والثاني: أجر المحافظة وعدم التشبه بمن سبق من الأمم في التضييع، قال ابن حجر: "مرة لفضلها لأنها الوسطى، ومرة للمحافظة عليها"[مرقاة المفاتيح: 3/829]. والحديث هذا الذي رواه مسلم:  إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين  قال: ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد  [رواه مسلم: 830].

هذا هو الشاهد من الحديث، والشاهد هذا غير الشاهد هذا، صح أقول : هذا هو الشاهد من الحديث، يعني الجملة التي نستشهد بها من الحديث على أن وقت النهي بعد العصر إلى أن تصفر الشمس، فالشاهد من الحديث قوله: ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد  لكن الشاهد الذي في الحديث المقصود به النجم، قال ابن رجب: "إنما أراد أن النهي يزول بغروب الشمس، وإنما علّقه بطلوع الشاهد؛ لأنه مظنة له، والحكم يتعلق بالغروب نفسه، ومنهم من زعم أن الشاهد نجم خفي، يراه من كان حديد البصر، بمجرد غروب الشمس، فرؤيته علامة لغروبها" [فتح الباري لابن رجب: 4/355]، فإذن الشاهد هو نجم خفي عند غروب الشمس، أول ما تغرب يظهر، يعني لا زال هناك ضوء، لكن يمكن رؤيته لمن كان قوي البصر، ورؤيته علامة على غروبها، الآن وقت النهي من بعد صلاة العصر، هل هذا يكون حتى لو جمع الإنسان العصر إلى الظهر جمع تقديم؟ الآن النهي عن الصلاة بعد الصلاة، هل هو بأدائها وإلا بوقتها؟

الصلاة بعد العصر فيها تفصيل عند بعض العلماء، يعني في قضية النهي، فبعضهم يرى أن بعد صلاة العصر يجوز أن يصلي نوافل إذا كانت الشمس حية، وإذا اصفرت لا، إذا اصفرت انتهت، وبعضهم يقول : لا، إذا صليت العصر، ما تصلي نوافل حتى لو الشمس حية، وحتى لو صليت العصر في أول وقتها، عند هؤلاء الذين يقولون : بعد العصر مباشرة لا نافلة حتى لو الشمس حية، ماذا عساهم يقولون إذا سئلوا عن جمع الظهر مع العصر جمع تقديم في وقت الظهر؟ فشخص صلى الظهر والعصر جمع تقديم في وقت الظهر، فهل يصلي نافلة بعد جمعهما؟ الجواب عندهم : لا يصلي النوافل، القضية عندهم مرتبطة بالعصر، إذا صلاها ما يصلي بعدها، ولو جمع جمع تقديم في وقت الظهر، قال ابن قدامة - رحمه الله -: "والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة، فمن لم يصل أبيح له التنفل، وإن صلّى غيره، ومن صلّى العصر فليس له التنفل، وإن لم يصل أحد سواه، لا نعلم في هذا خلافًا عند من يمنع الصلاة بعد العصر" [المغني لابن قدامة: 2/86]، فعند من يمنع الصلاة بعد العصر يقول: حتى لو جمعت جمع تقديم، ما تصلي.

فيه ناس يصلون العصر في أول وقتها، وهناك ناس يصلون العصر بعد نصف ساعة، والأحناف عندهم وقت صلاة العصر الجائز طويل، فالشاهد: لو أنت صليت العصر في أول الوقت، ما تصلي بعدها شيئًا عند من يمنع النفل بعد العصر، مع أن غيرك في مسجد آخر، أو في مكان آخر، ما بعد صلى العصر، فيمكن أن يصلي عندهم، وخذ مثلًا على ذلك بالنساء في البيوت، لو كان أذان العصر الساعة الرابعة مثلًا، فالمرأة هذه تتنفل من بعد الظهر، من الساعة ثنتين إلى ثلاثة أربعة، الناس صلّوا الساعة الرابعة مثلًا في المساجد، هي صلت أربعة ونصف في بيتها، هؤلاء الذين صلوا في المسجد، ما يصلون بعد العصر نفلًا، وهي ما زالت تتنفل حتى تصلي الفريضة، فإذًا عند من يمنع الصلاة النافلة بعد العصر، يعلقها بالصلاة عنده، يمكن أن يكون فلان يتنفل، وفلان ما يتنفل، لأن هذا صلى فريضة العصر، وهذا ما بعد صلى فريضة العصر.

