الجمعة 20 رمضان 1445 هـ :: 29 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

صلاة الكسوف - الدرس الأول


عناصر المادة
صلاة الكسوف سنة مؤكدة
تعليق الصلاة على رؤية الشمس

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن صلاة التطوع، وأنها اسم لما شرع زيادة على الفرائض والواجبات، وأن الأصل اشتراك الفرض والنفل في جميع الأحكام، فما ثبت حكمه في أحدهما ثبت في الآخر إلا ما دلّ الدليل على تخصيصه، وأن من الفروق بين صلاة الفريضة والتطوع تحريم الخروج من الفرائض بلا عذر بخلاف النوافل، جواز صلاة النافلة على الراحلة بلا ضرورة بخلاف الفريضة، النافلة في السفر لا يشترط لها استقبال القبلة بخلاف الفريضة، القيام ركن في الفريضة بخلاف النافلة، وغير ذلك من الفروق التي تقترب من الثلاثين على خلاف سبق ذكره، وذكرنا أن آكد صلوات التطوع هو الكسوف ثم الوتر ثم سنة الفجر ثم بقية الرواتب ثم الاستسقاء ثم التراويح.

وقلنا: إن الكسوف هو انحجاب ضوء الشمس أو القمر أو بعض الضوء، وأن لفظ الكسوف والخسوف مترادفان، وأن الكسوف له سبب شرعي وسبب حسّي وأنه ليس هناك تعارض بينهما، فإن الله تعالى يقدّر الكسوف بأسباب حسية لكن تقديره لهذه الأسباب له حكمة وغاية، فمع وجود الأسباب الفلكية وما أجراها الله في الطبيعة من القوانين لا يمنع أن يكون مرتبطًا بهذه القوانين حكم إلهية وتخويف للعباد وتذكير لهم بيوم الدين، وأن هذا نموذج مصغر اختفاء الضوء أو بعضه لما سيكون يوم القيامة، وقلنا : إن الشمس اختفاء الضوء أو بعضه لما سيكون يوم القيامة.

وقلنا : إن الشمس لا تكسف إلا في آخر الشهر الهجري، إما يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين إذا كان الشهر ناقصًا، أو يوم التاسع والعشرين أو يوم الثلاثين إذا كان تامًا، وأما انخساف القمر فلا يكون إلا في ليالي الإبدار: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، هذا ذكره شيخ الإسلام - رحمه الله -، نحن نرى في الواقع أن ليلة التاسع والعشرين في آخر الشهر، ليلة الرابع عشر في وسط الشهر، هي التي يكون فيها الكسوف والخسوف، وتوقفنا عند الكلام عن حكم صلاة الكسوف، قلنا: إن العلم بوقت الكسوف من الأمور التي تدرك بالحساب، وليست من الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله، بل يمكن أن يحسب ويُعرف وقت الخسوف والكسوف، وإلى سنوات قادمة، وفي أي مكان من العالم، وجزئي أو كلّي، وهكذا.

صلاة الكسوف سنة مؤكدة

00:03:26

أما حكم صلاة الكسوف، فإن الصلاة عند حدوث الكسوف سنة ثابتة مؤكدة باتفاق الفقهاء، وهي مشروعة حضرًا وسفرًا للنساء والرجال، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "فإن الصلاة عند الكسوف متفّقٌ عليها بين المسلمين وقد تواترت بها السنن عن النبي ﷺ واستفاض عنه أنه صلّى بالمسلمين صلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم" [مجموع الفتاوى: 24/258]، وجمهور العلماء على أنها سنّة مؤكدة، وليست بواجبة، حتى نقل بعضهم الإجماع على ذلك كما في المجموع للنووي. [المجموع شرح المهذب: 5/44].

واختاره من المعاصرين الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - فقال: صلاة الكسوف سنة مؤكدة لما ورد في الأحاديث الصحيحة، وليست واجبة عند أهل العلم لقول النبي ﷺ لما سأله بعض الوفود عن الصلاة وأخبره بأن عليه الصلوات الخمس، فقال السائل: هل عليّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوّع  مجموع فتاوى الشيخ [مجموع فتاوى ابن باز: 13/29].

وذهب بعض أهل العلم إلى أن صلاة الكسوف واجبة، وهو قول لبعض الحنفية. [بدائع الصنائع: 1/280] وقال بعض الحنابلة، وبعض الشافعية هي فرض كفاية. [الإنصاف: 2/443] [الحاوي الكبير: 2/508] قال ابن حجر - رحمه الله -: "وصرّح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها ولم أره لغيره إلا ما حُكي عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، ونقل الزين بن المنيّر عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل بعض مصّنفي الحنفية أنها واجبة" [فتح الباري: 2/527]، وقال الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله -  من المعاصرين: "والصحيح أن صلاة الكسوف فرض واجب، إما على الأعيان وإما على الكفاية، وأنه لا يمكن للمسلمين أن يروا إنذار الله بكسوف الشمس أو القمر ثم يدعوا الصلاة، مع أن رسول الله ﷺ قد أمر بها وأمر بالصدقة والتكبير والاستغفار والعتق والفزع إلى الصلاة، وحصل منه شيء لم يكن مألوفًا من قبل - يعني من إسراعه وفزعه وخروجه للمسجد - فكيف تقترن بها هذه الأحوال مع الأمر بها ثم نقول : هي سنة، لو تركها المسلمون لم يأثموا؟ فأقل ما نقول فيها: إنها فرض كفاية" [الشرح الممتع: 4/8].

