الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

لا تزال كلماته في أذني


عناصر المادة
كلماتنا محسوبة علينا
الحث على الكلام الحسن
كلمات الخير والهدى تعصم أصحابها عند الفتن
طلب الصحابة الوصية من النبي -صلى الله عليه وسلم-
أثر الكمات الصادقة
أثر قراءة القرآن بصوت حسن
توبة القعنبي بعد سماعه لحديث من شعبة
أثر الكلمات على الشباب
تحول الشافعي من الاهتمام بالشعر إلى الاهتمام بالفقه بسبب كلمة سمعها من رجل من الزُبيريين
التحول من العباد إلى العلم بسبب كلمة
موقف طريف يدفع إلى طلب العلم
هذه يد لا تصلح إلا للقلم
"خطك يشبه خط المحدثين"
الكلمة قد تكون للإقبال على طلب العلم
الكلمة قد تكون سبباً لإسلام 
الكلمة قد تكون سبباً للهداية
تأخر أثر الكلمة
الكلمة قد تكون سبباً للامتناع عن اقتراف المنكر
أثر الكلمة على ذوي المزاح والدعابة
سرعة تأثر الصحابة وتأخر تأثرنا
قد تكون الكلمة مؤثرة أحيانا من مقصر ومفرط
الكلمات قد تكون دافعة لمشاريع عظيمة
الكلمة وأثرها في ترك المعصية
أثر رسائل الجوال
أثر الدعايات واللوحات الإرشادية
لا تستثقل الكلمة
الشعارات وأثرها على الأطفال
التفكير في وسائل وطرق مؤثرة في نشر الإسلام
إسلام بعض الصحابة بعد سماع خطب الحاجة
وسائل التأثير الصحيح
قبول الكلمة الصحيحة ولو كانت من عدو

الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله ﷺ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

كلماتنا محسوبة علينا

00:00:17

فإن كلماتنا محسوبة علينا:  مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  [ق: 18].

هذه الكلمات ينبغي أن تكون بالأحسن: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ  [الإسراء: 53].

هذه الكلمات قد ترتفع الإنسان في مرضاة الله شأناً عظيماً، أو تهبط به في سخط الله مرتعاً وخيماً، هذه الكلمات التي قد تكون طيبة فتؤتي ثمراً عظيماً، أو تكون خبيثة فتكون النبتة خبيثة:  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ [إبراهيم: 25 - 26].

هذه الكلمات الطيبة تكون كالغيث تزيل الغم والهم، تشرح القلب، وأخرى قد تكون خبيثة فتشعل الحرب. ورب كلمة أدت إلى حتف.

وقلب الأحمق في فمه، وفم الحكيم في قلبه.

والسكوت في وقته صفة الرجال، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال.

هذا الكلام الذي نقوله المسطر المكتوب: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ  [الإنفطار: 10 - 12].

يجب أن يكون بالحق، قال أبو سعيد لرجل استوصاه: عليك بالصمت إلا في حق، فإنك به تغلب الشيطان.

ويهلك الناس في فضول المال، وفضول الكلام.

الحث على الكلام الحسن

00:02:18

أيها الإخوة والأخوات: إن الكلمات التي تخرج من قلب صادق يريد بها الإنسان وجه الله يكون فيها أثر عظيم، ولذلك دعينا إلى قول الخير:  من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت [رواه البخاري: 6018، ومسلم: 47].

وقول الخير أفضل من الصمت؛ لأن قول الخير غنيمة، والسكوت سلامة، والغنيمة أفضل من السلامة، ولذلك: "قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم".

وقد ارتقى عبد الله  الصفا فأخذ بلسانه فقال: يا لسان، قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم، من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه [رواه الطبراني في الكبير: 10446، وقال الألباني: "صحيح" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 2872].

وإذا كانت هناك كلمات تكب أصحابها في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، فإن هنالك كلمات تبتدرها الملائكة فترفعها إلى الله ، وهنالك كلمات تفتح أبواباً من الخير، وهنالك كلمات يوقظ الله بها أناساً من غفلة، ويحي قلوبهم الميتة: مثل المؤمن مثل النخلة ما أتاك منها نفعك ، كما قال النبي ﷺ[رواه البزار: 272، ].

ومما قالت الحكماء: لسان المرء من خدم الفؤاد.

ولا يستقيم قلب الإنسان حتى يستقيم لسانه.

هذه الكلمات النافعة من قلب المؤمن إنها مثال على النفع الطيب: مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيباً ولا تضع إلا طيباً  حديث صحيح [رواه النسائي في السنن الكبرى: 11214، وابن حبان في صحيحه: 247، والطبراني في الكبير: 459، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 355].

الكلمات الطيبة وسيلة عظيمة للدعوة إلى الله.

الكلمات الطيبة يغير الله بها أقواماً فيسلك بهم جادة الحق والصواب.

الكلمات الطيبة لا تزال في أذن من سمعها، إنها تتردد في الآذان، وإن القلوب تظل تعقل وتفكر في هذه الكلمات.

كلمات الخير والهدى تعصم أصحابها عند الفتن

00:04:50

كلمات الخير والهدى تعصم أصحابها عند الفتن، عن أبي بكرة قال: عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله ﷺ لما هلك كسرى، قال: من استخلفوا؟ قالوا: ابنته، فقال النبي ﷺ:  لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ، فلما قدمت عائشة البصرة ذكرت قول رسول الله ﷺ فعصمني الله به [رواه الترمذي: 2262، وقال: "حديث صحيح"، ].

وكذلك بقيت كلمات النبي ﷺ في أذن أهبان بن صيفي الغفاري فتروي بنته عديسة: جاء علي إلى أبي فدعاه إلى الخروج معه، فقال له أبي: إن خليلي وابن عمك عهد إلي إذا اختلف الناس أن أتخذ سيفاً من خشب، فقد اتخذته، فإن شئت خرجت به معك" [رواه الترمذي: 2203، وابن ماجه: 3960، ].

وفي رواية: "فأخرجت إليه غمداً فوضعته في حجره فاستل منه طائفة" يعني أخرج جزءاً من السيف، "ثم رفع رأسه إلى علي ، فقال: إن خليلي وابن عمك عهد إلي إذا كانت فتنة بين المسلمين أن أتخذ سيفاً من خشب، فهذا سيفي، فإن شئت خرجت به معك، فقال علي : لا حاجة" [رواه أحمد: 20670، وقال محققو المسند: "حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده"].

وهكذا بقيت كلمات رسول الله ﷺ في التحذير من فتنة الدنيا، والدعوة إلى التقلل منها في أذن سلمان الفارسي، وفي أذن معاوية، وفي أذن غيرهما من الصحابة.

دخل معاوية على هاشم بن عتبة وهو طعين، وكان المسلمون قد أصابهم من الطاعون ما أصابهم، فبكى أبو هاشم، فقال معاوية: ما يبكيك، أوجع يشئزك؟ يعني يقلقك ويزعجك، أم على الدنيا، فقد ذهب صفوها؟ قال: كل لا، ولكن رسول الله ﷺ عهد إلي عهداً وددت إني كنت تبعته، قال: إنه لعلك تدرك أموالاً تقسم بين أقوام، وإنما يكفيك من ذلك خادم، ومركب في سبيل الله، فأدركت فجمعت  [رواه الترمذي: 2327، والنسائي: 5372، وابن ماجه: 4103، وأحمد: 22496، وهو حديث حسن] خاف في آخر عمره أن يكون قد خالف الوصية بالتقلل من المتاع.

واشتكى سلمان فعاده سعد فرآه يبكي فقال سعد: "ما يبكيك يا أخي أليس قد صحبت رسول الله ﷺ؟ قال: ولكن رسول الله ﷺ عهد إلي عهداً فما أراني إلا قد تعديت، قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إلي أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، ولا أراني إلا قد تعديت، وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همك إذا هممت، قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك، يعني سلمان إلا بضعة وعشرين درهماً من نفقة كانت عنده" [رواه ابن ماجه: 4104، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 3225].

هذه الكلمات تبقى في الأذن فتمر المناسبات تتذكر تلك الكلمات، وتأتي المناسبة في إنكار المنكر فتشتد على صاحبها، لكن أحاديث وكلمات سمعها من النبي ﷺ تحمله على قول الحق، كما قال أبو سعيد عن رسول الله ﷺ:  لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يتكلم بحق إذا رآه أو شهده ، قال أبو سعيد: وددت أني لم أكن سمعته [رواه أحمد: 11498، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"] لماذا؟

من ثقل هذا، ولابد أن يقوم به ومسؤولية.

طلب الصحابة الوصية من النبي -صلى الله عليه وسلم-

00:08:50

وهكذا أوصى رسول الله ﷺ أصحابه بوصايا، وكانوا من إيمانهم يطلبون منه، ويأتي الواحد في الحضر: أوصني؟ وعند السفر: أوصني؟ ولا زالوا يطلبون منه الوصايا لتكون كلمات الوصايا في آذانهم باستمرار، وعلى العهد ماضون، وهكذا ذهبوا إلى الله ، ومضت حياتهم على العهد الذي عاهدوه لرسول الله ﷺ، ولما قال أبو هريرة: "أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر" [رواه البخاري: 1178] "لا أدعهن حتى أموت" هذه كلمات بقيت ولم تضمحل.

على سنته ساروا، وعلى ما عاهدوا عليه الله -عز وجل- بقوا إلى أن لقوا الله.

