الخميس 10 شوّال 1445 هـ :: 18 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

24- رؤاه ﷺ 2


عناصر المادة
المقدمة
رؤياه ﷺ لبعض أصحابه في الجنة
رؤياه ﷺ ما يرشد إلى بعض الآداب الشرعية
رؤياه ﷺ لليلة القدر
رؤياه ﷺ لدار الهجرة
رؤياه ﷺ لبعض وقائع معركة أحد
رؤياه ﷺ لزوجته عائشة
رؤياه ﷺ لإسلام عكرمة
رؤياه ﷺ لدخوله المسجد الحرام
رؤياه ﷺ في فك السحر عنه

المقدمة

00:00:05

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وصلى الله على محمد بن عبد الله إمام الهدى، وسيد المتقين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
ولا زال حديثنا مع نبينا ﷺ في رؤاه، وقد ذكرنا من الرؤى النبوية ما يكون لتثبيته مما يريه الله في المنام فيثبت به قلبه، أو يبين حقيقة دعوته، كما في رؤياه لجبريل وميكائيل وهما يضربان المثل بالنبي ﷺ وأمته، وكذلك في رؤياه الأنبياء مع أتباعهم، وقد عرضوا عليه نبيًا نبيًا، فسره حال أمته لما رآهم، ومن رؤاه ما يكون فيه بيان فضائل بعض أصحابه كما رأى قصر عمر في الجنة، ورأى عمر يجر قميصه، وهو في المنام محمود، وفي اليقظة مذموم جر الثوب، وكذلك رأى أنه شرب لبنًا فأعطى عمر، يعني: ما زاد فكان ذلك الدين والعلم.

رؤياه ﷺ لبعض أصحابه في الجنة

00:01:52

ومن ذلك أنه ﷺ رأى في منامه أم سليم الرميصاء في الجنة، كما جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي ﷺ: رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة [رواه البخاري: 3679].
وعن أنس عن النبي ﷺ قال: دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الرميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك. [رواه مسلم: 2456].
والخشفة: حركة المشي وصوت المشي، ويقال: أيضًا بفتح الشين خشفة.
والغميصاء: ويقال لها: الرميصاء أيضًا، ويقال بالسين: الرميساء.
قال ابن عبد البر: أم سليم هي الرميصاء والغميصاء، والمشهور فيه الغين، وأختها أم حرام الرميصاء، ومعناهما متقارب، والرمص والغمص قذى يابس وغير يابس يكون في أطراف العين.
وفي الحديث منقبة ظاهرة لأم سليم رضي الله عنهما فإن النبي ﷺ دخل الجنة رأى في المنام -ورؤيا الأنبياء حق- أنه دخل الجنة فسمع صوتها فيها.
وكذلك رأى بلال بن رباح يمشي أمامه في الجنة، فعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال لبلال عند صلاة الفجر: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة؟.
قال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي"، اثنتين، أربع، ست. [رواه البخاري: 1149، ومسلم: 2458].
وفي رواية: فإني سمعت الليلة خشف نعليك [رواه مسلم: 2458]، يعني حركتهما.
قال الحافظ: "فيه إشارة إلى أن ذلك وقع في المنام"، قوله: فإني سمعت الليلة [فتح الباري:3/ 34].
وروى الترمذي وصححه عن بريدة قال: أصبح رسول الله ﷺ فدعا بلال، فقال:  يا بلال بما سبقتني إلى الجنة ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي.
والخشخشة: حركة لها صوت.
دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي.
فقال بلال: يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها، ورأت أن لله عليّ ركعتين.


فقال رسول الله ﷺ: بهما يعني: بهما نلت ما نلت، وبسببهما حصل لك من الرفعة ما حصل، وهذا حديث صحيح[رواه الترمذي: 3689، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 201].
وهذا يدل على فضل ألا يحدث إنسان إلا يتوضأ مباشرة ليبقى دائمًا على طهارة، وما يتوضأ إلا يصلي ركعتين، وهكذا سبق بلال إلى الجنة. قال بلال: "يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها، ورأيت أن لله عليّ ركعتين.
فقال رسول الله ﷺ: بهما.
قال الترمذي: "ومعنى هذا الحديث: أني دخلت البارحة الجنة يعني: رأيت في المنام أني دخلت الجنة، هكذا روي في بعض الحديث" انتهى كلام الترمذي رحمه الله. [رواه الترمذي: 3689].
خشفة: حركة وزنًا ومعنى، قال أبو عبيد: الخشفة الصوت ليس بالشديد.
ومعنى الحديث هنا ما يسمع من حس وقع القدم، الخشفة في هذا الحديث حس وقع القدم.
قال ابن التين رحمه الله: "إنما اعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي ﷺ أن الصلاة أفضل الأعمال، وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر". [فتح الباري: 3/34].
قال ابن الجوزي: "وفيه الحث على الصلاة عقب الوضوء لئلا يبقى الوضوء خاليًا عن مقصوده" [كشف المشكل:3/ 465]، يعني ما هو المقصود الأصلي من الوضوء الصلاة.
وفي الحديث استحباب إدامة الطهارة، والدليل هذا الحديث أن يكون الإنسان دائمًا على طهارة،
وقال المهلب: "فيه أن الله يعظم المجازاة على ما يسره العبد من عمله". [فتح الباري: 3/34]، فبلال كان عمله سريًا، من الذي كشفه؟
سؤال النبي ﷺ هو الذي كشفه، بلال ما أخبر أحدًا، وكان يخفي ذلك العمل، لكن لما رأى النبي ﷺ في المنام تلك الرؤيا، وفيها صوت بلال أمامه في الجنة.