وقال في الفتاوى: "والصحيح أنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين وكانت في حق الآخرين، سنة وليست بواجبة" [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 16/309].

وأجاب الشيخ عن حديث: هل عليّ غيرها بقوله: إن النبي ﷺ ذكر الصلوات الخمس؛ لأن ها اليومية التي تتكرر في كل زمان وفي كل مكان، أما صلاة الكسوف وما أشبه ذلك فإنها تجب بأسبابها وكانت في حق الآخرين فإنها تجب بأسبابها وما وجب بسبب فإنه ليس كالواجب المطلق" [الشرح الممتع: 5/182].

ابن القيم - رحمه الله - لما ناقش حكم صلاة الكسوف وذكر القول بالوجوب قال عنه: "إنه قول قوي جدًا" [الصلاة وأحكام تاركها: 40]، وكذلك قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - في تعليقه على صحيح مسلم: "إن القول بالوجوب قول قوي" مع أن الشيخ يرجِّح قول الجمهور، ومال الشوكاني - رحمه الله - في السيل الجرار إلى القول بوجوبها [السيل الجرار : 197]، وأقرّه الشيخ صدِّيق حسن خان في الروضة الندية [الروضة الندية: 1/156]، وظاهر كلام الشافعي في الأم الوجوب؛ لأنه قال: "ولا أرخِّص في ترك صلاة الكسوف" وقال: "ولا يجوز ترك صلاة الكسوف عندي لمسافر ولا مقيم ولا لأحد جاز له أن يصلي بحال"، [كتاب الأم للشافعي: 1/281] ، غير أن النووي - رحمه الله - في المجموع حمل هذا الكلام على تأكُّد صلاة الكسوف وأنه يُكره تركها" [المجموع شرح المهذب: 5/44].

إذن، يحرص المسلم والمسلمة على صلاة الكسوف، هذه الصلاة تحديدًا لها منزلة كبيرة عند العلماء، لذلك وضعوها في مقدمة صلاة التطوع عند من يقول إنها من صلاة التطوع، ومنهم من أفتى بوجوبها، ومنهم من قال إنها واجبة على الكفاية، وصلاة الكسوف للنساء مشروعة؛ لأن عائشة وأسماء - رضي الله عنهما - صلّتا خلف النبي ﷺ صلاة الكسوف؛ ولأن الأمر عام:   فصلّوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم  [رواه النسائي: 1502، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1644]، فإن خرجت المرأة إلى المسجد فعلت كما فعلت نساء الصحابة، وصلّت مع الناس، ولها في هذا خير، وإلا صلت في بيتها، أما بالنسبة لخروجها إلى المسجد فليست كصلاة العيد في الرتبة؛ لأن صلاة العيد أمر فيها بإخراج النساء من البيوت إلى المسجد أو مصلى العيد، أما صلاة الكسوف فلم يرد فيها الأمر بإخراج النساء للصلاة، ولكن إذا خرجت فقد اقتفت أثر قدواتها من الصحابيات، كعائشة وأسماء بالخروج إلى المسجد، وإلا صلّت في بيتها، وقد بوّب البخاري - رحمه الله - على حديث أسماء في صحيحه بقوله: "باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف" وقال ابن حجر: "أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال: يصلين فرادى" [فتح الباري لابن حجر: 2/543]، ردّ البخاري على من قال: النساء يصلين فرادى، وقصد بالترجمة أنه لا بأس بخروجهن إلى المسجد وصلاة الجماعة مع الإمام.

تعليق الصلاة على رؤية الشمس

00:09:26

وصلاة الكسوف لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف، قال شيخ الإسلام - رحمه الله –: "والعلم بوقت الكسوف والخسوف وإن كان ممكنًا لكن هذا المخبر المعين قد يكون عالماً بذلك وقد لا يكون، وقد يكون ثقة في خبره وقد لا يكون، وخبر المجهول الذي لا يوثق بعلمه وصدقه ولا يعرف كذبه موقوف" [مجموع الفتاوى: 24/258].

يعني: نحن نتوقف فيه، ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون، هذا ابن تيمية يقول: إن أهل الحساب إذا تواردت أخبارهم وحساباتهم على وقت معين فلا يكادون يخطئونـ يعني أن كلامهم يكون صحيحًا ودقيقًا قال: "ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علم شرعي، فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تُصلّى إلا إذا شاهدنا ذلك" [مجموع الفتاوى: 24/258]. فلو خرجت الأخبار في القنوات الفضائية، ونشرت في الجرائد، أن الوقت الفلاني فيه خسوف في الأرض أو كسوف، فلا يعني ذلك أننا توجه إلى المساجد مباشرة على التوقيت المذكور، بل لابد أن نراه؛ لأنه قد يكون في بعض الأرض دون بعضها، ممكن يكون في الأرجنتين تصلي أنت هنا وأنت ما تراه؟ وممكن يحول بينك وبينه غيم فلا تراه، فالحكم وهو الصلاة معلق بالرؤية وليس بالحساب، لكن في هذا الزمن والحسابات بالتجربة معروف دقتها، تجعلك متأهبًا مستعدًا أنك إذا رأيته وأن تتحرى تقول: أعلنوا أين هو؟ فإذا رأيته مباشرة إلى المسجد، ففيه نوع من الاستعداد المسبق، فقط حسابات، يعني استعداد مسبق، قال شيخ الإسلام فيما تفيده الأخبار بالحسابات: "وإذا جوّز الأنسان صدق المخبر بذلك أو غلب على ظنه - يعني أنهم صادقون في الحسابات - فنوى أن يصلي الكسوف والخسوف عند ذلك واستعدّ ذلك الوقت لرؤية ذلك" قالوا: يبدأ الساعة كذا، ويكتمل الساعة كذا، وينتهي الساعة كذا، فأعطوك معلومات، أنت بناء عليها تتحرّى، فيقول الشيخ ابن تيمية - رحمه الله – : "وإذا جوز الإنسان صدق المخبر بذلك، أو غلب على ظنه، فنوى أن يصلي الكسوف والخسوف عند ذلك واستعدّ ذلك الوقت لرؤية ذلك، كان هذا حثًا من باب المسارعة إلى طاعة الله وعبادته" [مجموع الفتاوى: 24/258].

