الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

من أدعية القرآن الكريم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله في هذا البيت من بيوت الله، نسأل الله أن يجعلها خيراً وبركة ونوراً وأجراً لنا جميعاً.
وحديثنا عن أدعية القرآن.

الدعاء وأسرار استجابته

00:00:25

والدعاء أمر عظيم، والدعاء له أسرار، فمن ذلك: الإسرار والاضطرار والإلحاح، وإظهار الافتقار.
ولو نظرنا في دعاء موسى : رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ[القصص: 24].
وكذلك دعاء أيوب لما قال: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ[الأنبياء: 83].
فما هو الشيء المشترك بينهما؟
وإذا جمعنا إليهما قول يعقوب : إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ[يوسف: 86]،إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ[القصص: 24]، مَسَّنِيَ الضُّرُّ، إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ الجامع بينهما شكاية الحال إلى الله.
وشكاية الحال إلى الله سبب عظيم من أسباب الإجابة؛ لأن موسى وصل حافياً خائفاً جائعاً طريداً، فقام بواجب الشهامة والرجولة في السقاية للمرأتين، بالرغم من أنه كان مجهودًا، ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: 24] يعني أنا فقير إلى خيرك يا رب، أنا محتاج، حالتي أنت تعلمها.
أيوب الذي لبث في البلاء ثمانية عشرة سنة حتى رفضه القريب والبعيد، ما بقي معه إلا زوجته وأحد إخوانه، قال: مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء: 83] فشكا حاله إلى الله.
ويعقوب، قال: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ[يوسف: 86].
لو نظرنا في الجامع المشترك بين المظلوم والمسافر والصائم ما الذي يجمع بينهما؟
الصائم دعوته، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر، مستجابة، الافتقار إلى الله، فالصائم مسه الجوع والعطش، والمسافر الغربة، والمظلوم الذل والهوان الذي هو فيه، فالله يحب دعوة من ناداه مضطراً إليه، الاضطرار، وشكاية الحال، وإظهار الافتقار، ولحظة الضعف، الضعف الذي فيه الصائم والمسافر، والمظلوم، والاضطرار:أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ[النمل: 62]، فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[العنكبوت: 65]، غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ[لقمان: 32]، جاءتهم ريح عاصف، وجاءهم موج من كل مكان، وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ[يونس: 22] نجاهم، هذا دعوة الاضطرار.
وكذلك الله يحب الإلحاح.
وأيضا الإسرار: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً[الأعراف: 55] يعني في الإسرار.
في عوامل إذا لاحظها العبد يكون دعاؤه عند الله بمكان عظيم.
وإذا نظرنا إلى أدعية القرآن الكريم نجد أن أدعية الأنبياء في القرآن تبدأ: "رب"، "ربنا" غالبا؛ لأن الرب هو السيد القادر الذي يربي عباده، المتصرف، والداعي يحتاج إلى مسؤول قوي يجيب سؤاله، فلذلك دعوة الأنبياء في القرآن: "رب"، و "ربنا"، وعندما تكون مكروباً أو في حاجة أو مريضاً، أو في ضائقة مالية، أو أصبت بمصيبة، أو رحل لك قريب، أو تخاف على ولدك، أو يطاردك دين، أو أنت في غم، أو أنت في كرب، فليس لك إلا قبلة السماء، وهي الدعاء: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ[البقرة: 186]، ولذلك ما يحتاج الواحد يصيح في الدعاء، من فقه الأئمة في التراويح: أن لا يرفعوا أصواتهم في الدعاء، ولا يصيحون بذلك، فإن رفع صوته فغير فقيه؛ لأن الله قال: فَإِنِّي قَرِيبٌ ما يحتاج ترفع الصوت، ولا أن تصيح، لكن قال: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي[البقرة: 186]، فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي، هذه تحتاج إلى وقفة؛ لأننا نحتاج أن يستجيب لنا، فكيف يقول في آية الدعاء: فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي نحن في الدعاء نريد أن يستجيب لنا، فهو يقول: فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي ما معناها؟
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي ليؤمنوا بي، ويتوكلوا علي، ويسألوني، ويلحوا علي، ويظهروا حاجتهم وشكايتهم، وافتقارهم إليّ.
ونوح وأيوب ويونس وزكريا أربعة أنبياء في سورة الأنبياء ذكر الله أنه في كل دعوة من دعواتهم، قال: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ [الأنبياء: 76] لماذا؟ لأنهم استجابوا لله.
ما هي استجابتهم لله؟
قول الله -تعالى- بعدما ذكر أدعيتهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[الأنبياء: 90] ذليلين منقادين.
فهذه أسرار عظيمة مهمة جداً في الدعاء.