لما كان الواحد فيهم يسمع كلمة: نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل  تبقى كلمات النبي ﷺ في أذنه، "فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام إلا قليلاً" [رواه البخاري: 1122، ومسلم: 2479].

أثر الكمات الصادقة

00:09:49

وهكذا لما تأتي الكلمات من لسان صادق، وقلب يخشى الله يكون لها الأثر، قالوا: وا عجباً لابن المبارك ما لكلماته تؤثر في الناس ما لا تؤثر كلماتنا، وليس بأبلغنا وليس من الفصاحة والتزويق والتنميق والسجع، لكن قلب يخشى الله .

أثر قراءة القرآن بصوت حسن

00:10:20

ركب شيخ كبير في السن مع جارية له في سفينة وفتى من الصالحين أراد أن يعبر فركب معهم، فلما صاروا في لجة الماء، دعا المهلبي بإناء الخمر فشرب قدحاً ثم سقى جاريته فعرض على الفتى، قال: اعفني، قال: أعفيناك، ثم سقى الجارية وقال: هات ما عندك؟ فأخرجت عوداً من كيس فأخذت تغني، فقال المهلبي: يا فتى أتحسن مثل هذا؟ قال: أحسن ما هو أحسن من هذا، قال: ما هو؟ فقال الفتى: بسم الله الرحمن الرحيم: قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ  [النساء: 77 - 78].

وكان الفتى حسن الصوت، فرمى الشيخ القدح في الماء، وقال: أشهد أن هذا أحسن مما سمعت، قال: فهل غير هذا؟ قال: نعم،  وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ  [الكهف: 29]، فوقعت في قلبه موقعاً عظيماً، فأمر بالخمر فأريقت كلها، وأخذ العود فكسره، ثم قال: يا فتى هل هاهنا فرج؟ قال: نعم: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ  [الزمر: 53] [كتاب التوابين، ص: 161- 162].

ألم تكن الآية التي سمعها الفضيل عملت مفعولاً عجيباً في قلبه من بعد أذنه لما كان يتسلق الحائط إلى امرأة ليرتكب معها الحرام، فسمع: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ  [الحديد: 16] فكان ذلك سبب هدايته؟

توبة القعنبي بعد سماعه لحديث من شعبة

00:12:12

ألم يكن القعنبي شاباً طائشاً له رفقة يجتمعون على النبيذ؟ كان يصحب الأحداث، وكان قاعداً على الباب ينتظر رفقة السوء، فمر شعبة دخل البلد على دابته والناس خلفه يهرعون، فتعجب من المنظر، شيخ والناس خلفه يجرون، فقال: من هذا؟ قالوا: شعبة، قال: أيش شعبة؟ قالوا: محدث، فقام إليه وعليه إزار أحمر، فتقدم من شعبة، وقال له: حدثني؟ فنظر شعبة إلى الشاب طائشاً يلبس قميصاً أحمر، قال: لست من أهل الحديث حتى أحدثك، قال: تحدثني أو أجرحك، وأشهر سكينه، فقال: حدثنا منصور عن ربيعي عن أبي مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: إذا لم تستح فاصنع ما شئت ، دخلت الكلمة قلب الشاب، وصارت تجلجل في أذنه، فألقى سكينته، ورجع إلى منزله، فقام إلى ما عنده من الخمر فأراقه، وقال لأمه: الساعة يأتي أصحابي، فإذا جاؤوا فأدخليهم وأطعميهم، فإذا أكلوا فأخبريهم بما صنعت بالشراب حتى ينصرفوا، وركب هو إلى المدينة فلزم مالك بن أنس، وسمع منه، ثم رجع إلى البصرة وكان شعبة قد مات، فلم يسمع منه إلا ذلك الحديث [كتاب التوابين، ص: 133].

أثر الكلمات على الشباب

00:13:35

كانت الكلمات تؤثر في قلوب الشباب، فتؤدي بهم إلى طلب العلم، كانت الكلمة اليسيرة التي لا يتوقع أن تبلغ ما بلغت تؤثر كثيراً في بعض النفوس المستعدة للتأثر، ابن طالب القاضي أبو العباس كان غير ذي علم، قال: كنت يتيماً لا أب لي، وكنت آتي معلمي الخميس والجمعة وأنا إذ ذاك صغير ذو جمة، شعر، مربي الشعر، فقرئ يوماً عليه في الموطأ اسم عمر بن حسين في كتاب الزكاة، فقال سحنون: هذا كان يشاور في القضاء أيام مالك، ثم قرأ القارئ بعد قليل قال سحنون: كيف ذكرت لكم الرجل الذي كان يشاور في القضاء أيام مالك؟ قد نسيت اسمه، فسكت الناس، فقلت له أنا من موضع: هو عمر بن حسين أصلحك الله، فقال: بارك الله عليك أحسنت يا غلام، من هذا الغلام؟ فعُرف بي، فقال: إني أحب أن أرى عليك زين العلم، الآن شكل شاب مربي الشعر، يمكن حضر بالإحراج، لكن الآن قد حفظ وتبين لسحنون أن هذا الغلام النابه ينبغي أن يوجه، قال: إني أحب أن أرى عليك زين العلم، ما ينبغي أن يمنع هذا العلم من أحد، فما أتيت الموعد الآخر إلا وقد حُلق رأسي، وكسيت ثياب العلماء، فلم أزل أتردد إلى سحنون وهو يقرئني حتى نفعني الله.

تحول الشافعي من الاهتمام بالشعر إلى الاهتمام بالفقه بسبب كلمة سمعها من رجل من الزُبيريين

00:15:24

الشافعي يقول: خرجت من المكتب على أول الطلب، فقدمت هذيلاً، القبيلة العربية، أتعلم كلامها، وكانت أفصح العرب، فبقيت فيهم سبعة عشر عاماً راحلاً برحلتهم، ونازلاً بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار، وأذكر الأخبار، وأيام العرب، فمر بي رجل من الزُبيريين، فقال لي: يا أبا عبد الله، انظروا الكلمة، "عز علي مع هذه الفصاحة والذكاء أن لا تكون قد سدت أهل زمانك"، فقلت: من بقي يقصد؟ قال: هذا مالك سيد المسلمين يومئذ، فوقع في قلبي، وعمدت إلى الموطأ، فاستعرضته وحفظته في تسع ليال، ونفعني الله بكلام ذلك الحَجَبي، فرجعت إلى مكة فكتبت عن ابن عيينة ما شاء الله، توجه للحديث، كان في الأشعار وأخبار العرب، توجه للحديث، ثم كنت أجالس مسلم بن خالد الزنجي، هذا من المحدثين الكبار أيضاً، ثم قدمت على مالك بن أنس فكتبت موطئه [ترتيب المدارك وتقريب المسالك: 3/176].

توجه بكلمة: "عز لي ألا تكون مع هذه الفصاحة والذكاء قد سدت أهل زمانك".

التحول من العباد إلى العلم بسبب كلمة

00:16:49

وهكذا كان أبو السري مشتغلاً بالتعبد، لكن غير مشتغل بالعلم، قال: جئت إلى جامع سوسه يوم جمعة، فصليت وسحنون قريباً مني، فأذن المؤذن وقد بقي علي شيء من السورة فأتممتها، هذا مع عبادته، لم يكن عنده فقه، بدأ يصلي افتتح سورة الإمام صعد المنبر، بدلاً من أن يخفف القراءة ويخفف الصلاة ليستمع الخطبة، قال: ما دام فتحت السورة لأكملها، فطول، سحنون الفقيه جالس، رأى الرجل طول والإمام بدأ بالخطبة، بعد ذلك لما سلم الإمام سأل عني، فأخبروه فنودي بي، فقال: من أنت؟ قلت: واصل، قال: واصل الذي يقال: كذا كذا، واصل المشهور بالعبادة، قلت: أسأل الله بركة ما يقال، قال لي: رأيتك تصلي، والإمام يخطب، أطلبت شيئاً من العلم؟ قلت: لا، خشي ربما كما كان بعض الصوفية يقولون: العلم يشغل عن العبادة فلا تطلبوه، قال: اطلب العلم، أو فلا تسكن في شيء من هذه الحصون، فاختلفت إلى عون بن يوسف سبع سنين فتفقه به، وشمر للعبادة[ترتيب المدارك وتقريب المسالك: 3/199].

وهكذا تعلم من موقف.

موقف طريف يدفع إلى طلب العلم

00:18:23

وأحياناً يكون الموقف فيه شيء من الطرفة التي تجعل بعض الناس يتعجبون من شخص، فيكون تعجبهم دافعاً له لطلب العلم، كما قال أبو عمر الزاهد النحوي: كان من سبب تعلمي النحو إني كنت في مجلس إبراهيم الحربي، فقلت: قد قريت الكتاب، فعابني من حضر وضحكوا، يعني بسبب لحنه، ما نطق بالأفصح بدل قرأت قال: قريت، فأنفت من ذلك، كيف أزل هذه الزلة، فيقفوا مني هذا الموقف؟ وجئت ثعلباً فقلت -وهذا من أئمة اللغة-: أعزك الله كيف تقول: قريت الكتاب، أو قرأت الكتاب، قال: حدثنا سلمة عن الفراء عن الكسائي قال: تقول العرب قرأت الكتاب إذا حققوا، وقرآت الكتاب إذا لينوا، وقريت الكتاب إذا حولوا، ثم لزمته، فصار أبو عمر صار إماماً في اللغة [طبقات الفقهاء الشافعية: 1/457].