وهل هو خاص في البلد الذي وقع فيه الكسوف؟ قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله –: "فلا يُشرع لأهل بلد لم يقع عندهم الكسوف أن يصلوا؛ لأن الرسول ﷺ علّق الأمر بالصلاة برؤية الكسوف، لا بالخبر من أهل الحساب أنه سيقع ولا بوقوعه في بلد آخر، وإنما قال في الحديث الصحيح: فإذا رأيتم ذلك فصلُّوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم [رواه النسائي: 1502، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1644].  فإذا رأيتم ذلك فصلُّوا ، فعلّق الصلاة على الرؤية، قال الشيخ عبد العزيز: ولو كانت صلاة الكسوف تشرع بأخبار الحسابين أو بوقوع الكسوف في مناطق أو أقاليم لا يشاهدها إلا أهلها لبين ذلك النبي ﷺ وأرشد الأمة إليه، فلما لم يبين ذلك بل بيّن خلافه قال:  إذا رأيتم فصلُّوا وأرشد الأمة إلى أن يعتمدوا على الرؤية للكسوف، علم بذلك أن الصلاة لا تشرع إلا لمن شاهد الكسوف أو وقع في بلده" مجموع فتاوى الشيخ [مجموع فتاوى ابن باز:13/ 32]. وإذا وقع الكسوف في بلدنا لكنه لا يُرى إلا بمكبّر تلسكوب؟ فقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "وإذا كان كسوف الشمس لا يُرى في بلدنا إلا بمكبّر أو آلات خاصة فلا نصلي" [الشرح الممتع: 5/180].

قال المصنّف - رحمه الله - يعني الشيخ عبد الرحمن السعدي بعد ذلك في منهج السالكين: وتصلى على صفة حديث عائشة أن النبي ﷺ جهر في صلاة الكسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات، متفق عليه، فصلاة الكسوف إذن ركعتان إلا أنه يركع في كل ركعة ركوعين، ويقوم قيامين يقرأ في كل قيام منهما، فيكون في كل ركعة ركوعان وسجدتان.

وذهب الحنفية إلى أن صلاة الكسوف ركعتين كغيرها من الركعات، يعني كل ركعة فيها ركوع واحد، قال ابن دقيق العيد: "والحديث صريح في الرد على من قال بأنها ركعتان كسائر النوافل" [إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: 1/348].

وصفة صلاة الكسوف أن يكبر للإحرام، ويقرأ دعاء الاستفتاح، ثم يستعيذ، ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ قراءة طويلة، ثم يركع ركوعًا طويلًا، ثم يرفع من ركوعه ويقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ قراءة طويلة غير أنها دون القراءة الأولى، ثم يركع مرة ثانية ويطيل الركوع ولكن دون الركوع الأول، ثم يرفع رأسه من الركوع ويقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ويقف وقوفًا طويلًا، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ويطيل الجلوس بين السجدتين، ثم يقوم إلى الركعة الثانية، فيفعل فيها مثل ما فعل في الركعة الأولى، لكن هي بقياميها وقراءتيها وركوعيها وسجوديها أقل من الركعة الأولى في الطول، ثم يجلس ويتشهّد ويسلّم، يدل على هذه الكيفية حديث عائشة الذي ذكره المصنّف - رحمه الله - وقد رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أنها - رضي الله عنها - قالت: "خسفت الشمس في حياة النبي ﷺ فخرج إلى المسجد فصفّ الناس وراءه فكبّر فاقترأ رسول الله ﷺ قراءة طويلة، ثم كبّر فركع ركوعًا طويلًا، ثم قال : سمع الله لمن حمده، فقام ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبّر وركع ركوعًا طويلًا وهو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم سجد، ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات" انتهى الحديث.

ولا خلاف بين الفقهاء في أنه يطيل القيام والركوع في صلاة الكسوف، واختُلف في بقية الأركان، يعني الرفع من الركوع والجلسة بين السجدتين: هل يطيل فيهما أم لا؟