رؤياه ﷺ ما يرشد إلى بعض الآداب الشرعية

00:07:31

وقد يرى النبي ﷺ في منامه ما يدل ويرشد الأمة إلى بعض الأحكام الشرعية، فعن ابن عمر أن النبي ﷺ، قال: أراني في المنام أتسوك بسواك فجذبني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر يعني: جذباه طالبين منه السواك، قال: فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبر قدم الأكبر في السن، فدفعته إلى الأكبر [رواه البخاري: 246 ومسلم واللفظ له: 2271].
قال ابن بطال رحمه الله: "فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام، والشراب، والمشي، والكلام". [شرح صحيح البخاري لابن بطال: 1/364].
وقال الملهب: "هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن" فالأيمن من الرئيس أو العالم.
قال الحافظ: وهو صحيح  [فتح الباري: 1/357].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله-: إذا كان الناس أمامك تبدأ بالأكبر لا باليمين، أما إذا كانوا جالسين عن اليمين والشمال فابدأ باليمين، وبهذا يجمع بين الأدلة الدالة على اعتبار التكبير، وعلى اعتبار الأيمن.
هناك أدلة تدل على تقديم الأيمن، مثل حديث الإناء الأعرابي عن يمينه، وأبو بكر عن شماله فأعطاه الأعرابي، وفي أحاديث تدل على تقديم الأكبر مثل حديث السواك، فكيف نجمع بينهما؟
يقال: إذا كان الناس مرتبين في المجلس أخذوا مجالسهم فاليمين ابدأ بالأكبر، ثم من عن يمينه الأكبر أو العالم ثم من عن يمينه؛ لأن الناس ترتبوا في المجلس، أما إذا كانوا واقفين أو أمامك فتبدأ بالأكبر. [شرح رياض الصالحين:3/ 238].
وفي هذا أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه، إلا أن المستحب أن يغسله ثم يستعمله.
وفيه حديث عن عائشة عند أبي داود رحمه الله قالت: "كان رسول الله ﷺ يعطيني السواك لأغسله، فابدأ به" ابتغاء بركة ريقه الشريف ﷺ، "فابدأ به فاستاك، ثم أغسله، ثم أدفعه إليه". [رواه أبو داود: 52، وصححه الألباني صحيح أبي داود: 42].
وهذا يدل على فطنتها وعظيم أدبها؛ لأنها لم تغسله ابتداء حتى لا يفوتها التبرك بريقه ﷺ، فلما استاكت به غسلته تأدبًا معه وامتثالاً لأمره.
وفي هذا الحديث فضيلة السواك، وفيه أحاديث كثيرة مشهورة، ويكفي في فضله أن النبي ﷺ حرص عليه عند موته، اشتهى السواك وتسوك أحسن ما يستاك قبل خروج روحه.
قال الحافط ابن رجب رحمه الله: "في هذا الحديث دليل على أن الاستياك سنة في جميع الأوقات، عند إرادة الصلاة وغيرها، فإن استياك النبي ﷺ بهذا السواك كان في مرض موته عند خروج نفسه، ولم يكن قاصدًا حينئذ لصلاة أو تلاوة". [فتح الباري لابن رجب: 8/129].

