الخميس 10 شوّال 1445 هـ :: 18 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

21- رحلة الروح


عناصر المادة
بيان رحلة روح المؤمن والكافر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن رحلة الروح عظيمة وعجيبة، وقد أخبرنا النبي ﷺ في الحديث الصحيح عن هذه الرحلة فقال البراء بن عازب  : "خرجنا مع النبي ﷺ في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يُلحد، فجلس رسول الله ﷺ مستقبل القبلة وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكث به في الأرض فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض وجعل يرفع بصره ويخفضه فقال: استعيذوا من عذاب القبر مرتين أو ثلاثة ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ثلاث مرات ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة وفي رواية: المطمئنة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها حتى إذا خرجت روحه صلّى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وفُتحت له أبواب السماء ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط فذلك قول الله تعالى:تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ [الأنعام: 61]، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون - يعني بها - على ملأ من الملائكة - إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة فيقول الله : أكتبوا كتاب عبدي في عليين إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ۝ كِتَابٌ مَرْقُومٌ[المطففين: 18 - 20]، ثم يقال: أعيدوه إلى الأرض فإني وعدتهم أني مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه: 55]، قال: فيرد إلى الأرض وتعاد روحه في جسده قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه مدبرين فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ ربي الله.

فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام.

فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟

فيقول: هو رسول الله ﷺ فيقولان له: وما علمك؟

فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت.

وفي رواية: فينتهره - يعني الملك - من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن وذلك حين يقول الله يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ[إبراهيم: 27].

فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد ﷺ فينادي منادي في السماء: أن صدَق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا باب له إلى الجنة قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له من قبره مد البصر قال ويأتيه وفي رواية يمثل له رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرُّك أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: وأنت فبشرّك الله بخير من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بخير فيقول: أنا عملك الصالح، فو الله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله بطيئا عن معصية الله فجزاك الله خيرا ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال: هذا - يعني الذي في النار - منزلك لو عصيت الله أبدلك الله به هذا يعني منزله الذي في الجنة فإذا رأى ما في الجنة قال: ربي أقم الساعة ربي أقم الساعة حتى ارجع إلى أهلي ومالي فيقال له اسكن، قال: وإن العبد الكافر وفي رواية: الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة غلاظ شداد سود الوجوه معهم المسوح من النار فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفّود الكثير الشُّعب من الصوف المبلول فتقطع معها العروق والعصب فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وتغلق أبواب السماء ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون فلان ابن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله ﷺ: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40]،  فيقول الله : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى.

وفي رواية: ثم يقال أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتطرح روحه من السماء طرحا حتى تقع في جسده ثم قرأ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج: 31], فتعاد روحه في جسده، قال: فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ها ها لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول ها ها لا أدري فيقولان: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه فيقال محمد فيقول: ها ها لا أدري، سمعت الناس يقولون ذلك فيقال له: لا دريتَ ولا تلوتَ فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي، أن كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرِّها وسَمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلعه ويأتيه - وفي رواية: ويُمثل له رجل أو يُمثّل له - رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوئك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول وأنت بشرك الله بالشر من أنت؟ فوجهك وجه الذي يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فو الله ما علمتك إلا كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا إلى معصية الله فجزاك الله شرا ثم يقيض له أعمى أصم معه ثم يقيض أعمى أصم أبكم معه مرزبّة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا قال: فيضربه بها ضربة فيصير ترابا ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار فيقول ربي لا تقم الساعة [رواه أحمد: 18534، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1676]. 

رواه أحمد والسياق له وأبو داود وابن ماجه مختصرا وصححه الحاكم على شرط الشيخين وأقرّه الذهبي والألباني وصححه ابن القيم في أعلام الموقعين وتهذيب السنن ونقل تصحيحه عن أبي نعيم وغيره.

بيان رحلة روح المؤمن والكافر

00:12:45

في هذا الحديث العظيم الطويل بيان هذه الرحلة الروحية وكيف سيحدث عندما تخرج من البدن حتى تعود إليه وتمكث في القبر وقوله في الحديث: "فانتهينا إلى القبر ولما يلحد" يعني: قبل أن يُلحد، "وجلس رسول الله مستقبل القبلة "وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير" وهذا كناية عن سكونهم وعدم التفاتهم يمينا أو شمالا والطير لا يسقط إلا على ساكن فكأن على رؤوسهم الطير يعني: في غاية السكون والهدوء وهذا حال الصحابة في مثل هذه المجالس؛ لأن مجالس العلم والإيمان وتوقيرا للنبيﷺ وهكذا كانت صفة مجلسه ﷺ إذا تكلم أطرق جلساؤه وسكتوا فلا ينطقون وسكنوا فلا يتحركون، سكنوا من هيبته.