الوقت الخامس : من اصفرار الشمس إلى غروبها، كما جاء في حديث عقبة : وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب  ومعنى تضيف يعني: تميل وينتهي وقت النهي، بتكامل غروب الشمس، لحديث البخاري:  وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب [رواه البخاري: 583]، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة، كما في الإنصاف [الإنصاف: 1/433]، ومغني المحتاج. [مغني المحتاج: 1/310].

ما هي أشد أوقات النهي تحريمًا؟

 عند طلوعها، وعند استوائها، وعند غروبها، لما رواه مسلم عن عقبة بن عامر الجهني يقول : ثلاث ساعات كان رسول الله ﷺ ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وما هو قائم الظهيرة؟ إذا استوت الشمس في وسط السماء، ولا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في جهة المشرق، ولا في جهة المغرب، هذا الاستواء، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب، تضيف تميل للغروب حتى تغرب، هذه أوقات نهي مغلظة شديدة، يجب الامتناع التام فيها عن النوافل المطلقة التي ليس لها سبب، يجب الامتناع فيها عن النوافل المطلقة تمامًا، ما أحد يفكر أبدًا بقضية الصلاة في هذه الأوقات، إلا استحضار النهي، والحكم الشرعي في ذلك،

والحكمة من النهي عن الصلاة في أوقات معينة عدة أمور، منها أن من أسباب النهي اجتناب مشابهة الكفار في عباداتهم، لأن الشمس إذا طلعت ترحيبًا وفرحًا، سجدوا لها، وكذلك إذا أوشكت على الغروب، ودعوها فيستقبلونها بصلاتهم، ويودعونها بصلاتهم، فنهينا عن مشاركتهم في ذلك، قال ابن رجب - رحمه الله -: "المقصود بالنهي بالأصالة، هو وقت الطلوع والغروب، لما في السجود حينئذ من مشابهة سجود الكفار في الصورة، وإنما نهي عن الصلاة قبل ذلك، سدًا للذريعة؛ لئلا يتدرج بالصلاة فيه، إلى الصلاة في وقت الطلوع والغروب، وقد جاء ذلك صريحًا عن غير واحد من الصحابة والتابعين، هذا ما ذكره ابن رجب في كتابه فتح الباري. [فتح الباري لابن رجب: 5/52]، ومثله في إغاثة اللهفان لابن القيم. [إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: 1/362].

إذن، يقولون : الوقتان الأساسيان في النهي، عند طلوعها، وعند غروبها، وإنما نهي عن الصلاة قبل طلوعها، ما هو عند فقط، وقبل غروب الشمس، وليس عند غروبها فقط، من باب الحماية، يعني تحمي الحد، تمنع الاقتراب منه، إذا كان عندك شيء تريد أن تحميه، فإنك تمنع الاقتراب منه، فالصلاة عند الطلوع، وعند الغروب، هذا حد هذه شديدة، فيها فيصل، المسألة خطيرة، ما اقترب يمنع أيضًا، ولذلك نهينا عن الصلاة قبل طلوعها، ونهينا عن الصلاة قبل غروبها، فإذًا حرصًا على سد كل باب فيه وقوع في الشرك، أو مشابهة للمشركين، حصل هذا الحكم في الشريعة، ولو أذن للناس أن يصلوا بعد صلاة الصبح، لاستمر بهم الحال إلى أن تطلع الشمس، وصلوا في وقت النهي المغلظ، ولا سيما من عنده رغبة في الخير، ولو أذن لهم أن يصلوا بعد العصر، لاستمرت بهم الصلاة عند المجتهدين، والذين يتعبدون، ويكثرون، إلى أن يدخل في وقت المغيب، وهو الوقت المغلظ، ولذلك نهينا عن الصلاة قربهما، نهينا عن الصلاة قرب هذين الوقتين، وأما النهي عن الصلاة عند قيامها في وسط السماء واستوائها، فلأنه وقت تسجر فيه النار، كما ثبت في الحديث، قال ابن رجب - رحمه الله -: "والمعنى في كراهة الصلاة وقت استواء الشمس، أن جهنم تسعر في هذا الوقت، فيكون ساعة غضب الرب، وساعة غضب الرب، ليس مجالًا للتقرب بالصلوات، وإنما يعني هو وقت تسبيح واستغفار، فليس هذا مجالًا للتقرب إليه الآن بالصلاة في هذا الوقت الذي يغضب فيه، ولكن مجال للاستغفار والذكر فلا حرج في ذلك ويدعو الله أن يقيه حرِّ النار وعذاب جهنم قال ابن رجب - رحمه الله -: "والمعنى في كراهة الصلاة وقت استواء الشمس: أن جهنم تُسعّر فيها فيكون ساعة غضب الرب سبحانه، والصلاة صلة بين العبد وربه؛ لأن المصلي يناجي ربه، فيجتنب مناجاته في حال غضبه حتى يزول المقتضي لذلك" [فتح الباري لابن رجب: 5/65]،