سؤال الله الهداية

00:07:44

وإذا نظرنا في أدعية القرآن سنجد أن منها ما فيه سؤال الله الهداية: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [الفاتحة: 6].
وأكمل أحوال السائل أن يمدح المسؤول قبل أن يسأل، وإذا كان المسؤول هو الله، والسائل هو العبد، والسؤال طلب الهداية هنا، ما هي المدائح التي قدموا بها قبل سؤال الهداية؟
قالوا: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2] فحمدوه، وأثنوا عليه بأنه رب العالمين، وأنه الرحمن الرحيم، ومجدوه أنه مالك يوم الدين، لا يملك أحد يومئذ شيئاً إلا هو.
ثم أقروا له بالعبودية: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: 5]، والاستعانة.
ثم قالوا: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [الفاتحة: 6] الهداية لزوم دين الإسلام، والاهتداء إلى طريق الحق. فكم في الأرض من ناس لا يهتدون الحق، ولا يعرفونه، يعبدون الشجر والحجر والبقر والبشر، كم مليون يعبدون بوذا؟ كم مليون يعبدون البقر؟ كم مليون لا يعبدون أحداً، ملاحدة وزنادقة؟ كم مليون يعبدون الأشجار والأحجار والأضرحة؟ وأنت -يا مسلم يا عبد الله-: تعبد الله وحده لا شريك له، ولما تقول: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ[الفاتحة: 6] تتذكر الذين ضلوا عن الصراط المستقيم، وأن ما أنت فيه نعمة.
فتقول: طيب إذا كنت أنا مهتدياً إلى الصراط المستقيم فلماذا أسأل؟
نقول: لأن الهداية درجات، هل تعرف كل تفصيلات الصراط المستقيم؟ كل مسائل العلم تعرفها؟
لا، تخفى عليك، فتحتاج إلى هداية لتفاصيل الصراط المستقيم.
فتقول: أنا والله أعرف الإسلام بالجملة، وأركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة، لكن في أشياء كثيرة في الدين لا زالت مجهولة بالنسبة لي ولك.
إذًا، سؤال الهداية الصراط المستقيم مهمة لمعرفة بقية التفصيلات.
ثانيا: نحن لو اهتدينا إلى الصراط المستقيم نحتاج إلى الثبات عليه؛ لأننا لا نعرف ماذا سيحدث لنا مستقبلاً، قلوب العباد بين أصبعين.
إذًا، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَثبتنا على هذه الهداية.
ثم الهداية درجات، فلما نقول: اهدِنَا في كل يوم سبعة عشر مرة على الأقل، فمعناها زدنا هداية بعد هداية، وهداية فوق هداية؛ لأن الهداية مثل الإيمان تزيد لها درجات.

سؤال الله القبول

00:10:50

من أدعية القرآن: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[البقرة: 127] هذا ورد في كلام إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 127] تقبل منا ماذا؟ لم يذكر، وليس مهماً ذكر ماذا بقدر ما هو المهم أن يتقبل، ولذلك أنت يمكن أن تدعو الله بعد كل عمل صالح أن يتقبل منك، ولا يشترط أن تذكر ما هو العمل الذي عملته، فتقول: تقبل مني، ولا يشترط أن تقول: تقبل مني صلاتي، تقبل مني صيامي، تقبل مني ذكري، تقبل مني تلاوتي، تقبل مني.
وما هما الاسمان المناسبان لهذا السؤال في القبول؟
السَّمِيعُالذي يسمع الدعاء هذا.
والْعَلِيمُ بمن يستحق القبول، ومن لا يستحق، والْعَلِيمُ بالأحوال، والْعَلِيمُ ببواطن الأمور، و الْعَلِيمُ  بما في القلوب، وهذه بما في القلوب مهمة في بناء التقبل عليها؛ لأنه: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[المائدة: 27]، والتقوى في القلب، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله.
نلاحظ أن الدعاء: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا كما قلنا أكثر أدعية الأنبياء في القرآن: "ربنا"، ومعناها: يا ربنا، وما ورد الدعاء: "ربنا" بياء النداء إلا في موضعين في القرآن، والباقي كلها بدون ياء النداء، إذ أن المفهوم مفهوم "ياء" النداء، فإذًا تحذف تخفيفاً، والمقصود: "رب" يا رب، "ربنا" يا ربنا.
-طيب- ما هما الموضعان اللذان فيهما ذكر ياء النداء مع الرب؟
هناك موضعان في القرآن فقط فيها: "يا رب"، والباقي كلها: رب، وربنا: وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ[الزخرف : 88] الرسول يشتكي إلى الله الصدود.
والثاني: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا[الفرقان: 30]، هذه في حال الشكاية، كلاهما شكاية صدود القوم: يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ [الزخرف: 88]،يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا[الفرقان: 30].
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[البقرة: 127] هذه فيها طرد العجب عن النفس؛ لأن النفس إذا عملت الأعمال الصالحة مثلاً بعض الناس إذا حج رأى أنه عمل شيئاً عظيماً يحتاج أن يقول كسراً للعجب، وكسراً لرؤية العمل أن يقول: تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
كما نحتاج أن نستغفر بعد العبادات.
بعد الصلاة نقول: أستغفر الله، ثلاثاً.
وإذا رجعنا من عرفات نسأل الله أيضاً المغفرة: فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ[البقرة: 198]، واستغفروا الله؛ لأنك ما تدري ماذا أنقصت من العمل، وبأي شيء أخللت منه، وقد يكون فيه رياء أو عجب أو تسميع، فتحتاج إلى الاستغفار.
فإذًا، تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فيها تضرع وفيها تذلل، وفيها سؤال الله القبول، وفيها منع النفس من العجب بالعمل.