قال: "وفي يده عود ينكت به في الأرض" يعني يضرب بطرفه في الأرض، فجعل النبي ﷺ ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض ويرفع بصره ويخفضه ثلاث مرات وهذا فعل المفكر المهموم، ثم أمر أصحابه أن يتعوذوا بالله من عذاب القبر ثم طبّق ذلك بنفسه فقال: اللهم إني أعوذ بك من عذابالقبر ثلاث مرات، ثم أخبرهم "أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا" يعني إدبار عن الدنيا و"إقبال من الآخرة" يعني اتصال بالآخرة خروج من هذه ودخول في الأخرى، فهذا هو وقت الاحتضار وهو وقت الانقطاع عن الدنيا وإدبارها والإقبال على الآخرة والاتصال بها نزلت إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه وهذا للطف والعناية كأن وجوههم الشمس يعني وجه كل واحد كأنه الشمس كأنه الشمس في نورها وإضاءتها ولمعانها إذن ملائكة الرحمة وجوههم مضيئة لامعة كأنها الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة يعني من الحرير والدليل على ذلك ما رواه النسائي وصححه الألباني عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فإذن نستفيد أن ما تأتي به الملائكة لروح المؤمن من الجنة يأتونها بحرير واللون أبيض بحريرة بيضاء فيقولون: أخرجي راضية مرضيا عنك وهذا إخبار له برضا الله تعالى إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان [رواه النسائي: 1833، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1309]  هكذا يبشرونه في الحديث فأين ستوضع الروح إذا أخرجت في حريرة بيضاء من الجنة مع ملائكة الرحمة، والطيب؟ قال: وحنوط من حنوط الجنة، فهذا مسك وطيب مجلوب من الجنة فالحرير من الجنة والمسك الطيب الذي يخلط بأكفان الموتى وأجسادهم الحنوط مجلوب من الجنة أيضا، معهم حرير ومعهم المسك معهم القماش ومعهم الطيب استعدادا لتلقي روحه؛ لأن هذا هو الفراش الذي سيصعد عليه إلى السماء ففيه فراش سترقد عليه الروح وطيب واستعداد للصعود حتى يجلسوا منه مد البصر فإذن يكونون قريبا جدا منه وهم يجلسون الملائكة ويراهم أمامه مد البصر فعددهم كثير جدا مد البصر ينتظرون خروج الروح منه لماذا يجلسون؟ للانتظار ماذا ينتظرون؟ خروج الروح ينتظرون ملك الموت؛ لأنه هو الذي سينزعها ثم يسلمهم إياها فهناك استلام وتسليم ثم يأتي الملك الكبير ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فهو أقرب إليه منهم ملك الموت أين يكون مكان ملك الموت؟ عند رأسه ليس عند رجليه ولا عند وسطه عند رأسه ماذا يفعل ملك الموت؟ يتكلم فيقول ملك الموت: أيتها النفس الطيبة أو المطمئنة وهذا يقوله ملك الموت وحده، ولكن قد وردت رواية أخرى عند أحمد وابن ماجة من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قال قالوا: أخرجي أيتها النفس الطيبة حديث صحيح. [رواه ابن ماجة: 4262، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1968]،  ويُحتمل أنهم كلهم يقولون ذلك ويحتمل وهو الأظهر أن الذي يقول هو رئيسهم ملك الموت للحديث والرواية المتقدمة فهو الذي يتكلم بالنيابة عنهم هو رئيسهم ملك الموت يقول ملك الموت: اخرجي راضية يخاطب الروح الآن الكلام مع الروح من قبل الملك أخرجي وهذا فعل أمر: أيتها النفس الطيبة وهذا ثناء عليها طيب إلى إلى مغفرة من الله ورضوان، وهذا تبشير ليس أمامها إلا المغفرة والرضوان والبشارة بدفع العذاب وحضور الثواب يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ[الفجر: 27]، هذا معنى الآية: ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر: 27 - 30]، قال الشيخ السعدي - رحمه الله -: "وهذا تخاطب به الروح يوم القيامة وتخاطب به وقت السياق والموت. الشيخ عندما فسَّر الآية في سورة الفجر: يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي[الفجر: 27 - 30].

قال: وهذا تخاطب به الروح يوم القيامة وتخاطب به وقت السياق والموت" [تفسير السعدي: 924].

ما هي ردة فعل الروح على هذا الكلام؟ تخرج كيف تخرج قال تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء لو أخذت إناء فيه قطرة ماء ثم أملته كيف تنزلق قطرة الماء على جدار الإناء من الداخل؟ بكل يسر وسهولة كيف تنزلق؟ هكذا تخرج روح المؤمن من جسده إذن خروج سهل وميسر وسريع.

فإذا قال قائل: ألم يمر معنا سابقا أن المؤمن يعاني من النزع يعاني من الشدة في كرب في سكرات الموت، ألم نقل إن الموت بعرق الجبين؛ لأن هناك شدة عند الاحتضار؟ فكيف نوفق بين هذا وبين أن خروج الروح سهل وميسور وتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء؟ أجاب العلماء بإجابات، ومنها: أن أول الأمر عليه شديد أول الأمر على المؤمن شديد؛ إذا تغشاه الموت إذا نزلت به السكرات سكرة الموت وإذا تغشاه الموت شُدّد عليه لكي يكفّر الله به من خطاياه ويرفع به من درجته ويزيد به من أجره، ولذلك النبي ﷺ لما نزل به الموت جعل يكشف الثوب عن وجهه يرده ويكشف ويقول: لا إله إلا الله إن للموت لسكرات.

فإذن، مرحلة السكرات هذه أول ما ينزل الموت ويتغشاه شدة وممكن ينشأ عنها عرق الجبين، فإذا انتهت الشدّة خرجت الروح بسهولة تنفك الأزمة وتنفك الشدة وتخرج الروح بسهولة كما تسيل القطرة من في السقاء.

قال ابن حجر الهيثمي: "ولا ينافي ذلك ما مرّ أن المؤمنين يشدد أو أن المؤمن يُشدّد عليه عند النزع؛ لأن محله في ما قبل خروج الروح، وقال القاري: "ولا منافاة بين شدة النزع واضطراب الجسد وسهولة خروج الروح، بل قد يكون الأول سببًا للثاني" [مرقاة المفاتيح: 3/1176].

فإذن، ما يحدث للجسد الشدة سبب السهولة التي ستخرج بها الروح فيأخذها، فإذن هي تخرج طواعية تخرج تلقائيا تخرج بكل يسر وسهولة ماذا يفعل ملك الموت؟ يستلمها مباشرة يأخذها، يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السجدة: 11]، فإذا خرجت روحه في هذه اللحظة صلّى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء كم من الملائكة؟ كثير جدا السماء أكبر ولا الأرض؟ السماء أكبر هل هي واحدة؟ لا سبعة، وقد أخبر أن لا يوجد موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد إذن السماء هذي الضخمة جدا سبع سماوات مليئة ملائكة قال: أطّت السماء وحق لها أن تئط[رواه الترمذي: 2312، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 2449].