والحكمة من النهي عن الصلاة في أوقات معينة عدة أمور: إن شئت أن تقول : اجمام النفوس من ثقل العبادة، فممكن إن شئت أن تقول : تحبيب النفس في العبادة؛ لأنها إذا منعت من الشيء أحيانًا، اشتاقت إليه، وكل ممنوع مرغوب، وصارت تقبل وتريده، فممكن أيضًا، وإذا شئت أن تقول : إن الشيء الدائم تسأم منه النفس وتمل، فحتى يمنع الملل تمنع من الصلاة في أوقات معينة فممكن أيضًا، إذن هناك حكم من وراء النهي، وعدة حكم، يعني قضية عدم مشابهة المشركين، وقضية أن وقت الاستواء ساعة غضب الرب تسعر النار فيها، وقضية طرد السآمة والملل وإجمام النفوس وإراحة النفوس وانجذاب النفس وتشوق النفس لما منعت منه، فإذا زال المانع جاءت نشيطة، هذا كله من الحكم في النهي عن الصلاة في أوقات معينة.

هل النهي هذا عن الصلاة عام في جميع الصلوات؟ قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "ثبت بالنص والإجماع أن النهي ليس عامًا لجميع الصلوات" [مجموع الفتاوى: 23/178]، يعني عندما نقول : لا تصل بعد العصر مثلًا حتى تغرب الشمس، لا تصل بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، يعني ما تصلي ولا صلاة أبدًا نهائيًا أم أن هنالك استثناءات؟ نحن الآن قررنا القاعدة: لا صلاة في هذه الأوقات، لكن هل هناك استثناءات من القاعدة؟

يمكن أن نقسّم الصلوات في الحقيقة إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الفرائض، سواء المؤداة أو المعادة أو المقضية، فقد يترك الإنسان الفريضة نسيانًا، نومًا عنها، ثم يتذكرها، فهل لو انتبه من النوم، والشمس على طلوع، بدأ الحاجب، تقول له: ما تصلي الفريضة الفجر التي نمت عنها؟ واحد استيقظ من النوم عند بداية الغروب، ولم يصلّ العصر، فهل تقول : له ما تصلي العصر في هذه الحالة؟ إذن، تقسيم الصلوات هنا مهم في مسألة أن نعرف هل هناك استثناءات؟

 أولًا : الفرائض سواء كانت مؤداة أو معادة أو مقضية.

ثانيًا: النوافل المطلقة التي يتطوع بها الإنسان بدون أن يكون لها سبب معين، تمييزًا لها عن النوع الثالث، وهو النوافل ذوات السبب، مثل تحية المسجد، ركعتي الاستخارة، ركعتي الطواف، يتصدق على إنسان دخل المسجد، ما صلى وهو وحيد، ففي الصلوات التي لها أسباب، غير الصلوات النافلة التي لا أسباب لها إلا مطلق التنفل، وسنعرف بمشيئة الله حكم كل قسم من هذه الأقسام بالنسبة لأوقات النهي، يعني ما حكم أداء الصلوات الفرائض من المعادة المنسية مثلًا في هذا الوقت؟ ما حكم أداء النوافل ذوات الأسباب في أوقات النهي؟ ما حكم أداء النوافل التي لا سبب لها مطلق التنفل في هذه الأوقات؟ طبعًا أنتم تقولون بطبيعة الحال : مطلق التنفل، هو داخل في النهي أساسًا، وإلا ما معنى النهي؟ وما قيمة النهي إذا كان لن تدخل فيه النوافل المطلقة؟ هذه واضحة، فأين سيبقى النظر؟ في الفرائض المعادة المقضية أو النوافل ذوات الأسباب، هذا ما سنبتدئ به إن شاء الله في الدرس القادم بإذن الله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.