السبت 12 شوّال 1445 هـ :: 20 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الاستمتاع


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الدنيا متاع
هل اللذات كلها محرمة أم لا؟
أنواع لذات الدنيا وطرق الناس في الاستمتاع بها
عقوبة الانسياق وراء المتع المحرمة
استمتاع الجن بالإنس والعكس
الخطبة الثانية
الاستمتاع الديني يغني عن الاستمتاعات المحرمة

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الدنيا متاع

00:00:42

عباد الله: الدنيا متاع، استمتع بها أهلها وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُمحمد:12، هددهم الله تَمَتَّعُوا قَلِيلًاالمرسلات:46، لماذا؟ إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَالمرسلات:46، ومتاع الدنيا قليل مهما عُمر فيها الإنسان، لكن في الحقيقة ممتع ففيه لذة، وفيه جاذبية، زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِآل عمران:14، ونقول اليوم: والسيارات، والطيارات، والجوالات، والألعاب، والسياحات، والأسفار، والآلات، والأجهزة، والحواسيب، والشبكات، والرياضات، والمباريات، والألمبياد، ومتابعة المسلسلات، والتمثيليات، والأغاني، والأفلام، ونحو ذلك من الشغل الشاغل، والعكوف على الألعاب، والشاشات، والتسكع في الأسواق، زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِآل عمران:14، بأنواعها؛ أموال، وتجارات، وزينة، ومكياجات، وعمليات تجميل، وأنواع من الترفيه بأجهزته ثلاثية الأبعاد، الذي همه وشغله الشاغل هو الدنيا، إنما يسلك في ذلك مسلك الكفار في الاستمتاع بها إلى آخر لحظة، ويريد أن لا يخرج من الدنيا إلا وهو سكران من لذاتها ومتاعها.

ما هو شغل الكفار في الدنيا؟ قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْمحمد:12، هذه وظيفة الكفار في الدنيا، يتمتعون كل أنواع الاستمتاع، يريدون لذة جنسية، ومالية، وألعاب، وأفلام إثارة، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُمحمد:12، والنتيجة في النهاية وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْمحمد:12.

هل اللذات كلها محرمة أم لا؟

00:03:17

وهل لذات الدنيا محرمة، هل لذة الجنس في الإسلام محرمة؟ وهل لذة المال في الإسلام محرمة؟ وهل لذة الترفيه في الإسلام محرمة؟

الجواب: كلا، ليست محرمة بإطلاق، ولا مباحة بإطلاق، فهناك لذة جنسية مباحة كالزواج، ووطأ الأمة، وهنالك لذة جنسية حرام كالزنا بأنواعه ودرجاته، وهناك لذة مالية حلال وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْالبقرة:187، يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِالمزمل:20، والبيع وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَالبقرة:275، وهنالك لذة مالية حرام كالربا، والغصب، والسرقة، والرشوة، وأكل المال بالباطل، والغش، والتزوير، تعس عبد الدينار والدرهم، والقطيفة، والخميصة[رواه البخاري 2887]، أنواع من الأقمشة والملبوسات، فهذا الاستمتاع منه ما هو حلال، ومنه ما هو حرام، حتى في الأقمشة هنالك حرير محرم على الرجال، وهنالك ملابس مباحة، لكن الانهماك في المباح الذي يشغل عن ذكر الله مذموم، والعبد لا يمكن أن يتحرر من هذه العبودية إلا إذا أيقن بأن متاع الدنيا قليل، وأنها راحلة وفانية، أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌالتوبة:38.

أنواع لذات الدنيا وطرق الناس في الاستمتاع بها

00:04:51

فلذات الدنيا لا تخرج عن ثلاثة أنواع:

- لذة يعقبها ألم أسوء منها، وهي لذة المعصية، فإذا لم يأت الألم في الدنيا بالإيدز أو غيره، سيأتي في الآخرة بعذاب جهنم.