فهي ترتج بالملائكة الذين فيها يعبدون الله قائمين راكعين ساجدين هؤلاء الملائكة عدد ضخم جدا وفي ملائكة بين السماء والأرض وفي ملائكة بين السماء والأرض وفي ملائكة في كل سماء لحظة خروج روح المؤمن كل الملائكة هؤلاء يصلون عليه كلهم ملايين الملايين من الملائكة يدعون له قال: حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء وفتحت له أبواب السماء استعدادا مع أن المسافة الآن المسافة بعيدة جدا لكن هناك استعدادات تجري في العالم العلوي لاستقبال الروح التي في الأرض؛ لأن هناك الآن صعود والاستعداد المسبق يدل على التكريم والأعداد الهائلة هذه التي تدعو ثم ليس فقط يصلون عليه ويستغفرون له ويطلبون له الرحمة وإنما يسألون الله يسألون الله ليس من أهل باب؛ لأن السماء لها أبواب: وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا[النبأ: 19], السماء لها أبواب قال: ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يُعرج بروحه من قبلهم، إذن هذه السماوات لها أبواب وكل باب موكل به ملائكة هم يفتحونه وهم يغلقونه وكل باب أهل كل باب السماء أبواب أهل كل باب يدعون الله أن يكون مخرج مصعد الروح هذه من عندهم من قبلهم؛ لأن في رائحة طيبة جدا والملائكة تحبها ويريدون أن يتنعموا بها وأن يكون هذه الروح مخرجها من عندهم وليست باب آخر فالملائكة تريد أن تتشرف به وتريد أن تتنعم بروحه الطيبة، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة  أنه قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها فهناك مرافقين يعني هناك استلام وتسليم ووضع في حريرة وطيب وهناك وفد مرافق، فهناك وفد يستقبلها في الأرض وهناك وفد يصعد بها وهناك ناس هناك وفد ينتظرها في السماء ليفتح لكي يعرج بها من قبلهم قال: حتى إذا خرجت قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قال حماد راوي الحديث: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك فالمسك تحديدًا من الطيب الذي يكون لهذه الروح ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض؛ لأن هذا الطيب جاء من الجنة ولذلك رائحته جميلة جدا فالملائكة تتعجب منه وهذا فواح لدرجة أن أهل السماء يقولون روح طيبة جاءت من قبل الأرض كم المسافة صلى الله عليكِ وعلى جسد كنت تعمرينه هذا دعاء الملائكة: صلّى الله عليكِ وعلى جسد كنت تعمرينه، فهذه روح طيبة مؤمنة مخلصة صادقة مخبتة منيبة هذه روح تقية نقية ولذلك يقول الملائكة في الدعاء لها: صلّى الله عليك وليس فقط الدعاء للروح وإنما للجسد أيضا وعلى جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه ثم يقول يعني يقول الله : انطلقوا به إلى آخر الأجل [رواه مسلم: 2872]، وسنعرف ما معنى: آخر الأجل.

قال: وإن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد: "وذكر من نتنها وذكر لعنا هناك ذكر المسك وذكر من نتنها وذكر لعنا ويقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال أبو هريرة : "فردّ رسول الله ﷺ رَيطة كانت عليه على أنفه قال: فرد رسول اللهﷺ ريطة كانت عليه ردّها على أنفه، هكذا قال النووي في الشرح: "ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل" يعني انطلقوا بروح المؤمن إلى سدرة المنتهى، والمراد بالثاني: يعني في الكافر انطلقوا به إلى آخر الأجل قال: "بروح الكفار إلى سجين فهذا منتهى الأجل" [شرح النووي على مسلم: 17/205].

فالله يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل إلى أعلى مكان ستصعد إليه سدرة المنتهى والكفار أرواحهم إلى سجين وقال القاري في الشرح: المراد بالأجل المراد بالأجل هنا مدة البرزخ انطلقوا به إلى آخر الأجل إلى نهاية مدة البرزخ، وينتهي البرزخ بالبعث إذا قامت الساعة بدأ يوم القيامة وانتهت حياة البرزخ ثم يحشرون، فقوله: "انطلقوا به إلى آخر الأجل" إلى نهاية مدة البرزخ فأول مدة البرزخ إذن بالموت وآخر مدة البرزخ بالبعث هذه مدة البرزخ، وهذا قول قوي ولما ذكر النبي ﷺ لما ذكر لهم الحديث أبو هريرة يرويه وأكد لنا أنه سمعه من النبي ﷺ وأن النبي ﷺ لما أخبرهم عن قول الملائكة روح خبيثة جاءت من قبل الأرض النبي ﷺ تأكيدا على خبث هذه الريح وضع ريطة والريطة هي الثوب الرقيق كانت عليه ردها على أنفه وحمله الطيبي - يعني الشارح - على أن النبي ﷺ وجد ريحا نتن حقيقة ولذلك أغلق أنفه ولذلك أغلق أنفه وهذا ظاهر الحديث وهذا هو الأصل، قال: فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها لم يتركوها في يد ملك الموت وإنما يستلمها أعوانه الذين معم كفن من الجنة فيجعلوها فيذلك الكفن وفي ذلك الحنوط من الجنة وذلك قول الله تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ [الأنعام: 61]، لا يزيدون ولا ينقصون ينفذون بحسب المراسيم الإلهية بدقة والتوقيت دقيق جدا ويخرج منها حديث البراء رجعنا إليه مرة أخرى كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض هذا للتمثيل يخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض ولا هو أطيب من هذا فيصعدون بها أعوان ملك الموت أو ملائكة الرحمة فلا يمرون على ملأ من الملائكة وهم الجمع العظيم إلا قالوا ما هذا الروح الطيب يعني ما هذه الرائحة الطيبة فيقولون فلان ابن فلان يذكرون اسمه واسم أبيه تعرفه الملائكة وتذكر اسمه للملائكة الأخرى وهم يمرون عليهم تعريف من هذا؟