هذه يد لا تصلح إلا للقلم

00:19:18

وقال عبد القاهر بن عبد الله بن عمويه وقد أصابه فقر وجوع: كنت أبقى اليومين والثلاث لا أستطعم بزاد، فخرجت يوماً إلى بعض الأسواق، فوجدت رجلاً وبين يديه طبرزد يعني سكر، وعنده جماعة يدقون الأرز، فقلت: هل لك أن تستأجرني؟ فقال: أرني يديك، ينظر هل هذا من يديه يظهر أنه يمكن أن يعمل ويطحن يدق، فأريته، انظر إلى الكلمة، فقال: هذه يد لا تصلح إلا للقلم، يعني يدك ليست يد واحد يعمل في هذه الصنعة، هذه يد لا تصلح إلا للقلم، ثم ناولني قرطاساً، فقلت: ما آخذ أجرة إلا على عملي، فاستأجرني على النسخ، إن كان هنالك نسخ، وإلا انصرفت، وكان رجلاً يقظاً، فقال: اصعد، وقال لغلامه: ناوله المدقة، فناولني فدققت معهم وليس لي عادة، وصاحب الدكان يلحظني، فلما عملت ساعة، قال: تعال، فجئت إليه فناولني الأجرة، قال: هذه أجرتك، وانصرفت فأوقع الله في قلبي الاشتغال بالعلم، فقرأت أصول الدين وأصول الفقه، وحفظت وسيط الواحدي في التفسير، وسمعت كتب الحديث المشهورة. [سير أعلام النبلاء: 20/ 477 - 478].

من كلمة: "هذه يد لا تصلح إلا للقلم".

ولما أصر وأعطاه ليدق ما أفلح، "هذه يد لا تصلح إلا للقلم"، وقعت الكلمة في قلبه، من الذي قالها؟ تاجر صاحب دكان، صاحب دكان عبارته أدت بهذا الرجل إلى أن يذهب للطلب.

"خطك يشبه خط المحدثين"

00:21:18

الذهبي -رحمه الله- الكنز والموئل إذا نزلت معضلات المسائل، وإمام العصر حفظاً، وذهب الزمن معنى ولفظاً، شيخ الجرح والتعديل، كيف كان سبب طلبه للعلم؟

كلمة، حضر عند الحافظ القاسم بن محمد البرزالي، فلما رأى خطه، قال: خطك يشبه خط المحدثين.

كلمة، "خطك يشبه خط المحدثين"، فأثر قوله في، وسمعت منه، وتخرجت عليه، قال: فحبب الله لي علم الحديث [الدرر الكامنة: 4/278].

الكلمة قد تكون للإقبال على طلب العلم

00:21:58

ابن حزم كان شاباً ليس عنده فقه، شهد جنازة ودخل المسجد فجلس ولم يركع، ما صلى تحية المسجد، فقال له رجل: قم فصل تحية المسجد، وكان عمره ستاً وعشرين سنة، فقمت فصليت ركعتين، فلما رجعنا من الصلاة على الجنازة دخلت المسجد، فبادرت بالركوع، وكان الوقت قبل المغرب، فقيل لي: اجلس ليس ذا وقت صلاة، وكان بعد العصر، فانصرفت وقد حزنت، لماذا هذا التناقض؟ دلوني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دحون، فقصدته وأعلمته بما جرى، فدلني على موطأ مالك، فبدأت به عليه، وتتابعت قراءتي. [تذكرة الحفاظ: 3/229].

الكلمة قد تكون سبباً لإسلام 

00:22:44

وهكذا تكون الكلمات أيضاً سبباً في إسلام أشخاص، هذه الكلمات قد تؤثر فوراً، وقد تؤثر بعد حين، عمرو بن العاص كيف كان مبدأ اقتناعه بالإسلام؟ لما ذهب إلى النجاشي ليكيد لأصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- مبعوثاً من قريش، ويطالب بهؤلاء اللاجئين ليعود بهم إلى قريش يسومونهم سوء العذاب، قال له النجاشي: "يا عمرو"، كلمات النجاشي، "يا عمرو تكلمني في رجل يأتيه الناموس كما كان يأتي موسى بن عمران"، في رجل يأتيه الوحي تذمه؟ وكان النجاشي قد أسلم، فقال عمرو: أو كذلك هو أيها الملك؟ قال: نعم، قال: فأنا أبايعك له، فبايعه له على الإسلام، ثم رجع إلى مكة، فلقي خالد بن الوليد، قال: قد استقام الميسم، يعني العود، استقام، يعني الأمر قد أصبح واضحاً، والرجل نبي، قال خالد: وأنا أريده، قال عمرو: وأنا معك، قال عثمان بن طلحة: وأنا معك، فقدموا جميعاً على النبي  ﷺ فأسلموا [البداية والنهاية: 4/162].

كلمة قالها النجاشي لا زالت في أذن عمرو حتى جاء فأسلم.

الكلمة قد تكون سبباً للهداية

00:24:02

أحياناً الكلمات تكون سبباً في هداية إنسان من الضياع، هداية شاب من التيه، كان عبد الله بن مرزوق في دنيا وسعة، فشرب ذات يوم على لهو وسماع، غناء وخمر، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب، وعنده جارية حظية، فلما جاز وقت العشاء، جاءت بجمرة، فوضعتها على رجله فانزعج، قال: ما هذا؟ قالت: جمرة من نار الدنيا، فكيف تصنع بنار الآخرة؟ فبكى بكاء شديداً، ثم قام إلى الصلاة، ووقع في نفسه مما قالت الجارية[كتاب التوابين، ص: 101].

وكان صلة بن أشيم من كبار العباد يخرج يمر على شباب يلهون ويلعبون في طريقه إلى العبادة، فيجلس عندهم، يقول: أخبروني عن قوم أرادوا سفراً، فحادوا النهار عن الطريق وناموا الليل؟ أرادوا السفر، فنزلوا على الطريق طيلة النهار جالسين، وفي الليل نائمين، متى يقطعون سفرهم؟ ومتى يصلون؟ وانصرف، واليوم الذي بعده يجدهم في ذات المكان، فيجلس عندهم ويقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفراً، فحادوا النهار عن الطريق، وناموا الليل، متى يصلون؟ ويقوم، فلما كان ذات يوم ومر بهم، فقال تلك المقالة، قال شاب منهم: يا قوم إنه والله ما يعني بهذا غيرنا، نحن بالنهار نلهو، وبالليل ننام، ثم اتبعه، فلم يزل يعبد الله معه حتى مات [الزهد، للإمام أحمد، ص: 170، والزهد الكبير، للبيهقي، ص: 293].

عبد الله بن مسعود كان مرة يسير في ناحية من نواحي الكوفة، فإذا فتيان فساق قد اجتمعوا يشربون، وفيهم مغن يقال له: زاذان، يضرب ويغني، وكان له صوت حسن، فلما سمعه عبد الله يغني وقف، قال: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله، انظر إلى العبارة، "ما أحسن هذا الصوت لو كان بالقرآن"، وجعل الرداء على رأسه ومضى، زاذان سمع الكلمة، قال: من كان هذا؟ قالوا: هذا عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله ﷺ، وماذا قال؟ قال: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله -تعالى-، الكلمة عملت مفعولها، القلب استقبل، الغشاوة انقشعت، فقام إلى العود فضربه بالأرض فكسره، ثم أسرع فأدرك ابن مسعود، وجعل يبكي بين يديه، تاب إلى الله ولازم عبد الله بن مسعود، وتعلم منه القرآن، وأخذ منه حظاً من العلم. [تنبيه الغافلين، للسمرقندي، ص: 121].

وصار زاذان من كبار المحدثين يروي عن عبد الله بن مسعود وسلمان، وغيرهما، قال الذهبي: "أحد العلماء الكبار" [سير أعلام النبلاء: 4/280].

إحدى الممثلات في مشوار الفسق والفجور في هذا الزمان هداها الله -تعالى-، كيف هداها؟ تقول: رجعت يوماً إلى البيت، فسمعت ابنتي تردد بيتاً من الشعر حفظتها إياه المدرسة في المدرسة لشوقي، ما هو البيت؟

خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء

هكذا الفتيات يغرهن الثناء، ولو تسأل اليوم عن سبب افتتان عدد من البنات بالغناء، ووقوعهن في أوحال مؤسسات الإنتاج الفني، لرأيت هذا، دعوة للبنات لتجربة الأصوات، وإقامة حفلات، وفرقة تعزف، والبنت تغني، ثم يثنى عليها الثناء العاطر، فيكون هذا هو إدخالها في مشوار الفجور، قالت الممثلة: سمعت ابنتي تقول هذا البيت:

خدعوها بقولها حسناء والغواني يغرهن الثناء

 فوقعت في قلبي، ومن الله علي بالهداية من ذلك البيت الذي سمعته من ابنتي.

مر أحمد بن المعتب بن أبي الأزهر ذات يوم في طريقه إلى المسجد بدار فسمع فيها غناء، فقرع الباب، فخرج إليه صاحب الدار، فاستأذنه في الدخول فاستحيا صاحب الدار، عنده حفلة في الداخل واعتذر، فقال: لا بد من الدخول، انحرج صاحب البيت، فدخل وغيب ما كان موجوداً من الشراب، أزال المنكر، ثم أذن له فدخل وسلم، فقال: من المتكلم الذي كان يغني؟ قالوا: هذا فلان، قال: سألتك بالله إلا أعدت ما سمعت منك، فانحرج، أحرج، قال:

العفو أولى لمن كانت له القدر لاسيما عن مصرٍّ ليس ينتصر
أقرّ بالذنب إجلالاً لسيده وقام بين يديه وهو مقتدر

فبكى هذا وأنَّ، وردده مراراً وانتحب، وقال: تاب الله عليكم، وخرج، فتاب صاحب الدار

[ترتيب المدارك وتقريب المسالك: 4/355].

