الجمعة 11 شوّال 1445 هـ :: 19 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

إزالة النجاسة الحسية


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أهمية الحديث عن الطهارة
أقسام النجاسات، وكيفية إزالتها
أحكام المياه التي خالطتها نجاسات
أحكام المني، والمذي، والودي
أنواع الدماء وماهو الطاهر منها
الخطبة الثانية
الوسوسة في العبادات
النجاسات المعنوية

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.

أهمية الحديث عن الطهارة

00:00:58

أما بعد: فإن حديثنا أيها الإخوة: في هذه الخطبة عن إزالة النجاسات، وقد اخترت هذا الموضوع لعدد من الأسباب منها: أنه لا تصح بعض العبادات إلا بذلك، فإن من شروط الصلاة مثلاً إزالة النجاسة من الثوب والبدن والبقعة، وكذلك فإن السؤال يكثر عنها، وأيضاً يقع الاستحياء من السؤال، فعدد من الناس باقٍ على الجهالة، ثم إن هذا الأمر فيه خطورة؛ لأن من أسباب عذاب القبر إهماله؛ لأن النبي ﷺ لما مر بقبرين قال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، قال: وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله[رواه البخاري216]. رواه البخاري رحمه الله تعالى.

وكذلك فإن من الأسباب الدافعة إلى طرح هذا الموضوع انتشار أمر الوسوسة فيه، ومن سبل القضاء عليها معرفة الطريقة الصحيحة لإزالة النجاسة، واليقين الذي يقضي على الوسوسة أمر مطلوب، فلا يزاد على الطريقة الشرعية، وكذلك فهذا الموضوع من التفقه في الدين، ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين[رواه أحمد7194].

ثم إن النجاسات الحسية تذكرنا بأمور أخرى من المعنويات ستأتي الإشارة إليها في آخر الخطبة إن شاء الله تعالى.

عباد الله: لقد أمرنا الله بالطهارة، وأثنى على المتطهرين، والطهارة: رفع الحدث، وإزالة النجاسة، وهي: طهارة من الحدث، وطهارة من النجاسة، فطهارة الجسد والثوب والمكان الذي يصلي فيه المصلي، وإزالة النجاسة منه مشروعة، ومأمور بها، قال الله وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْسورة المدثر4. وقال تعالى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِسورة البقرة125. وقال ﷺ: اغسلي عنك الدم وصلي[رواه البيهقي1556].

والنجاسة: هي الخبث والقذر، وكل ما هو مستقذر شرعاً، وهي إما أن تكون حسية؛ كالبول، والغائط، والميتة، أو معنوية؛ كنجاسة الكفار، والأصنام، والمعتقدات الشركية.

وهي: إما أن تكون عينية، فالنجس عيناً لا يطهر بحال أبداً، فلو أتيت بما البحر وأهرقته على روثة حمار لم تطهر، وأعيان متنجسة، نجاسة حكمية، شيء كان طاهراً في الأصل ثم طرأت عليه النجاسة، فيكون في حكم النجس، وهذا يمكن تطهيره.

أقسام النجاسات، وكيفية إزالتها

00:04:15

وقد قسم بعض العلماء النجاسة إلى أقسام باعتبار آخر، فقالوا: "منها ما هو مغلظ، وهي نجاسة الكلب، ومنها ما هو مخفف كبول الذكر الرضيع، ومنها ما هو متوسط كسائر النجاسات من البول والغائط".

وتنبغي المبادرة إلى إزالة النجاسة، إذا أصاب البدن أو الثوب، أو البقعة نجاسة فعليك أن تبادر -أيها المسلم- إلى إزالة ذلك، وبسرعة، أولاً لأن هذا هدي النبي ﷺ، ولما بال الأعرابي في المسجد قال ﷺ للصحابة، لما قضى بوله: أهريقوا عليه دلواً من ماء [رواه أحمد7255]. وفي رواية: أمر بذنوب من ماء فأريق عليه [رواه أحمد12709]. فبادر ﷺ إلى إزالته.

وثانياً: أنه تخلص من القذر، والخبث، والرائحة الكريهة.

وثالثاً: حتى لا يقع الإنسان في النسيان، فينسى النجاسة، أو يجهل مكانها بعد ذلك، وربما أدى للصلاة في النجاسة، فبادر يا عبد الله إلى إزالة النجاسة حال وقوعها.