هذا فلان ابن فلان إذن تعريف به باسمه وباسم أبيه وأي اسم لو كان الواحد له أكثر من اسم قال: بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا فإذا كان له عدة ألقاب وعدة أوصاف وعدة أسماء فيسمونه بأحسن أسمائه التي كان ينادى بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا فإذن الصاعدون بروح المؤمن يمرون على عدة مجموعات من الملائكة في الصعود هؤلاء ملأ وبعدهم ملأ وبعدهم ملأ إلى أن ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ولا زالوا يعرفون به ويشيدون فلان ابن فلان من هذا؟ فلان ابن فلان من هذا؟ فلان ابن فلان وهكذا فالروح صاعدة تمر بأعداد ومجموعات من الملائكة ويتم تعريفهم باسمه فيستفتحون له ففي استئذان من الملائكة عند القدوم فيفتح لهم فيستفتحون يطلبون الفتح ويفتح لهم إشارة إلى أنهم لا يفارقونه معناه أن هذا الوفد المرافق هذا الوفد الملَكي من الملائكة غير الملِكي نسبة إلى الملك الملكي نسبة إلى الملك هذا الوفد الملكي الذي معه لا يتركونه وإنما يستفتحون له ويصعدون معه ويستمرون في تلك الرحلة وحيث أنهم يقدمون على ملائكة في السماء ويصعدون إلى سماء أخرى فإن هناك مشيعون من الملائكة غير الملائكة الصاعدة يشيعونه للسماء التي بعدها ومن هم المشيعون أفضل الملائكة في كل سماء لأن الملائكة مراتب الملائكة مراتب والله يعلم منازلهم ومراتبهم وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ [الصافات: 165 - 166] مَا مِنَّا إِلَّا [الصافات: 164]، ماذا؟ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ [الصافات: 164]، الملائكة، فإذن كل ملك له منزلة معينة: مَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ [الصافات: 164], فمن الذي يشيعه في رحلته المقربون من أهل كل سماء هؤلاء الذين يشيعونه بالإضافة للملائكة التي كانت أصلا معه في الرحلة الذين يرافقونه فهناك مرافقون وهناك مشيعون وهناك مستقبلون ومرحبون وهناك من يفتح ويرصق ويرحب ومن يكمل الرحلة ومن يشيع إلى السماء التي بعدها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة قال القاري في الشرح الأظهر أن المراد به نهاية السموات العلى والاقتراب إلى عرش الرحمن يعني يتم تجاوز السماء السابعة إلى اقترابا إلى عرش الرحمن فيقول الله : اكتبوا كتاب عبدي في عليين أثبتوه طيب هو كتب من قبل كتب أنه من أهل السعادة فيكتب الآن أثبتوه في عليين، قال القاري: أثبتوا معنى اكتبوا كتاب عبدي في عليين أثبتوا طيب وعبدي الإضافة هذي للتشريف ولذلك الكافر ما يقول اكتبوا كتاب عبدي يقول اكتبوه اكتبوا كتابه في سجين طيب ما هو عليون هذا ؟ قال تعالى في كتابه: وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ۝ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين: 19 - 21].

فإذن هذا دفتر أسماء المؤمنين هذا دفتر أسماء أهل الجنة، الآن صعد واستقبل وأثنى الله عليه وأمر بكتابة اسمه تثبيت اسمه في عليين بقيت رحلة العودة فيقول أعيدوه إلى الأرض لترجع الروح مرة أخرى إلى البدن فتتعلق به تعلقا آخر غير الذي كانت متعلقة به في الدنيا ولكي يتهيأ لجواب السؤال، فإذن هذي الرحلة قبل السؤال الرجوع إلى الجسد لأجل الإقعاد والسؤال لماذا العودة هذي ؟ ولماذا لا يبقى في مكان آخر؟ قال: فإني وعدتهم أني منها خلقتهم أجساد بني آدم خلقت من التراب من الأرض وفيها أعيدهم أجسادا وأرواحا ومنها أخرجهم تارة أخرى عند البعث يوم القيامة فيرد إلى الأرض مكرما نازلا مرة أخرى وتعاد روحه في جسده. إذن مرة أخرى تدخل الجسد سبحان الله.

الآن وصفنا خروجها وبلغت الحلقوم وكيف تم الاستلام والتسليم وسهولة الخروج لكن هذا الإخراج لرحلة علوية ستعود بعدها الروح إلى الجسد مرة أخرى لكن عندما تدخل فيه مرة أخرى لا يكون تعلقها به كتعلقها بالجسد في الدنيا قبل الموت تعلق ما بعد الموت غير تعلق ما قبل الموت مع أنها تدخل مرة ثانية لقوله: فتعاد روحه في جسده، إذن في دخول بعد الخروج في دخول مرة أخرى ومن قال إنها تعود إلى بعض البدن فيحتاج قوله إلى دليل صحيح فنقول: تعود إلى البدن إلى كل البدن لكن ليس كهيئته الأولى عند هذه العودة الأذن تسمع قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه مدبرين، الآن دفنوه وسيتولون عنه، ممكن الواحد يموت ويدفن بسرعة يعني يموت يغسل يجهز يكفن وهذا الأصل هو السرعة يصلى عليه ويدفن يمكن العملية ما تأخذ وقتا قصيرا يمكن ساعات أو أقل فيقال غالب المسافة من الأرض إلى السماء كم تأخذ لكن الله على كل شيء قدير فهو يشاء أن تخرج وتصعد وتنزل ويسمع قرع نعالهم قبل أن يخرجوا من المقبرة قبل أن يبتعدوا قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه مدبرين يعني صوت النعال نعال الناس وهم صادرين منصرفين من القبر منصرفين من الدفن يسمع قرع نعالهم صوت النعال وهي تمشي النعال، فإذن هذا السماع حقيقي يسمع صوت المنصرفين عنه فيأتيه ملكان إذا انصرفوا منكر ونكير شديدا الانتهار فينتهرانه ومن الذي يستثنى من هذا الانتهار؟ الشهيد ومن؟ الذي يموت يوم الجمعة آمن من فتنة القبر شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه كيف يجلسانه؟ جسدا وروحا، فيقولان له: من ربك فيجيب ما دينك؟ فيجيب ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ ما اعتقادك فيه ؟ فيقول: هو رسول الله ﷺ فيقولان له: وما علمك؟ من الذي أخبرك بهذا من الذي أخبرك بالله ورسوله ودينه؟ فيقول: قرأت كتاب الله، إذن ما هو مصدر علم المسلم؟ من أين تؤخذ العقيدة؟ من ربك ما دينك من نبيك؟ ما هو مصدر العقيدة يقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت صدقت بالله وبكتابه وبدينه وبنبيه ﷺ صدقت بما في القرآن وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن وهذا التثبيت الذي يثبت الله به المؤمنين، والتثبيت هو جريان اللسان بالجواب عن السؤال الذي يُعرض عليه في القبر.

