الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

10- الأربعون القلبية 10، شرح حديث (لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ .. إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو..)


عناصر المادة
نص الحديث
شرح الحديث
الفرق بين الرجاء المحمود والمذموم

نص الحديث

00:00:03

عن أنس أن النبي ﷺ دخل على شاب وهو في الموت" -طبعًا- الموت قد يأتي الشاب وليس الشباب بمعزل عن الموت، أو أن الموت يتخطاهم لزومًا، بل يأتي الموت الشباب-"دخل على شاب وهو في الموت، فقال: كيف تجدك؟في هذا الموطن ما هو حالك؟ "قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال ﷺ: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف[رواه الترمذي: 983، وابن ماجه: 4261، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 1612].

شرح الحديث

00:01:22

عن أنس: "أن النبي ﷺ دخل على شاب وهو في الموت" يعني يحتضر، يعني في سكرات الموت، وقد يستطيع المحتضر أن يعبر، وقد يغلب بعض المحتضرين فلا يستطيع أن يتكلم، وقد يستطيع أن يتكلم لدرجة أن يخبر عن أشياء تحصل له في سياق الموت، الناس يتفاوتون في حضور العقل عند نزول الموت، والقدرة على الكلام، والمحتضر قد يعني ممكن يستطيع أن يوصي، ويخبر: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ[البقرة: 133].
يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة: 132].
كانت له وصايا، منها ما كان عند الموت، وأن على الإنسان أن يكتب وصيته قبل، لكن إذا استطاع أن يوصي بمزيد، خصوصًا تحريص أولاده على الثبات، وعلى البقاء على طاعة الله، ونحو ذلك.
والنبي ﷺ كان له كلمات عند الموت -مثلاً-: الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم[رواه أحمد: 26526، وقال محققو المسند: "حديث صحيح لغيره"].
وآخر كلمة: اللهم الرفيق الأعلى [رواه البخاري: 4463، ومسلم: 6450] لما اختار.
من الناس من يطول احتضاره، ومن الناس من تقصر فترة احتضاره، ومن الناس من يموت بموت الفجأة، دخل النبي ﷺ على شاب وهو في الموت، يعني في سكراته، قال: كيف تجدك؟سؤال عن الحال، وأي حال؟ حال قلبه الآن، ولذلك أجاب بقوله: "إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي" أي أجد نفسي راجيًا رحمة الله، خائفًا عقابه. وقوله: "إني أرجو الله" ما قال: وأخاف الله، قال: "أخاف ذنوبي" ففي الرجاء ذكر نصًا: ربه، "إني أرجو الله" وفي الخوف ذكر الذنوب، ففي هذا أدب حسن، وهو أنه ينبغي للمؤمن أن يحسن الظن بالله، وأن يرجح جانب الرجاء على جانب الخوف في هذا الموطن، ذكروه في موطنين ترجيح الرجاء على الخوف: التوبة، والموت، عند التوبة، وعند الموت، وإلا فالأصل أن يعيش المؤمن بين الخوف والرجاء، كجناحي الطائر؛ لأنه لو غلب الرجاء اتكل، ولو غلب الخوف يئس، فهو يكون بين الخوف والرجاء، هذا في أحواله العادية، في أحوال يغلب الرجاء، وفي أحوال يغلب الخوف، قالوا: يغلب الرجاء عند التوبة، وعند نزول الموت، ويغلب الخوف في حال الذنب، لما يذنب، حتى يفزع إلى التوبة، يغلب الخوف حتى يفزع إلى التوبة، فقوله الشاب هذا في سياقة الموت: "إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي" فيه الأدب الحسن في إحسان الظن بالله، وترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء في مثل هذا الوقت، لما يتضمن من الافتقار إلى الله -تعالى-؛ ولأن المحذور من ترك الخوف قد تعذر، يعني الآن ما هو وقت أصلاً ذنوب، ما هو وقت عصيان، الآن خلاص انقطع الحياة، بقي آخر اللحظات ترجيح الرجاء، لكي يموت وهو يحسن الظن بالله؛ لأن من أحسن ظنه بربه أعطاه الله على حسب ظنه: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء [رواه أحمد: 16059، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"].
وليس معنى إحسان الظن بالله أن الواحد يتمنى على الله الأماني، ويترك الأعمال الصالحة.
معنى إحسان الظن بالله؛ أن يعمل الصالح، ويرجو القبول، فعند الموت يتعين حسن الظن بالله برجاء عفوه ومغفرته، ولذلك يندب لمن حضر ميتًا أن يكثر له من آيات وأحاديث الرجاء -مثلاً-: رحمتي سبقت غضبي[البخاري: 7422].