وهنالك نجاسات اتفق العلماء عليها، كالميتة، والبول، والعذرة من الآدمي، وبعضها قد اختلف فيه، كنجاسة الدم وغير ذلك، وقد اتفق العلماء على أن التطهير من النجاسة لا يحتاج إلى نية، فليست النية شرطاً في طهارة الخبث، فلو أزاله بغير نية ثم صلى فصلاته صحيحة، وهاكم يا أيها المسلمون: طائفة من الأحكام لخصتها لكم من كلام أهل العلم، فانتبهوا رحمكم الله لها، قد اختصر الكلام فيها على القول الراجح مع الدليل ما أمكن.

لقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن الماء المطلق رافع للحدث مزيل للنجاسة؛ لقوله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِسورة الأنفال11. ولحديث أسماء قالت: جاءت امرأة إلى النبي ﷺ فقال: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة، فماذا تصنع به؟ قال:تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه بالماء ثم تصلي به [رواه البخاري227، ومسلم291]. متفق عليه.

وقد اتفق الفقهاء على أن هناك نجاسات تزول بالاستحالة، كقولهم في الخمر باعتبار أنها نجسة عندهم: إنها تزول بالاستحالة إذا انقلبت خلاً بنفسها.

وكذلك إذا تنجس بالتغير فزال التغير بنفسه طهر، وجاء في بعض الأحاديث التطهير بالدباغة، كقوله ﷺ: إذا دبغ الإهاب فقد طهر[رواه مسلم366]. أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه.

لكن هل يشترط في إزالة النجاسة الماء أو يصح بكل مزيل، حتى لو لم يكن ماءً؟

الراجح: أنه يزول ويصح التطهير بأي طريقة، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال العلامة الشوكاني: والحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتاباً وسنة. الأصل هو الماء، لكن القول بتعيينه وعدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل إلى آخره، ولم يأت دليل بحصر التطهير في الماء، فبأي مزيل زالت النجاسة أجزأ ذلك، حتى لو كان بالمعقمات والمطهرات الكيماوية، فإن ذلك مجزئ على الراجح، فما دام قد زال وصف النجاسة، فلا ريح ولا طعم ولا لون فقد صار الشيء طاهراً، وقد كثرت وسائل التعقيم والتكرير، فها أنت ترى في بعض الأماكن تكرر مياه المجاري حتى تعود نظيفة، فهذه إذا زال وصف النجاسة عنها عادت إلى الطهارة، وكذلك بعض المغاسل تنظف الملابس بالمنظفات الكيماوية، فإذا زالت النجاسة، وزالت عينها، وزالت أوصافها، فهذا يرجع إلى الطهارة، وهذا هو الراجح إن شاء الله تعالى.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى إلى أن الشمس تطهر المتنجس إذا زال أثر النجاسة بها، إذ أن المقصود هو الإزالة، وكذلك الريح تطهر المتنجس، ولكن مجرد اليبس ليس تطهيراً، بل لا بد أن يمضي عليه زمن تزول عين النجاسة منه.

ولذلك إذا وقعت النجاسة على ثوب، أو أرض ثم جفت فلا بد من غسلها، وأما السطوح المصقولة كالمرآة، والسكين، والرخام وبعض البلاط في زمننا هذا، فإنه يكفي دلكه حتى تزول النجاسة منه، فلو تنجست مرآة ثم دلكتها حتى أصبحت واضحة لا دنس فيها فإنها تطهر على الراجح، وزوال النجاسة بالدلك كذلك اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، وكذلك اختار أن النجاسة لو صارت رماداً، أو ملحاً فتحولت فإنها تطهر بهذه الاستحالة، وكذلك اختار ذلك تلميذه ابن القيم رحمه الله، كما في إعلام الموقعين.

وإذا كانت النجاسة مرئية فإنه يطهر المحل المتنجس بها بزوال عينها، ولو بغسل واحدة على الصحيح، ولو كانت النجاسة غليظة، ولا يشترط تكرار الغسل، فلو قال إنسان: كم غسلة نغسل، ثلاث، أو سبع؟ فنقول: لم يرد في الشرع تحديد لعدد مرات غسل النجاسات، فإذا زال بغسلة واحدة يكفي ذلك، وإذا احتاج الأمر إلى اثنتين غسلت اثنتين، وثلاث غسلت ثلاثاً، وهكذا، إلا نجاسة لعاب الكلب كما سيأتي.

فأنت تبقى على غسل النجاسة حتى يزول الطعم، واللون، والريح، فإن عسر زوال اللون، والريح كما يقع كثيراً، فإن عسر زوال اللون كما يقع كثيراً، كما في غسل الدم عن الثوب فإنه لا يضر ذلك، فاللون والريح إذا تعسر زوالهما فإنه لا بأس بترك ما بقي إذا تعسر، والدين مبني على رفع الحرج.