قال الشيخ السعدي - رحمه الله -: في هذه الآية تثبيتات قال: "يخبر تعالى أنه يثبت عباده المؤمنين الذين قاموا بما عليهم من الإيمان القلبي التام الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها فيثبتهم الله في الحياة الدنيا عند ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومرادها، وفي الآخرة عند الموت بالثبات على دين الإسلام والخاتمة الحسنة وفي القبر عند سؤال الملكين للجواب الصحيح إذا قيل من ربك ما دينك من نبيك وهكذا" [تفسير السعدي: 425].

فإذن، تثبيت من الله في الدنيا على الإسلام وعدم الزيغ والانحراف وعند الموت ينطق الشهادة وعند السؤال في القبر يجيب الجواب وإذا مر على الصراط على متن جهنم يثبت الله قدميه فلا تزل ولا يقع في جهنم.

أفرشوه من الجنة أبسطوا له فراشا من الجنة وألبسوه من الجنة من ثياب الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة، فإذن يوجد من القبر إلى الجنة في باب من القبر إلى الجنة في باب مفتوح مباشر من الجنة إلى القبر، فيأتيه من روحها وطيبها مباشرة هناك نسيم ورائحة الجنة تأتي إليه في قبره قال: ويُفسح له في قبره مدّ بصرهيعني يوسع له منتهى بصره، وقد ورد في أحاديث صحيحة أخرى أنه يُفسح له سبعون في سبعين سبعون في سبعين وأنه يملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون، فالآن هذا القبر الفسيح يعني سبعون في سبعين هذا أمامه مسافة طويلة فما هو اللون الذي يراه هل هي أرض جرداء قاحلة قال: يملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون وهناك باب إلى الجنة يرى بيته في الجنة وأزواجه وأمواله وأشجاره، يرى النعيم الذي سيؤول إليه إذا دخل الجنة كل واحد له منزلة في الجنة، كل واحد له منزلة في الجنة أعدّها الله له، فيرى درجته يرى منزلته وهكذا ينظر إليه ويشتهي أن تقوم الساعة ليدخل وبعض نعيم الجنة يصل إليه عبر هذا الباب والنافذة المفتوحة بعض نعيم الجنة يصل إليه لأنه يأتيه من روحها وريحانها، وهذا يغنيه عن كل طعام وشراب يعني واحد في القبر يأتيه من روح الجنة ماذا يريد؟ روح الجنة وريحانها، والفسح التوسعة في القبر في رواية سبعون في سبعين الرواية هذه يقول: مد البصر؟ أنت الآن إذا وقفت في أرض مستوية ونظرت مد البصر آخر شيء تدركه في بصرك على بعد كم؟ مسافة وسبعون هذه من الألفاظ التي تستعملها العرب في المبالغة، فهو شيء كثير لا شك.

إذن، القبر بالنسبة للمؤمن ليس متر في متر لا، ولا متر في متر ونصف، القبر بالنسبة للمؤمن مد البصر ويُفرش له أخضر، الآن هذا بيت الوحدة القبر والوحدة تحتاج إلى إيناس فمن الذي سيؤنسه؟ قال: ويأتيه رجل يأتيه شيء على صورة رجل حسن الوجه حسن الثياب، الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك أبشر بما يجعلك مسرورا أبشر برضوان من الله وجنات فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد بالنعيم، كنت في الدنيا موعود إنك إذا عملت وأخلصت واجتهدت أنك ستحصل على هذا النعيم هذا هو جاءك والوعد تحقق هذا يومك الذي كنت توعد في الدنيا فيقول له: وأنت فبشرك الله بخير من أنت؟ لما سره بالبشارة قال له: إني لا أعرفك فمن أنت؟ حتى أجازيك بالثناء والمدح فوجهك الوجه يجيء بالخير وجه حسن جميل قال: أنا عملك الصالح فو الله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله فإذا أذن للصلاة مباشرة وإذا جاء وقت الحج إلى الحج وإذا دعيت من قبل الوالدين لبيت مباشرة، وإذا قيل: يا أيها الناس تصدّقوا مددت يدك مباشرة وإذا استنفر للجهاد نفرت مباشرة وإذا قيل علم جئت إلى الدرس والحلقة وإذا قيل من يعاون؟ كنت المبادر السباق المتنافس بالخيرات ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله بطيئا عن معصية الله فجزاك الله خيرا ثم يفتح له باب للنار ليرى نعمة الله عليه كيف نجا منها يغلق الباب يفتح باب الجنة لكي يكون منشرحا طيلة الوقت فيها وهو يقول: ربي أقم الساعة ربي أقم الساعة تكرار وإلحاح في الدعاء ربي أقم الساعة ربي أقم الساعة؛ لأنه يريد أن يأتي منزله هذا الذي في الجنة الذي يراه وهو لماذا يكرر الدعاء يلح ويقول: ربي أقم الساعة قال: حتى أرجع إلى أهلي ومالي حتى أرجع فكأن هذا هم الأهل الأصليين ما المقصود بهم؟ أهلي الحور العين والخدم، ومالي القصور والأشجار والأموال والثياب والأواني وكل ما في الجنة أُعد له من ألوان النعيم فهو يريد قيام الساعة بسرعة؛ لأنه يعلم أن بعد قيام الساعة دخول الجنة بالنسبة له.

أما الكافر يقول: ربي لا تقم الساعة؛ لأنه يريد أن يهرب مما أُعدّ له وهو يعلم أنه سيقدم عليه، أما بالنسبة للمؤمن إذا قال: ربي أقم الساعة ربي أقم الساعة يقال له: أسكن وفي رواية: نم نومة العروس لا يوقظه إلا أحب الناس إليه يعني إذا الرجل تزوج ونام في تلك الليلة من الذي سيوقظه؟ كلمة عركج تطلق على الرجل وعلى المرأة على المتزوج وعلى المتزوجة نم نومة العروس يعني الهانئ الهادئ لا يوقظه إلا أحب الناس إليه. إذن فنوم المؤمن في قبره كنومة العروس أسكن قال: في رواية أخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان، وفي رواية: أخرجي حميدة يعني: محمودة مشكورة بالثناء عليها.