- الثاني: لذة لا يعقبها ألم أكبر منها؛ لأنها لذة مباحة، ولكن لا تعين على الطاعة، ولا ترفع العبد في الجنة درجات، فينشغل الناس بلذات؛ كالأسفار، والسياحات وقد لا يغشون محرمات، لكن يضيعون أوقاتاً كثيرة، وبعضهم يمارس الألعاب وقد لا تكون الألعاب محرمة، ولكن يضيعون فيها ساعات طويلة، وبعضهم يمارس التجارة والشراء عبر الشاشات وقد لا يعمل في حرام، لكن يضيع فيها أعماراً و أوقاتاً لا ترفعه في الجنة درجات، فيفوت عليه أجر وثواب عظيم.

- ومن الناس من يستمتع بالحرام، باللذة المحرمة كالزنا، والفاحشة، والنميمة، فهنالك أناس فاكهتهم، ولذتهم أن ينهشوا في أعراض الآخرين، فمجالس الغيبة والنميمة عندهم ممتعة، يتكلم في فلان، وعلان، وينهش هذا وهذا، ويسخر من هذا، ويستهزئ بهذا، وينتقص هذا، وكأنه هو الأعلى، والذي يشرف عليهم، ويطلع، ويأخذ، ويدع، وشرار عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة، الباغون البراء العنتوهو حديث حسن،[رواه أحمد17537]، فاكهة المجالس عند بعض الناس، لكن ما هي العاقبة؟ قال ﷺ:  رأيت لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم[رواه أبو داود 4878 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة533]، وبعض الناس لذته في الاستماع لكن الاستماع إلى ماذا؟ إلى الأغاني، ويعتبر أن الأغاني الغربية، أو الشرقية، والموسيقى الصاخبة، أو الهادئة؛ يعتبرها من النعيم واللذة، فيستمتع بها، ويضعونها على آذانهم، ويمشون في الطرقات، ولا يصبرون عليها، لا في المكاتب، ولا في البيوت، ودائماً موسيقى في الجوالات، وفي الهاتف، وفي السنترال، فضلاً عن الفيديو كليب، والأغاني والأشرطة، وجهاز الكمبيوتر.

وبعضهم يستمتع بالدماء المحرمة، لما وصل تيمور لنك إلى الشام، أمر أن يبنى له هرم من خمسين ألف جمجمة، فبني له هرم من خمسين ألف جمجمة ذبحت، وسفكت الدماء، وتلذذ ذلك الطاغية بمنظر الهرم من الجماجم بعضها فوق بعض.

من الناس من يستمتع بالمجلات الخليعة، والصور العارية، والأفلام المحرمة، والمقاطع البلوتوثية وغيرها التي فيها تصوير لهذه الفواحش، ويمتع نظره فيها، ويقلب، ويقدم، ويؤخر، ويشغل.

هذه الاستمتاعات المحرمة لا شك أن لها عواقب وخيمة في الدنيا، وفي الآخرة؛ لأن الله لم يحرم علينا شيئاً مفيداً، فلم يحرم الله على عباده شيئاً مفيداً، ولو كانت مصلحته أكبر من مفسدته لكان حلالاً، ونرى بعض الاستمتاعات الآن مثلاً هذه الأفلام المدبلجة يستمتعون بالنظر إليها، ويتابعون أخبارها، ويسمون أولادهم على أسماء أبطالها، وممثليها، ويغيرون الأسماء، ويحلمون بحياة رومانسية على ضوء ما يمارسه بطل الفلم المدبلج مع هذه المرأة فيه، ولكن المسألة تصل إلى درجات تبين فساد الأفلام هذه، من طلاق، وتعاسة، تقول الزوجة: زوجي ما عنده رومانسية مثل رومانسية فلان في الفلم التركي المدبلج، والمكسيكي، وكذا، معنى ذلك أن الأفلام غرست في نفوس الزوجات الزهد في الأزواج؛ لأنه لا يوجد عندهم رومانسية، وليت شعري لو نظرنا في هذا الممثل في حياته الشخصية، لو كان له حياة شخصية في زواج فكيف هو في تعامله مع زوجته؟ وفضائح ممثلي هوليود لا تخفى من  طلاق، ومحاكم، ومصائب، وانتحار، وجنون، فأين الرومانسية؟ وهكذا تقيم فتيات حفلة في مطعم هل بمناسبة نجاح، أو خروج من عملية، أو ولادة؟