وقد جاءت الأحاديث بتطويل السجود في صلاة الكسوف، ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي موسى قال: خسفت الشمس فقام النبي ﷺ فزِعًا يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلّى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله" يخشى أن تكون الساعة، هو ما يعلم أن قبل الساعة الدجّال، وقبل الدجّال ثلاث سنين، في السنة الأولى تحبس فيها الأرض زرعها والسماء مطرها ثلثًا، في السنة الثانية تحبس السماء ثلثي المطر والأرض ثلثي الزرع، والسنة الثالثة تحبس الأرض زرعها كله والسماء مطرها كله، ثم يخرج الدجال، ثم عيسى، ثم يأجوج ومأجوج وهكذا، والمهدي سبع سنين، وقيل: عيسى يمكث سنوات أيضًا ثم يموت ويصلي عليه المسلمون، فكيف خشي أن تكون الساعة؟ فالجواب: أن هذا من قوة خوفه من ربه، وشدة خشيته لله، ودوام استحضار قيام الساعة واليوم الآخر والتفكير فيها، فأول ما رأى آية التغير هذا في العالم العلوي، هو حصول ذهاب الضوء قام فزعًا؛ لأن  الذي عنده همٌّ دائم وفكر في هذا، فما يفكر يقول: باقي كذا، ولا زال هناك سنوات، لا معناها هو أصلًا عنده الخوف من قيام الساعة وما بعدها من الأهوال العظام، هذا شيء حي قائم في نفسه، ولذلك أول ما رآه خرج إلى المسجد فزعًا يخشى أن تكون الساعة.

وجاء في حديث جابر عند مسلم ما يفيد أيضًا تطويل السجود وهو قوله: "وركوعه نحوًا من سجوده" وقالت عائشة: "ما ركعتُ ركوعًا قط ولا سجدتُ سجودًا قط كان أطول منه" [رواه مسلم: 910].

يعني أطول صلاة صلاها الصحابة خلف النبي ﷺ على الإطلاق هي صلاة الكسوف؛ لأنهم صلوا وراءه التراويح ورمضان، وصلوا في السبع، وليلة سبعة وعشرين، لكن الكسوف حصل في آخر حياة النبي ﷺ فهم صلوا قبل الكسوف هذا صلوات متعددة ما صلَّوا صلاة في الطول مثلها أبدًا والتراويح فيها إحدى عشر ركعة، هذه الصلاة ركعتان بأربع ركوعات وأربع سجودات، لكن وطول فيها هذا التطويل الكبير، فهي بالتأكيد كانت ساعات يعني هاتان الركعتان كانت ساعات، قال ابن حجر - رحمه الله -: "وكل هذه الأحاديث ظاهرة في أن السجود في الكسوف يطول كما يطول القيام والركوع، وهذا مذهب أحمد وإسحاق وأحد قولي الشافعي وبه جزم أهل العلم بالحديث من أصحابه واختاره ابن سريج ثم النووي" [فتح الباري: 2/539].

وهل يستحب تطويل الاعتدال الذي بعد الركوع الثاني والجلوس بين السجدتين؟ مذهب جماهير أهل العلم أنه لا يطول في هذا الاعتدال ولا في الجلوس بين السجدتين كما في المجموع والإنصاف، قال المرداوي: "وحكاه القاضي عياض إجماعًا" [الإنصاف: 2/444]، وقال بعض الحنابلة باستحباب تطويل الجلوس بين السجدتين كما في الإنصاف، ويدل على ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر: "فصلّى رسول الله ﷺ بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون - يسقطون من الإعياء والتعب - ثم ركع فأطال ثم رفع فأطال ثم ركع فأطال ثم ركع فأطال"[رواه مسلم: 910]، معناها الاعتدالان بعد الركوعين فيهما تطويل، قال النووي - رحمه الله -: "هذا ظاهره أنه طَوَّلَ الاعتدال الذي يلي السجود، ولا ذكر له في باقي الروايات، ولا في رواية جابر من غير جهة ابن الزبير، وقد نقل القاضي إجماع العلماء على أنه لا يطول الاعتدال الذي يليه السجود، وحينئذ يُجاب عن هذه الرواية بجوابين أحدهما: أنها شاذة مخالفة لرواية الأكثرين فلا يعمل بها، والثاني: أن المراد بالإطالة تنفيس الاعتدال، ومده قليلًا وليس المراد إطالته نحو الركوع" [شرح النووي على مسلم: 6/206]، قال ابن حجر - رحمه الله -: "وتُعقِّب بما رواه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو أيضًا وفيه: ثم ركع فأطال حتى قيل: لا يرفع، ثم رفع فأطال حتى قيل: لا يسجد، ثم سجد فأطال حتى قيل: لا يرفع، ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل: لا يسجد، ثم سجد، والحديث صحيح، قال ابن حجر: "ولم أقف في شيء من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا" وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته، فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام في المذهب، نعم اتفقوا على عدم الإطالة وإلا لو قصد - يعني بقية الأقوال أو العلماء أو الأدلة - قال: وإلا فهو محجوج بهذه الرواية" [فتح الباري لابن حجر: 2/539].

من المعاصرين اختار الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - أن يطيل هذا القيام يعني الذي بعد الركوع، ويطيل الجلوس بين السجدتين؛ لأن هذه عادة النبي ﷺ في صلاته كما قال البراء بن عازب ﷺ: "رقمت الصلاة مع محمد ﷺ فوجدت قيامه، فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التسليم والانصراف× قريبًا من السواء في الطول" قال الشيخ: "والمراد بقيامه هنا قيامه بعد الركوع؛ لأن  قيام القراءة أطول بكثير من الركوع، ولأجل تناسب الصلاة" [الشرح الممتع: 5/186].

إذن هناك أربع أركان: الركوع، والاعتدال منه، والسجود، والجلسة بين السجدتين، هذه متقاربة في الطول، لكنها ليست كطول القيام.