سؤال الله خيري الدنيا والآخرة

00:14:51

من أدعية القرآن: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201]، وهذا أجمع دعاء وأكمله، ولذلك كان النبي ﷺ يكثر منه، حتى قال أنس : "كان أكثر دعوة يدعو بها النبي ﷺيقول: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار [رواه مسلم: 2690].
وكان أنس إذا أراد أن يدعو دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه، يعني في دعائه لماذا؟
لأنها تجمع خيري الدنيا والآخرة؛ لأن حسنة الدنيا تشمل: الصحة، والزوجة الصالحة، والولد البار، والذكر الحسن، والمركب الهنيء، والدار الواسعة، والرزق الوافر، والعلم النافع، والثناء الجميل.
وفي الآخرة حسنة: تثقيل الميزان، إيتاء الكتاب باليمين، تخفيف الحساب، ظل العرش، السقيا من الحوض، النجاة على الصراط، وأعظمها دخول الجنة، ورؤية وجه الله .

الاستعاذة بالله من همزات الشياطين

00:16:16

من أدعية القرآن: وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ۝ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ[المؤمنون: 97 - 98].
والاستعاذة التجاء إلى الله، واستجارة به، واستعانة، وطلب الامتناع، طلب المنعة من الله، والحماية من شر كل ذي شر.
إذًا، هذا معنى: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن الحق، رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ أعتصم والتجئ بِكَ بقوتك وحولك.
مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ما هي الهمزات؟ نزغات، وساوس.
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ بما أننا لا نرى الشياطين إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ[الأعراف: 27] فنحتاج إلى حماية من نوع خاص؛ لأنك إذا ما رأيت عدوك كيف تحتمي منه؟ وهذا هو معنى الاستعاذة من الشيطان هنا؛ لأنك إذا ما رأيت عدوك فكيف تتحسب؟ وكيف تحتمي؟ وكيف تنجو من شره؟
أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ۝ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ عند طعامي، وشرابي، وإتياني أهلي، ودخولي وخروجي، ونومي.
أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ  حتى عند الموت؛ لأن الشيطان يتخبط الإنسان عند الموت.
أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ  في أي شأن من شؤوني.
انظر جوامع الدعاء، أدعية القرآن؛ لأنها من الله ما يمكن أن الواحد يأتي بشيء أبلغ أو أحسن أو أكمل أو أجمع، فلاحظ هنا قال: أَن يَحْضُرُونِ في كل شيء، ولذلك صارت جامعة.
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ[فصلت: 36] من جميع نزغاته.

التوسل بالإيمان وسؤال الله مغفرة الذنوب وتكفير السيئات

00:18:47

من أدعية القرآن بعد التوسل بالإيمان: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ ۝ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ[آل عمران: 193 - 194]، هؤلاء في  قيامهم وقعودهم وتفكرهم وذكرهم لله: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سبحانك، جاء الدعاء: فقنا عذاب النار، رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وأذللته وأهنته وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ[آل عمران: 192].
ثم التوسل بالإيمان: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا[آل عمران: 193] بما أننا استجبنا واتبعنا، والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة مشروع، وقبل السؤال التوسل إلى الله بالعمل الصالح: رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا هذا توسل إلى الله بالعمل الصالح، فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا[آل عمران: 193] ما هو الفرق بين: "اغفر لنا ذنوبنا" و"كفر عنا سيئاتنا"؟
"اغفر" اعف وتجاوز، "كفر" استر، كفر، يعني ستر، الكافر لماذا سمي كافراً؟ لأنه يستر، يجحد الربوبية، يجحد حق الله، يغطي ويستر، ولا ينقاد ولا يعترف، فهو يخفي هذه الحقيقة العظيمة، ولذلك هذا وجه تسميته في اللغة: كافراً.
-طيب- ما هو وجه تسمية الزارع كافراً في اللغة؟
لأنه يغطي الحبة إذا بذرها.
إذًا، "كفر" في اللغة غطى، الكافر يغطي حقيقة الربوبية، الزارع يسمى كافراً في اللغة؛ لأنه يخفي البذرة في الأرض ويغطيها.
-طبعاً- وعنا أخذ الإنجليز في لغتهم "كفر"، والناس يقولون: كفرات، وكفر، ويظنون أنهم أخذوها منهم، وهم أخذوها منا.
طيب وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا استرها.
إذًا ما الفرق بين:  اغفر و كفر؟
اعف وتجاوز، اغفر، كفر، استر.
ولما كانت الوفاة على الدين والسنة مطلب عظيم، ولا يوفق إليه إلا من شاء الله قالوا: وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ[آل عمران: 193] اقبضنا على طريق الأبرار، احشرنا معهم، اجعلنا في حكمهم.
إذًا، هذا الدعاء فيه توفيق لفعل الخير وترك الشر.
ثم سألوه الثواب، حسن الثواب والنصر والظهور: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ من النصر وَلاَ تُخْزِنَا وتفضحنا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران: 194]،  فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [آل عمران: 195]، فكان دعاءً عظيماً، هذا في آخر سورة آل عمران.