عبد الجبار بن خالد بن عمران كان غادياً إلى الجمعة، فإذا هو بشاب جميل حسن البشرة، يمشي في أثر صبية، شاب وراء فتاة يمشي، فاتكأ عبد الجبار فقطع شسع نعله عمداً، وناداه: يا شاب، فوقف، ومشى إليه عبد الجبار، وقال: أنا شيخ ضعيف البصر، وانقطع شسعي، فأصلحه لي، فأخذ منه النعل فأصلحه، ومشى في أثر الصبية، فقطعه ثانية وناداه ليصلحه فعطفه، فقال له: أنا قطعته يا شاب إشفاقاً عليك من لفح النار، وبكى، فبكى الفتى، وجزاه خيراً، وصحبه إلى الجامع [ترتيب المدارك وتقريب المسالك: 4/387].

في صيف أحد الأعوام فكرت الأسرة أن تسافر كالعادة إلى بلاد أوروبا حيث كان جمال الأرض وروعة المكان، والحرية التي تمنحها المرأة، كانت هذه الفتاة مع الأسرة تربط الأمتعة وتنظر إلي أخيها الأكبر، وتقول له في فرحة غامرة وسعادة كبيرة: أما هذه العباءة سأتركها، فلا حاجة لي بها! وسألبس لباس أهل الحضارة! طارت الأسرة وسارت من أرض الوطن، وبقيت في أوروبا شهراً كاملاً ما بين اللعب والعبث والمعصية لله ، وفي ليلة قضتها هذه الأسرة بين سماع المزامير ورؤية المحرمات عادت الفتاة إلى غرفتها متأخرة في الليل! وقبل النوم أخذت تقلب تلك الصور التي التقطتها في الحفلة وليس فيها ذرة من حياء! ثم أخذت الوسادة وتناولت سماعة الراديو تريد أن تنام، فغداً يوجد مهرجان غنائي صاخب، وأخذت تفكر: كم الساعة الآن في بلدي؟ فجعلت تقلب قناة المذياع المعد للنزلاء، وإذا بصوت ينبعث من ركام الصراخ والعويل والمسلسلات والأغاني! من بين المحطات صوت الأذان! صوت ندي وصل إلى أعماق قلبها! من أقدس بقعة في الأرض! من بلد الله الحرام! إنه صوت أذان الحرم الذي انساب إلى قلب هذه الفتاة في هجعة الليل! إلى قلب هذه الضحية الواحدة من بين الملايين! فسمعت صوت القرآن، وهو بعيد غير واضح، فقالت: هالني الصوت وحاولت مراراً أن أصفي هذه الإذاعة التي وصلت إلى القلب بعد الأذن! وجعلت أستمع القرآن، وأفكر ماذا صنعت تلك الليلة؟ وماذا كنت أنوي أن أصنع غداً، فلما فرغ القارئ من القراءة، أصابني الحنين ليس إلى الوطن ولا للمكان ولا للزمان، لكن إلى فاطر السموات والأرض، الرحمن الرحيم، فقمت فتوضأت فصليت. ولذلك الدعاة إلى الله  عليهم أن يحتسبوا الأجر، فقد يلقي الواحد كلمة في مكان لا يظن أن تبلغ ما بلغت، فإذا بها يتأثر منها واحد أو أكثر من الناس، وشريط يشتغل، وبرنامج في إذاعة، وآخر في قناة، فيكون لذلك أثر، الناس جوعى يحتاجون إلى شيء يذكرهم بالله، وقد تكون هذه الكلمة أو هذه الكلمات في الأذن لها مفعول، ثم في القلب، وربما أذنت -يا أيها المؤذن- وأنت لا تدري إلى أي درجة سيبلغ أذانك، فأخلصت لله في الأذان، وخرج الأذان من قلب نقي، فيكون له أثر بالغ في النفوس، فربما يكون عاص في بيت مجاور للمسجد يسمع الأذان فيرعوي ويتعظ، ويقوم عن معصيته.

كنت على درجة عالية من السخافة أستخدم الهاتف لمعاكسة الشباب، لم أكن أؤدي الصلاة، ولا ألتزم بأي نوع من العبادات، وفي يوم تعطلت سيارتي في الطريق، فوقفت ألوح بيدي، هذه في بلد تسوق النساء فيها السيارات، عسى أن يقف أحد، وبقيت فترة، كل مرة ينزل الشاب أو الشباب ينظرون إلي ليتمتعوا بالابتسامة، والنظر إلي، ثم يمضون، ولا أحد يعمل شيئاً، حتى نزل شاب عادي من سيارته، لم أر عليه تديناً ظاهراً، لكن تعجبت أنه لم ينظر إلي أبداً، ولم يكلمني، وعمل بجد على إصلاح السيارة، وأنا مندهشة لم يحاول أن يلاطفني كالشباب الذين مضوا، فحاولت أن أبتسم له، وأن ألاطفه فلم يرد علي، ولما أنهى مهمته، قام وانصرف، وقال: ستر الله عليك، استري نفسك، ومضى، فجعلت أفكر، ما الذي يجعل شاباً فتياً في عنفوان شبابه ورجولته، لم يفتن بي وينصحني أن أستر نفسي، وهكذا بقيت كلماته في أذني حتى رجعت فتوضأت فصليت أول صلاة، فشعرت بارتياح لم أشعر به من قبل، ثم التزمت بالحجاب، فتعجب أهلي، وسلكت الطريق، وتركت الضلالة، والآن ألقي دروساً عن التوبة.

إنها كثيرة تلك القصص -أيها الإخوة والأخوات- تلك التي تدل على أثر، والمهم أن يصدق المتكلم، وأن ينقي قلبه، فإن الكلمة ستخرج منه فتؤثر.

يا أئمة المساجد: أنتم تقرؤون في الصلاة وربما تكون قراءاتكم هذه إذا وصلت إلى الناس في بيوتهم، ويا أيها الخطيب في المسجد تصل خطبتك إلى نساء وإلى آخرين لا تعلمهم الله يعلمهم.

تكتب مقالة في شبكة من الشبكات وموقع من المواقع تكتب وتمشي، ولا تدري من الذي يفتح الموقع، ولا من الذي يقرأ الكلام، فإذا بهذه الكلمات يكون لها أثر، يكون لها مفعول.

قالت إحدى التائبات: كانت في غيها، وملت يوماً من هذا الروتين اليومي في الفساد، ودخلت غرفتها التي تضج بالأشرطة والمجلات والصور، وفتحت النافذة في يوم شتاء قد هدأت فيه المكيفات، فإذا بصوت إمام  المسجد ينساب إلى مسامعها، وكلمات تدخل أذنها: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: 16 - 19].

ما أقسى الموت! وما أشد الغفلة!

ما أهول القبر! وما أكثر انصراف الناس عن ذلك! فكانت الهداية.

وقد يكون الإنسان مقصراً، وينصح غيره، ولكن حزين على نفسه، وهو يقول: هل أتكلم وأنا مقصر؟ ويأتيه الجواب إذا بقيت على التقصير وسكت عن إنكار المنكر أضفت إلى إثمك إثماً آخر، إثم التقصير، وإثم ترك إنكار المنكر، وإذا أنكرت وأنت مقصر فعليك إثم واحد، ولا شك هذا الأول أحسن من الوضع الذي أنت فيه، وربما كان التذكير من المقصر سبباً في هداية آخر ليهتدي هو بعد ذلك، كان يسمع الغناء فرأى من يسمع الغناء، قال: الأغاني حرام، فتركها هذا، فلما رأى هذا أنه تركها وهو مقصر، قال: هذا ترك وأنا مقصر وأنا الذي نصحته وأنا سبب توبته فتاب هو.

إن للكلمات آثاراً عجيبة، والمهم أيضاً أن يكون الاستقبال عندنا حياً، أن تكون القلوب مستعدة للتأثر بعد أن تسمع الآذان الكلمات، إذا سمعت الآذان الكلمات أثر ذلك، امرأة كانت تنمص تنتف الحواجب، وأول ليلة من رمضان لما ذهبت إلى صلاة التراويح رأتها امرأة، فقالت: لماذا تنمصين؟ هل أنت مستغنية عن رحمة الله؟ كلمة: هل أنت مستغنية عن رحمة الله؟ كان لها أثر، وكانت سبباً في تركها للمنكر.

تأخر أثر الكلمة

00:38:58

أيها الإخوة: إن الكلمات إذا خرجت من قلب صادق يبقى أثرها موجوداً في النفوس، أحياناً تؤثر فوراً، وأحياناً تبقى فيضاف إليها غيرها من كلمات من ناصحين آخرين، فيحصل التغيير، وأحياناً تنسى الكلمة، لكن يحدث حدث فيذكر الإنسان بالكلمة التي سمعها، فيحدث التأثير، وأحياناً تسمع الكلمة، ويحصل التأثر، ويبقى التأثر طويلاً، إنها كلمات طويلة الأجل، شديدة المفعول، وهذا الذي نريد.