إذن، السنة في صلاة الكسوف إطالة الصلاة بجميع أركانها، وفي سنن أبي داود عن عائشة قالت: كسفت الشمس على عهد النبي ﷺ فقام النبي ﷺ قيامًا شديدًا، قالت: حتى إن رجالًا يومئذ ليُغشى عليهم مما قام بهم، حتى إن سجال الماء لتصبُّ عليهم" [رواه أبوداود: 1177، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 1177]، ومن الذي غُشي عليهم أسماء سقطت ثم أفاقت من غشيها، فالغشي صار عند الرجال والنساء من طول القيام، خروا، سكبت المياه عليهم لإيقاظهم من الغشي.

إذن، السنة في صلاة الكسوف أن يطيلها ولو شق ذلك على المأمومين، والذي تعب يجلس، لكن واضح جدًا الإطالة، يعني كما أن الكسوف هذا غير معهود، وليس متكرر، فالتطويل فيه غير معهود أيضًا وأما حديث: إذا صلّى أحدكم للناس فليخفف [رواه البخاري: 703، ومسلم: 467]، فقد قال العراقي - رحمه الله -: "يتناول الفرائض والنوافل التي يشرع لها الجماعة كالعيد والتراويح ونحوهما، ويستثنى من ذلك صلاة الخسوف لمشروعية تطويل القراءة فيها، فلا يسن النقص عن المشروع في ذلك، وكأنه لندورها والاهتمام بشأنها للأمر العارض" [طرح التثريب للعراقي: 2/350].

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "افعل السنة فلستَ أرحم بالخلق من رسول الخلق - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أطال في صلاة الكسوف إطالة طويلة، حتى إن بعض الصحابة مع قوتهم ومحبتهم للخير، جعل بعضهم يُغشى عليه، ويسقط من طول القيام، قال: ولهذا انصرف النبي ﷺ من صلاته وقد تجلّت الشمس، مع أن كسوفها كان كليًا كما ذكره المؤرخون، وهذا يقتضي أن تبقى ثلاث ساعات أو نحو ذلك" والرسول ﷺ يقرأ ويصلي لذا افعل السنة فمن قدر على المتابعة فليتابع، ومن لم يقدر فليجلس ويكمل الصلاة جالسًا، وإذا لم يستطع ولا الجلوس كما لو حُصر ببول أو غائط فلينصرف، أما أن نترك السنة من أجل ضعف بعض المصلين فهذا غير صحيح" [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 16/ 317].

هل تطويل الصلاة في الكسوف يكون دائمًا حتى لو كان وقت الكسوف أو الخسوف قصيرًا؟ يعني أحيانًا يكون الكسوف سريعًا يبدأ وينتهي بسرعة، أحيانًا لا يطول، ذكر المرداوي - رحمه الله -أن الإطالة في الصلاة تكون إذا طال الكسوف، أما إذا كان الكسوف يسيرًا فلا يطيل الصلاة.

وذكر قول العلماء أنه تستحب قراءة سورة البقرة، أو قدر سورة البقرة، ثم قال: الذي يظهر أن مرادهم إذا امتد الكسوف، أما إذا كان الكسوف يسيرًا فإنه يقرأ على قدره. [الإنصاف: 2/442]، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "والكسوف يطول زمانه تارة ويقصر أخرى بحسب ما يكسف منها، فقد يكسف كلها، وقد يكسف نصفها، أو ثلثها، فإذا عظم الكسوف طول الصلاة حتى يقرأ بالبقرة ونحوها في أول ركعة، وبعد الركوع الثاني يقرأ بدون ذلك " يعني أقصر. [مجموع الفتاوى: 24/260]، قال الشيخ ابن عثيمين: "وينبغي للإمام أن يلاحظ مدة الكسوف، فيجعل الصلاة مناسبة، يعني تتناسب مع طول الكسوف والخسوف، فإن كانت قصيرة قصر الصلاة، ويعلم هذا بما نسمع عنه الآن مما يقرر قبل حدوث الكسوف، بأن الكسوف سيبدأ في الدقيقة كذا من الساعة كذا إلى الدقيقة كذا في الساعة كذا، فينبغي للإمام أن يلاحظ ذلك" فتاوى الشيخ ابن عثيمين. [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 16/322].

وهل يجوز لـلإنسان أن يصلي صلاة الكسوف بأكثر من ركوعين في الركعة؟

ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز له أن يصلي في كل ركعة ثلاث ركوعات أو أربع إذا امتدّ زمن الكسوف، وهو قول جماعة من الشافعية كابن خزيمة - رحمه الله - وابن المنذر والخطابي، ومذهب الحنابلة: جواز الزيادة إلى ركوع ثالث ورابع في كل ركعة ولكن الاقتصار على ركوعين أفضل، [الإنصاف: 2/447].

وكذلك ابن حزم في المحلّى أجاز أن تُصلى بركوعين أو ثلاث أو أربع، [المحلى بالآثار: 3/316]، واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم: أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله ﷺ فقام قيامًا شديدًا، يقوم قائمًا، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع ركعتين، في ثلاث ركعات، وأربع سجدات، وفي رواية: "في كل ركعة أربعة ركوعات" رواهما مسلم، قالوا: فهذه الروايات تدل على أن النبي ﷺ صلاها مرة بثلاث ركوعات، ومرة بأربع ركوعات، وذلك على حسب طول الكسوف ومدته، والصحيح: ما ذهب إليه المالكية والشافعية من أنه لا يُشرع الزيادة على ركوعين؛ لأن روايات الركوعين أشهر وأصح"، [المجموع شرح المهذب: 5/48].