لا، إنما بمناسبة مقتل خاطف فلانة في التمثيلية، أقيمت بسببها حفلة، وهي تمثيلية كذب، ما حصل، لكن صارت القضية إقامة حفلة بمناسبة مقتل خاطف فلانة في التمثيلية، فعندما تنتكس هذه الأوضاع لدرجة أن يتنافس في هذه الأشياء، وتصبح مثالاً يحتذى، وتتناقل الأخبار أن واحداً وأربعين شاباً وشابة ضلوا يرقصون لمدة يومين وأربع ساعات في متحف الروك، والهدف تحطيم الرقم القياسي لأطول حفلة راقصة، كان قد حققها ست وخمسين راقصاً هندياً من قبل، وللدخول في كتاب جينيس لابد من تحطيم الرقم، فليتهافت الشباب والشابات على هذا، وليتناقل الخبر، وليكن مثالاً يحتذى ونحو ذلك.

عقوبة الانسياق وراء المتع المحرمة

00:11:13

عباد الله: الناظر في الواقع يعلم بأننا لابد أن نغير شيئاً، وأن نصنع شيئاً؛ لأننا سئمنا من كثرة هذه الأشياء المؤلمة، والسيئة، والساقطة، والمغيرة للمجتمع، والمسببة للانحرافات، والتي تسبب الشقاء في الحياة، وعندما تبتعد البشرية عن الشريعة تنتكس، وترتكس، وتصاب بأنواع من التعاسة، ويحل عليها قضاء الله ؛ من العقوبة الدنيوية المعجلة بسبب البعد عن دينه، وشريعته، ومنهجه، قضى الله أنه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىطه:124، ماذا حصل من نتائج رؤية هذه المسلسلات، والأفلام، والأشياء العارية؟

زهد الشباب فيما عندهم من الفتيات، وصار يتطلع إلى نماذج أخرى، ولا يقتنع بمن عنده، وبمن حوله من قريباته، وبنات البلاد، فلا يوجد قناعة؛ لأن هنالك في الأفلام نماذج، وأشياء غير موجودة أمامه، ومتى سيصل إلى درجة أن يتزوج ملكة جمال مثلاً، وهنالك نتائج خطيرة جداً، وكارثة اجتماعية لهذه الأشياء موجودة في الجيل والأجيال بسبب الاستمتاع بالأمور المخالفة للشريعة، هي في الظاهر لذة واستئناس، ومسرة، وأحياناً بعض الناس يرى نفسه مبسوطاً كما يقولون، لكن بأي شيء؟ بأنواع الاستمتاع المحرمة، قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَاالأنعام:128، وحانت ساعة المنية، خرجت الروح من الجسد، وفارقت الدنيا، وأقبلت على الآخرة، ولات حين مناص، وجُمع الناس ليوم لا ريب فيه، ولا مفر، أين المفر؟ عند الله المستقر، يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَالقيامة:13.

استمتاع الجن بالإنس والعكس

00:13:33

وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْالأنعام:128، ما معنى استمتع بعضنا ببعض؟ ما معنى استمتاع الإنس بالجن، والجن بالإنس؟