عن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله ﷺ فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال:  يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى ، قال حكيم: فقلت يا رسول والذي بعثك بالحق لا أرزأ، لا أسأل أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا، لا أمد يدي لأحد، ولا أسأل أحداً شيئاً، فكان أبو بكر يدعو حكيماً إلى العطاء من بيت المال، ما في منة من شخص، فيأبى أن يقبله، وعمر يدعوه إلى العطاء فيأبى أن يأخذ منه شيئاً، فقال عمر: أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم إني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحداً بعد رسول الله ﷺ [رواه البخاري: 1472، ومسلم: 1035].

لما أخذ عليهم العهد أن لا يسألوا الناس شيئاً كان سوط أحدهم يسقط من راحلته وهو عليها وقد تأهب للسفر، ونزوله فيه مشقة، فينزل ليأخذ سوطه ولا يسأل أحداً أن يعطيه إياه.

عاهدوا رسول الله ﷺ على أمر فاستمروا عليه.

الكلمة قد تكون سبباً للامتناع عن اقتراف المنكر

00:41:04

أحياناً الكلمة تبقى في الأذن، وتمنع الشخص من منكر أو من سوء الفترة الطويلة، كلما أراد أن يقع تذكر تلك الكلمة، يرى برهان من ربه، يتذكر صورة أبيه الذي أوصاه قبل موته بأشياء، يتذكر كلمة سمعها من واعظ من داعية، من شريط، قرأها في كتاب، يتذكر عبارة، هذا القلب الحي الذي يتذكر:  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ  [ق: 37].

هذا الشهيد حاضر القلب هو الذي يتذكر، وهو الذي يتأثر، وهو الذي تبقى الكلمات في أذنه، وهو الذي كلما أراد الشيطان أن يوقعه ذكر الله، ذكر الكلمات، فمنعه ذلك.

أثر الكلمة على ذوي المزاح والدعابة

00:41:54

وربما يكون الشخص أحياناً  كثير المزاح فيسمع كلمة، توجه أحد الأشخاص في وقت متأخر إلى غرفة إنسان، فقيل له: إلى أين تذهب؟ قال: إلى غرفة صاحبي، قال: وماذا تريد منه؟ قال: أنا مغموم أريد أن يضحكني، فنقلت الكلمة إلى صاحبه ذاك، وكان كثير المزاح، قال: أنا صرت مقصوداً، كل ما واحد أراد أن يضحك جاءني، فأنا مضحك القوم، فزاد جده من بعدها.

كان محمد بن عيسى بن عبد الواحد المعافري المعروف بالأعشى فيه دعابة؛ من غريبها التي كفت من مزاحه أنه كان يمازح كثيراً أبا عقبة الأسوار بن عُقبة، ويكنيه: أبا عَقبة، فلما تولى الأسوار القضاء بقرطبة هذا صاحبه الذي كان يمازحه وبدلاً من أن يناديه: يا أبا عُقبة يقول: يا أبا عَقبة صار الآن قاضياً بقرطبة، فأتاه محمد بن عيسى فشهد عنده مع آخر من أهل القبول، فجاء المزاح وواحد، واحد من الذين شهاداتهم مقبولة، قال: فأعلم عن اسم ذلك دونه، وقال له: زدني في بينة، بمحضر محمد بن عيسى، فقال الأعشى: أظنك أكرمك الله لم تقبل مثلها في شهادتي، فقال له: أنت أكرمك الله جاد في شهادتك هذه أو هازل؟ فإني أعرفك كثير الهزل، فعرْفني إن كنت صدعت بها عن حق، فمثلك لا ترد شهادته، وإن كانت من اهتزالك فقد وقفتها، فكان هذا الأعشى يقول بعد ذلك: قاتل الله الأسوار لقد قطعني عن كثير مما كنت أستريح إليه من الدعابة بعد مجلسي معه، فربما هممت بالشيء فأذكر كلامه لي فيمنعني [ترتيب المدارك وتقريب المسالك: 4/115].

لما تولى القضاء وجاء يشهد المزاح، قال القاضي: لحظة أنت كثير المزاح، هذا من الجد وإلا من المزح، فوقعت الكلمة في نفسه.

سرعة تأثر الصحابة وتأخر تأثرنا

00:44:22

أيها الإخوة: لما كان الصحابة عندهم حسن استقبال، جهاز الاستقبال يعمل بشكل فعال، كان الواحد إذا سمع الوصية لا ينساها، النبي ﷺ أخذ بيد معاذ بن جبل، فقال: يا معاذ والله إني لأحبك  يعني هذه كلمة عظيمة، كم واحد حلف له النبي ﷺ أنه يحبه؟  يا معاذ والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، فأوصى بها معاذ الصُنابحي الراوي عنه، وأوصى به الصُنابحي أبا عبد الرحمن [رواه أبو داود: 1522، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1362] ولا زال رواة السلسلة يوصي بعضهم بعضاً بهذه الكلمة.

علي لما علمه النبي ﷺ قبل النوم: الله أكبر أربعاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، وسبحان الله ثلاثاً وثلاثين، لما قال علي: ما تركته منذ سمعته من النبي ﷺ، قيل له: ولا ليلة صفين؟ ليلة المعركة القائد ينشغل ذهنياً جداً، ينشغل ذهنه، تنشغل نفسه، ينشغل قلبه، فيفوت أشياء، قالوا: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين [رواه مسلم: 80] يعني ما دام سمع الكلمة من الخير، فهو لا يزال يذكرها، ولا يزال يعمل بها حتى ليلة معركة وهو قائد لم ينسها.

وعن جرير بن عبد الله أنه يوم مات المغيرة بن شعبة، وكان المغيرة أمير البلد، وجرير في المسجد قام فحمد الله وأثنى عليه، وقال: "عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسكينة حتى يأتيكم أمير" يعني بدل الأمير الذي مات، فإنما يأتيكم الآن، ثم قال: "استعفوا لأميركم" سامحوه، مات سامحوه، اطلبوا له العفو، "فإنه كان يحب العفو، ثم قال: أما بعد: فإني أتيت النبي ﷺ قلت: أبايعك على الإسلام، فشرط علي في البيعة، شرط علي: والنصح لكل مسلم، فبايعته على هذا، ورب هذا المسجد إني لناصح لكم، ثم  استغفر ونزل [رواه البخاري: 58].

إذاً، ما الذي دفع جرير إلى الكلام؟

الكلمة التي سمعها أول مرة يبايعه على الإسلام والنصح لكل مسلم، لما مات الأمير في البلد، قام ينصح الناس حتى لا تختل أمورهم، وقال لهم: اتقوا  الله وانتظروا الأمير الجديد، واطلبوا العفو للذي مات، وهكذا كانت الكلمات تفعل فعلها، ومفعول طويل.

نحن أحياناً نسمع ولا نفقه، وربما فهمنا ولكن لا نتأثر، وأحياناً نعمل ولكن العمل قليل ومحدود، والكلمة مفعولها قصير، ثم نعود إلى الغفلة مرة أخرى.

أما هؤلاء المفعول طويل الأجل، المفعول قوي، المفعول مؤثر ومستمر،يقول أحد الشباب: حينما كنت صغيراً في الصف السادس الابتدائي ألحقني أهلي بحلقة التحفيظ في المسجد الذي بجوار منزلنا، كان المعلم شاباً خيراً صالحاً جاداً، لا يحب التهاون والكسل، وكنت صبياً ككثير من الصبيان أحب اللهو واللعب، وأفلام الكرتون، مما جعلني أتسلل من الحلقة حتى تركتها بالكلية، وسأل عني مدرسي، فأخبره أخي بأني تركت الحلقة، فقال: لأجل أن يلعب وأفلام الكرتون أليس كذلك؟ فخرجت يوماً من دورة مياه المسجد، فإذا بالمعلم أمام عيني، فأمسك بي، وقال: أعلم أنك تركت الحلقة ليحلو لك اللعب، ولكن لتعلم أنه سيأتي يوم أقف فيه معك أمام الله فيسألني لم لم تعلمه القرآن؟ فأقول: يا رب إني حاولت تعليمه فأبى، وترك الحلقة ليعلب، فبماذا ستجيب؟ قال: فأسقط في يدي، ورأيت أن كلماته قد جلجلت بين خافقي، وذهبت في دهاليز نفسي إلى أعماقها، وعصفت باللهو واللعب، فاصفر وجهي: كيف تجيب ربك؟ ثم احمر خجلاً من المعلم، ورجوته أن يقبلني مرة أخرى، فأبى، فكررت عليه فوافق بشرط أن آتيه وأنا حافظ أربعة أجزاء لأثبت جدي، فذهبت فرحاً واعتنقت القرآن، أحفظ ليلاً ونهاراً، حتى أتممت ثلاثة ونصف وأتيته، فأبى حتى أكمل النصف، ولكن الشوق والخوف جعلني أكرر وتوسلت إليه حتى قبلني على شرط إكمال النصف، فلا زلت محافظاً على الحلقة ثلاث سنين دون انقطاع إلا أسبوعاً مرضت فيه.

يقول ابن القيم: "ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، ومن لم يلن قلبه من القرآن ذاب قلبه في نار جهنم" [الفوائد، ص: 97].

إذا القرآن ما لينه، غداً تلينه نار جهنم، قال تعالى: نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ  [الهمزة: 6 - 7].

قرأ هذا الكلام لابن القيم أحد الأشخاص، فلا زال يتأثر ولا يزال يذكر هذه الكلمة، "من لم يلين القرآن قلبه لينته النار":  نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [الهمزة: 6 - 7].

في بعضهم تأثر من حديث: اتق الله حيثما كنت [رواه الترمذي: 1987، وأحمد: 21354، وحسن الألباني في مشكاة المصابيح: 5083].