رؤياه ﷺ لليلة القدر

00:11:24

ومن ذلك رؤيته ﷺ في منامه في ليلة القدر، فعن أنس بن مالك قال: خرج علينا رسول الله ﷺ في رمضان فقال: إني أريت هذه الليلة في رمضان حتى تلاحا رجلان فرفعت، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة[النسائي في السنن الكبرى: 3382].
وروى البخاري عن عبادة بن الصامت أن رسول الله ﷺ خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى" -يعني اختصما- "رجلان من المسلمين، فقال: إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، يعني: رفع تعيينها، وكان قد أوحي إليه أي ليلة هي على التعيين، وعسى أن يكون خيرًا لكم يعني: رفعها  التمسوها في السبع والتسع والخمس [رواه البخاري: 49].
وقوله: فتلاحى أي وقع بينهما ملاحة، وهي المخاصمة، والمنازعة، والمشاتمة.
وقيل: كانت بين اثنتين في مسألة دين مال حصل نزاع عليه.
وقوله: فرفعت يعني: رفع علمها بسبب هذا التلاحي، فكانت هذه الخصومة سببًا في حرمان من علم، وتعيين متى ليلة القدر، فإذًا المشاجرات، والمشاتمات، والمخاصمات، والمقاطعات، والمدابرات، والمنازعات سبب حرمان الخير والبركة.
وعسى أن يكون خيرًا يعني: هو صحيح أنه حرمان، ولكن: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19].
فتجتهدوا في تحصيلها، فيحصل لكم زيادة أجر، وزيادة فضل، وزيادة خير، وعسى أن يكون خيرًا لأن الإخفاء يستلزم اجتهادًا، والاجتهاد يترتب عليه مزيد ثواب؛ لأن الإخفاء يستلزم اجتهاده في التحري، والاجتهاد في التحري يستلزم مزيدًا في العبادة، ومزيدًا من الثواب.
وقوله: فالتمسوها في التاسع والسابع والخامس يعني: تاسع ليلة من العشر الأخيرة، فتكون ليلة تسع وعشرين، ويحتمل أن يريد بها تاسع ليلة تبقى من الشهر فتكون ليلة إحدى وعشرين أو اثنين وعشرين؛ حسب الشهر هل هو تسع وعشرين أو ثلاثين؟ لأن ليلة القدر لو كانت بحساب ما مضى يعني ليلة إحدى وعشرين، ليلة ثلاث وعشرين، فالأمر واضح، أما إذا كانت لحساب ما بقي لأن هناك روايات: في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى [رواه البخاري: 2021].


فكيف يكون تبقى؟ فتكون التاسعة التي تبقى ليلة واحد وعشرين إذا كان الشهر فرديًا؛ إذا كان الشهر تسع وعشرين، ولسابعة تبقى ليلة ثلاث وعشرين ،لخامسة تبقى.
إذا كان الشهر زوجيًا، فيمكن يطلع ليلة القدر ليلة اثنين وعشرين، أو ليلة أربع وعشرين، أو ليلة ست وعشرين، أو ليلة ثمان وعشرين، فلو كان الشهر ثلاثون فثالثة تبقى ليلة ثمان وعشرين.
على أية حال هو جاء الإرشاد والتوجيه إلى التماسها في العشر الأواخر كلها، فإذا كان الشهر فرديًا يعني تسع وعشرين كان ما مضى هو باعتبار ما بقي، لكن إذا كان الشهر ثلاثين فقد تقع في الليالي الزوجية ليالي الأشفاع، فهي في ليالي الأوتار باعتبار روايات ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين؛ باعتبار سابعة تبقى تاسعة تبقى ثالثة تبقى، إذا كان الشهر ثلاثين يومًا فسيكون ليالي الأشفاع هي ليلة القدر، وإذا كان تسع وعشرين ليالي الأوتار هي ليلة القدر فيها.
إذًا المخاصمة سبب النسيان.
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر[رواه مسلم: 1166].
فهذا سبب آخر، إما يحمل على التعدد، يعني: حدثت أكثر من قصة فمرة نسي بسبب الإيقاظ، ومرة نسي بسبب المخاصمة، ويحتمل أن يكون المعنى إذا أردنا أن نجمع بين الروايات حصل تلاحي ومخاصمة، فأيقظني أهلي للفصل بين المتخاصمين، فنسيت.
وقد روى النبي ﷺ أيضًا في منامه أنه يسجد ليلة القدر في ماء وطين في صبيحتها، فروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قام النبي ﷺ خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان، فقال: إني أريت ليلة القدر، وإني نسيتها، وإنها في العشر الأواخر في وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء وكان سقف المسجد جريد نخل، وما نرى في السماء شيئًا، فجاءت قزعة فأمطرنا، فصلى بنا النبي ﷺ حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله ﷺ وأرنبته" تصديق رؤياه [رواه البخاري: 813، ومسلم: 1167]، هذا من الرؤى التي حصلت مطابقة.

وقد اختلف أهل العلم في تعيينها على أكثر من أربعين قولاً، الأرجح أنها تنتقل في العشر الأواخر، وأرجاها الأوتار، وأرجها ليلة سبع وعشرين.
والحكمة في إخفائها: أن تحصل الهمة في الطلب.
قال الحافظ: "تحصل من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كل منهما ليقع الجد في طلبهما". [فتح الباري: 4/262].