وقد تكلم العلماء على الأحاديث الواردة في صفة الكسوف وأنه يركع ثلاث ركوعات أو أكثر، وحكموا عليها بالشذوذ، وأنها من أخطاء الرواة، قال النووي - رحمه الله –: "قال الحفّاظ: الروايات الأول أصح" يعني التي فيها ركوعان في كل ركعة "ورواتها أحفظ وأضبط"، وقال ابن عبد البر عن رواية الركوعين: "وهذا أصح ما في هذا الباب وباقي الروايات المخالفة معللة ضعيفة" [شرح النووي على مسلم: 6/198-199].

قال شيخ الإسلام: "وقد روي في صفة صلاة الكسوف أنواع، لكن الذي استفاض عند أهل العلم سنة رسول الله ﷺ ورواه البخاري ومسلم من غير وجه، وهو الذي استحبّه أكثر أهل العلم كمالك والشافعي وأحمد، أنه صلّى بهم ركعتين، في كل ركعة ركوعان" [مجموع الفتاوى: 24/259].

وقال ابن القيم: "روي عنه أنه صلاها على صفات أُخر؛ منها كل ركعة بثلاث ركوعات، ومنها كل ركعة بأربع ركوعات، ومنها أنها كأحدث صلاة صُلّيت كل ركعة بركوع واحد، ولكن كبار الأئمة لا يصححون ذلك كالإمام أحمد والبخاري والشافعي، ويرونه غلطًا" [زاد المعاد: 1/436].

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله –: الأصح في صلاة الكسوف هو ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما من كون النبي ﷺ صلاها ركعتين، حين كسفت الشمس، ومات ابنه إبراهيم، في كل ركعة قراءتان وركوعان وسجدتان، هذا هو الأصحّ عند المحققين من أهل العلم، وما زاد على ذلك فهو وهم من بعض الرواة، أو شاذ؛ لأن  المحفوظ عن النبي ﷺ أنه إنما صلّى الكسوف مرة واحدة في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم" [مجموع فتاوى ابن باز: 13/37].

قال الشيخ الألباني: "وخلاصة القول في صلاة الكسوف أن الصلاة الثابت فيه عن رسول الله ﷺ إنما هو ركوعان لكل ركعة من الركعتين، جاء ذلك عن جماعة من الصحابة في أصح الكتب والطرق والروايات، وما سوى ذلك إما ضعيف أو شاذ لا يُحتج به" [إرواء الغليل: 3/ 132]، لو قال واحد: لم لا نجمع بين الروايات؟

نقول: مرة صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان، ومرة صلاها ركعتين في ركعة ثلاث ركوعات، ومرة صلاها ركعتين في كل ركعة أربع ركوعات؟ لماذا لا نقول: صلاة الكسوف تُصلَّى هكذا وهكذا وهكذا؟ لأن النبي ﷺ ما صلّى صلاة الكسوف إلا مرة واحدة في حياته، لما مات ابنه إبراهيم، إذن ما يمكن أن نقول أنه صلى كذا وكذا هذه الكيفيات في الكسوف، قال ابن كثير - رحمه الله -: "فإن رسول الله ﷺ لم يصلّ الكسوف إلا مرة واحدة بالمدينة في المسجد، هذا هو الذي ذكره الشافعي وأحمد والبخاري والبيهقي وابن عبد البر" [حاشية السيوطي على سنن النسائي: 3/134]، قال شيخ الإسلام: "الصواب أنه لم يصلِّ إلا بركوعين، وأنه لم يصلّ الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم، وقد بين ذلك الشافعي، وهو قول البخاري وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه" [مجموع الفتاوى: 1/256]. وقال: "روى مسلم أن النبي ﷺ صلّى الكسوف ثلاث ركوعات وأربع ركوعات، انفرد بذلك عن البخاري، فإن هذا ضعّفه حُذّاق أهل العلم، وقالوا: إن النبي ﷺ لم يصلّ الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم، ومعلوم أن إبراهيم لم يمت مرتين، ولا كان له إبراهيمان، وقد تواتر عنه أنه صلى الكسوف يومئذ ركوعين في كل ركعة، ولهذا ضعّف الشافعي وغيره أحاديث الثلاثة والأربعة، ولم يستحبوا ذلك، وهذا أصح الروايتين عن أحمد، وروي عنه أنه كان يجوز ذلك قبل أن يتبين له ضعف هذه الأحاديث" [مجموع الفتاوى: 18/18]، وقد ذكر الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في تعليقه عن المحلّى لابن حزم [تحقيق العلامة أحمد شاكر على المحلى.]. نقلًا عن بعض الفلكيين أن هذا الكسوف حصل في السنة العاشرة من الهجرة، في يوم الاثنين، تسعة وعشرين شوال، في الساعة الثامنة والنصف صباحًا، وأحمد شاكر إذا ذكر هذا، يعني قبل خمسين سنة، قال المباركفوري - رحمه الله –: "اتفق المحققون من أهل التاريخ، وعلم الهيئة والماهية، في الحساب الفلكي على أن الكسوف الذي وقع يوم مات إبراهيم وقع في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين من شهر شوال سنة عشر من الهجرة، الموافق السابع والعشرين يناير سنة ستمائة واثنين وثلاثين، في الساعة الثامنة والنصف"[لم أجد المصدر في الشاملة]. وهم حسبوها، حتى بعض الفلكيين المعاصرين تكملوا في أبحاث لهم على متى حدث الكسوف في عهد النبي ﷺ وجيبوا لنا كم استمر، حتى نرى كم طول، ﷺ، الشيخ ابن عثيمين قال: يعني ثلاث ساعات، ننظر؛ هاتوا كم طول؛ لأنهم يحسبونها بدقة، الفلكيون الآن يقولون: نحسب لك بدقة متى بدأ ومتى انتهى والساعة كم؟ وامتد كم؟ واعطونا بعد هل كان كسوفًا كليًا أو جزئيًا؟ وأين؟  هل كان في المدينة؟ لأنه ممكن يقول: حصل كسوف، لكن على إيطاليا، نحن نريد الكسوف الذي صار في المدينة.