وفي بعضهم تأثر من حديث: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك  [رواه البخاري: 50، ومسلم: 9 و 10].

وهناك من الصحابة من سمع قول النبي ﷺ: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض ، قال: بخ بخ، لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة [رواه مسلم: 1901].

كانت تكفي كلمة: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض .

كانت تكفي كلمة: "اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه"، فإن ذلك الرجل جلس بين شعبها الأربع الآن على وشك الزنا، المرأة في المحاولة الأخيرة قالت: "اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه" الكلمة أثرت، فذهبتُ عنها وتركت الذي أعطيتها: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه [رواه البخاري: 2215، ومسلم: 2743].

عمر -رضي الله عنه- وهو على المنبر يقول: أنشدكم الله لا يعلم أحد مني عيباً إلا عابه، فقام رجل فقال: نعم يا أمير المؤمنين فيك عيبان، قال: وما هما؟ قال: تديل بين البُردين، وتجمع بين الأدمين، فما أدل بين بردين ولا جمع بين أدمين حتى لقي الله، ولو كان من واحد أدنى منه، ولو كان هو الخليفة، وهذا أحد الناس لكنه يتأثر.

والد جابر قبل أن يموت في المعركة كانت نفسه تحدثه أنه سيموت في المعركة، فدعا ولده في الليل، قال: يا بني ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي ﷺ، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله ﷺ، فإن علي ديناً، فاقض، واستوص بأخواتك خيراً [رواه البخاري: 1351] قضى دين أبيه، لما أراد جابر أن يتزوج تزوج من؟ بكراً أم ثيباً؟ ثيباً، لماذا؟ لأن كلمات أبيه قبل الموت، قال: استوص بأخواتك خيراً، فلما أراد جابر أن يتزوج وهو شاب صغير في السن، تزوج ثيباً لتقوم على أخواته، وكره أن يأتيهن بامرأة مثلهن صغيرة لا تدبر.

التضحية بعدم الزواج بالبكر كبيرة، واحد شاب صغير يتزوج ثيباً تضحية، لكن كلمات أبيه قبل أن يموت: واستوص بأخواتك خيراً، فلما قال له النبي ﷺ: هلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك  قلت: يا رسول الله توفي والدي، ولي أخوات صغار، فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن، فتزوجت ثيباً لتقوم عليهن وتؤدبهن[رواه البخاري: 2967].

الحجاج بن يوسف الثقفي على ظلمه صلى مرة بجانب سعيد بن المسيب قبل أن يتولى، ما كان الحجاج والياً، فجعل الحجاج يرفع رأسه قبل الإمام ويسجد قبل الإمام، فلما سلم أخذ سعيد بن المسيب بطرف ردائه، وكان لسعيد ذكر يقوله بعد الصلاة، سعيد مسك ثوب الحجاج وهو يقول أذكاره، وجعل الحجاج ينازعه الرداء وسعيد ممسك به حتى قضى أذكاره، ثم التفت إليه فقال: يا سارق يا خائن تصلي هذه الصلاة، لقد هممت أن أضربك؛ لأن أسوأ الناس سرقة الذي يسرق في صلاته، الذي يسرق من صلاته، فلا يتم ركوعها ولا سجودها، فلم يرد الحجاج، ثم مضى إلى الحج، وعاد إلى الشام، وصار نائباً على الحجاز، وصار أميراً على المدينة، دخل المسجد وإذا فيه سعيد بن المسيب، فمشى الحجاج إليه فخشي الناس على سعيد، فجاء حتى جلس بين يديه، فقال: أنت صاحب الكلمات، فضرب سعيد في صدره وقال: نعم، قال: فجزاك الله من معلم ومؤدب خيراً، ما صليت بعدك صلاة إلا وأنا أذكر قولك، ثم قام الحجاج ومضى، يعني على ظلمه، لكن تأثر من كلام سعيد، مع أنها كلمة قديمة قالها له قبل أن يصبح أميراً، وقبل أن يتولى، يا سارق يا خائن تصلي هذه الصلاة، فلا زالت الكلمات تؤثر.

إذاً، حتى الفاسق وحتى المقصر، وحتى الذي يعمل معاصي يمكن أن يتأثر في شيء واحد، على الأقل شيء واحد، فقد يكون له ظلم ومعاصٍ، لكن تأثر من نصيحة الصلاة.

كم كانت الكلمات سبباً في تغيير مواقف؟ كم كانت الكلمات حائلاً بين أشخاص وتصرفات؟

الزبير لما حصلت الفتنة بين الصحابة ودنا عليه وأصحابه من الزبير ومن معه، وكل له تأويل، خرج علي على بغلة رسول الله ﷺ فنادى: أدعو لي الزبير بن العوام من المعسكر الآخر، فدعي له الزبير، فأقبل، فقال علي: يا زبير نشدتك الله أتذكر يوم مر بك رسول الله ﷺ ونحن في مكان كذا كذا، فقال: يا زبير أتحب علياً؟ فقلت: ألا أحب ابن خالي، وابن عمتي، وعلى ديني، فقال: يا علي أتحبه؟ فقلت: يا رسول الله ألا أحب ابن عمتي، وعلى ديني، فقال يعني لك يا أيها الزبير، قال رسول الله ﷺ: يا زبير أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له  قال الزبير: بلى والله، لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله ﷺ، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك، فرجع الزبير، فقال له ابنه عبد الله: ما لك؟ قال: ذكرني علي حديثاً سمعته من رسول الله ﷺ، سمعته يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له، قال ابنه: وللقتال جئت؟ إنما جئت تصلح بين الناس، ويصلح الله هذا الأمر، قال: لقد حلفت أن لا أقاتله [رواه الحاكم في المستدرك: 5575، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2659].

قد تكون الكلمة مؤثرة أحيانا من مقصر ومفرط

00:58:11

أحياناً الكلمة لا تأتي من داعية، ومن صاحب دين، ومن صاحب علم، قد تأتي الكلمة من شخص مقصر، من شخص مفرط، وأحياناً تأتي الكلمة من واحد ليس عنده علم، عادي جداً، وأحياناً تأتي الكلمة للكبير من الصغير، وتؤثر في ذلك جداً، لما حمل أحمد بن حنبل إلى المأمون، وكان الناس ينظرون لأحمد، وينتظرون أحمد، وماذا سيقول أحمد؟ سيقولون مثله، وأحمد حجة بينهم وبين الله، والمأمون يهدد بالقتل من لا يقول بخلق القرآن، وأحمد رفض وحمل إلى المأمون، يعني سيشتد العذاب وسيذوق أشياء ما ذاقها؛ لأن رأس البدعة عند المأمون، والعصابة عند المأمون، وهذه الحاشية السيئة الآن ستشارك في التعذيب، وستحمل المأمون على مزيد من التعذيب لأحمد، أحمد كان يتوقع ماذا سيقدم عليه، على أي شيء كان سيقدم، أحمد -رحمه الله- في ذلك الوقت لا شك أن الشيطان يخوفه، ولكن إيمان أحمد رحمه الله، وكانت أشياء قيضها الله لأحمد، قال: فعبرت الفرات، فإذا هو جالس في الخان، فسلمت عليه، فقال: يا أبا جعفر تعنيت؟ فقلت: يا هذا أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق" المسئولية، أنت وراؤك ناس، إذا زللت زلوا، إذا انحرفت انحرفوا، "وإن أنت لم تجب، ليمتنعن خلق من الناس كثير" [سير أعلام النبلاء: 11/239] يعني سيثبتون.

هذا الرجل يذكر أحمد مع أنه أقل من أحمد وأدنى منه، لكن كلمات قال: "ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت"، لو ما قتلك المأمون أنت ستموت ستموت، لا بد من الموت، "فاتق الله ولا تجب، فجعل أحمد يبكي، ويقول: ما شاء الله، ثم قال: يا أبا جعفر أعد علي" [سير أعلام النبلاء: 11/239] يعني ناس تريد أن تستوعب الكلمات، وتفهم الكلمات، وتعقل الكلمات، وتحفظ الكلمات، وتزداد أثراً من الكلمات، "أعد علي، فأعدت عليه، وهو يقول: ما شاء الله.

قال أحمد: ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي" أعرابي واحد جاء من الصحراء، أعرابي سمع أن أحمد محمول إلى الاضطهاد والتعذيب، "ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في رحبة طوق"، كان بعض الناصحين يتسللون إلى أحمد وهو في الطريق محمول في الطريق مقيد في الأصفاد، يتسللون إليه في الليل ليقول كلمة ويمشي، قال: "يا أحمد" دنا منه أعرابي "يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيداً، وإن عشت عشت حميداً" في حال الثبات، قال: "فقوى قلبي" [سير أعلام النبلاء: 11/241].

قال أبو عبد الله عن محمد بن نوح، محمد بن نوح شاب صغير محب لأحمد رأى أحمد ثبت ثبت معه، قيد أحمد قيد معه، حمل أحمد حمل معه، قال أحمد: "ما رأيت أحداً على حداثة سنه وقدر علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير، قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله، الله الله إنك لست مثلي، أنت رجل يقتدى بك، قد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك، فاتق الله، واثبت لأمر الله، فمات وصليت عليه، ودفنته رحمه الله [سير أعلام النبلاء: 11/242].