عباد الله: إذا أزيلت النجاسة بكل ما حولها من رطوبة ونحوه، كما لو اجتثت اجتثاثاً، وقلعت اقتلاعاً فإنه حين ذلك لا حاجة إلى غسله؛ لأن الذي تلوث بالنجاسة، قد أزيل كله، وإذا علم موضع النجاسة في الثوب مثلاً، فإن غسله غسل موضع النجاسة كافٍ، ولا حاجة إلى غسل الثوب كله، وإن خفيت فإن كان يمكن غسله كله غسل كله كالثوب، والبقعة الضيقة من الأرض، وإن كان المكان واسعاً، وخفيت النجاسة أو نسيت غسل على ما غلب على الظن، ويكفي ذلك.

وإذا طرأت النجاسة على أرض فإنه يشترط لطهارتها أن تزول عين النجاسة، ولو كان بغسلة واحدة كما تقدم، والدليل: أن الأعرابي لما بال في المسجد قال النبي ﷺ: أريقوا على بوله ذنوباً من ماء[رواه أحمد7255]. ولم يأمر بعدد، فأريق ذنوب واحد عليه، فإن كانت النجاسة على وجه الأرض، وما اتصل بها من الحيطان، والأحواض، والصخور، فتكفي غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة، وإن كانت النجاسة ذات جرم فإنه لا بد من إزالة عين النجاسة أولاً وجرمها، كما لو وقعت عذرة (الغائط) على مكان فإنها تقتلع أولاً ثم تتبع بالماء.

ويسأل عدد من الناس عن تنظيف سجّاد البيوت الملصوق بالغراء على أرض البيت، إذا وقعت عليه النجاسة، فكذلك ينشف المكان أولاً، تزال النجاسة من بول وغائط، تنشف النجاسة، وتزال وتقلع، وبعد ذلك نسكب ماءاً وننشفه، ونسكب وننشف، وهكذا حتى يزول اللون أو الرائحة، تزول النجاسة من ذلك المكان، وإذا أمكن اقتلاعه وغسله يغسل، وإلا فهذه هي الوسيلة.

وإذا أصاب الأرض ماء المطر أو السيول فغمرها وجرى عليها فكما لو صب عليها الماء تطهر، ولا تعتبر النية في ذلك.

أحكام المياه التي خالطتها نجاسات

00:14:04

عباد الله: إن النبي ﷺ قد بيّن أن الماء طهور لا ينجسه شيء، وأن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس، ومعنى ذلك أن الماء إذا لم يزل أحد أوصافه ويتغير بنجاسة فإنه باقٍ على طهارته، وخصوصاً إذا كان كثيراً كالقلتين، إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث[رواه ابن ماجه517]. وأما إذا حصل تغير في لونه أو طعمه أو ريحه، فإن تطهير المياه النجسة يكون بأشياء كصب الماء عليها ومكاثرتها بالماء حتى يزول التغير، أو نزح بعض الماء الذي فيه النجاسة حتى يزول التغير، ولو زال التغير بنفسه يعود الماء طهوراً.

وقد ذهب العلماء رحمهم الله إلى أن البئر إذا حصلت فيه نجاسة يكاثر بالماء، فيزاد عليه ويصب فيه حتى يزول أثر النجاسة، أو إذا نبع فيه الماء واستمر في النبع حتى زال أثر النجاسة عاد طهوراً جاز الوضوء منه.

وأما الغسالة التي يوسوس فيها كثير من الناس، الماء المنفصل عن الشيء المتنجس إذا غسل، إذا غسلنا ثوباً نجساً فانفصل الماء عنه، ما الغسالة، فإذا كان ماء الغسالة متغيراً بالنجاسة بلون أو طعم أو ريح فإنه نجس، أما لو نزل من الثوب ماء نظيف ليس فيه أثر للنجاسة فإن ماء الغسالة في هذه الحالة ماء طهور، فلا توسوس يا عبد الله، لا توسوس فيما انفصل عن البدن أو الثوب عند غسل النجاسة إذا كان لم يتغير بشيء.

وإذا وقعت النجاسة في شيء جامد كالسمن فإن النجاسة ترفع وما حولها، وهي تطرح، ويكون الباقي طاهراً، لقول ميمونة أن رسول الله ﷺ سئل عن فأرة سقطت في سمن فقال: ألقوها وما حولها، فاطرحوه وكلوا سمنكم[رواه البخاري235]. رواه البخاري رحمه الله.