يبدأ وقت صلاة الكسوف من ظهور الكسوف إلى حين زواله، من ظهوره إلى زواله، ما هو من ظهوره إلى الكسوف الكلي أو الخسوف الكلي والاختفاء الكلي، لا، من بدء الكسوف والخسوف إلى زوال الكسوف والخسوف، وعودة الشمس والقمر كما كان قبله، هذا هو وقت الصلاة لقول  النبي ﷺ: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي [رواه البخاري: 1040، ومسلم: 904]، فإذا رأيتموهما صلُّوا حتى ينجلي، إذن، من بداية حدوثه وكونه مرئيًا يدرك الأن بالعين أنه بدأ إلى وقت انتهائه وحتى ينجلي.

وفي صحيح مسلم: فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلّوا حتى تنجلي  [رواه مسلم: 904]، فجعل الانجلاء غاية الصلاة؛ ولأنها شرعت رغبة إلى الله في رد نعمة الوضوء، فإذا حصل ذلك حصل المقصود من الصلاة، ويبدأ بالصلاة من أول انكسافه، ولا ينتظر حتى يستتم الكسوف؛ لأن بعض الناس يقول: إذا صار كلياً، إذا صار في ذروته بدأنا بالصلاة، نقول: لا، إذا بدأ ابدأ، وإذا انجلت الشمس أو القمر قبل أن يصلي فات وقتها ولا تُقضى، فإذن، هذه الصلاة من طبيعتها أنها إذا فات الكسوف والخسوف ما تُشرع، يعني قام واحد متأخراً وتوضأ ونظر، فإذا بالقمر يرجع كما كان، فات الوقت يقول: أصلي؟ نقول: لا تقضى ولا تصلى بعد الانجلاء، قال ابن حجر: "وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعد الانجلاء"، [فتح الباري: 2/528].

فإن انجلى البعض يعني الآن هو كلي، فبدأ واختفى تمامًا القمر، ثم بدأ ينجلي، لكن ما زال فيه خسوف، يعني رجع نصفه، وبعد ذلك واحد انتبه يصلي؟ نعم؛ لأن الخسوف لا زال قائمًا، لا زال موجودًا، لكن إذا اكتمل الانجلاء انتهى وقت الصلاة "فإذا انجلى البعض فله الشروع في الصلاة للباقي كما لو لم ينكسف إلا ذلك القدر، ولو وجد سحاب يحول بين رؤية الشمس وشك في الانجلاء" يعني الأن بدأنا، رأينا الخسوف، بدأنا نصلي، ثم جاء غيم، سحاب، ما عرفنا الآن هو انجلى أو ما انجلى، فهل نواصل أو ما نواصل؟ نواصل؛ لأن الأصل بقاءه، المغني. [المغني لابن قدامة: 2/316]، والمجموع [المجموع: 5/54]، "ولا بأس بالرجوع في وقت الانجلاء إلى علماء الفلك؛ لأنه ثبت بالتجارب أن قوله منضبط" [الشرح الممتع: 5/189].

فالآن عندك بالساعة تعرف متى سينجلي، حتى لو كان هناك غيم، أما في حال وجود الرؤية، فلا يُقدّم على الرؤية شيء، لا حساب ولا غيره، وإن فرغ من الصلاة ولم ينجل الكسوف، فهل يكرر الصلاة؟ الآن مع ضعف الهمة، عندما يبدأ الخسوف الساعة الحادية عشر والنصف ليلًا، ويمتد إلى الساعة الثالثة قبل الفجر، هذه فيها ثلاث ساعات ونصف، أو فيها أكثر، بدأ الإمام، والناس طول وطول وطول، والناس يمكن بدأوا يخرون بعد ذلك، يمكن الإمام أوشك أن يخر يُغشى عليه هو نفسه، صلّى وأكمل الصلاة وسلّم، خرج ما زال موجوداً، هل يأخذوا راحة ويصلوا أيضًا زيادة؟ الجواب: الصحيح أنه لا تكرر الصلاةـ بل يشتغل في بقية الوقت بالذكر والدعاء" [المغني لابن قدامة: 2/ 316]. [المجموع: 5/54]، الذخيرة للقرافي [الذخيرة للقرافي: 2/429]، فتاوى ابن باز [مجموع فتاوى ابن باز: 13/44]، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "فإن فرغ من الصلاة قبل التجلي ذكر الله ودعاه إلى أن يتجلّى"، [مجموع الفتاوى: 24/260] ، قال الشيخ ابن عثيمين: "لا تُكرر صلاة الكسوف إذا انتهت قبل الانجلاء، وإنما يصلي نوافل كالنوافل المعتادة - يعني ركعتين عاديات ركعتين ركعتين - أو يدعو ويستغفر ويشتغل بالذكر حتى ينجلي" [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 16/324].