سؤال الله الثبات

00:22:35

من أدعية القرآن: رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ[آل عمران: 8] هذا فيه طلب الثبات وعدم الزيغ، وعدم الميلان عن الحق.
لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ أن ذقنا طعم الهداية وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةًأعطنا بفضلك وكرمك، هبة، منة من الله، رحمة تجعلها في قلوبنا ننقاد بها إلى الحق، ونرحم بها الخلق، إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ وهذا فيه طلب الهداية من الله والخوف من الزيغ، وأن الإنسان لا يأمن على نفسه اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك [رواه مسلم: 2654] ثبت قلبي على دينك.

سؤال الله التوفيق والإعانة على شكر النعم

00:23:43

من أدعية القرآن العظيمة: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً[الأحقاف: 15] هذا دعاء الأربعين: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[الأحقاف: 15] سن الأربعين هذا الكمال، كما قال المنفلوطي -رحمه الله- لما بلغ الأربعين: ها أنا ذا وصلت إلى القمة، وها أنا ذا أنحدر إلى الطرف الآخر، أو إلى الجانب الآخر، والنبي ﷺ نبئ وهو ابن أربعين سنة، فاكتمال القوة، اكتمال قوة العقل والنضج في الأربعين، مبلغ الرجولة والكمال في الأربعين، حتى إذا بلغ أشده قوي وشب وارتجل، من الرجولة، وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وتناهى عقله، وكمل فهمه، واستوى حلمه، ويقال: إنه لا يتغير المرء بعد الأربعين عما كان عليه في الأربعين، قال أحد الصالحين: تركت المعاصي والذنوب أربعين سنة حياءً من الناس، ثم تركتها حياءً من الله .
ما هو الدعاء؟
رَبِّ أَوْزِعْنِي يعني ألهمني ووفقني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ سواء كانت من نعم الدنيا، أو من نعم الدين والطاعة، الاعتراف لله بأنه المنعم أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ،صراط الذين أنعمت، أولئك الذين أنعم الله عليهم الذين قالوا: مطرنا بفضل الله ورحمته، هؤلاء اعترفوا لله بالنعمة، وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى: 11].
-طيب- أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ، أَشْكُرَ  -طبعا- الشكر يكون بالقلب اعترافاً، وباللسان ثناءً، وبالجوارح طاعة وانقياداً.
فالشكر يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح، ومن شكر بلسانه وجوارحه غير منقادة ليس بشاكر، قال ابن القيم -رحمه الله-: الشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، واستعماله فيما يحب، متى عدم منها واحدة اختل الشكر.
-طيب- أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ النعمة على الوالدين لا شك أن النعمة على الوالدين نعمة على الذرية من بعدهم؛ لأنهم سينالهم من أسبابها، فأنت قد طعمت من رزق رزقه الله لأبيك، واكتسيت من كساء رزقه الله أباك، وشربت وسكنت وأويت في مأوى رزقه الله لأبيك.
فإذًا، أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ[الأحقاف: 15] النعمة التي جاءت للوالدين تمسك أنت، وتدخل أنت فيها، وأنت مستفيد منها، ما أماوفي ترابط أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ؛ لأن النعمة حتى نعمة الصحة لأمك كانت غذاء لك.
إذا قال واحد: ما هو الربط؟ أيش النعمة: الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ؟ أيش هذا الجامع بينهما؟
نقول: هذا هو؛ لأن نعمة الأبوين استفاد منها الولد، رزق الأب أكل منه الولد، صحة الأم تغذى منها الولد، ورعته بذلك: أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ، وأعلى ذلك الصلاح، يصلح الولد بصلاح والديه في الغالب، وإذا كان الأب عنده علم، نعمة من الله، علم ولده فاستفاد الولد من نعمة الأب، وصارت نعمة الأب نعمة على الولد، بالعلم والعمل، واقتدى الولد بأبيه في الصلاح أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ يعني في المستقبل، صَالِحًا يعني ما فيه رياء أَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا ما فيه عجب، أَنْ أَعْمَلَ صَالِحًاما فيه بدعة، أَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا خالصاً صواباً، أَنْ أَعْمَلَ صَالِحًاالصلاح هذا مطلب عظيم، لا يفسد، يعني أعمل صالحاً يبقى صالحاً لا يفسد برياء أو عجب، أو تسميع، بعد ذلك تَرْضَاهُ وتقبله وتثيبني عليه، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي.
العادة أن الناس إذا أرادوا أن يعلموا شيئاً نظروا من هو الناجح فيه فقلدوه، ومن أعظم المحترفين في الدعاء والناجحين فيه: إبراهيم -عليه السلام-، وإبراهيم كان دائماً يدعو لذريته وما ينسى أولاده: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي[إبراهيم: 40]، وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ[إبراهيم: 35]، رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ[البقرة: 129]،  رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ[إبراهيم: 37] فأوت وهوت، هوت القلوب فأوت الأجساد.
ثم ختم الدعاء بالتوبة: إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ من الذنوب والمعاصي وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[الأحقاف: 15] يعني المستسلمين الخاضعين.
هذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله، ويعزم عليها، ومن باب أولى إذا جاوز الأربعين، وهذا الدعاء ينفع حتى الذي لم يبلغ الأربعين لكن يتأكد في حق من بلغ الأربعين، وليس معنى ذلك أن لا يستفيد منه من هو أصغر من الأربعين، لكن يتأكد على صاحب الأربعين، قال النخعي: "كان يقال لصاحب الأربعين: احتفظ بنفسك" أيش يعني احتفظ بنفسك؟ يعني انتبه لنفسك، استبق نفسك، لا تذهب نفسك، لا تنفلت. كان كثير من السلف إذا بلغ الأربعين تفرغ للعبادة، قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "تمت حجة الله على ابن الأربعين" فمات وهو ابن أربعين[حلية الأولياء: 5/334].
ورأى في منامه مرة قائلا يقول له في المنام:

إذا ما أتتك الأربعون فعندها فاخش الإله وكن للموت حذارا

كما نقله ابن رجب في [لطائف المعارف، ص: 303].

الدعاء للنفس ثم للأقارب ثم للمؤمنين

00:33:12

من أدعية القرآن: دعاء نوح : رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ[نوح: 28] ماذا نلاحظ في هذا الدعاء؟
نلاحظ الترتيب من الأقرب إلى الأبعد: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فدعا لنفسه أولا، وهذه هي السنة أن تبدأ بنفسك في الدعاء أنت محتاج أكثر واحد، وَلِوَالِدَيَّ فهما أعظم الناس حقا، وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا من أقاربي وإخواني في الله، من الذي يدخلك بيتك عادة؟ أقاربك وإخوانك في الله، وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا، ثم للمؤمنين والمؤمنات عموماً من السابقين واللاحقين والأحياء والأموات والموجودين والذين مضوا، والذين سيأتون وللمؤمنين والمؤمنات، ولعل من استغفر للمؤمنين والمؤمنات يكتب الله له بكل مؤمن حسنة.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ[الحشر: 10]. ربنا اغفر لنا ولوالدينا وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ.

سؤال الله الصدق في المدخل والمخرج

00:34:55

من أدعية القرآن: رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا[الإسراء: 80].
-طبعاً- نحن نحتاج إلى عقل يعني فهم أدعية القرآن؛ لأننا ربما نقرأ الآيات كثيراً وما نعرف معناها، وربما لو سألت واحداً قلت: ما هو مدخل الصدق ومخرج الصدق؟
يقول: أنا ما أدري.
أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ يعني دخولاً في شيء يرضيك، هذا مدخل الصدق، لا تدخلني إلا في شيء يرضيك، عمل، مشروع، وظيفة، أي شيء، زواج، أدخلني مدخلاً، العامة يقول: دخلنا في شغلة، ودخلونا في شغلة، أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ لا تدخلني إلا في شيء يرضيك، اجعل مداخلي طاعة لك.
طيب: وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ؟
كذلك اجعل خروجي من الأشياء على طاعتك، حتى خروجي من الدنيا كلها، اجعله مخرج صدق، يعني يرجو حسن الخاتمة، يقول: اللهم أخرجني مخرج صدق، يقصد بها الخروج من الدنيا لكان دعاءً عظيما، يعني حسن الخاتمة، فمن الناس يخرج  على... -والعياذ بالله-.
فحقيقة الصدق الحق الثابت المتصل بالله الموصل إلى الله الذي يرضى عنه الله.
النبي ﷺ دخل المدينة وخرج منها ودخل مكة وخرج منها، يعني يشمل حتى البلدان، يعني لو واحد الآن في الإجازة يريد أن يسافر، فقال: رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء: 80] ما يمكن يدخل بلداً للفساد، يعني يدخل في معصية الله، ويطلع بمعصية الله، فهو يريد مدخل صدق، ومخرج صدق، حتى لو راح سياحة الآن سافر، فهذا الدعاء: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي فشيء يكون بالله ولله.
وكذلك دخول بيتك وخروجك من بيتك، يدخل في هذا الدعاء، يعني رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍمثلا في دخول البيت والخروج منه، دخول بيوت الآخرين والخروج منها، دخول في المشاريع، والخروج منها، دخول في صفقات، والخروج منها، دخول في الوظائف، والخروج منها، وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا[الإسراء: 80]، وهذا ما يحتاج إليه العبد حتى لا يكون ذليلاً، يحتاج السلطان والنصر.
من الأدعية القرآنية: دعاء إبراهيم رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ۝ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ۝ وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ[الشعراء: 83 - 85] ثم قال: وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ۝ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۝ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 87 - 89].
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا بصيرة وعلماً أميز فيه بين الحلال والحرام، والحق والباطل حُكْمًا، وحتى لو حكمت بين أولادي وبين زوجتي، وبين متخاصمين من أقاربي، أو زملائي وأصحابي، أو أي اثنين من المسلمين هَبْ لِي حُكْمًا الناس ترى يحتاجون في كثير من الأحيان إلى فض نزاعات، ولو واحد صاحب رأي سديد، وعقل رشيد، يفصل فيها، والآن –طبعاً- هذه فيها فلوس، هذه يؤخذ عليها، مكاتب تأخذ عليها فلوساً، حتى يفصلوا بينهم.
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا سديداً رشيداً أحكم به بين الأنام، وقد يصبح الإنسان قاضياً مديراً يفصل في نزاعات، يفصل بين موظفين: وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ نحن الآن نريد أن نعرف أثر الأدعية على الحياة العملية التي نعيش فيها ونمارسها وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَالصالحين كل شيء، الأنبياء، الملائكة، العلماء، الشهداء، كل صالح، اجعلني معهم في ثوابهم، اجعلني معهم في زمرتهم يوم الدين، ألحقني بالصالحين، احشرني معهم.
 وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ[الشعراء: 84].
إذًا اجعل لي لسان صدق، يعني ثناءً جميلاً ممن بعدي عليّ يستمر إلى آخر الدهر، أذكر به، ويقتدى بي في الخير، وقد فعل الله ذلك، واستجاب لإبراهيم -عليه السلام-، يعني قال: وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ[الشعراء: 84] فخلد الله سيرة إبراهيم في القرآن كما لم تخلد سيرة نبي بعد نبينا، وقص الله علينا من قصصه وأخباره، وكل سيرة إبراهيم عملية تعليمية، واقتداء واضح للغاية، يعني  إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل: 120] يؤتم به، فوهب الله له العلم والحكم، وألحقه بإخوانه المرسلين.
والنبي ﷺ أم بهم في الإسراء، ورآه في المعراج.
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ۝ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ۝ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ[الصافات: 108 - 111]، قال: وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ[الشعراء: 85] من أهل الجنة التي يورثهم الله إياها: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا[مريم: 63]، وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ فأتنعم فيها، وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ[الشعراء: 87] بعذاب، فضيحة بين الخلائق، يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ۝ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 88 - 89] من الشبهات والشهوات المحرمة.
من أدعية القرآن: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10] أثنى الله على المؤمنين من التابعين الذين يؤتون بعد المهاجرين والأنصار.
لو واحد قال لك: هات آية من القرآن فيها ذكر التابعين؟ لو قال: هات ذكر الصحابة سهلة، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ[الفتح : 29]، وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ[التوبة: 100] التابعون إما أن تقول: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ [التوبة: 100] أو تقول: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ،يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا من الصحابة سبقونا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا[الحشر: 10]، كلما قرأت هذه الآية أنت قارن بينها وبين سبابي الصحابة، الذين يسبون عائشة وأبا هريرة ومعاوية، وغيرهم، حتى تعرف أنهم ما لهم من القرآن والإسلام نصيب؛ لأن الله قال: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ[الحشر: 10] الذين هم الصحابة، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا [الحشر: 10]، وهؤلاء الكفرة الفجرة جعل الله في قلوبهم غلاً، وهذه آية عظيمة في الرد عليهم، وأي واحد تسمعه في أي مقطع يوتيوب في أي شيء ينتقد معاوية أو عائشة أو أبا هريرة أو... أو من الصحابة اعرف أنه... وهذه الآية رد عليه، وعلى أشكاله: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِالذين هم الصحابة: وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا، وهذا يعني دعاء شامل، فالمؤمنين ينفع بعضهم بعضاً، يدعو بعضهم لبعض، يثني بعضهم على بعض إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات: 10] رباط الإيمان يجمعهم، الولاء بين المؤمنين، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لا قليلاً ولا كثيراً، لا لواحد ولا لاثنين، ولا لأكثر، لِّلَّذِينَ آمَنُوا.
والنبي ﷺ قال في دعائه: واسلل سخيمة قلبي[رواه أبو داود: 1510، وابن ماجه: 3830، وأحمد: 1997، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"]، ومهم جداً أن الواحد ما يحمل في نفسه على إخوانه لا السابقين ولا اللاحقين، ويحاول أن يصفي ما في نفسه، غالباً الوظائف والتجارات والصفقات، وحتى الزوجات إلا ما يصير في النفوس شيء، عمرك شفت كذا زواجة ما أحد شال على أحد شيء أبداً من أقاربه ولا من أقاربها، شركاء في تجارة، زملاء في وظيفة، غالباً إلا من رحم الله يعني، ولذلك هذا الدعاء: واسلل سخيمة صدري، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا[الحشر: 10] مهم؛ لأن هذه عاقبتها، شف الرجل الذي النبي ﷺ أخبرهم أنه من أهل الجنة يطلع عليكم رجل من أهل الجنة[رواه أحمد: 12697، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"] وذهب عبد الله بن عمرو بن العاص يتقصى خبر الرجل ما شافه، قال كثير صلاة ولا...، أيش الوضع؟ قال: لا أبيت وفي نفسي شيء على أحد، هذه هي.
من أدعية القرآن الكريم: قول آدم وحواء: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23] هذا فيه اعتراف أول ما صدر الدعاء صدر دعاءهما بالاعتراف بالذنب، خلاص ما في لف ولا دوران: ظَلَمْنَا، يعني ظلمنا، عصينا عصينا، أكلنا من الشجرة؛ لأن في بعض الناس ما يعترف بالذنب، وسيد الاستغفار: أبوء بذنبي[رواه البخاري: 6306].