أحمد جاءه لص في السجن يقول: يا أحمد أنا فلان مكتوب في الديوان: اللص العيار، الشاطر الطرار، مكتوب عليه كذا ألف جلدة لأني سرقت، إني أصبر على الضرب وأنا على الباطل، أفلا تصبر عليه وأنت على الحق؟ فكانت الكلمات تأتي من أشخاص عدة، ممن هو أدنى، وممن هو عاصي، الجميع يستشعر المسؤولية في التثبيت، وكانت الكلمات تأتي صادقة، وحتى على التقصير تكون صادقة.

الكلمات قد تكون دافعة لمشاريع عظيمة

01:03:10

أليست بعض الكلمات كانت دافعاً لعمل مشاريع عظيمة جداً في هذه الأمة، ما هو سبب تأليف صحيح البخاري أصح كتاب بعد القرآن الكريم؟ والذي لا يزال يطبع في الأمة ويشرح ويلقى ويدرس ويحفظ الكتاب العظيم هذا، أليست كلمات؟ أليس قد قال البخاري -رحمه الله- محمد بن إسماعيل: كنا عند إسحاق بن راهويه، فقال بعض أصحابنا: لو جمعتم كتاباً مختصراً لسنن النبي ﷺ، فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب" [سير أعلام النبلاء: 12/401].

إذاً، الشاهد "وقع ذلك في قلبي".

الكلمة وأثرها في ترك المعصية

01:03:55

أيها الإخوة: أحياناً تأتي أشياء غير متوقعة، أحياناً يكون الواحد في مكان، يدخل في معصية، يصبح في جو معصية يسمع كلمة تزلزل كيانه، جاء راع إلى فتاة ترعى الغنم، فترصد ألا يكون عندها أحد، ثم جاء اقترب منها، فأراد أن يراودها عن نفسها، فقالت: لكن الذي يرانا، فقال: لا يرانا إلا الكواكب، قالت: فأين مكوكبها؟ [دُرَرُ الحِكَمِ، لأبي منصور الثعالبي، ص: 46]يعني الذي خلقها وكوكبها، فرعب الرجل.

أليس ابن عمر لما جاء إلى أعرابي على غنم راعي يريد أن يمتحنه، قال: أعطني شاة؟ قال: ليست لي إنها لسيدي، قال: قل له أكلها الذئب، قال: فأين الله؟

هذه كلمة: فأين الله؟ فجعل ابن عمر يردد الكلمة: فأين الله؟ ويبكي، ثم أعتقه واشترى له الغنم ووهبها إياه، وقال: كلمتك أعتقتك في الدنيا أرجو أن تعتقك عند الله يوم القيامة [سير أعلام النبلاء: 3/216].

أثر رسائل الجوال

01:05:15

يا إخوان: نحن في هذا الزمن؛ زمن الفتن، زمن الزلل، زمن الذي فيه أشياء تدع الحليم حيران، زمن الغبش، عدم الوضوح، الاضطراب، الانتكاس، هذا زمن تغيرات وتقلبات، الكلمات مهمة جداً في هذا الزمن، يجب أن تبذل النصائح، ويجب أن تقال الكلمات، وكلمات مختصرة بعبارات من القلب ينفع الله بها، وتكون بالعامية في كثير من الأحيان وتؤثر كثيراً، كلمات، رسائل الجوال اليوم من أعظم الأسباب التي يحصل بها ثبات وتثبيت، لا نحقر رسائل الجوال.

يا إخوان: رسائل الجوال هذه عظيمة التأثير حقيقة، يقول واحد لشخص أرسل له كلمة نصيحة في الجوال يسليه فيها في محنة يمر بها، فيقول هذا صاحب الجوال بعد مدة لما لقي الذي أرسل إليه الرسالة، يقول: والله رسالتك أثرت في، وما مسحتها إلى الآن، كل فترة إذا ضعفت أخرجت رسالتك فقرأتها.

هذه رسائل ينبغي أن تستعمل اليوم استعمالاً عظيماً، حصل موت قتل أحد كبار العاملين للإسلام في هذا الزمان، فواحد قعد يبكي كالأطفال، فأرسل له صاحبه رسالة بيت يقول:

وشر سلاح المرء دمع يريقه إذا الحرب شبت نارها بالصوارم

 هذا كان في فلسطين وقصة مقتل أحمد ياسين وقعد يبكي وجاءت الرسالة قال: فعلمت أن الوقت ليس وقت بكاء، وإنما هو عمل، فلنقم إلى مواجهة هؤلاء اليهود.

خير الكلام ما قل ودل، وطوبى لمن كان كلامه ذكراً، وهمته تفكراً، ونظره عبرة، والخلوة جلوة، الإنسان قد يخلو بنفسه فتتجلى له أشياء ويزول عنه أشياء؛ لأن طول الصمت مع الخلوة بالله يرزق الإنسان به الحكمة، الخلوة مع الله مع الصمت يرزق الإنسان بها حكمة، فيخرج على الناس بدرر، يخرج على الناس بكلمات كثيرة،  والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك  [رواه البخاري: 50، ومسلم:  9 و 10].

ومن نعم الله: أن جعل لنا آذاناً نسمع بها، أن جعل لنا عقولاً وقلوباً نعقل بها.

وبعض الناس عندهم هذا المبدأ أن يذكر بأي شيء، أنت أحياناً تمشي في طريق سفر، وأحياناً داخل البلد، يلفت نظرك لوحات صغيرة: اذكر الله، استغفر الله، صل على النبي ﷺ، سبحان الله وبحمده، فتدرك الذي وضعها في هذا المكان ماذا يريد؟ أن يذكر المار من هذا المكان، أن يذكر السالك لطريق السفر، لوحة قصد بها صاحبها أشياء، ربما تكون هذه اللوحة تغير إنساناً، ربما تعدل مسلكه، تعدل طريقه.

أثر الدعايات واللوحات الإرشادية

01:08:55

أيها الإخوة: لقد وجدت بعض الدعايات في بعض القنوات، خطر ببال واحد أن يعمل دعاية: أقم صلاتك قبل مماتك، فحُدثنا أنه كان لها أثر كبير، لوحات إرشادية.

والدعايات -يا إخوان-، هذه الدعايات أليست تختار بعناية؟ أليست تختار بكلمات قصيرة جداً؟ أليسوا يدفعون الآلاف المؤلفة فيها؟ أليس هناك شركات كاملة قائمة لأجل الدعايات؟ أليس هناك فرق من هؤلاء يجلسون يعصفون أذهانهم لأجل استخراج كلمات الدعايات التجارية؟ لماذا؟

لأن عندهم الكلمات مهمة جداً، ويقولون تحفر في الأذهان، وتجذب الناس إلى المنتج باستمرار، وتذكرهم بالمنتج دائماً.

كرر الدعاية الدعايات، ألسنا أولى من هؤلاء أهل الدنيا بالدعاية إلى الحق؟ إذا كانوا ينفقون ويفكرون بالكلمات المؤثرة في الدعاية، ولا زال أطفالنا يحفظون الدعايات التي تعرض في القنوات؟ نحن أولى بهذا، أن يكون لنا إذاً من يذكر.

لا تستثقل الكلمة

01:10:16

أيها الإخوة: لا نستثقل الكلمة المفيدة، وبعض الدعاة لا يتكلمون، أو بعض الناس لا يتكلمون، ويقولون: نخشى.

يا أخي: ذكر، ذكر، أنت لا تعلم، فقد يتذكر هذا الذي تظنه لا يتذكر.

أهل الشر أليس لهم كلمات مؤثرة، أبو جهل مع الكفار لما أحاطوا بأبي طالب عند الموت، ماذا قالوا له؟ كاد أبو طالب أن يسلم، ما الذي منع أبا طالب من الإسلام؟ كلمات، ما هي؟ أتموت على غير ملة عبد المطلب؟ "أترغب عن ملة عبد المطلب؟" [رواه البخاري: 1360، ومسلم: 24] مات على الكفر بسبب هذه الكلمات.

إذا كان أهل الباطل يستعملونها أهل الحق أولى، فيه كلمات مخذلة، ابن عباس كان يذهب يطلب العلم معه صاحب له، يقول له: أنت تظن الناس يحتاجونك، وفي القوم الآن الناس فيهم فلان وفلان وفلان من كبار الصحابة، أنت مفكر نفسك ستصبح أيش؟ يعني يحتاج إليك الناس، لكن ابن عباس كان ينظر للمستقبل، يتعلم خشية من خشية الله ويريد أن ينفع الناس، دارت الأيام ومات الكبار، نظر الناس من بقي فيهم من العلم، قالوا: فلان، جمع علم زيد وفلان وفلان وفلان، اذهبوا إلى ابن عباس، صاحبه لقيه قال: أنت والله أعقل مني، كان يقول له عبارات مثبطة، أنك تظن الناس يحتاجون إليك؟

إذا كان هناك ناس اليوم يطلقون دعايات سلبية، أفلا نكون نحن أولى بالدعايات بالكلمات الإيجابية المؤثرة؟

وإلى آخر لحظة النبي ﷺ يدخل على شاب يهودي يدعوه إلى الإسلام إلى آخر لحظة [رواه مسلم: 1356]، كلمة:  أسلم تسلم ، يقول للكافر: أسلم يؤتك الله أجرك مرتين [رواه البخاري: 7، ومسلم: 1773].

الشعارات وأثرها على الأطفال

01:12:15

الشعارات اليوم التي تكرر لترسخ في الأذهان وتكون في عقول الناس باستمرار مؤثرة.