رؤياه ﷺ لدار الهجرة

00:18:08

من الرؤى النبوية كذلك ما كان يراه بيانًا لأحداث ستقع في عهده: كرؤية البلدة التي سيهاجر إليها قبل أن يهاجر، فروى البخاري ومسلم عن أبي موسى عن النبي ﷺ قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلي يعني: ظني إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب [رواه البخاري: 3622، ومسلم: 2272].
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله ﷺ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة"، يعني: رجعوا من الحبشة إلى المدينة، "وتجهز أبو بكر مهاجرًا، فقال رسول الله ﷺ: على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي.
قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت؟
قال: نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله ﷺ ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر". [صحيح البخاري: 3/98]، هذا كله تجهيز.

رؤياه ﷺ لبعض وقائع معركة أحد

00:19:35

وكذلك من الرؤى النبوية ما حصل من رؤيته ما سيقع في أحد قبل أن يقع، وما بعد ذلك من النصر والفتح المبين، يعني: رأى ما يدل على الهزيمة والمصيبة، ثم ما يدل على الفتح والنصر الذي أتى بعد ذلك، فروى البيهقي -رحمه الله تعالى- في دلائل النبوة بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "تنفل رسول الله ﷺ سيفه ذا الفقار يوم بدر" [رواه الترمذي:1561، وقال هذا حديث حسن غريب] تنفل: أصاب من المغانم.
ذا الفقار: سمي بذلك لفقرات كانت فيه، وكان ذو الفقار سيفًا لأبي جهل، فأخذ في نصيب النبي ﷺ لما قتل عدو الله، وصار سيف عدو الله عند رسول الله ﷺ.
وبالمناسبة حديث: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي [قال السخاوي: "هو في أثر واه" المقاصد الحسنة:725] هذا كذب باتفاق الناس، فإن ذا الفقار لم يكن لعلي، ولكن كان سيفًا لأبي جهل غنمه المسلمون يوم بدر، فأعطي للنبي ﷺ.
قال ابن عباس: "وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد"[رواه الترمذي: 1561، وقال هذا حديث حسن غريب]، وذلك أن رسول الله ﷺ لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأي رسول الله ﷺ أن يقيم بالمدينة يقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرًا: يخرج بنا رسول الله ﷺ إليهم لنقاتلهم بأحد، ورجوا أن يصيبوا من الفضيلة ما أصاب أهل بدر، فما زالوا برسول الله ﷺ حتى لبس أداته، ثم ندموا وقالوا: يا رسول الله أقم فالرأي رأيك، تنازلنا عن إصرارنا على الخروج إن كنت ترى نبقى في المدينة نبقى في المدينة، فقال رسول الله ﷺ: ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه.
وكان مما قال لهم رسول الله ﷺ يومئذ قبل ذلك: إني رأيت يعني: في المنام أني في درع حصينه، فأولتها المدينة، وإني مردف كبشًا، فأولت الكبش الكتيبة، ورأيت أن سيفي ذا الفقار فل يعني: كسر فأولته فلاً فيكم، ورأيت بقر تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير [الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد المستدرك: 2588].
وفيه فكان الذي قال رسول الله ﷺ فعلاً حصل.
وفي مرسل ابن شهاب عند البيهقي في الدلائل: وقال رسول الله ﷺ: أولت الكبش أنه كبش كتيبة العدو يقتله الله[دلائل النبوة للبيهقي: 3/206].