-طيب- هذا الاعتراف بالذنب مقدمة للسؤال، وسبب للإجابة، وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ يعني لولا رحمتك ومغفرتك هلكنا.
من أدعية القرآن: دعاء زكريا : رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء[آل عمران: 38] متى قالها زكريا -عليه السلام-؟
لما دخل على مريم مكان صلاتها المحراب ووجد عندها رزقاً، قالوا: فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، كرامة، لما شاف الخوارق، يعني أن الله خرق العادة تشجع للسؤال، مع أنه ما ينجب ولا زوجته، وبلغ من الكبر عتياً، واشتعل الرأس شيباً، ووهن العظم، ومع ذلك لما رأى ما حصل لمريم قال: رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً[آل عمران: 38] هذه جاءت بعد: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً[آل عمران: 37] فقال وهو الشيخ الكبير الذي قد أيس من الولد، يعني خلاص ما ينجب: رَبِّ هَبْ لِي أعطني، إحسان بلا مقابل مِن لَّدُنْكَ من عندك ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً مباركة نقية صالحة، ذكر وإلا أنثى، المهم تكون طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء [آل عمران: 38]، وهذا فيه عدم يأس العبد من سؤال الله ودعائه، وأن الله يأتي بالخير.
ومن دعائه : أنه قال: رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ[الأنبياء: 89] ما كان طمع زكريا -عليه السلام- أن يأتي ولد يدير ثروته من بعده، كما يطمع كثير من أهل الدنيا، إذا قلت: لمن تبغى الولد؟ قال: من يبغى يدير الثروة؟ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً، رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء: 89] يريد واحداً يقوم بالدعوة من بعده، يريد واحداً يقوم بالنبوة ويستمر فيها، يريد واحداً يقوم بقيادة بني إسرائيل في الخير.
وهذا ما استجاب الله له: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء: 90].
إذًا: رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا [الأنبياء: 89] أنا أحتاج إلى من يعينني في الدعوة، وفي حمل العلم والدين، وهذه تحتاج إلى مسؤولية، تحتاج إلى إعانة.
من أدعية عباد الرحمن في القرآن: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[الفرقان: 74] أي واحداً يريد أن يكون له امتداد، فيحرص الناس على الذرية، لكن ليحرص ليكون له إمداد في الخير، يعني يكون وراءه ولد صالح، وحفيد صالح، وابن ابن، وابن بنت، هذا: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا يعني إلى الأمام، يعني ليس فقط طبقة الأولاد وَذُرِّيَّاتِنَا فأقر شيء لعين المؤمن أن يرى ولداً أو ولد ولد صالحاً، هذا النعيم العظيم، ولذلك: رَبَّنَا هَبْ لَنَا، فهذا سينفعهم ولد صالح يدعو له [رواه مسلم: 1631] لماذا لنا؟ لأنه يستفيد منها يرفع الوالد في الجنة يقال: أنى هذا؟ أنا مرتبتي عملي ما يصل لهذا، فيقال: باستغفار ولدك لك[رواه أحمد: 10610، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"]، ولذلك الحرص على هذا، الولد الصالح: رَبَّنَا هَبْ لَنَا  ولمصلحتنا ولأجلنا؛ لأنهم سيدعون لنا، ولأن حسناتهم ستكون في ميزاننا، إذا نحن ربيناهم، وهداهم الله، وكلما ما اهتدى من الخلق على أيديهم أيضا سننتفع نحن به: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[الفرقان: 74] قال ابن عباس: "اجعلنا أئمة في الخير يقتدى بنا" [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 6/120]، أوصلنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الإمامة في الدين؛ لأن الواحد إذا صار قدوة في الخير كم يكون في ميزان حسناته؟ من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه [رواه مسلم: 2674] كله في ميزان حسناته، يعني غيرك يعمل وأنت تؤجر، وأنت ما عملت، العمل عمل هذاك، لكن بدعوتك وإرشادك ودلالتك وتربيتك.
والعجيب في كرم الله: أن الواحد لو دعا شخصاً أو علم شخصاً، فالشخص علم ثلاثة، والثلاثة علموا عشرة، والعشرة علموا أربعين، والأربعون علموا مائتين، والمائتان علموا ألفاً، خلاص هذه مش متوالية عددية، هذه متوالية هندسية، هذه متوالية أسس.
إذًا، الله كريم ويعطي لكن في عباد أذكياء في الدعاء، يخطط، يعني يدعو على شيء يفيده يعني مراحل، وفي ناس كلها: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ [البقرة: 200] ففيه تخطيط حتى في الدعاء، وفيه ذكاء حتى في الدعاء، وفيه حسن تصرف حتى في الدعاء أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا[الفرقان: 75].