وأما بالنسبة للكافر فقد جاء في رواية: الفاجر أيضا والفاجر هذا العاصي صاحب الكبائر هذا الذي يرتكب السيئات فإذن عذاب القبر ليس فقط على الكافر وإنما الفاسق العاصي قال: وفي رواية: الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزلت إليه ملائكة من السماء ملائكة العذاب قال: غلاظ شداد سود الوجوه، فإذن التعامل شديد والهيئة هيئة مخيفة مرعبة وجوههم سوداء غلاظ شداد والغضب ظاهر عليهم معهم المسوح من النار والمِسح هو الثوب الخشن فيجلسون منه مدّ البصر فيراهم كل بالهيئة المرعبة المخيفة مد البصر وملك الموت يأتيه عند رأسه قريبا جدا أيتها النفس الخبيثة يا صاحب الخصال الخبيثة؛ كذب نفاق خيانة غدر خبيث أخرجي إلى سخط من الله وغضب فتتفرق الروح في الجسد لماذا تتفرق؟ كراهة العذاب الأليم وتحاول الروح الاستعصاء تستعصي على الخروج ترفض الخروج فينتزعها بالقوة ويستخرجها بالعنف والشدة ويكون الانتزاع كما شبهه كانتزاع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول الحديدة سيخ الحديد إذا شويت عليه اللحم مدة ماذا يعلق به بعد مدة من الاستعمال في الشواء ؟ بقايا تعلق بالسيخ وتتصلب عليه فيكون السيخ به زيادات نتيجة هذه زوائد نتيجة هذه نتيجة هذا اللحم الذي علق به وتصلب والتصق به أليست إزالتها صعبة إزالة اللحم من بقية الشواء صعب تنظيف بعد الشواء تنظيفه صعب؛ لأنها تعلقت به تعلقا شديدا لو أتيت بصوف مبلول ولفيت الصوف على السيخ هذا السيخ اللي فيه نتوءات وزيادات وأجسام صلبة عليه إذا لفيت عليه القطن المبلول وأحكمت عليه اللف وسحبته بقوة ماذا يحصل إن هذه الشعب من القطن تتمزق تمزقا من ربطة القطن من اللفة تتمزق وأنت تسحبها قال: فينتزعها كما ينتزع السفُّود الكثير الشعب من الصوف المبلول فتتقطع معها العروق والعصب.

وقد يقول قائل: ما رأينا شيئا يتقطع لكنه يتقطع هذا عالم الغيب لا نراه وأنتم حينئذ تنظرون إلى الميت لا ترون ملك الموت ولا ترون الملائكة لا ترون أحدا ولكن كل شيء الآن العملية قائمة قوة وشدة وقسوة وعنف في التعامل مع روح هذا الكافر أو الفاجر وعند الخروج يلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء كم من ملك ما في موضع أربع أصابع في كل سماء إلا وفي ملك وفيها حرس شديد الملائكة كلهم يلعنونه كم ملك كم لعنة عليه، والمؤمن كم دعوة صالحة قال: وتغلّق أبواب السماء ما أحد من الملائكة، يتمنى أن تأتي الروح إليه ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن لا تعرج روحه من قبلهم فإذا أخذها ملك الموت أعوانه لم يدعوها في يده طرفة عين؛ لأن هذا لا بد أن يدخل في مسلسل تعذيب مباشرة وشي لا ينتهي، فالتعذيب عند السحب وعند الاستلام لتوضع في المسوح من النار ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، ومعلوم أن الناس إذا مروا بقرب الجيف أغلقوا أنوفهم؛ لأن الرائحة منتنة جداً، والنبي ﷺ كما جاء في حديث أبي هريرة رد عليه ريطته على أنفه؛ من قبح وبشاعة هذه الرائحة، فيصعدون بها ليس صعود تكريم وإنما صعود فضيحة وبيان أنها مردودة وأنها غير قابلة؛ لأن تخترق السموات، ولذلك قال الله: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ[الأعراف: 40]، والصعود أثناء الصعود إلى السماء هناك ملائكة لا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان ابن فلان يعين فضيحة تصور الآن روح هذا الكافر أو الفاجر كلما مر على مجموعة من الملائكة وكم عدد الله أعلم ويفضح يقال هذا فلان ابن فلان من هذا الروح الخبيثة هذا فلان ابن فلان من هذا الروح الخبيثة؟ هذا فلان ابن فلان كل مكان وإذا وصلوا إلى السماء ما في ولا باب مفتوح ثم قرأ رسول الله ﷺ: لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [الأعراف: 40]، لا تُفّتح لأرواحهم إذا ماتوا وصعدت تريد العروج إلى الله فتستأذن فلا يؤذن لها وكذلك فإنها ترد ويقول الله: اكتبوا كتابه ولا يقول عبدي؛ لأن هذا ليس موضع تشريف هذا لا يستحق التشريف، بل الإهانة والتعذيب؛ اكتبوا كتابه في سجين ما هو؟ كتاب الفجار في قعر أهل النار في قعر النار، اكتبوا كتابه في سجين قال: في الأرض السفلى يعني السابعة تحت أسفل شيء، أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وهكذا تعود روحه في جسده، لكن النزول ليس نزولا تدريجيا ونزول مكرّم بل نزول تعذيب؛ لأنه يهوي وكم المسافة التي يهوي منها فترمى روحه رميا شديدا وتطرح من السماء إلى الأرض فكيف شعور الواحد وهو يهوي وهذه المسافة البعيدة قرأ النبي ﷺ: فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ[الحج: 31].