قال قتادة: كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة كان حامل لواء المشركين فيها.
وعن السدي قال: أن طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين قام فقال: يا معشر أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار، ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي إلى الجنة أو يعجلني بسيفه إلى النار؟" يعني: استهزأ "فقام إليه علي بن أبي طالب، فقال: والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار أو يعجلني بسيفك إلى الجنة، فضربه علي فقطع رجله فسقط، فانكشفت عورته، ثم قتل هذا الرجل". [تاريخ الطبري: 2/509].
وروى البخاري ومسلم عن أبي موسى عن النبي ﷺ قال: رأيت في رؤياي أني هززت سيفًا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته بأخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح  واجتماع المؤمنين، ورأيت فيهافي الرؤيا بقرًا والله خير، فإذا هو المؤمنون يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير والثواب الصدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر [رواه البخاري: 3622، ومسلم: 2272].
قال النووي رحمه الله: وتفسيره ﷺ هذه الرؤيا بما ذكره لأن سيف الرجل أنصاره الذين يصول بهم كما يصول بسيفه، وقد يفسر السيف في غير هذا"، يعني: في رؤى أخرى ممكن يعبر السيف "بالولد، والوالد، والعم، أو الأخ، أو الزوجة، وقد يدل على الولاية أو الوديعة، وعلى لسان الرجل وحجته، وقد يدل على سلطان جائر، وكل ذلك بحسب قرائن تنضم تشهد لأحد هذه المعاني في الرائي أو في الرؤيا". [شرح النووي على مسلم: 15/32].
ونحر البقر هو قتل الصحابة الذين قتلوا بأحد.
وقال الحافظ: قوله: والله خير هذا من جملة الرؤيا، كما جزم به عياض -رحمه الله- وغيره". [فتح الباري: 7/377].
وقوله: والله خير مبتدأ وخبر، وفيه حذف، وتقديره: وصنع الله خيرًا، ومعناه رأيت بقرًا تنحر والله عنده خير، فإذًا بقر والله خير، فيها اختصار.
ورأى النبي ﷺ في المنام بقرًا تنحر وخيرًا، فعبر نحر البقر بإصابة أصحابه، فإذا هم المؤمنون يوم أحد حيث أصيبوا فيه، والخير ما جاء الله بعد ذلك من الفتوحات، وتثبيت المؤمنين؛ لأن الناس جمعوا لهم وخوفوهم فزادهم الله إيمانًا، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ۝ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [آل عمران: 173-174]، وتفرق العدو هيبة لهم، وانسحب أبو سفيان إلى مكة.
وقيل: معناه ثواب الله خير، يعني صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا، يعني: هؤلاء قتلوا وهو خير لهم، وهذا الحديث علم من أعلام نبوة النبي ﷺ؛ لأنه رأى في المنام أشياء، ورؤيا الأنبياء حق، وقعت كما أخبر.
وقد روى أحمد عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله ﷺ سيفه ذا الفقار يوم بدر، فقال: رأيت في سيفي ذي الفقار ثلاًيعني: كسرًا فأولته ثلاً يكون فيكم يعني: سيكون فيكم انكسار، ورأيت أني مردف كبشًا فأولته كبش الكتيبة هذا كان حامل لواء المشركين في أحد، ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة.
إذًا أول الدرع بالمدينة النبوية، ورأيت بقرًا تذبح فبقر والله خير، فبقر والله خير، فكان الذي قال رسول الله ﷺ وقد صححه الحافظ في تغليق التعليق، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند [2445].

رؤياه ﷺ لزوجته عائشة

00:27:53

ومن الرؤى العجيبة التي حصلت للنبي ﷺ رؤياه التي فيها إخبار بزواجه بعائشة، فروى البخاري ومسلم واللفظ له عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله ﷺ: أريتك في المنام مرتين، جاءني بك الملك هو جبريل، كما في الرواية الأخرى: في سرقة يعني: قطعة من حرير يقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنتِ هي، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه [رواه البخاري: 3895، ومسلم: 2438]. يعني: يقدر وقوعه.
وقوله: إن يك هذا من عند الله يمضه يعني: إن تكن الرؤيا على وجهها وظاهرها، ولا تحتاج إلى تعبير وتفسير، فإن الله سيمضيها وينجزها، فإذًا ليس الشك عنده أن هذه رؤيا من الله، لكن كان يشك هل الرؤيا على ظاهرها أن عائشة فعلاً ستكون زوجته، أو أنها إشارة إلى شيء آخر.
وروى ابن حبان عن عائشة قالت: "جاء بي جبريل إلى رسول الله ﷺ في خرقة حرير فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة" [رواه الترمذي: 3880، وابن حبان: 7094] صححه الألباني. [مشكاة المصابيح: 6182].
قال ابن بطال: روى المرأة في المنام يختلف على وجوه:
منها: أن يتزوج الرائي حقيقة بمن يراها أو شبهها.
ومنها: أن يدل على حصول دنيا، أو منزلة فيها، أو سعة في الرزق، وهذا أصل عند المعبرين في ذلك أن المرأة تكون هذا أو هذا أو هذا على حسب القرائن؛ لأن تفسير الرؤى ما له قواعد، السيف ممكن يكون عدة أشياء، والمرأة ممكن تكون عدة أشياء، ثم القرائن هي التي تجعل الرائي يقول بما أعطاه الله من الفهم أن المقصود كذا أو كذا، وقد تدل المرأة بما يقترن بها في الرؤيا على فتنة تحصل للرائي.
وأما ثياب الحرير فيدل اتخاذها للنساء في المنام على النكاح، وعلى العزاء، وعلى الغنى، وعلى زيادة في البدن، قالوا والملبوس كله يدل على جسم لابسه لكونه يشتمله عليه، يعني: في علاقة اللباس والبدن إذا رئي اللباس في المنام، ولاسيما واللباس في العرف دال على أقدار الناس وأحوالهم. [فتح الباري: 12/400].