وإذا وقعت النجاسة في مائع فإنه ينجس ولا يطهر عند جمهور الفقهاء، وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى عدم التفريق بين المائع والجامد، وأن الزيادة التي وردت في التفريق ضعيفة.

وأما ولوغ الكلب، فإذا ولغ الكلب بلسانه في إناء، أو لحسن ثوباً أو شيئاً، فطهارته بسبع غسلات أولاهن بالتراب؛ لحديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب[رواه مسلم279].رواه مسلم.

هذا يفيد كثيراً، فأما الكلب لو أمسك بفيه صيداً فإن ذلك مما عفي عنه شرعاً، هذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله، ولا يجب غسل ما أصاب فم الكلب عند صيده، وكذلك فإن النبي ﷺ قال: إذا ولغولم يقل: إذا عض، وهذه الأحكام تفيد الذين يستعملون الكلاب ككلب الزرع وكلب الصيد وكلب الماشية، والذين يستعملونها لشم المواد الضارة كالمخدرات لاكتشافها، وتتبع أثر المجرمين، ونحو ذلك.

أما كلاب البيوت، وكلاب الألعاب، وكلاب الذين يتشبهون بالكفار، وقد رأيناهم بأعيننا يمشون بالكلاب، كلاب تقود كلاباً، اصطحاب الكلاب للنزهة، فإن اتخاذ الكلاب هذا حرام ولا شك، ينقص من عمل صاحبه قراريط، وهو يداوم على اتخاذها، وهؤلاء لا من الله يستحيون، ولا من خلقه أيضاً، فهم على إزعاجهم قائمون مستمرون، يتخذون الكلاب في البيوت، وهناك وسائل كثيرة للأمن والحراسة، ومع ذلك يتخذونها وكثير منهم تشبه بالكفرة.

أما ولوغ الهر في الإناء فلا يضره؛ لأنه من الطوافين علينا، الذين يكثر تطوافهم، كما أخبر النبي ﷺ. 

وأما ما لا نفس له سائلة، ليس له جهاز دموي كامل فإنه لا ينجس بالموت، فلو وقعت الخنفساء أو العقرب أو البق أو البعوض أو الجراد أو الذباب في ماء وماتت فيه فإنه لا ينجس، وكذلك روث وبول ما أكل لحمه فروثه طاهر، كبول الإبل والبقر والغنم والغزلان والأرانب، وذرق الحمام، يقول بعض الناس: كنا نمشي إلى المسجد فأصابنا شيء مما سقط من الحمام، فنقول: هو طاهر، والنبي ﷺ أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها لما أصابتهم الحمى، وأذن النبيﷺ  في الصلاة في مرابض الغنم، مع أنها لا تخلو من بولها وروثها، والعفو عن يسير سائر النجاسات، قول مبني على قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍسورة الحـج78. وهو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام رحمه الله.

ويستدل أيضاً بأن الشريعة لا توجب إزالة الأثر الباقي بعد الاستجمار، ومعلوم أنه لو مسح دبره فلا بد أن يبقى أثر أو شيء، وربما حصلت له رطوبة أو عرق في المكان، فهذا كله لا يضر ولله الحمد. وكذلك أهل الحمير الذين يمارسونها، يشق عليهم التحرز من كل شيء.

أحكام المني، والمذي، والودي

00:20:07

أما إذا سألت يا عبد الله: عن أثر الجنابة في الثوب، وقلت: أصاب الثوب مني فماذا نفعل به؟ افعل به كما حدثت عائشة رضي الله عنها: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله ﷺ إذا كان يابساً وأغسله إذا كان رطباً، ولا فرق في ذلك بين مني الرجل والمرأة.

وأما مني الآدمي فالراجح أنه طاهر، ومنه خلق الأنبياء والأولياء وسائر الناس، والأصل في الأشياء الطهارة، وعائشة رضي الله عنها كانت تفرك اليابس من مني النبي ﷺ وتغسل الرطب منه، ولو كان نجساً ما اكتفت بذلك، وإنما وجب غسله حتى لو كان يابساً، ولكن لما اكتفت بالفرق علمنا أن المني طاهر، بخلاف دم الحيض مثلاً فإن النبي ﷺ قال: تحته ثم تقرصه بالماء[رواه البخاري227]. فإذا جف على ثوبها تحته، تفركه، تزيل أثره، ثم بعد ذلك تقرصه بالماء، يعني تغسله بالماء، ثم تنضحه ثم تصلي فيه.