يحدثه بأحاديث الرجاء، مثل: من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة [رواه مسلم: 145] هذا لا يحدث بها الفاسق والعاصي، بل تفسر له الشهادة، وما هي شروط الشهادة، وأن القضية ليست مجرد كلمة، وهكذا، لما سمع النبي ﷺ من الشاب حاله، ماذا قال له؟ لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف الرجاء في الله، والخوف من الله، البخاري -رحمه الله- ترجم عليه: "باب الرجاء مع الخوف" [الجامع الصحيح: 8/123].
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "أي استحباب ذلك، فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف، ولا في الخوف عن الرجاء، لئلا يفضي في الأول إلى المكر" -يعني الأمن من مكر الله- "وفي الثاني إلى القنوط" -يعني اليأس من رحمة الله-"وكلاهما مذموم.والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فتاب فليحسن ظنه بالله، ويرجو أن يقبل الله توبته، وأن يمحو ذنبه، وأن يستره، يرجو أن يقبل الله منه هذه الأوبة، وهذا الدعاء. وأما من انهمك في المعصية، راجيًا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع، هذا غرور" [فتح الباري، لابن حجر: 11/301] غرهم بالله الغرور.

"من علامة السعادة" كما يقول أبو عثمان الجيزي: "أن تطيع وتخاف ألا تقبل، ومن علامات الشقاء: أن تعصي وترجو أن تنجو"[فتح الباري، لابن حجر: 11/301].
عبارة أبو عثمان الجيزي جميلة: "من علامات السعادة: أن تطيع وتخاف ألا تقبل" حتى لا تغتر، تخشى من عدم القبول، -طبعا- ترجو القبول، لكن تخشى عندك خشية؛ كما جاء في الآية: وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون: 60]ماذا يعني؟ يصلون ويتصدقون، ويصومون، ويخافون أن لا يقبل منهم.
"ومن علامات الشقاء: أن تعصي وترجو أن تنجو"[فتح الباري، لابن حجر: 11/301].

الفرق بين الرجاء المحمود والمذموم

00:09:39

ما هو الفرق بين الرجاء الصحيح والرجاء الكاذب؟
الرجاء ثلاثة أنواع: نوعان محمودان، ونوع مذموم، فالأولان: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله، فهو راج لثواب الله.
الرجاء الثاني المحمود: ورجل أذنب ذنبا، أو ذنوبًا، ثم تاب منها، فهو راج لمغفرة الله، وعفوه، وإحسانه، وجوده وكرمه، وحلمه.
الرجاء المذموم الثالث: رجل متماد في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، يعني صالح، فهذا هو الغرور والتمني "تمنى على الله الأماني" والرجاء الكاذب، خلاص اليهود والنصارى قالوا: نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ[المائدة: 18]، لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً [البقرة: 80]، لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى[البقرة: 111].
في الحديث: فضل عمارة القلب بالخوف والرجاء، وحسن الظن بالله، وأن فيها النجاة، وهذا العمارة الحقيقية القلب يحتاج إلى عمارة، أن يعمر.
وفيها: أن أعمال القلب من الخوف والرجاء والمحبة، هي أساس النجاة؛ كما قال تعالى عن عباده المخلصين: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ[الإسراء: 57] لاحظ: يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَيتوسلون بالأعمال الصالحة أَيُّهُمْ أَقْرَبُيتنافسون في الصالحات وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ هذا الرجاء الصحيح وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[الإسراء: 57] فابتغاء الوسيلة إليه طلب القرب منه بالعبودية والمحبة، فذكر مقامات الإيمان الثلاثة التي عليها بناؤه: الحب والخوف والرجاء.