رؤياه ﷺ لإسلام عكرمة

00:30:51

ومن الرؤى أيضًا رؤى النبي ﷺ في إسلام عكرمة بن أبي جهل، فعن عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: رأيت في المنام كأن أبا جهل قد أتاني يبايعني أبو جهل مات في بدر فلما أسلم خالد بن الوليد قيل: لرسول الله ﷺ قد صدق الله رؤياك يا رسول الله، هذا كان إسلام خالد، لأن خالد بن الوليد ابن عم أبي جهل، فقال: ليكونن غيرهما كانت مقنعة له بأن هذا هو تأويلها، ومضت الأيام قال الراوي: حتى أسلم عكرمة بن أبي جهل، وكان ذلك تصديق رؤياه" أخرجه الحاكم، وقال: صحح على شرط الشيخين [المستدرك: 5060]، ورواه عبد الرزاق مرسلاً وهو الصحيح.

رؤياه ﷺ لدخوله المسجد الحرام

00:31:46

وعندنا أيضًا رؤيا النبي ﷺ في دخوله المسجد الحرام، فروى الإمام أحمد خبر الحديبية المطول وأصله، في البخاري عن المسور بن مخرمة قال: خرج رسول الله ﷺ عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة" -ثم ساق قصة الحديبية وقصة الصلح، وأن من بنودها- "وأنك ترجع عنا عامنا هذا فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك"، يعني: عن مكة، "فتدخلها بأصحابك، وأقمت فيهم ثلاثًا معك سلاح الراكب"، قال: "وقد كان أصحاب رسول الله ﷺ خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله ﷺ فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل رسول الله ﷺ على نفسه" يعني: في الصلح من الشروط التي ظاهرها أنها مجحفة بالنسبة للمسلمين دخل الناس في ذلك أمر عظيم، يعني: وقع في نفوسهم شيء عظيم حتى أن عمر لم يتحمل تكلم فلما رجع رسول الله ﷺ حتى إذا كان بين مكة والمدينة -في وسط الطريق- نزلت سورة الفتح. [رواه البخاري:  4178، وأحمد: 18910].
قال ابن كثير كان رسول الله ﷺ قد أري في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك وهو في المدينة قبل أن يخرجوا إلى الحديبية، أخبرهم أني رأيت في المنام أننا دخلنا مكة وطفنا، الصحابة تحمسوا وخرجوا الحديبية، يعني: أنها ستقع فراحوا، وإذا هم لم يدخلوا مكة ووقع صلح ظاهره إجحاف في المسلمين، ورجعوا فلما وقع ما وقع وقعت في نفوس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر بن الخطاب في ذلك فقال له فيما قال: أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟


قال: بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ أخبرتكم أني رأيت البيت، ودخلنا وطفنا، قلت لكم: سيقع في هذا العام؟
قال: لا.
قال: فإنك آتيه ومطوف به ولهذا قال لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا [الفتح: 27] [تفسير ابن كثير: 7/356].
يعني: ما هو المصلحة والخير للمسلمين، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ [الفتح: 27] يعني: قبل الدخول والطواف، فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 27] هو خيبر، وكانت غنائم خيبر طفرة اقتصادية، تغيرت أحوال المسلمين الاقتصادية بشكل واضح بعد خيبر، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 27].

رؤياه ﷺ في فك السحر عنه

00:35:19

ومن الرؤى التي حصلت للنبي ﷺ رؤياه في اليهودي الذي سحره والسحر ومكان السحر، فروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنهما قالت: "كان رسول الله ﷺ سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن".
وفي رواية عن أحمد: "أنه بقي مسحورًا ستة أشهر"، ابتلاؤه عظيم النبي ﷺ حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله ﷺ، ثم دعا، ثم دعا، يعني: لما ابتلي صبر، ولم يدع برفع البلاء مباشرة، فلم خشي أن يضعف عن العبادة بسبب البلاء دعا ثم دعا ثم دعا، دعاء متواصلاً، والتجأ إلى الله فكان من أول يفوض الأمر إلى الله، ويسلم إليه، واحتبس الأجر في الصبر على البلاء، فلما تمادى ذلك، وخشي أن يضعف عن العبادة جنح إلى التداوي واحتجم، ثم إلى الدعاء، وكان في المقامين في غاية الكمال في الصبر، وفي الدعاء لرفع البلاء، ثم قال: يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيه فيه، أطلق على الدعاء استفتاء؛ لأن الداعي طالب، والمجيب مفتي، والمعنى أجابني فيما سألته عنه، وأطلعني على حقيقة ما حصل.
قال مفسرًا كلامه: أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي وهما جبريل وميكائيل كما في بعض الروايات، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ هذا كله في المنام.
قال: مطبوب يعني: مسحور، كنوا عن السحر بالطب تفاؤلاً، كما يقال للديغ: سليم.
قال: ومن طبه؟ من سحره؟
قال: لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف لليهود كان منافقًا.
قال: وفيم، السحر هذا في أي شيء؟
قال: في مشط ومشاطة المشط آلة تسريح الشعر المعروف، وقوله: مشاطة ما يسقط من الشعر ويعلق بالمشط، هذا قيل: إن النبي ﷺ كان له غلام يهودي يخدمه، فلعل ذاك أخذ المشط من هذا، وأخرجوا الشعر وعملوا له السحر.
أين وضعوا السحر؟