وكذلك ريق الإنسان ومخاطة وعرقه، وبلغمه، ودمعه، ولعابه، كل ذلك طاهر، ورطوبة فرج المرأة وما يسيل عليها أثناء حملها الراجح أنه طاهر أيضاً.

أما المذي والودي فإن المذي سائل أبيض رقيق لزق يخرج عند الشهوة واللمس والنظر، بلا دفق، ولا شهوة أثناء خروجه، ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس الإنسان بخروجه، أما الودي فما أبيض كدر ثخين يشبه المني، ولا رائحة له بخلاف المني، وهو كدر بخلاف المني فإنه صافٍ، وهذا الودي يخرج عقيب البول من بعض الناس في بعض الحالات، أو عند حمل شيء ثقيل، فاتفق العلماء على نجاستهما، وقد جاء في حديث علي: كنت رجلاً مذاءً، فسأل النبي ﷺ بواسطة المقداد، فقال ﷺ: يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ[رواه أحمد1009]. ورواه البخاري ومسلم، وغسل الأنثيين عند أبي داود، والودي يخرج عقب البول فهو ملحق بالنجاسات، فإذاً هذه تغسل المذي والودي يغسل، بخلاف المني، وقد بينا الفرق بين هذه، فلا تلتبس عليك يا عبد الله.

ونجاسة المذي مخففة؛ لحديث سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناءً، وكنت أكثر منه الاغتسال، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ، فقال: إنما يجزئك من ذلك الوضوء، فقلت: يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه قد أصاب منه[رواه الترمذي115]. فإذاً لو نضحه كان ذلك كافياً عند بعض أهل العلم؛ لهذا الحديث.

أنواع الدماء وماهو الطاهر منها

00:23:28

وأما الدماء فإن العلماء قالوا: إن الدماء على ثلاثة أقسام:

دم نجس لا يعفى عن شيء منه، كدم الحيض وكالدم الخارج من السبيلين.

وثانياً دم نجس يعفى عن يسيره ضرب له جمهور العلماء مثلاً بدم الآدمي الذي يخرج من الجرح مثلاً، والقول القوي: أن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيلين؛ لأدلة كثيرة.

والثالث: الدم الطاهر، وهو دم السمك مثلاً؛ لأن ميتته طاهرة، والدم اليسير الذي لا يسيل، كدم البعوضة والبق والذباب عند قتلها مثلاً، فلو تلوث الثوب بشيء منه فهو طاهر لا يجب غسله، ويستدل لذلك بقوله ﷺ: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، ومعلوم أن غمسه يسبب قتله، ومع ذلك قال: فليطرحه[رواه البخاري5782]. ويطعمه بعد ذلك إذا أراد.

وكذلك الدم الذي يبقى في الشاة المذبوحة مثلاً بعد ذبحها وتذكيتها، والدم الموجود في العروق، والقلب، والطحال، والكبد، فكل هذا طاهر، قليله وكثيرة.

ودم الشهيد طاهر حتى عند من يقول من العلماء بنجاسة دم الآدمي، يقولون بطهارة دم الشهيد، وقد نهى النبي ﷺ عن غسل دمائهم، وأمر أن يزملوا بها؛ لأنهم يبعثون بها يوم القيامة، ولها رائحة كرائحة المسك، فيغسل الدم النجس حتى يزول، وإن بقي له أثر فلا يضره ذلك إذا اجتهد الإنسان في غسله.

وأما الخف إذا علقت به نجاسة فقد جاء في الحديث الصحيح إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذىً فليمسحه، وقد كان هناك تراب في تلك الأوقات، الشوارع متربة والطرقات متربة، وليصل فيهما[رواه أبو داود650].

وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إذا وطأ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور[رواه أبو داود385]. وفي لفظ: إذا وطأ الأذى بخفيه فطهوره التراب[رواه أبو داود386 ]. رواه أبو داود وابن خزيمة، وسنده حسن.

فإن قلت: فما بال بول الغلام والجارية، الأطفال الصغار من الذكور والإناث، فاعلم رحمك الله أنه يجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم الطعام، لم يأكل الطعام بشهوة، ولا إرادة منه، وإنما لا يزال على رضاع أمه، فإن بوله نجاسته نجاسة مخففة، ولو كان يلعق العسل أو الشيء اليسير؛ لحديث أم قيس بنت محصن، أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله ﷺ، فأجلسه رسول الله ﷺفي حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله، وقال ﷺ: ينضح بول الغلام، ويغسل بول الجارية[رواه الترمذي610]. فبول الغلام إذا أصاب ثوبك يكفي أن ترشه بالماء، وبول الجارية، البنت الصغيرة لا يجزئه إلا الغسل.