"وإن انجلت وهو في الصلاة أتمها وخففها" صلّى الباقي صلاة خفيفة"، [المغني لابن قدامة: 2/316]، والمجموع. [المجموع: 5/54]، ولو كان في القيام الأول فانجلى الكسوف، فإنه يتمها على هيئتها المشروعة، يعني ما يكمل ركعتين عاديات، يتمها على هيئتها المشروعة، ولو انجلت في الركعة الأولى وفي القيام الأول من الركعة الأولى" [الإنصاف: 2/445]؛ لأن هذه حالة ممكن تتصور، بدأنا نصلي في القيام الأول من الركعة الأولى، انجلى، نصلي ركعتين عاديات أو نصلي ركعتي كسوف؟ ما دام بدأناها نتمها على هيئتها المشروعة كما ذكر صاحب الإنصاف. [الإنصاف: 2/445]، وإذا كسفت الشمس عند الغروب، وغربت كاسفة، هذه حالة أخرى، يذكر العلماء، كسفت الشمس قبيل الغروب بدأنا نصلي فغابت الشمس كلها وهي كاسفة، يعني الآن ما ندري، الآن هي غابت أصلًا، كلها غابت، اختفت، كيف تعرف انتهت أو ما انتهت؟ قالوا: وإذا كسفت الشمس عند الغروب، وغربت كاسفة، أو خسف القمر والشمس طالعة، فلا يصلي الكسوف، يعني إذا ما بدأنا، كسفت الشمس عند الغروب، وغربت كاسفة، أو خسف القمر وطلعت الشمس، إذا طلعت الشمس محت القمر محوًا فحينئذ لا صلاة؛ لأنه قد ذهب وقت الانتفاع بنورهما، فإذا غربت الشمس وهي كاسفة لم نبتدئ الصلاة، لكن لو ابتدأنا ثم غابت أكملناها خفيفة، قال القرافي: "لو كسفت عند الغروب وغربت الشمس كذلك لم تصل إجماعًا"، [الذخيرة للقرافي: 2/428] ، وإن غابت وهو في الصلاة أتمها خفيفة كما عرفنا، [المجموع: 5/54]. وكذلك بالنسبة لخسوف القمر، إذا طلعت الشمس وهو خاسف لم يبتدئ الصلاة، وإن كان في الصلاة، يعني خسف القمر وصلينا وطلعت الشمس، إذا طلعت الشمس نسخت القمر فماذا نفعل؟ نتم الصلاة خفيفة، ولو غاب في الليل خاسفًا صُلّي لبقاء سلطانه كما لو استتر بغمام"، [المغني لابن قدامة: 2/316]، والمجموع [المجموع: 5/54]، ولو بدأ خسوفه بعد طلوع الشمس لم يصل بلا خلاف، في بعض الحالات يقول: الآن هناك خسوف قمر لن يحدث إلا بعد طلوع الشمس فهل نصلي؟ الجواب: لا، ولو بدأ خسوفه بعد طلوع الشمس لم يصل بلا خلاف؛ لأن خسوفه في النهار لا يظهر له أثر، بمعنى أنه لا يتبين؛ لأن ضوء الشمس قد غشاه، والرسول ﷺ إنما جعل الصلاة سنة حيث يظهر أثر ذلك، ليكون التخويف، ومعلوم أن القمر إذا خسف بعد انتشار الضوء في الأفق وطلوع الشمس لا يكون به التخويف؛ لأن الناس لا يعلمون به أصلًا، ولا يرى، ولو طلع الفجر والقمر خاسف أو خسف بعد الفجر قبل طلوع الشمس، وهذه حالة حصلت قريبًا، جاء وقت صلاة الفجر أثناء الخسوف، فماذا نفعل؟ قيل: لا يصلي لو طلع الفجر والقمر خاسف، وقيل: لا يصلي، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، وقيل: يصلي؛ لأن سلطانه باق ما لم تطلع الشمس، يعني سلطان القمر بعد الفجر موجود، لا زال، يعني ممكن يرى، وممكن تراه ناقصًا وخاسفًا ما لم تطلع الشمس، إذا طلعت نسخت، قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله –: أما إذا كسف القمر بعد طلوع الفجر فظاهر الأدلة يقتضي شرعية صلاة الكسوف، ترى هذه مسألة حدثت، ولذلك انتبه لها مرة أخرى إذا كسف القمر بعد طلوع الفجر، نصلي الفجر وبعدها هل نصلي خسوف أم لا؟ قال الشيخ ابن باز: "فظاهر الأدلة يقتضي شرعية صلاة الكسوف؛ لأن سلطانه لم يذهب بالكلية فيشرع لكسوفه صلاة الكسوف لعموم الأحاديث، ومن ترك فلا حرج عليه عملًا بالقول الثاني، القول الثاني وهو المشهور من مذهب الحنابلة أنه إذا خسف القمر بعد طلوع الفجر ما في صلاة، ولأن سلطانه في الليل، وقد ذهب الليل" [مجموع فتاوى ابن باز: 13/41].

وقال الشيخ ابن عثيمين: "والصحيح أنها تصلى إن كان القمر لولا الكسوف لأضاء، أما إن كان النهار قد انتشر ولم يبق إلا القليل على طلوع الشمس، فهنا قد ذهب سلطانه، والناس لا ينتفعون به سواء كان كاسفًا، أو مبدرًا "، [الشرح الممتع: 5/193].

فإذا كان ممكن نصلي والقمر يرى صلينا، وإذا كان الشمس تطلع، يعني ما خسف إلا قبيل طلوع الشمس، خلاص تطلع الشمس، الآن تنسخ كل شيء فلا صلاة حينئذ والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.