بما كانوا يلقون إليهم من الأراجيف، والسحر، والكهانة، ويدلونهم على المعاصي، هكذا يفعل شياطين الجن بالإنس، ويستعين شياطين الجن بالإنس في الوصول إلى مقاصدهم حتى يعبدوهم، وحتى يقربون لهم القرابين، ويذبحوا لهم، ويستغيثوا بهم، ويقع هذا الإنسي عبداً عابداً للشيطان، وعبادة الشيطان الآن صارت واضحة ليست قضية مخفية، ويصبح الجني مرجعاً للإنسي، فالإنسي يحرص على الجني ما الخبر عندك؟ من الذي سحرني؟ أين أجد السحر؟ كيف أتخلص من هذا؟ كيف أعمل لهذا مشكلة، ما الخبر في الغيب؟ ماذا سيحدث لي في المستقبل؟ ماذا تخبأ لي الأيام؟ فيصبح شياطين الجن مرجعاً يأتي إليهم الإنس عبر الساحر، وعبر الكاهن، فالكاهن والساحر واسطة، وفي النهاية العلاقة بين الإنسي والشيطان، هكذا قضية السحرة والكهنة، استمتع بعضنا ببعض، ويأتون لهم بالأخبار المزعومة، فقدت كذا أين أجده؟ يوجد ساحر، أو كاهن، أو من عنده جن، اذهبوا إلى فلان يدلكم عن المفقودات، فيكفي الشيطان الجني أن يصبح مرجعاً للإنسي، والإنسي يلجأ إليه، ويتوسل إليه، ويحرص عليه، ويريد إفادته وخبره.

ويستمتع الجني أيضاً بالتلبس في الإنسي، وقد يكون الإنسي ليس له ذنب في هذه الحالة، فالجني يصرعه، أو يصرعها، فيستمتع الجني بها، وقد تصرع الإنسي جنية فتستمتع به، أنواع من الاستمتاع، لكن الاستمتاع الأكبر للشياطين أن يشرك الناس بالذهاب إليهم، وأن يكثر الإنس بالذهاب إليهم، كان في الجاهلية إذا سافر الرجل،  وصار بأرض قفر، وخاف على نفسه من الجن، فبدل أن يقول: من أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، يقول: أعوذ بسيد هذا الوادي، فيبيت آمناً في جواره، يعني: يقصد الجني المشرك، أو المسيطر على هذا الوادي، فيقول الجن: قد سدنا الجن والإنس، قال تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًاالجن:6، وشركاً، وكفرا، خضعوا لهم، واستعاذوا بهم، وخدموهم، فيشعر الجني بالهيمنة والسيطرة، هذا معنى استمتع بعضنا ببعض، إذا قتلوا صيداً استعاذوا بهم، وهكذا يستمتع الإنسي بالجني فيكون الجني بالنسبة للساحر الإنسي مصدر مال، والجني والشيطان بالنسبة للكاهن الإنسي مصدر المال، والناس تأتي الكاهن، ويأخذ منهم الأموال.

ولذلك فنحن يجب أن نعرض هذه اللذات والمتع على الكتاب والسنة، فما خالف الكتاب والسنة رميناه؛ لأنه متاع تعقبه عقوبة وألم، وإذا كان مباحاً استعملناه بشرع الله دون أن ننشغل به عن ذكر الله.

نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا، وأن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.

الخطبة الثانية

00:17:40

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يعز من أطاعه، ويذل من عصاه، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأتباعه، وخلفائه، وأزواجه، وذريته الطيبين الطاهرين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

الاستمتاع الديني يغني عن الاستمتاعات المحرمة

00:18:11

عباد الله: صارت قضية المتعة والاستمتاع ديدناً، وتجد كلمة enjoyمثلاً عند الغربيين أساسية، ونحو ذلك، مفردات الكلمة هكذا، يا ترى هل يوجد في الدين استمتاع؟ هل يوجد في الأشياء الدينية استمتاع؟ هل هناك استمتاع ديني يغني عن هذه الاستمتاعات المحرمة الكثيرة؟