وكذلك يسأل بعض الناس عن آنية الكفار وملابسهم، فاعلموا أن هذه الاعيان الأصل فيها الطهارة، فإنها طاهرة ما دمنا لا نعلم فيها نجاسة، واستثنى العلماء السراويل التي تلتصق بأجسامهم؛ لأنهم أناس لا يتوقون النجاسات، فلا تستخدم إلا بعد غسلها، وأما الآنية فإنه يكره استخدامها لحديث أبي ثعلبة الخشني قال: قلت يا رسول الله إنا بأرض أهل الكتاب ونأكل في آنيتهم، قال: لا تأكلوا في آنيتهم إلا أن لا تجدوا بداً، فإن لم تجدوا بداً فاغسلوها وكلوا فيها[رواه البخاري5496].

فهذه الأواني أواني الكفار تغسل قبل استخدامها، والملابس التي عليهم إذا كانت خارجية فإنه لا بأس باستعمالها.

ومن الأدلة على أن الأصل الطهارة في أواني الكفار أن النبي ﷺتوضأ من مزادة امرأة مشركة.

وأما المصبوغ بنجاسة فإنه لا يطهر بغسله، وذهب بعض أهل العلم إلا أنه يطهر بغسله وإن بقي لونه، وأن اللحوم المطبوخة بالنجاسات، كما يفعل بعض الكفار في الطبخ بدهن الخنزير، أو يخلطون الخمر معه، فقد ذهب عدد من أهل العلم إلى أنه لا سبيل إلى تطهيرها، وقال بعضهم: تغلى وتغلى، ويسكب عليها الماء الطهور وتغلى، إلى أن يخرج منها كل شيء.

والنجاسة يا عباد الله: إذا لم تخرج خارج الإنسان فلا حكم لها، فلا يكلف الإنسان بغسل ما بداخله من النجاسة ما دامت لم تخرج، ولو أحس بانتقال شيء من البول ولم يخرج خارج الذكر فلا غسل، ولا وجوب لإزالة النجاسة، وكل آدمي داخله نجاسة، ألم يقل القائل: أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وفيما بين ذلك بول وعذرة. ففي داخل كل إنسان نجاسات، لكن لا يكلف بها إلا إذا خرجت، وهذا علاج ناجع للوسوسة والموسوسين، الذين يحاولون إدخال الأشياء لإخراج النجاسات أو غسلها ونحو ذلك، وهذا تنطع لم يأت في دين الله تعالى.

هذه أيها الإخوان طائفة من أحكام النجاسات، نسأل الله أن يوفقنا لتطهير قلوبنا، وتطهير أبداننا وثيابنا من سائر النجاسات، نسأل الله أن يرزقنا الفقه في دينه، واتباع سنة نبيه ﷺ.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

وأفسحوا لإخوانكم يفسح الله لكم.

الخطبة الثانية

00:29:48

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، شرع لنا هذه الشريعة، وأنزل علينا الكتاب، وأرسل إلينا رسوله ﷺ، أشهد أنه رسول الله، وحجة الله على خلقه، علمنا فأحسن تعليمنا، وأدبنا فأحسن تأديبنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى آله وذريته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الوسوسة في العبادات

00:30:23

عباد الله: إن ما ذكرنا من قضية الاهتمام بغسل النجاسات لا يصح أن يدفع أبداً إلى الوقوع في الوسوسة، التي مرض بها كثير من الناس، حتى صار الواحد منهم يغسل ويفرك ويتأكد من وصول الماء إلى بدنه، ثم يشك بعد ذكر أنه تطهر، وربما مكث الساعات الطوال في دورة المياه، والحمامات، والمراحيض، وربما فاتته تكبيرة الإحرام، أو فاتته صلاة الجماعة، وأحياناً فاتته الصلاة كلها، ولبعضهم أفعال كأفعال المجانين، لا يمكن أن نصدق أنهم عقلاء، وهم يقومون بها.

إن ما ذكرنا من قضية الاهتمام بغسل النجاسات لا يصح أن يدفع أبداً إلى الوقوع في الوسوسة، التي مرض بها كثير من الناس، حتى صار الواحد منهم يغسل ويفرك ويتأكد من وصول الماء إلى بدنه، ثم يشك بعد ذكر أنه تطهر، وربما مكث الساعات الطوال في دورة المياه، والحمامات، والمراحيض، وربما فاتته تكبيرة الإحرام، أو فاتته صلاة الجماعة، وأحياناً فاتته الصلاة كلها، ولبعضهم أفعال كأفعال المجانين، لا يمكن أن نصدق أنهم عقلاء، وهم يقومون بها.