من أدعية القرآن الكريم: دعاء يوسف أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[يوسف: 101] هذه الدعوة جمعت الإقرار بالتوحيد، والاستسلام لله، وإظهار الافتقار له، والبراءة من موالاة غيره، وسؤال الوفاة على الإسلام، وحسن الخاتمة، وأن ذلك بيد الله لا بيد العبد، والاعتراف بالمعاد، وطلب مرافقة السعداء، أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[يوسف: 101]، وفيها أنه ينبغي للعبد أن يتملق ربه، يعني مناشدة وإلحاح في تثبيت إيمانه، وما أحد أحب إليه المدح من الله، وكلما مدحته أكثر كلما كانت الإجابة أعظم. من أدعية القرآن: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا [الممتحنة: 5]، و رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[يونس: 85] أيش معناها؟ أيش يعني  رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا
قيل في ذلك أقوال:
أولاً: لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن ديننا، يخلونا نرتد، أو لا تفتنهم بنا، فيتسلطون علينا فننهزم أمامهم، فيقولون: لو كانوا على الحق ما انهزموا، فتصبح الفتنة لهم.
القول الأول: الفتنة لنا، نحن نفتتن.
القول الثاني: هم يفتتنون، لو كانوا على حق ما تغلبنا عليهم.
الطاهر بن عاشور أضاف معنى لطيفاً، لا تسلطهم علينا فيفتنونا، ولا تسلطهم علينا فيفتتنوا بأنفسهم بسببنا، قال: اصرف عنا سيئ الأخلاق حتى لا نكون فتنة للكافرين، فينسبون الأخلاق السيئة للإسلام، يعني لا توقعنا في مواقف سيئة أمامهم إذا رأوها قالوا: هذا الإسلام؟ فنكون فتنة فيكون تصرفنا عائقاً في طريق دخولهم الإسلام، وأخذهم النظرة السلبية عنه، كل هذا داخل في الآية.
من أدعية القرآن: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ۝ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي [طـه: 25 - 26] وسع صدري، ونوره بالإيمان، فأنطلق في الدعوة؛ لأنه أمر بخطب عظيم، وشيء يعني جسيم، إلى أعتى العتاة، وأكفر الكفرة، وأكثرهم جنوداً، لا يعرف الله، وهذا يحتاج إلى صدر منشرح، حتى يقوم بالدعوة، لذلك قال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِيويحتاج إلى تيسير من الذي يقوم أمام هذه الطاغية، فهذا دعاء بتوسيع الصدر، وتسهيل الأمر، والعبد يحتاج إلى توسيع إذا ضاقت به السبل، وتيسير إذا كان الأمر صعباً، دعوة فرعون...، وكان ﷺ يقول: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن يعني الصعب إذا شئت سهلاً [رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة: 351، وهو في السلسلة الصحيحة: 2886].
ومن أدعية القرآن: رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا[الكهف: 10]، وهذا دعاء أهل الكهف، أصحاب الكهف وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ترحمنا وتسترنا عن الظلمة من قومنا، وتنجينا منهم، وتثبنا بها على دينك، حتى لا يفتنونا عن ديننا وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًااجعل عاقبتنا رشداً، وثبتنا ووفقنا للخير، يسر لنا كل سبيل يوصل إلى الرشد، وأصلح لنا ديننا ودنيانا، فجمعوا بين السعي في الفرار من الفتنة، والتضرع إلى الله، وعدم اتكالهم على أنفسهم، وأن يهديهم إلى الرشد والهدى والخير والشيء النافع، فكم خيرا جمعوا؟
ومن الأدعية: ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا [آل عمران: 147] مغفرة الذنوب معلومة، الإسراف في الأمر له صور كثيرة، أسرف على نفسه بالمعاصي، هذا إسراف، تجاوز الحد في المباح هذا إسراف، الإسراف مجاوزة الحد.
ونختم أخيراً بدعاء امرأة فرعون: إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[التحريم: 11].
أما قولها: ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فقد اختارت الجار قبل الدار، يعني ما قالت: ابن لي بيتاً عندك، قالت: عِنْدَكَ بَيْتًا، وبالجوار تغلو الديار وترخص، والجار في كثير من الأحيان يكون أهم من الدار، إذ بالجوار تغلو الديار وترخص.
وأحياناً الجوار يشترى، وبعض الصالحين افتقر وأراد أن يرحل وبجانبه رجل خير، فعرض بيته للبيع، فسألوه: لماذا؟ لما عرض بيته للبائع؟ قال: من يشتري جوار فلان، ما عرض البيع عرض الجوار؟ البيت يسوى مثلاً عشرة آلاف يريد يبيع الجوار بخمسين ألف، جاؤوا وقالوا: لماذا تبيعه بستين ألفاً، بيتك ما يسوى إلا عشرة؟ قال: خمسون لفلان، وعشرة للبيت، ولما سمعه هذاك أعطاه ستين، وقال له: اجلس في البيت. وهذا يثبت أنه كان فعلاً جيرته تسوى.
ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًاأين؟ في الجنة بس عِنْدَكَ أهم شيء، العندية، عند الله، أهم حاجة ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ[التحريم: 11] مجاورة الله، وسقف الجنة عرش الرحمن، وإذا اطلع إليهم ربهم أعظم نعيم في الجنة.
نسأل الله أن يرزقنا الجنة، ونسأله سبحانه أن يرزقنا لذة النظر إلى وجهه، والشوق إلى لقائه في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.
اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.