يا إخوان: بعض الأطفال فجأة يقوم من عند هذا الفيلم أو اللعبة يصلي، فاستغرب الأب ليه، اتضح أن الشركة التي أنتجت هذه اللعبة أو نشرتها أو الشخص الذي ما نسي أن يجعل في وسط اللعبة، هل أديت الصلاة؟ إذا لم تكن أديتها، قم الآن وأد الصلاة، الصلاة أهم من اللعبة، هذه العبارات أثرت في الأطفال، قام بعض الأطفال يصلون؛ لأن الكلام المؤثر العبارات هذه ظهرت في وسط اللعبة.

التفكير في وسائل وطرق مؤثرة في نشر الإسلام

01:13:00

لو كنا نفكر بطريقة فعلاً سليمة ننفع الدين لكانت هناك أشياء كثيرة من هذا.

إذا كان أهل الدنيا اليوم وفي الجامعات يقولون مثلاً: عند اختيارك التخصص اختره برفق، "رفق".

"رفق" أيش رفق؟

قال: راء رغبة، والفاء فرصة، والقاف قدرة، هذه عوامل مؤثرة في اختيار التخصص الدراسي.

إذا كانت الحركات يقول: حتف، حركة تحرير فلسطين، ثم لا، قال: "حذف"، "فتح" قلبوه هم يعملون اختصارات.

اليوم هذا عصر الاختصارات والشعارات والدعايات، الكلمات هذه الآن اكتسبت أثراً أكثر من ذي قبل.

وبعض الأشياء يعلمها الطالب أو الصغير فتكون القواعد هذه أو الأشياء التي في التجويد العبارات القصيرة، أحياناً لها أثر، فيقول: أنت تريد أن تختم القرآن في سبعة أيام، هل تعرف أين تبدأ ومتى تنتهي كل يوم تريد، إذا أردت تختم في سبعة أيام خذها من هذه العبارة ما هي؟

"فمي مشوق" فاء، ميم، ياء، ميم، شين، واو، قاف.

أيش هذا؟

قال: احفظ.

فاء فاتحة، ميم مائدة، إذاً أول يوم من الفاتحة إلى المائدة.

ثاني يوم، ياء يونس، م، ميم، مريم، احفظ هذا نصيب ثاني يوم.

شين الشعراء، واو الصافات، والصافات، قاف سورة ق، ومن ق إلى آخر القرآن، يعني أحياناً أشياء بسيطة، عبارات بسيطة، لكن تروح مع الناس ويكون لها أثر عليهم.

الكلمة الطيبة مثل البذرة ممكن ما تؤثر الآن، لكن تحيا بإذن الله، ينزل المطر فترى الأرض اخضرت وإلا هذه مزروعة فيها من زمان ومشى عليها الناس وما انتبهوا لها، الآن انبعثت.

إذاً، الكلمات ممكن تنبعث من جديد.

أحياناً تقول كلمة لشخص ما يتأثر منها، لكن تعجبه فينقلها لآخر، الآخر يتأثر منها: ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه [رواه ابن ماجه: 230، وأحمد: 21590، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"].

إسلام بعض الصحابة بعد سماع خطب الحاجة

01:15:25

يا أخي: فيه صحابة أسلموا من خطبة الحاجة، هذا الصحابي الحارث بن كلدة جاء قال: أنا طبيب، ظن النبي ﷺ مسحوراً، قال: أعالجك، قال: اسمع، قال: الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره .. خطبة الحاجة فقط أولها، قال: كلماتك هذه بلغت قاموس البحر، أعد علي كلماتك هذه، وأسلم منها [رواه مسلم: 868]، وربما هذه كانت مقدمة ما بعد الآن دخل إلى الموضوع.

وأحياناً يأتي واحد إلى شيخ يقول: أنا يسمونني الحافظ، قال: أسرد علي كذا، أسرد علي كذا، ما أتى، قال: أنت حسبك أن تحفظ ثيابك، يعني من السرقة ومن الاتساخ، أثرت الكلمة، فذهب يحفظ حتى صار حافظاً فعلاً، والمسألة يعني بأركانها كلمة ومتكلم وسامع، والحال التي قيلت فيه، مهمة الأربعة، الكلمة ما هي؟ اخترها وانتقها، المتكلم من هو؟ ابن المبارك، قالوا: ابن المبارك مثلنا بالكلام، ليس عنده البلاغة، لكن لماذا تؤثر كلماته، ولا تؤثر كلماتنا؟ إنه شيء في قلبه.

السامع أحياناً يلقي السمع وأحياناً لا يلقي السمع، أحياناً يكون شهيداً وأحياناً لا يكون شهيداً، ولذلك لا بد أن نحضر قلوبنا.

وسائل التأثير الصحيح

01:16:56

فإذا قلت لي: ما هي الوسائل التي نتأثر بها؟ أو التي نغير بها أنفسنا بهذا الاتجاه؟

أولاً : اختر المجالس والأشخاص، أنت حتى تسمع الكلمة المفيدة، حتى تسمع الكلمة المؤثرة يعتمد على المجالس والأشخاص لا بد، أنت لما تجلس مع البطالين تتوقع أنك تسمع الكلمة المؤثرة التي ستغير مجرى حياتك، اختر المجالس والأشخاص، مجالس اللهو والطرب والنفاق والدنيا لن تجد فيها كلمة مؤثرة في الغالب.

ثم علينا أن نقصد أهل الخير والعلم والدعوة ونستنصحهم، يعني لا تنتظر أن يأتي واحد ويقول لك الكلمة المؤثرة، أنت اطلبها، لماذا كانوا يأتون إلى النبي ﷺ يقول واحد: أوصني، بماذا توصني؟ أوصني يا رسول الله، نحن نذهب ونطلب الوصية، وربما تكون الوصية، يعني أنت لو استعرضت الأحاديث اللي فيها: أوصني، وفيها طلب الوصية، وأوصانا رسول الله ﷺ، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، يعني إحياء سنة التواصي.

دعونا نتواصى، أنت انصحني أعطني كلمة، أوصني أنا مسافر أوصني، أنا أشعر بقسوة في قلبي أوصني، يعني نحن نذهب نطلب الوصية.

أما ننتظر أن نسمع كلمة وقد لا نسمع وقد لا نوفق إلى شيء مفاجئ، لا تنتظر أنها تأتيك فجأة، ولكن أنت أطلبها، وإذا عُلمتها وطلبتها وسمعتها الزم، الآن لما قال لعمر بن أبي سلمة:  يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك  قال: لم تزل تلك طعمتي بعد" [رواه البخاري: 5376]، يعني الكيفية هذه في الطعام استمرت على ما هي عليه.

ثم الكلمة إذا وصلتك صارت حجة عليك، ولذلك لا تتركها، ولا بد أن تشعر بحاجتك وتقصيرك ومعصيتك، لكي يأتي الكلام إليك ويؤثر في نفسك.

قبول الكلمة الصحيحة ولو كانت من عدو

01:18:52

وبغض النظر عن المتكلم قد يكون المتكلم عدواً لك، ولكن كلمته صحيحة، يعني أبو هريRoot اها إن هذه ليست أغنية، لكن بالتأكيد أن الكلمات هذه أثرت فيها.

أصلاً القرآن يسمعه الكافر ويميزه عن غير القرآن، ولذلك لما قام بعضهم خطب في سفينة في سفر وفي كفار ومسلمين معه بعض المسلمين، يعني اجتمع الكفار ليتفرجوا على الخطبة، وكان يقرأ القرآن إذا مر بموضع آية بالترتيل، فلما انتهى جاءت امرأة تريد أن تهنئنا على هذا القداس الناجح، يعني قالت: أقرب ما يكون هذا قداس، فشرحنا لها أن هذا ليس بكذا وإنما هو كذا، قالت: لكن في كلمات كان يقولها هذا غير الكلمات الأخرى، غير، مع أنها لا تفقه العربية ولا تعرفها، ثم انتبهنا إلى أنها تقصد آيات القرآن التي كان يقرؤها ذلك المحدث.

يا إخوان:  إن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول عليك بنفسك  يعني من المصائب أن نرد الكلمة، هذا حديث صحيح، وذكره وصححه الألباني -رحمه الله- في سلسلته الصحيحة: أن النبي ﷺ قال: إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك  اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك [رواه البيهقي شعب الإيمان: 621، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2598] ما لك شغل.

هذا الحديث يبين خطورة رد الكلمة، ولذلك لما نقول الكلمة، ونقول الكلمة، والكلمة المؤثرة أنت تستمع وتنقاد، لازم تستجيب وتشكر الذي قالها، هذا أقل القليل، أن تشكر الذي قالها.

فهذه بعض القصص والخواطر في موضوع الكلمة المؤثرة والكلمة التي لا تزال في الأذن، فترى أحياناً شخصاً تغير سلوكه، ترى شخصاً تغيرت طريقته، فتقول: مم؟ فيقول: قال لي فلان كلمة ولا تزال كلماته في أذني.

وقد يوصيه أبوه عند الموت، فلا تزال كلماته في أذنه، قد يسمع من مدرسه ولا تزال الكلمات في أذنه.

فنسأل الله أن يجعلنا من الذي يقولون الحق، ويسمعون الحق، ويقبلون الحق، إنه سميع مجيب.

ونسأله أن يجعلنا من الذين يلقون السمع وهم شهداء، وأن يتوفانا شهداء، إنه سميع الدعاء.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

  • مشعل الجهني

    جزاك الله خيراً يا شيخ ونفع الله بك وبعلمك