-طيب-: أين هي في الآية؟ أين الثلاثة في الآية؟
وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ هذا الرجاء، وَيَخَافُونَ عَذَابَهُهذا الخوف، يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ هذه المحبة.
هذه الثلاثة: الخوف والرجاء والمحبة، التي تبعث على عمارة الوقت بطاعة الله، وبما هو الأولى لصاحبها والأنفع له: أَيُّهُمْ أَقْرَبُيعني تجعل العبد حتى يختار من الأعمال  ما هو الأفضل، أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لاحظ في يعني حسن عمل، ما يعمل أي عمل، ولا حتى أي عمل صالح، يعني يبتغي الأكثر أجرًا، يعني لو أراد أن يتصدق يتصدق صدقة ينظر ما هو المجال الأحوج، ما هو المجال الأشمل نفعًا، ما هو المجال الأدوم أثرًا، يعني لو قال لك واحد: أنا عندي مال أريد أن أتصدق، ما هي الاعتبارات التي أراعيها حتى تصير صدقتي أكثر أجرًا؟
نقول: المجال الأحوج، واحد، يحتاجه الناس أكثر، في أمس الحاجة، الأشمل نفعًا، اثنين، الأدوم والأبقى أثرًا، ثلاثة.
هذا الأحسن، يعني الفرق بين الحسن والأحسن، فهؤلاء يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ[الإسراء: 57] فالخوف والرجاء والمحبة تبعث على عمارة الوقت بما هو الأنفع والأحسن والأفضل والأقرب إلى الله.

هذه الثلاثة قطب رحى العبودية، وعليها دارت رحى الأعمال.
ومن فوائد الحديث: أن كل راج خائف، وكل خائف راج، كما قال هذا الشاب: "إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي" فالمؤمن يخاف من رد طاعته، ويخاف من الذنب، يخاف من العقوبة، ويرجو قبول العمل والثواب والحسنات، ومضاعفة الأجر، ويرجو أن يقبل الله توبته إذا تاب من ذنب، ويرجو دخول الجنة، ويرجو السلامة من النار، ويخاف من الطرد عن الجنة، ويخاف من دخول النار.
من فوائد الحديث: حسن عهده ﷺ وتفقده لأصحابه، وخصوصًا في هذه اللحظات الحرجة، يعني هذه أوقات حاسمة، وأن الشباب كانوا على قرب منه ﷺ، واهتمام بهم، وأنه ﷺ كان يحضر الأغمار، يعني ما هو فقط مشاهير الصحابة، أبو بكر وعمر، لا، دخل على شاب في سياقة الموت، من هو هذا الشاب؟ يمكن رجل من الأغمار، غير معروف، غير مشهور.
ومن فوائد هذا الحديث: سؤال المحتضر عن حاله، والتنفيس له، يعني لما قال: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف هذه كلمة تفريج، هذه كلمة رجاء عظيمة، هذه كلمة تثبت الميت، تجعله يحسن الظن بربه.
وفي هذا الحديث: حسن كلام هذا الشاب، وحسن عقيدته، لما سئل عن حاله ما قال: أنا تعبان! أنا خلاص! أنا منتهي!  وبعضهم يقول: أنا مالي أمل! وخروا عني! اطلعوا! الشاب قال كلامًا موزونًا، جميلاً، معبرًا عن عقيدة صحيحة، راضٍ بقضاء الله، وقدر الله النازل عليه، هو يحتضر الآن، ما كان عنده تسخط، ولا جزع، ولا اشتكى حاله، قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي.

وفيها: أن من رضي بقضاء الله وقدره ورجاه، كانت له البشرى الحسنة، ولذلك بشرهﷺ بتلك البشارة العظيمة، أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخافقال الصنعاني معلقًا: "قال بعض أئمة العلم أنه يحسن جمع أربعين حديثًا في الرجاء، هذا يتعلق بالأربعينات التي العلماء اهتموا فيها، تقرأ على المريض، فيشتد حسن ظنه بالله، فإنه تعالى عند ظن عبده به، وإذا امتزج خوف العبد برجائه، عند سياق الموت فهو محمود [سبل السلام: 2/90].
-طبعًا- مؤلفات بعض أهل العلم إشارات علماء آخرين، يعني بعض العلماء لما يؤلف يقول: لأن فلان أشار بذلك، أو طلب ذلك، عهد بذلك.