نعم، هناك لذة، وسرور، وانبساط، وراحة في العبادات، والذكر، والقرآن، والصلاة، وقرة عين، الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُالرعد:28، ففي الدنيا جنة بلا شك، من يدخلها؟ الذاكرون، العابدون، الصائمون، الحافظون فروجهم، القارئون لكتاب الله، هذه اللذة فيها نضرة في الوجه نضر الله امرئ سمع مقالتي فوعاها[رواه الترمذي 2658 وصححه الألباني في الجامع الصغير 6766]، فسماع الحديث، وتبليغ الحديث بعد حفظه متقناً فيها نضرة للوجه، وأهل الحديث عندهم نضارة في الوجه، وذكر الله فيها فرحة للقلب، والصلاة كذلك، ولأجل هذا صبر الصحابي على الصلاة في قيام الليل وهو يضرب بالسهام ودمه يسيل، ما الذي جعله يصبر على هذا؟ لأن الإنسان لا يترك شيء إلا لشيء أعظم منه، وما يتحمل ألماً إلا وهناك شيء أعظم من الألم، فالصحابي يرمى بالسهام ودمه يسيل وهو يصلي ويكمل الصلاة، وما يريد أن يترك الصلاة لأجل أن ينزع السهم؛ وليس هناك تعليل إلا أن لذة الصلاة أعظم من ألم السهم، فمتى تكون عندك لذة الصلاة أعظم من ألم الدبوس فضلاً عن ألم السهم؟ ما الذي أشغل عقل هذا الإنسان وقلبه ونفسه إشغالاً جعله لا ينشغل بألم السهم؛ لأن عنده لذة أخرى، في استقبال من يقوم بين يديه، وتلاوة كلامه، ودعاءه، وذكره، يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها[رواه أبو داود 4985 وصححه الألباني في الجامع الصغير 7892]، جعلت قرة عيني في الصلاة[رواه أحمد13623 وصححه الألباني في الجامع الصغير 3098]،  رجل قلبه معلق بالمساجد[رواه البخاري 660 ومسلم 1031]، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوايونس:58.

فهناك فرح بالعلم، والقرآن، والفقه في الدين، وهناك فرح بالتوبة، وفرح بالمناجاة، وفرح بالعلم، ما الذي جعل السلف والعلماء، وأهل الحديث يطوفون البلدان مسافرين يبحثون عن الحديث؟ ما الذي جعلهم يتحملون المشاق، والجوع، والحر، والخطر، والسراق، وقطاع الطريق، لماذا رحل شعبة، والبخاري، وأحمد، والدارقطني، والأئمة؟ ما الذي جعلهم يتجشمون هذه المشاق؟ لماذا سهروا الليالي في طلب العلم؟

فما أشرف العلم بالكتاب والسنة، وما ألذ المسائل العلمية، والفقه في الدين، وما ألذ الفرحة بانكشاف شيء كان مستغلقاً عليك في مسألة شرعية، وآية لم تكن تعرف معناها فصرت تعرفه.

عباد الله: مع كل هذا؛ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِالأعراف:32، زينة الله التي أخرج لعباده الحلال هذا من حرمه؟! الطيبات في المآكل، والمناكح، والمشارب من حرمها؟ إنها حلال، لكن خذ منها بقدر، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَاالقصص:77، وقال ﷺ: إن الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة[رواه مسلم1467]، يعني: هناك استمتاع، ولذة.

اللهم إن نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن تتوب علينا إنك أنت التواب الرحيم، هيأ لنا من أمرنا رشداً، اللهم إن نسألك الأمن في بلدنا هذا، وبلاد المسلمين، اللهم أتمم علينا نعمة الأمن والإيمان، اللهم من أراد بلدنا هذا بسوء فأشغله بنفسه، ومن أراد الإخلال بأمن بلدك هذا وبلاد المسلمين فاجعل كيده في نحره، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور، اكتبنا من أهل السعادة، واجعلنا من ورثة جنة النعيم، اللهم اجعل ورثتنا من أهل الحق يا رب العالمين، أقر أعيننا بصلاح أنفسنا، وذرياتنا، ونياتنا يا أرحم الرحمين، اللهم أعتق رقابنا من النار، ووسع لنا في أرزاقنا، وبارك لنا فيها، اللهم إنا نسألك عيش السعداء، وموت الشهداء، وحياة الأتقياء، يا سميع الدعاء.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري 2887
2 - وهو حديث حسن،رواه أحمد17537
3 - رواه أبو داود 4878 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة533
4 - رواه الترمذي 2658 وصححه الألباني في الجامع الصغير 6766
5 - رواه أبو داود 4985 وصححه الألباني في الجامع الصغير 7892
6 - رواه أحمد13623 وصححه الألباني في الجامع الصغير 3098
7 - رواه البخاري 660 ومسلم 1031
8 - رواه مسلم1467