قال: في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر أنظر الخبث في إخفاء السحر، السحرة يتفننون في إخفاء السحر، قال: في جف طلعة ذكر وعاء طلع النخل، وهو الغشاء الذي يكون عليه، ويكون في الذكر والأنثى، ولذلك قيده في الحديث بالذكر، وقيل: الجف ينقل من جذوع النخل، إذًا أخفوه بمهارة وعناية، أخذوا الشعر هذا أخذوا شيئًا منه من أثره وهو الشعر، وعملوا له السحر في الشعر، وعقدوا العقد، وأخفوا السحر في غلاف غشاء طلع نخل ذكر.
قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان تحت راعوفة أنظر المكر، يعني: بئر في المدينة في بستان بني زريق، وهم اليهود، وهو الذي بني فيه مسجد الضرار.
والراعوفة: صخرة تجعل في أسفل البئر إذا حفرت، يجلس عليها الذي ينظف البئر، يعني: هذا من الذي يحصلها، يعني: أخذوا الشعر، وعقدوا العقد، وعملوا السحر، ووضعوه في غشاء جف طلع ذكر النخل، ودسوها تحت صخرة في أسفل بئر ذي أروان في بستان بني زريق لهؤلاء اليهود والمنافقين، يعني: من يخطر في باله المكان، لكن الوحي الله أخبر رسوله ﷺ لأن استخراج السحر مهم في حله وفكه، فالسحر يفكه القرآن، ويفكه أيضًا العثور على السحر وإتلافه.
الآن المعلومات وصلت بالتفصيل إلى النبي ﷺ في المنام برؤيا أراه الله إياها، وفيها الملكان في الحوار الذي جرى بينهما، لما استيقظ النبي ﷺ أخبر عائشة أن الله أفتاه وأراه وأعلمه وأخبره بكل التفاصيل.
"فأتاها رسول الله ﷺ في أناس من أصحابه"، ذهب للبئر حتى استخرجه، "ثم قال لما رجع يصف لها المشهد هناك في ذلك البئر: يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء لكأن لون ماء البئر نقاعة الحناء، ولكأن نخلها يعني: ذلك البستان والمزرعة رؤوس الشياطين، قال الله عن شجرة الزقوم: طلعها كأنه رؤوس الشياطين، يعني: في غاية القبح، نحن ما رأينا الشيطان ولا رأينا رأسه عند تشبيهه في الحديث:  ولكأن نخلها رؤوس الشياطين.


والنقاعة: الماء الذي ينقع فيه الحناء، يعني: لون ماء البئر مثل لون الماء الذي ينقع فيه الحناء، يميل إلى الاحمرار أحمر.
أما تشبيه نخلها برؤوس الشياطين فلقبح منظرها، ووحشتها، والنفرة النفسية منها، وكانت العرب تعد صور الشياطين من أقبح المناظر كما قال الجاحظ، وكان قبيح المنظر يقول: كنت جالسًا فجاءت امرأة معها صائغ ذهب، فقالت مثل هذا وانصرفت، فتبعتهما فدخل الدكان، والمرأة انصرفت، فجئت فقلت ما هذا الذي وقفتما عليّ؟
فقالت: مثل هذا، وانصرفت. قال: إنها أتتني فطلبت مني حليًا، وقالت: أنقش عليه صورة شيطان.
فقلت: وما أدراني ما صورة الشيطان؟
فقالت: اتبعني، فوقفت عليك، وقالت: مثل هذا".
فالشاهد أن العرب كانت تعد صور الشياطين من أقبح المناظر.
تقول عائشة: فقلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟
قال: لا أما أنا فقد عافاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شرًا، فأمرت بها فدفنت [رواه البخاري: 5765].
في الحديث أنه استخرجها، وعائشة تقول: أفلا استخرجتها؟
فقال: لا.
فما هو هذا الاستخراج المنفي؟ وما هو الاستخراج المثبت؟
الاستخراج المنفي غير الاستخراج المثبت، فالمثبت استخراج الجف، والمنفي إظهاره للناس، فهو استخرجه وأتلفه.
فقالت عائشة: أفلا استخرجتها؟ يعني: أريته للناس.
قال: كرهت أن أثير على الناس شرًا ما معنى ذلك؟
قال ابن القيم -رحمه الله-: "أي هلا أخرجته للناس حتى يروه ويعاينوه، فأخبرها بالمانع له من ذلك، وهو أن المسلمين لم يكونوا ليسكتوا عن ذلك فيقع الإنكار، ويغضب للساحر قومه، فيحدث الشر، وقد حصل المقصود بالشفاء والمعافاة، فأمر بها فدفنت، ولم يستخرجها للناس". [بدائع الفوائد: 2/223].
قال المازني: "أنكر المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها". [فتح الباري:10/226].
لكن السحر ما كان يأثر على النبي ﷺ أبدًا في الوحي، ولا في حفظه، ولا  في البلاغ، ولا في الإخبار بالقرآن أبدًا، ولكن تأثيره واضح محصور فيما أخبر به، يخيل إليه أنه يأتي النساء، وهو لا يأتيهن، فإذًا أثر السحر ما كان في عقله، ولا في حفظه، ولا في علمه، ولا في وعيه ودينه وإيمانه، كان أثره محصور في شيء معين من أمور الدنيا، وليس من أمور الدين، فيكون مثله مثل أي مرض من الأمراض.
ما هو هذا الشيء كان يخيل إليه؟
أنه يأتي النساء وهو لا يأتيهن، يعني: يخيل إليه نتيجة السحر أنه وطئ زوجاته، ولم يكن وطأهن أصلاً، وإذا كان هذا التخيل يحصل في المنام، يعني: حين الاحتلام يحصل من شيء من ذلك أن يرى الإنسان نفسه في المنام مثلاً يطأ وينزل حقيقة، فإذا كان هذا متخيل في المنام ما يمكن أن يحدث في اليقظة، بلى يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وهذا أشد ما يكون على الرجال.