واعلموا أن الشريعة قد جاءت بالأدلة البينة على وجوب الطهارة، كما قال ﷺ: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً[رواه مسلم362].رواه مسلم.

فإذاً لا تجوز الوسوسة بحال، وهي اتباع للشيطان، ولعلاجها نهينا عن البول في المستحم، في المكان الذي نغتسل فيه؛ لأجل قطع الوسوسة، وكذلك أرشدنا إلى نضح ما أمام مكان خروج النجاسة بالماء ورشه حتى إذا أحس الإنسان ببلل قال: هذا من الماء الذي رششته قبل قليل.

وكذلك فإنه ينهى عن الإسراف في استخدام الماء، الذي هو شعار الموسوسين "الإسراف في استخدام المياه"، قال محمد بن عجلان رحمه الله: "الفقه في دين الله إسباغ الوضوء، وقلة إهراق الماء".

وقال الإمام أحمد: "كان يقال: من قلة فقه الرجل ولعه بالماء".

واعلم يا عبد الله: أن الوسوسة داء لا علاج له إلا بإهماله وقطعه:

إن التنطع داء لا دواء له إلا بتركك إياه برمته

واعلم أن ما يفعله البعض من الإجراءات العجيبة لأجل الطهارة من البول بزعمهم، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، قال: "يفعلون بعد البول عشرة أشياء السلت والنتر والنحنحة والمشي والقفز والحبل والتفقد والوجور والحشو والعصابة والدرجة، فأما السلت يعصر الذكر ليخرج منه البول، والنتر نفضه ليخرج ما بداخله بزعمهم بعد الاستنجاء، والنحنحة لإخراج الفضلة، والقفز بالارتفاع عن الأرض ثم الجلوس فجأة وبسرعة، والحبل يتخذه بعضهم يتعلق به حتى يكاد يرتفع ثم يتخرط فيه حتى يقعد، والتفقد النظر في المخرج هل بقي فيه شيء أم لا، والوجور أن يفتح الثقب ويصب الماء فيه، والحشو أن يدخل قطناً ونحوه، والعصابة أن يعصبه بخرقة لئلا يخرج منه شيء، والدرجة أن يصعد في السلم قليلاً ثم ينزل بسرعة". فهذا هراء، ومن استدراج إبليس، ولا شك أنه فعل المجانين، والشريعة لم تأمر بذلك. قال شيخ الإسلام: "وذلك كله وسواس وبدعة"، فأنت تغسل ما خرج فقط.

عباد الله: إذا وطأ على شيء، على نجاسة جافة وهو جاف فإنه لا ينجس شيء، جاف على جاف، طاهر بلا خلاف، فانظر كم من الناس يوسوسون، وينشغلون بهذا.

النجاسات المعنوية

00:34:22

ثم اعلموا رحمكم الله أننا وقد تكلمنا عن هذه النجاسات الحسية، أن الكلام يذكرنا بالنجاسات المعنوية التي في بعضها أسوأ وأشد من النجاسات الحسية، فمثلاً الكفار نجس، قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَاسورة التوبة28. فهل عندما تقابل كافراً يا عبد الله تحس باشمئزاز لنجاسته، لنجاسته في شركه؛ لأنه جاحد لله، لأنه مشرك مع الله، لأنه مستهزئ بالله، لأنه تارك لكل ما فرض الله؟ وهل يكون اشمئزازك من الكافر أشد من اشمئزازك من البول والغائط؟ لا يلزم أن تظهر له ذلك خصوصاً إذا كنت في مقام الدعوة، ولكن هل تشعر يا أيها الموظفون المخالطون للكفار، هل تشعرون بالاشمئزاز منهم عند رؤيتهم أشد من اشمئزازكم من العذرة والبول؟ وقال الله: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌسورة التوبة28. يعني لما حرم دخول الكفار إلى الحرم قال بعض المسلمين: ذهبت التجارات، خسرنا أمولاً، ستكسد أسواقنا لأن الرواد سيقلون، كما يقول الآن عدد من الناس في بعض البلدان، بلدان المسلمين، إذا قال لهم بعضهم: امنعوا السائحين من الكفار من دخول مساجدكم وأماكنكم، وفيهم قذر وأمراض، قالوا: هذا ينقص الدخل القوي، والله يقول: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةًسورة التوبة28. يعني: فقراً أو نقصاً في الدخل فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِه، وقد أغنى الله الصحابة لما اتقوا الله بأموال الجزية أضعاف أضعاف ما كان يأتيهم من أموال الكفار إذا دخلوا الحرم، وقال الله في المنافقين:سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَسورة التوبة95. خبثاء أنجاس البواطن والمعتقدات.