جاء في رواية: وإذا كان الرجل السوء أو السوء، هذا أيضا إشارة إلى هذا الإنسان صاحب الذنوب والمعاصي والقبائح والكبائر وإذا كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة مذمومة عند الله وعند خلقه وهناك قال: أخرجي حميدة لذلك الرجل الطيب أو الشخص الطيب من ذكر أو أنثى هنا يقال: مذمو ذميمة يعني مذمومة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فهذه بشارة بالعذاب الحميم الماء الحار جدا والغساق صديد أهل النار وآخر من شكله أزواج أصناف متعددة يعذبون بها ويخزون وهناك قراءة وأُخر من شكله أزواج فلا يزال حتى تخرج ثم يعرج ثم تدخل هذا الجسد. وفي رواية يقولون: لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث [رواه ابن ماجة: 4262، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1968]،  ثم تصير إلى القبر عادت الروح إلى الجسد ودخلت فيه فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ويأتيه ملكان شديدا الانتهار يقعدانه يجلسانه الآن جسدا وروحا إذن الآن الفتنة والتعذيب ستقع على الاثنين على الجسد وعلى الروح هذان الملكان المرعبان المخيفان إذا أجلساه وأقعداه وانتهراه سيسألانه بشدة من ربك إذا كان السؤال أصلا مخيف والسائل مخيف وطريقة السؤال مخيفة ماذا سيفعل كلام المبهوت المتحير ها ها هذا كلام المبهوت المتحير لا أدري لا أدري شيئا لا أدري بماذا أجيب ما دينك؟ نفس الشي من نبيك ؟ لا يهتدي لاسمه محمد يقول: لا أدري سمعت الناس يقولون ذاك فيقال: لا دريت ولا تلوت يدعوان عليه ثم ينادي منادٍ من السماء أن كذب، كذب لقد عرف الله وأشرك به وتبين له الدين ولا ولم يتدين به وظهرت له رسالة النبي وما أطاعه فبما أن ظهر كذبه أفرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها السموم الريح الحارة فإذن منتنة حارة منتنة حارة ممزوجة بالنتن والعفونة فإذن العذاب الآن حسي ومعنوي في ذم وفي سب وشتم وفي دعاء عليه وفي لعن وذكر لعنا كما جاء في الحديث وتكذيب يعني وصفه أنه كذاب ثم فراش من النار فكيف سيهنأ عليه والاضطجاع عليه إلى يوم يبعثون وباب إلى النار ليأتيه من سمومها بريحها الحارة العفنة النتنة وما انتهى في عذاب يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه؛ لأن الضغطة إذا كانت شديدة وصار الجنبان في ضغط شديد تدخل العظام بعضها في بعض هذه عظام الصدر مع الضغط الشديد يدخل بعضها في بعض ولذلك قال حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح يبشره بالسوء وهذا يومك الذي كنت توعد هو يرد عليه أيضا وجهك وجه الذي يجيء بالشر من أنت؟ أنا عملك الخبيث فجزاك الله شرا، هل انتهى؟ لا بقي عذاب.

قال: ثم يقيض له يسلط عليه ويوكل به أعمى أصم أبكم كي لا يرحمه لا يسمعه أصلا لو استغاث لا يسمعه لو إشارات لا يراه ولا يقول أي كلمة على الأقل تهدئ يسلط عليه أعمى أصم أبكم حتى لا يرحمه ماذا سيفعل به الأعمى الأصم الأبكم؟ سيضربه بأي شيء؟ قال: بمرزبة من حديد والمرزبة المطرقة قال: بمرزبة من حديد والمرزبة المطرقة الكبيرة التي يستعملها الحداد في العادة لكن هذه ليست مطرقة حداد هذي مطرقة العذاب في القبر لو ضرب بها جبل كان ترابا فيضربه ضربة حتى يصير ترابا كل ذرات البدن تتزلزل من الضربة حتى يصير فعلا ترابا ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرة شوفوا العذاب يتناهى إلى أن الجسد يتفتت ويعود مرة ثانية مرة ثانية فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار فيقول: ربي لا تقم الساعة لا تقم الساعة لأنه يعلم الآن ما هو المصير اللي بعد هذا الآن هذا العذاب الذي في القبر هو ينظر منه وهو في القبر إلى عذاب النار لأن له باب إلى النار مفتوح ويرى مقعده إلى النار وماذا يوجد في النار من أنواع العذاب هو يرى هذا ويعلم ويوقن أن ما سيقدم عليه أشد وأنكى ولذلك رغم أنه يعذب في قبره كل هذا العذاب من الضغط والضرب والرائحة المنتنة والأشياء المخيفة إلا أنه يقول مع ذلك: ربي لا تقم الساعة لأن أمامه بابا مفتوحا إلى النار يرى من خلاله المصير الأشد الذي ينتظره إذن تبين لنا أن عذاب القبر ونعيم القبر والفتنة والسؤال تقع على الجسد وعلى الروح وأن هناك تعلقا من الروح بالجسد معين في القبر غير التعلق الذي كان في الدنيا.

إن هذه الروح شأنها عجيب: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[الإسراء: 85]، ما الفرق بين الروح والنفس ؟ يقول شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله -: الروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه وهي النفس التي تفارقه بالموت" [مجموع الفتاوى: 9/289].

وقد أخطأ الذين فرقوا بين الروح والنفس واعتقدوا أنهما أمران مختلفان ومن تأمل نصوص الكتاب والسنة علم أن النفس التي تقبضها الملائكة وتصعد بها إلى السماء وتعود بها إلى الجسد وتسأل وتنعم أو تعذب هي الروح شيء واحد هي الروح التي إذا خرجت من الجسد تبعها البصر هذه الروح والنفس شيء واحد النفس المتصلة بالبدن والروح المتصلة بالبدن لكن إذا كانت داخل البدن غالبا تسمى نفسا وإذا خرجت فالغالب أنها تسمى روحا إذن كلمة نفس وكلمة روح شيء واحد داخل البدن يقولون هذه نفس منفوسة وخارج البدن غالباً ما يطلق عليها روح، وقال النبيﷺ مبينا حال هذه الروح: أنها تصعد وأنها تهبط، هل الروح جزء من البدن؟ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "يرى فريق من أهل الكلام المبتدع المحدث من الجهمية والمعتزلة أن الروح جزء من أجزاء البدن أو صفة من صفاته، وقد تخبط هؤلاء في مقالاتهم في الروح، فإن كلامهم لا دليل عليه" [مجموع الفتاوى: 9/272].