قال القاضي: "وقد جاءت روايات هذا السحر مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه، لا على عقله وقلبه واعتقاده". [شرح النووي على مسلم: 14/175].
قال ابن القيم رحمه الله: "قد أنكر هذا طائفة من الناس، وقالوا: لا يجوز هذا عليه، وظنوه نقصًا وعيبًا، وليس الأمر كما زعموا بل هو من جنس ما كان يعتريه من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابة السم لا فرق بينهما". [زاد المعاد: 4/113].
والسحر مرض من الأمراض، وعارض من العلل، يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في النبوة، وأما كونه يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدق، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا، وإنما هذا فيما يجوز أن يطرأ عليه في أمر دنياه، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أموره ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان، إذًا هذا كان في أمر دنيوي لا علاقة له بالوحي أبداً، ما عاقب النبي ﷺ من سحره، وعفا كتم, قال: أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على الناس شرًا رواه البخاري.
ولم يقتل النبي ﷺ لبيد بن الأعصم لأنه كان لا ينتقم لنفسه، ولأنه خشي إذا قتل أن تثور بذلك فتنة بين المسلمين وبين حلفاء لبيد من الأنصار، وهو من نمط ما راعاه في ترك قتل المنافقين، ترك قتل عبد الله بن أبي.
وفي الحديث: دليل على أن السحر له حقيقة، وأن منه ما يفرق بين المرء وزوجه، ويوصل إلى المرض، وقد يوصل إلى الموت.


من العجائب أنه مرة أتاني رجل، قال: أنا يا شيخ صار عندنا سحر وصار كذا، وبعد ذلك جاؤوا في قضية العلاج السحر بالسحر وذهبت أبحث إلى أن وصلت المغرب، يقول: فسألت عن أبرع واحد في السحر، فمن واحد لواحد فأنا ما في إلا أروح لرأس السحرة أسحر واحد أصل إليه، يقول: فدلوني على يهودي، يقول: فذهبت إليه، وقلت له الموضوع كذا كذا، قال: هذه بسيطة المهم تفعل كذا وتفعل كذا ونعطيك كذا، وتضعه في النجفة من فوقك، وهذا تضعه في الغرفة، وهذا تجعله في العتمة، وهذا تخفيه، أعطاني أشياء، فيقول: أنا خفت، قلت: لا لا السحر حرام، قال: لا ليس حرام أنا أعطيك دليل من كلام نبيكم أنه جائز، قال: هذا شغلي أنا أعطيك دليل عليه.
قال: هو قال جاء في الحديث الصحيح أن نبيكم قال: أن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه[الطبراني الأوسط: 897، وحسنه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1113].
العامة يسمون السحر عمل، يقولون: معمول له عمل، هذا خبث يهودي لأن العمل ليس المقصود به الحرام، يعني: إذا زنا يتقن الزنى، وإذا ارتشى يتقن الرشوة، وإذا سرق يتقن السرقة، وإذا قتل يتقن الجريمة.
إذا عمل عملاً مباحًا عملاً مشروعًا.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يرزقنا الاستمساك بالعروة الوثقى، وأن ينعم علينا بخاتمة السعادة، وجنات النعيم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.