وقال الله : وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَسورة التوبة125. لقد كان هذا الشعور عند المسلم في العصر الأول شعوراً عظيماً، عندما قدم أبو سفيان قبل أن يسلم، وكان كافراً، قدم المدينة يريد أن يمدد العهد، عهد الحديبية، دخل على ابنته أم حبيبة وهي رملة بنت أبي سفيان زوج النبي ﷺ، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله ﷺ، وهو عندها، أبوها يريد أن يجلس على فراش زوجها، طوته عنه، فقال: يا بنيه، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟ أنا أقل من الفراش فطويتيه عني، أم الفراش أقلم من مستواي فطويتيه عني؟ قالت: "بل هو فراش رسول الله ﷺ، وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله ﷺ". تقول لأبيها: أنت رجل مشرك نجس. هكذا كان شعورهم، ومن كان هذا شعوره كيف يقلد الكافر؟ كيف يحب الكافر؟ كيف يتأثر بالكافر؟! ولكن خذ الآن ماذا يفعلون، وانظر إليهم ماذا يفعلون؛ لأنهم لا يشعرون أن الكفار نجس، ولذلك يحبونهم ويقلدونهم، وقصة رملة عند أبي إسحاق بإسناد حسن.

ومن الأمور أيضاً نجاسة الميسر والأوثان، وسائر المعاصي، سائر المعاصي نجس، فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِسورة الحـج30. نجاسة المعاصي والآثام، قال بعض السلف: لو كان للذنوب رائحة ما طاق الجلوس إلي منكم أحد. هذا يقوله بتواضعه.

فالذنوب لو كان لها رائحة ماذا يكون حالنا نحن، لو كان للذنوب رائحة كرائحة العذرة، كرائحة النجاسة التي تخرج من الدبر ماذا يكون حالنا نحن؟ وكيف تكون روائحنا أيها المسلمون، إن بعض الناس قطعاً متلطخ بالآثام والأوزار ما يكون أشد من تطلخ إنسان بالبول والعذرة من رأسه إلى أخمس قدميه.

قاذورات، ولكن من الذي يحسب القاذورات هذه، القاذورات المعنوية، الناس يتخلصون من القاذورات الحسية، وبعضهم لا يتخلص حتى من القاذورات الحسية، فيعملون هذه الأماكن لقضاء الحاجة المعلقة على الجدران، يبول ثم يرفع الثوب والبنطلون كما يفعل الكافر، وهؤلاء يضعون أماكن قضاء الحاجة والشطاف بجانبه، وتعجب معي كيف ينتقل من كرسي قضاء الحاجة إلى الشطاف، كيف ينتقل؟ حتى الفرنجة في أماكن قضاء الحاجة، فعلناها كما فعلوها.

فالشاهد أيها المسلمون وجوب النظافة من القذارات الحسية والمعنوية، وجوب النظافة من النجاسات الحسية والمعنوية، الكذب، النظر الحرام، شهادة الزور، أكل المال الحرام، ونحو ذلك من القاذورات، كم يا ترى على آكل الربا من القاذورات وهو لا يشعر؟ نسأل الله السلامة والعافية.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن أعنتهم على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا ممن أصلحت بواطنهم وظواهرهم، اللهم اجعلنا من المتطهرين، واجعلنا من عبادك المخلصين، انصر المجاهدين، واقمع أعداء الدين، واجعلنا في بلداننا آمنين يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الأمن في الأوطان والدور، والإرشاد للأئمة وولاة الأمور، والمغفرة لنا يا عزيز يا غفور.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري216
2 - رواه أحمد7194
3 - رواه البيهقي1556
4 - رواه أحمد7255
5 - رواه أحمد12709
6 - رواه البخاري227، ومسلم291
7 - رواه مسلم366
8 - رواه أحمد7255
9 - رواه ابن ماجه517
10 - رواه البخاري235
11 - رواه مسلم279
12 - رواه البخاري227
13 - رواه أحمد1009
14 - رواه الترمذي115
15 - رواه البخاري5782
16 - رواه أبو داود650
17 - رواه أبو داود385
18 - رواه أبو داود386
19 - رواه الترمذي610
20 - رواه البخاري5496
21 - رواه مسلم362