والروح غير البدن قطعاً الروح غير البدن كيف تتعلق بالبدن كيف تشغل البدن كيف تدبر البدن الله أعلم.

أين تكون في البدن؟ الله أعلم هي متعلقة بكل البدن ولذلك عند سحبها تيبس أطراف الميت شيئاً فشيئاً وتبرد شيئًا فشيئًا حتى تخرج تماما، فإذن السحب هذا سحب الروح من البدن يدل على أنها متعلقة به كله ما هي فقط في الراس ما هي فقط في الرجل ما هي فقط في اليد تسحب من كل البدن وعندما قال في الكافر يتقطع معها كل عرق وعصب يعني كل البدن؛ لأن كل البدن عروق وأعصاب، ولذلك عندما تُسحب الروح من البدن يتقطع معها كل عرق وعصب والله ذكر لنا في كتابه الله ذكر لنا في كتابه ما يدل على أن الروح غير البدن غير الجسم قال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا[الزمر: 42]، وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ[الأنفال: 50]، وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الأنعام: 93]، كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ[القيامة: 26]، فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة: 83].

إذن الذي يمسك وتتوفاه الملائكة ويبلغ الحلقوم ويبلغ التراقي هذا شيء غير الجسد قال ابن القيم - رحمه الله -: "وقد سقنا الأحاديث التي يخبر فيها رسول الله ﷺ أن ملك الموت يقبض الروح وأن الملائكة تضع تلك الروح في كفن الجنة أو النار بحسب فلاحها أو فسادها وأنه يُذهب بها في رحلة علوية سماوية حيث تُفتّح لها أبواب السماء إن كانت صالحة وتغلق دونها إن كانت طالحة وأنها تعاد إلى الجسد وتُسأل وتعذّب أو تنعّم وأن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر وأرواح المؤمنين طير يعلق شجر الجنة يعني يأكل منها وأن الروح إذا قبضت تبعه البصر إلى غير ذلك من النصوص الدالة التي في مجموعها دلالة قاطعة على أن الأرواح شيء آخر غير الأبدان وأنها تبقى بعد مفارقة البدن.

ثم قال - رحمه الله - في مسألة كيف تتميز الأرواح بعضها عن بعض إذا فارقت الأبدان وقال: هذه مسألة لا تكاد تجد من تكلم فيها ولا يظفر فيها بطائل ولا غير طائل" [الروح: 38].

ولا يمكن جواب هذه المسألة إلا على أصول أهل السنة التي تظاهرت عليها أدلة القرآن والسنة والآثار والاعتبار والعقل أنها - يعني الروح - ذات قائمة بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجيء وتتحرك وتسكن وعلى هذا أكثر من مئة دليل قد ذكرناها في كتابنا الكبير في معرفة الروح والنفس وبينا بطلان من خالف هذا القول من وجوه كثيرة ومن قال غيره لم يعرف نفسه، وقد وصف الله وصفها يعني الروح بالدخول والخروج والقبض والتوفي والرجوع والصعود إلى السماء وفتح الأبواب لها أو الغلق عنها فقال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الأنعام: 93].

إذن، الروح تخرج يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر: 27]، والنفس هي الروح كما قلنا ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ [الفجر: 28] إذن الروح ترجع فَادْخُلِي فِي عِبَادِي[الفجر: 29]، إذن هي تدخل، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [الشمس: 7]،  أخبر أنه سوى النفس كما أخبر أنه سوى البدن فالله قال: الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ[الانفطار: 7، 8] هذا على الجسد ولا على الروح؟ الجسد الروح ماذا قال عنها؟ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس: 7، 8]، ففي تسوية للروح وتسوية للبدن وتتأثر وتنتقل ويكتسب البدن الطيب والخبيث من طيب النفس وخبثها فالارتباط شديد وكذلك هي تمسك وترسل؛ لأن الله قال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى[الزمر: 42]، فوصفها بالتوفي والإمساك والإرسال كما وصفها يعني الروح بالدخول والخروج والرجوع والتسوية وأخبر النبي ﷺ أن بصر الميت نفسه يتبع نفسه إذا قبضت يعني يتبع روحه بصر الميت يتبع روحه وأخبر أن الملك يقبضها فتأخذها الملائكة من يده وهكذا نجد أن للروح أن الروح غير البدن وأخبر أنها تصعد إلى السماء ويصلي عليها وتصلي عليها ملائكة السماء وتفتح لها أبواب السماء وتنتهي إلى السماء التي فيها الله قال: وتوقف بين يديه ويأمر بكتابة اسمه في ديوان أهل عليين المؤمن والكافر لا تفتح له ويؤمر بكتابة أهل سجين ثم تعاد ترد إلى الأرض وأخبر أن روح الكافر تطرح طرحا تهوي الروح نفسها غير الجسد الروح تهوي وأخبر أن نفس المؤمن وهي روحه طائر يعلق في شجر الجنة فتأمل الآن العجب كيف الروح رجعت البدن في الأرض وهي تأكل من شجر الجنة؟ وكيف أرواح الشهداء مع أنها ترجع وتدخل في أبدانهم في القبر في البرزخ وهي تأوي وهي في طير حواصل طير خضر تسرح في الجنة وتأوي إلى العرش هذا لا يمكن تخيله بالعقل؛ لأن عالم الغيب فوق العقل وأخبر الله أن أرواح قوم فرعون تعرض على النار في الصباح والمساء غدوا وعشيا قبل يوم القيامة فالأبدان تمزقت بالنسبة لنا وفنيت والعظام صارت بالية وهذا أكله الحوت السمك وهذا نتفته الطيور الجارحة وهذا احترق وصار رمادا ومع ذلك في جسد وفي روح ترجع إلى الجسد وفي روح تعذب وتنعم ومع كونها في الجسد فإن روح الشهداء في حواصل طير خضر هي في الجسد وهي في حواصل طير خضر إنه عجب! ومع ذلك فإنه حقيقة واقعة كيف ندرك هذا ؟ لا يمكن إدراكه ما وظيفتنا؟ أن نؤمن به، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.